أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - الكتابة بوصفها شرارة وجود: تأملات في جدلية الإبداع والتجدد














المزيد.....

الكتابة بوصفها شرارة وجود: تأملات في جدلية الإبداع والتجدد


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 00:56
المحور: قضايا ثقافية
    


نحن نعيش في عصرٍ تعولمت فيه الكتابة وتقلّصت دهشتها، وتحولت أحيانًا إلى روتين يُمارس بلا وعي، تتبدّى الحاجة إلى تأمل عميق في طبيعة هذا الفعل الذي هو في جوهره توتر وجودي. فالكتابة ليست صناعة متكررة، بل شرارة تولّد المعنى في ظلمة الضياع وعتمة الخداع. هذا المقال محاولة لفهم الكتابة بوصفها تحولا داخليًا، وليست طاحونة تكرر ذاتها، بل مولدة تولّد القلق وتفتح أبواب المجهول.

أولًا: الكتابة ليست طاحونة
الكتابة التي تتكرر تفقد شرطها الوجودي. فهي لا تختلف كثيرًا عن طاحونة تدور بالحجر ذاته لتنتج الدقيق ذاته. مهما اختلفت زخارف الأسلوب أو تشعبت الموضوعات، فإن الكتابة التي تنطلق من الذات ذاتها، وباللغة ذاتها، ومن زاوية الرؤية ذاتها، لا تفعل أكثر من إعادة طبع صورة قديمة في مرآة الكلام.

الفعل الإبداعي الحقيقي لا يعمل وفق منطق الآلة، بل وفق منطق المولد. إنه يولّد توترًا، ضوءًا، صدمة. ومثلما لا تشتغل الكهرباء من الدوران وحده، بل من فرق الجهد، فإن الكتابة لا تولّد المعنى إلا عندما تنشأ من صراع داخلي، من اختلال توازن، من تماسّ مباشر مع المجهول.

ثانيًا: التجدد بوصفه ضرورة وجودية
ليست الكتابة نتاج عدد السنوات، بل عدد التحولات. الكاتب الذي لا يتغيّر، يتكرّر، والذي لا يجرّب، يضمُر. التجدد هنا ليس تنقّلًا بين موضوعات أو أساليب، بل حالة وجودية يعيشها الكاتب حين يعيد التفكير في اللغة، في ذاته، وفي علاقته بالعالم.

من لا يخرج من جلده، يبقى أسير جلده؛ فينتج تجربة نفسه حصرًا فيكرر نفسه. ومن لا يكسر صوته، يصير صدى نفسه.

الكاتب الذي يكتب لأنه "يعرف كيف يكتب" أخطر من الكاتب الذي لا يكتب، فالأول يقتل الكتابة من داخلها، بماء مألوف ولغة مطواعة.

ثالثًا: بين القول والقائل
يُقال إن كل شيء قد قيل. نعم، لكن لم يُقَل بعد بصوتك، من لحظتك، من انكسارك، من غبارك الخاص وعمقك المنفرد.

إنّ المواضيع الكبرى - الموت، الحب، الزمن، الغربة، الحنين - هي ثوابت الإنسان، لكنها لا تُستنفد، لأن زاوية النظر إليها تتبدل مع كل ذات واعية.

ليست الكتابة ما يُقال، بل مَن يقوله، ومن أي عمق وجودي يخرج المعنى. فحين يكتب كاتب عن الموت من شرفة الفكر، يختلف كليًّا عمن يكتبه من داخل نزيف الروح.

رابعًا: القارئ بوصفه شرط تحقق الطاقة
حتى المولدة، ما لم تجد جهازًا مؤهلًا، تبقى صامتة. وهنا تبرز فلسفة القراءة بوصفها فعل خلق، لا استهلاك.

النص لا يمنح المعنى، بل يفتح احتمالاته. وما لم يكن القارئ مستعدًا للمخاطرة، للانفتاح، للاحتراق الداخلي، فإن النص ــ حتى لو كان شرارة ــ لا يضيء شيئًا.

