الفنتازيا السحرية في رواية دون كيشوت ااروائي ميغيل دي ثربانتس

عبد الجبار نوري
كاتب

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

الفنتازيا السحرية في رواية " دونكيشوت " للروائي الأسباني ميغيل دي ثربانتس !؟
عبدالجبارنوري
روائع الأدب العالمي أربع
-" الألياذة " لهوميروس والصفة السائدة فيها البطولة
- "الكوميديا الألهية " لدانتي والصفة السائدة فيها القداسة
- و" دون كيخوته " لثربانتس والصفة السائدة فيها التهكم
- " فاوست " لجيته وصفتها السائدة الأنسنة
نشر المؤلف دي سيرفانتس روايته الشهيرة على جزأين، الجزأ الأول في عام 1605 والجزأ الثاني في عام 1615 .
وفي سنة 1965قام عالم الدراسات الأسبانية ( عبدالرحمن بدوي ) من ترجمة الرواية إلى العربية وكانت ترجمة بدوي كلاسيكية إلى حد ما إلأ إنها كانت أكثر قراءة حتى ظهور الترجمة الأكثر جدارة ودقة ونقاوة بالمترجمين سليمان العطار من القاهرة سنة 2002 ورفعت عطفة من دمشق سنة 2004 –
وتدور أحداث الرواية حول شخصية ( ألونسو كيخانو) رجل نبيل بعمر الخمسين يقيم في قرية لامانتشا من دولة أسبانيا ، كان مولعاً بقراءة كتب الفروسية الشهامة بشكل مغالى به ومتطرف مصدقا بكل كلمة من هذه الكتب على الرغم من أحداثها الغير واقعية ، فقد ألونسو (عقله) من قلة النوم والطعام وأستمرارية القراءِة ليل نهار ، وقرر أن يترك منزلهُ وعاداته وتقاليده ويشد الرحال كفارس شهم يبحث عن مغامرة تنتظرهُ ، وبتأثير خياله الفياض ( تقمص ) شخصنة هيئة الفارس القديم الشهم صاحب المروءة والذي يكون دوما مستعدا لأقتحام المشاكل الأجتماعِية ، أخذ يتجول في البلاد وعلى حصانه الهزيل حاملا درعاً قديما وخوذة صدئة ثقيلة و سيفا خشبيا ، يبدو من روحه المرهفة أن لا يريد قتل أحد أو أيذاء أحد بيد أنه يريد أقناع نفسهِ وهل أنه بهيئة تتناسب مع عصر الفرسان وأقنع جارهُ البسيط ( سانشوبانتا ) بمرافقته ليكون حاملا للدرع ومرافقا لهُ مقابل تعينه حاكما على جزيرة وبدوره صدق لسذاجته ، كما يظهر كيخوتي في روايته دون كيشوت جارته الفتاة (ماريا دي ماسنتا ) بدون علمها تقوم بدور السيدة النبيلة .
الفلسفة الدون كيشوتية
-الدون كيشوتية مشتقة من شخصية دون كيشوت تشير إلى النزعة الصدامية لمحاربة الأعداء المتخيلين أو تحدي الظروف المستحيلة غالبا بطريقة ساذجة أو غير واقعية ، تتميز هذه الرغبة في تحقيق مثل عليا والتمسك بالقيم النبيلة حتى لو كانت هذه المثل والقيم تتعارض مع الواقع وحتى أن تثير الضحك ، من أشهر معاركه مع طواحين الهواء العملاقة عندما شاهدها أوحى له خياله إنها أعداء بهيئة شياطين شريرة لها أذرع طويلة وأنطلق لمحاربتها بحماس شديد فجاءت النتيجة أن تكسرت عظامه ، والمعركة الثانية أن رأى غبارا فوق قطيع من الأغنام حتى صور لهُ خياله المريض بالوهم إنها جماعة من الأعداء فأنطلق لمقاتلتهم فكانت النتيجة أن قتل عددا من الأغنام فهجم عليه الرعاة ضربا بالعصي .
- أن ( تماهي ) الرواية واضحا في أبراز الملامح العربية والأسلامية الأندلوسية على شخوص الرواية وخاصة عندما تكون جغرافية أرضية الرواية مدينة بلد الوليد وغرناطة وطليطلة مثل رواية سيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد والظاهر ببرس

