عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 20:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سياسة التعدي: قراءة فلسفية في فعل الخير خارج حدود الذات
في عالم يزداد تقوقعًا حول الذات، يصبح مفهوم "التعدي" — بمفهومه الإيجابي — ضرورة فلسفية قبل أن يكون مشروعًا أخلاقيًا. التعدي هنا لا يعني الغزو أو فرض الإرادة على الآخر، بل يُقصد به تجاوز الذات الضيقة نحو الآخر، اختراق حدود الأنا المغلقة لاحتضان "نحن" أوسع، أشمل، وأرحم.
لقد ارتبطت السعادة في الفلسفة الحديثة، خصوصًا في الفكر الليبرالي، بالفردانية والاكتفاء الذاتي، حتى غدا الإنسان معزولًا في عالمه الخاص، ينعم بلذته المؤقتة دون أن يتساءل: هل هذه السعادة أصيلة أم مبتورة؟
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط تحدّث عن الواجب الأخلاقي القائم على "احترام الإنسان بوصفه غاية لا وسيلة"، ما يعني أن سعادتنا لا تكتمل إلا بامتدادها إلى الآخر، عبر العطاء غير المشروط، والكلمة الطيبة، ومشاركة المعنى.
من هذا المنطلق، فإن "سياسة التعدي" تصبح نوعًا من الفضيلة المدنية، حيث يتجاوز الفرد ذاته نحو المجتمع، لا بدافع الشهرة أو الرد الجميل، بل بوصفه كائنًا مسؤولًا عن بث الأمل في عالم يهدده العدم واليأس. وهنا نستحضر مفهوم "الكرم الوجودي" لدى الفيلسوف إيمانويل ليفيناس، الذي يرى في العلاقة مع الآخر بداية الوعي الأخلاقي، بل جوهر الوجود ذاته.
إن كلمة طيبة قد تكون أعظم من دستور، وابتسامة صادقة قد تُصلح ما أفسدته عقود من الانقسام. لذلك، فـ"سياسة التعدي" ليست مجرد دعوة عاطفية، بل هي دعوة فلسفية لإعادة بناء المعنى المشترك، في زمن تهدد فيه النزعة النفعية والانعزالية قيم التراحم والمصير الجماعي.
ربما علينا أن نعيد تعريف السياسة، لا كفن للمراوغة أو الهيمنة، بل كفن للبذل والتجاوز. سياسة التعدي، في معناها الجوهري، هي محاولة لجعل العالم أكثر قابلية للحياة عبر مشاركة السعادة، وتوزيع الأمل، وتكريس فعل الخير كقيمة مؤسسة للتعايش البشري.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