محمد سعد خير الله
محمد سعد خيرالله عضو رابطة القلم السويدية
(Mohaemd Saad Khiralla)
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 04:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وسط مشهد دموي في الشرق الأوسط وحروب لا تتوقف، جاء يوم العاشر من يوليو 2025 ليكشف بوضوح كيف انزلقت المؤسستان الدينيتان الرسميتان في مصر، الأزهر ودار الإفتاء المصرية، إلى خطاب تكفيري صريح يمكن وصفه بـ*"الداعشية المؤسسية"*. فقد صدرت في اليوم نفسه بيانان رسميان يحملان عبارات شديدة التطرف ضد مجموعة من أئمة أوروبا الذين زاروا إسرائيل مؤخرًا، في خطوة تعكس وجود تنسيق مشترك على أعلى مستوى تم هندسته وإقراره من قبل النظام المصري، الذي يُصنَّف باعتباره نظامًا سلطويًا عسكريًا من أسوأ الأنظمة الحاكمة في العالم.
هذا المشهد نسف تمامًا أسطورة "استقلالية المؤسسات الدينية" في مصر، التي طالما رددها أبواق النظام وكأنها حقيقة راسخة. وفي واقع الأمر، لا وجود لما يُسمى استقلالية في دولة عسكرية، بل إن أسلمة الدولة ودعشنتها تتم برعاية مباشرة من مندوب النظام العسكري داخل القصر الرئاسي، وهو ما تؤكده نصوص دستورية مثل المادة (200) المعدلة عام 2019، التي جعلت القوات المسلحة" مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب،" وهو ما يعني نصًا أن هذه المادة تشرعن "الانقلاب الدستوري" على أي رئيس بحجج مطاطة وواهية، بما يعني أن الرئيس المصري "ممثل للنظام العسكري داخل قصر الاتحادية".
بيان الأزهر: تكفير ضمني وتحريض صريح
جاء بيان الأزهر بلغة حادة متطرفة ، حيث أعرب عن "استنكاره الشديد" لزيارة الأئمة الأوروبيين إلى "الكيان الصهيوني" وفق وصفه، إذ لا يذكر إسرائيل صراحة في أي من بياناته واعتبر أن هؤلاء الأئمة:
"لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين"، في صيغة إقصاء واضحة تؤكد أنهم لا يحملون أي رسالة دينية حقيقية في التضامن مع المستضعفين.
وصفهم الأزهر بأنهم "فئة ضالة"، وهي عبارة تكفيرية صريحة تضعهم في خانة الانحراف العقائدي، محذرًا المسلمين في الشرق والغرب من الانخداع بهم.
أشار البيان إلى أنهم "مأجورون مفرطون في قيمهم الأخلاقية والدينية"، وأن تاريخهم سينتهي في "صفحات التاريخ السوداء".
ختم الأزهر بيانه بتحميلهم مسؤولية دينية وأخلاقية، ونعَتهم بـ*"المنافقين الآكلين على موائد الخزي والعار والمهانة، حتى وإن صلوا صلاة المسلمين وزعموا أنهم أئمة ودعاة"*.
هذه العبارات، التي تعمدت وصفهم بـ"المنافقين" و"الفئة الضالة"، تحمل ملامح الفتاوى التكفيرية الكلاسيكية، وتعيد للأذهان أدبيات الخوارج والجماعات المتطرفة التي تُخرج المخالف من دائرة الإسلام تحت ذرائع سياسية أو أيديولوجية.
بيان دار الإفتاء: لغة اتهامية وصور داعشية
أما بيان دار الإفتاء، الذي وقّعه المفتي الحالي أ.د نظير محمد عياد، فجاء متماهيًا في النبرة والمضمون مع بيان الأزهر، إذ وصف زيارة هؤلاء الأئمة إلى إسرائيل بأنها "زيارة منكرة"، وأكد الآتي:
هؤلاء الأئمة "باعوا ضمائرهم بثمن بخس، وتوشحوا برداء الدين زورًا وبهتانًا"، وهي صيغة تشكيك في إيمانهم ونواياهم لا تختلف عن خطاب الجماعات المتطرفة.
اعتبر المفتي أن ما جرى "مشهد شائن يروج لسلام زائف وحوار ملطخ بدماء الأبرياء"، مؤكدًا أنهم ليسوا سوى "عمائم مزيفة تُستخدم لتجميل وجه كيان دموي غاصب"، في اتهام مباشر لهم بالخيانة والتآمر السياسي.
ختم المفتي بيانه بتجريم واضح لكل من يسعى للحوار مع إسرائيل "يصفها بالكيان"، واعتبر ذلك محاولة لصناعة"واجهة إسلامية مخادعة تخدم أهداف التطبيع وتزيّف الوعي".
هذا الخطاب، الذي يصوّر زيارة رجال دين للحوار بأنها "مشهد شائن" و"خيانة"، يحوّل هؤلاء الأئمة إلى خصوم دينيين في أعين ملايين المسلمين، ويمنح شرعية ضمنية لأي أعمال عدائية قد تُمارس ضدهم.
إبراز مصطلح "الفئة الضالة": تكفير مغلف بفتوى رسمية
ما يستحق التوقف عنده تحديدًا في بيان الأزهر هو استخدامه لعبارة "الفئة الضالة"، إذ جاء نصًا:
"ويؤكد الأزهر أن هذه الفئة الضالة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين ولا الرسالة التي يحملها علماء الدين والدعاة والأئمة في التضامن مع المستضعفين والمظلومين."