- كان الدافع الحقيقي للروائي الأسباني اللبيب " ميغيل دي ثربانتس" السخرية من واقع الفروسية للقرن 16 وتشويه سمعة الفروسية وكان هدفه أن يجعل الناس يكرهون القصص الخيالية المفتعلة التي ترويها كتب الفروسية التي تشتهر بالكذب حيث يعوزها الصدق الأ دبي وخالية من الحقيقة التأريخية .
- محاربة الفساد والدفاع عن المظلومبن والسعي لتحقيق السلام
- التمرد على الواقع والسير بنهج المثالية المبالغ بها
وترقى الرواية – حسب منظور الأدب المقارن – إلى منظومة الأسطورة
ليس غريباً أن نرى اليوم في زمن التكنلوجيا الرقمية الفائقة السرعة وبكل فضاءاتها الثقافية والعلمية وبأغلب جامعات العالم تحتوي على قسم " علم الأساطير " mythology ، وربما تراها شاخصة في متحف اللوفر فرنسا أو متاحف دول الغرب مثل حضارات : الخلق البابلي والفرعوني والأغريقي والروماني والفينيقي والهندوسي والفارسي .
الاسطورة هي ظاهرة سوسيولوجية من صنع الانسان تكتب على الورق بفنتازية خيالية مجتمعبة بتوليفة رؤى ثرة وثرية من خيالات الشعوب وأحاسيسها وعواطفها وتأملاتها القابلة للجدل عبر حقب تأريخية يأخذ الأنسان الدور القيادي المحوري فيها كالحياة والموت والدين والآلهة وأنصاف الآلهة والكون وغيبيات اليوم الآخرة ، والأسطورة ليست بالضرورة أن تكون كاذبة ضمن الأطار العلمي لأن كلمة الأسطورة تعني حكاية مقدسة عن الدين والآلهة .
وكما تبين لي من خلال رغبتي وشوقي لكشف المزيد عن هذا الموضوع وجدتُ :
أن الأساطير حضارة والحضارة أساطير ، ولا توجد حضارة مؤرخنة زمكنتها دون أساطير مخالفة للعقل البشري فالمجنون يعتبرها حقيقة والعاقل يعتبرها وسيلة للتسلية والعبرة ، وهنا يدخل على الخط الفيلسوف البريطاني برنت راند رسل قائلا :
{--- يلومون الأديان أنها مليئة بالأساطير ، وماذا تكون الدنيا بلا أساطير ؟ أعطوني حضارة دون أساطير ! إن الأنسان نفسهُ أسطوري بالفطرة ، قيل إن الأنسان حيوان عاقل ، أبحث طيلة حياتي عن أدلة يمكنها تأكيد ذلك} أنتهى
الأساطير والتأريخ توأمان أحدهما رديف للأخركما الكيمياء والسحروجهان لعملة واحدة ، ومن خلال تراتيبية أرخنة حقبات التأريخ البشري على كوكب الأرض الجميل تترى الكم المثير للأهتمام والتأمل !؟
أساطير الخلق البابلية وملحمة كلكامش التي تعود للألفية الثانية قبل الميلاد ، وأكتشفتَ آثارها ولقاها وكنوزها سنة 1875 وبرزت أسماء مشهورة للآلهة البابلية مثل ( أبسو ومردوخ وتيمات ) وحكاية الخلق لم تنضج وتظهر للوضوح إلا بعد دخول الآلهة في صراعات مريرة وصعبة يكون المنتصر فيها القوة الجبارة الخارقة وأن تكون آلهة وليست أنصاف آلهة .
أساطير الحقبة الفرعونية : ظهرت في وادي النيل حسب التراتيبية التأريخية أسطورة خلق الكون وأسطوزة أوزيريس وأسطورة إيزيس ، وأكدت هذه الأساطير ا لدينية توحيد الآلهة بعبادة ( قرص الشمس ) والأعتقاد بالحياة الأخرى ، لذا وُجدت آثار بضع قبضات من سنابل الحنطة مع مومياء أحد ملوك الفراعنة لتكون مؤونة له بعد بث الحياة فيه .
ماذا تعني الأساطير للأنسان ؟
أن البشرية منذ الأزل بحاجة ماسة للأساطيرلتفسير ماهية الحياة وصيرورتها الغامضة والصعبة لذا تستنجد بالفنتازيا الخيالية لآقناع ذاتها المتعبة الملوثة بالأرهاصات الجدلية في تفسير الظواهرالحياتية والكونية الخسوف الكسوف الزلازل البراكين الدين الموت الألهة ، فالفوبيا من ماهية الحياة تلازمه بأستمرار وحتى العصرنة الحداثوية ولأجل الوصول إلى البعض من الحلول أخذ يلجأ إلى (الخيال) الذي يكمن وراء الكثير من الأختراعات بحيث أصبح المصدر الأساسي لجميع الأكتشافات في العالم .
نماذج (مؤرخنة ) للميثيولوجية والأساطيرفي حضارات الشعوب :