إننا بحاجة إلى قرّاء يتفاعلون لا يستهلكون، يشاركون لا يراقبون، ليكتمل الفعل الإبداعي كدائرة طاقة تبدأ من ذات الكاتب وتُستكمل في عين القارئ.

خامسًا: الكتابة عملية محو الذات لا تأكيدها
الكتابة، في أعمق صورها، ليست إثباتًا للذات بل محوٌ لها. هي تعرية داخلية، هدم مأوى الكلمات، والخروج إلى العراء بلا يقين.

الكاتب الذي يكتب ليبقى كما هو، لا يكتب، بل يكرر نفسه بلغة محسّنة. كل كتابة لا تُفاجئ كاتبها، لا تُفاجئ قارئها. وكل نص لا يخيف صاحبه، لا يُزعزع أحدًا.

أن تكتب، يعني أن تُهدد يقينك، أن تسير على سلك من نار، أن تنتقل ضمن تحولات مستمرة.

وفي الختام؛ الكتابة، في جوهرها، حدث وجودي لا لغوي؛ فهي ليست طريقة لنقول ما نعرف، بل وسيلة لنعرف ما لا نعرف أننا نعرفه. الكتابة ليست مجرد تعبير عن الموجود، بل هي أداة حفر في صمت اللاوجود، وبحث دؤوب في المؤثِرات الغائبة والمأثورات التي تظل كامنة في أعماقنا.

إنها ليست تقنية، بل توتر يولّد المعنى من تماسّ الألم باللغة. الكتابة الحقيقية لا تحدث حين تملك اللغة، بل حين تخذلك. لا حين تكتب، بل حين تشعر أن اللغة تكتبك.

وكل ما عدا ذلك، هو مجرد طاحونة تكرر نفسها في كل مرة، فلا تنتج سوى ما كانت تنتجه من قبل. فالكاتب الذي لا يتجدد يوميًا أشبه بالطاحونة التي تعيد ذاتها بلا جديد، أما الذي يتجدد فهو كمولد كهرباء ينير الطريق. أما إذا كانت الأجهزة التي يفترض أن تستفيد من ذلك المولد معطلة، أو إذا جهل الناس كيفية تشغيلها، فذلك بحث آخر.!



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كسر المعروف
- فلسفة النوروز التاريخية وفق رؤية المؤرخ علي تتر نيروي
- عيد العمال: صيغة الجمع ومحنة الفرد
- وسائل التواصل الاجتماعي: مرآة القلق الجمعي وتجليات الذات الم ...
- الرواية الخالدة: حين يصبح الأدب فخًا نفسيًا وتجربة وجودية
- من أجل واقع أقل وحشية
- العراق وكوردستان: تجليات الدولة المأزومة في فضاء الجغرافيا ا ...
- تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة
- إنتاج الغباء
- حين يشكر الكاتبُ الناشرَ: أزمة التقدير في عالم الكتب – تفكيك ...
- فساد بالتقسيط... حتى إشعار آخر!
- الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية
- وهم المجد ومجد الوهم
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...


المزيد.....




- إيران: استئناف المفاوضات النووية مع الترويكا الأوروبية الأسب ...
- أوسيك يستعيد لقب الوزن الثقيل بفوز ساحق على دوبوا في ويمبلي ...
- ألمانيا تحيي الذكرى الـ81 لمحاولة اغتيال هتلر والانقلاب الفا ...
- الصين.. إجلاء مئات الأشخاص في هونغ كونغ إثر إعصار -ويفا- وسط ...
- مطالبة بتحقيق كامل.. ألمانيا تنتقد توزيع المساعدات في غزة
- ألبانيزي: النازية كانت الشر الأعظم وإسرائيل تتعمد قتل الأطفا ...
- شكوك وقلق أميركي متصاعد إزاء -تصرفات- نتنياهو
- دلالات زيارة البرهان وإدريس للخرطوم وتدشين عودة الحكومة
- هل يغيّر ترامب سياسته مع تصاعد الانتقادات في أميركا ضد إسرائ ...
- فيديو منسوب لـ-تحرك عشائر سعودية إلى السويداء- في سوريا.. هذ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - الكتابة بوصفها شرارة وجود: تأملات في جدلية الإبداع والتجدد