هذا الوصف ليس مجرد سُبة سياسية، بل مصطلح ديني له حمولة فقهية ثقيلة في التراث الإسلامي، استُخدم تاريخيًا لوصف الخوارج والمرتدين، ويُفهم ضمنيًا في سياق تكفيري يسمح باستحلال الدماء عند المتشددين.
سقوط قناع "وسطية الأزهر" بعد السابع من أكتوبر
لطالما صدّر الأزهر نفسه للعالم بوصفه "مرجعية الوسطية الإسلامية"، وادعى أنه يعمل على "تقريب المسافات" بين الشعوب والأديان. لكن منذ السابع من أكتوبر 2023، سقط هذا القناع تمامًا.
فقد أصدر الأزهر عشرات البيانات التي باركت عمليًا هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل، واصفًا إياه بـ"المقاومة المشروعة"، متجاهلًا جرائم القتل العمد ضد المدنيين. وخرج شيخ الأزهر أحمد الطيب في تصريحات علنية يثني فيها على "بسالة رجال المقاومة في غزة" و"شرف الجهاد ضد المحتل"، في خطاب لا يختلف عن بيانات حركة حماس أو حزب الله أو حتى منابر الملالي في طهران، بل وصل به الأمر إلى حد دعم إيران رسميًا في حرب الاثني عشر يومًا مع إسرائيل.
بهذا الموقف، انتقل الأزهر من كونه مؤسسة دينية تقليدية إلى ذراع أيديولوجية للنظام العسكري، يزايد في تبني خطاب العنف لتأكيد شرعيته الداخلية أمام تيارات الإسلام السياسي.
خطورة البيانات كسند شرعي لشرعنة الإرهاب
تكمن الخطورة الكبرى في أن هذه البيانات ليست مجرد مواقف سياسية، بل سند شرعي وفقهي يُنظر إليه على أنه فتوى رسمية صادرة عن أعلى مرجعيتين دينيتين في مصر.
النصوص التي يتكئ عليها المتطرفون
عندما تصف مؤسسة بحجم الأزهر مجموعة من رجال الدين بـ"الفئة الضالة"، فهي عمليًا تُدخلهم ضمن النصوص الآتية التي يستشهد بها المتطرفون:
1. "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ" (التوبة:73) وقد وصفهم البيان بأنهم "منافقون"، ما يفتح الباب أمام تأويل مشروعية قتالهم.
2. حديث النبي عن الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
3. حديث "من بدل دينه فاقتلوه" (رواه البخاري) الذي يستخدمه المتطرفون ضد كل من يتهمونه بـ"الخيانة الدينية".
هذه النصوص وغيرها الكثير جدا حين توضع بجانب وصف رسمي صادر عن الأزهر أو الإفتاء، تتحول إلى رصاصة موقوتة في يد أي متطرف يعتقد أنه ينفذ "حكم الشرع".
ازدواجية صارخة ومعاهدة سلام منسية
ولا يمكن تجاهل المفارقة المضحكة المبكية: مصر دولة وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل منذ 46 عامًا، وبرعاية أمريكية، لكن مؤسساتها الدينية الرسمية تتحدث وكأن هذه المعاهدة لم تكن موجودة أصلًا. هذا التناقض الصارخ يجعل خطاب الأزهر ودار الإفتاء أقرب في جوهره إلى خطاب داعش وحماس من كونه خطاب دولة تحترم التزاماتها الدولية.
خاتمة: داعشية مؤسسية برعاية العسكر ونداء للإنسانية
ما حدث في العاشر من يوليو لم يكن حادثة معزولة، بل هو تتويج لمسار طويل من أسلمة الدولة ودعشنتها برعاية مباشرة من النظام العسكري المصري. هذه البيانات لم تصدر من فراغ، بل تمثل توجها متعمدًا لتغذية المشاعر الدينية وتحويلها إلى أداة سياسية، يبرر بها النظام نفسه أمام الداخل، ويقدم أوراق اعتماده للجماعات الإسلامية بأنه حامي حمى "الإسلام السياسي".
إن وصف الأزهر لرجال دين أوروبيين بأنهم "فئة ضالة"، وتحريض دار الإفتاء ضد الحوار مع إسرائيل، ليس مجرد لغو ديني، بل تفويض مفتوح للمتطرفين لاستهداف كل صوت يدعو إلى السلام. وهنا يكمن الخطر الحقيقي: داعشية مؤسسية ممهورة بخاتم رسمي، أخطر من داعش ذاتها لأنها تحمل صفة الشرعية الدولية بغطاء دولة عضو في الأمم المتحدة.
منذ قرابة عقد من الزمان، طالب الكاتب والمفكر المصري
" سيد القمني الذي رحل في 6 فبراير 2022 "بتصنيف الأزهر منظمة إرهابية، وقاد حملة توقيعات لتقديمها إلى الأمم المتحدة لدعم الطلب عبر موقع "آفاز" الشهير لجمع التوقيعات.
واليوم، أجد نفسي أكرر صرخته وأرفعها إلى أعلى مستوى، مطالبًا وبأعلى صوت وبكل وضوح مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأوروبي، ووزارة الخارجية الأمريكية، والبرلمان الأوروبي، وجميع المنظمات الدولية ذات الصلة، بوجوب وحتمية وضرورة إدراج الأزهر رسميًا ضمن قوائم الإرهاب الدولية. ليس فقط حمايةً للمجتمعات المسلمة من التحريض الرسمي المغلف بغطاء الشرعية الدينية، بل حمايةً للإنسانية ذاتها من أخطر مؤسسة دينية ترعاها دولة عسكرية، وتمنح التطرف ختمًا رسميًا يشرعن العنف ويبرره.
#محمد_سعد_خير_الله (هاشتاغ)
Mohaemd_Saad_Khiralla#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