-الفنتازيا في أدب الرحلات – في رسالتي (الملهاة) لدانتي الأيطالي ورسالة (الغفران) لأبي العلاء المعري : إن الرسالتين من وحي علم الأساطيربهدف خصوبة وثراء فكرة الرسالتين في التنافس ألأنساني المشروع في الوصول إلى تحديث التراث الثقافي العربي والأطلاع على حضارة الغرب الأوربي ومدى التلاقح الفكري والثقافي بين الحضارتين ، وغدت الفكرة مرغوبة لدى المفكرين وكتاب القصة بالركون إلى الفنتازيا السحرية الخيالية التي تجلب الأهتمام وتأسر المتلقي بشكل طوعي لا قسري ، ففي الرسالتين للمعري ودانتي يسير السرد القصصي بسلاسة وأبداع وشوق ، وإن هاتين الجوهرتين النفيستين تعتبران من أبدع روائع الأدب العالمي من خلال أطلاق أعنة الخيال الأفتراضي للبحث عن المدينة الفاضلة والأنسان المصلح النموذجي .
وأخيرا ليس آخراً وهل يغيب القمر في لجوء المكتبة العربية والعالمية إلى العالم الأفتراضي الأسطوري : نماذج
-الحبكة السحرية الفنتازية في رواية المعجزة الأدبية " إزابيلا أللندي " وروايتها السحرية ( بيت الأرواح ) والتي عبر عنها الروائي الكولومبي المشهور : غابريل غاريسيا صاحب رواية (مئة عام من العزلة ) والتي هي الأخرى من النمط الفنتازي الخيالي السحري : تقمصت أليندي الواقعية السحرية بتوليفة الحبكة السردية مع الأسطورة لملحمة عائلية ترقى إلى ما يعرف بالأدب الملحمي .
- نقرأ للمتنبي الأسطورة والرمزية في شعر الفخر فيها من المبالغة ما لا يصدقه العاقل وهو يقول :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعتُ كلماتي من به صممُ
- نقرأ الأسطورة والرمزية التصويرية في شعر ( السياب ) بالأستعانة بالميثيولوجية بتوليفة حبكة سحرية مع الأشارات التأريخية ، وهذا مقطع من قصيدته الملحمية مطر مطر والتي ترقى لأيقونة سامقة ضمن الأرث الثقافي العراقي والعربي حينها تمييز عند أدباء العصرنة الحداثوية ضمن دراسة ( الأدب المقارن ) للمقاربات الفكرية الجلية الواضحة بين شعر السياب وأليوت وأبي تمام :
قصيدة مطر مطر ( بعض أباياتها )
عيناك ِغابتا نخيل ساعة السحرْ
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
كاتب وناقد أدب عراقي مقيم في السويد
تموز 2025

#عبد_الجبار_نوري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل