حميد بوعمال
الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 17:22
المحور:
سيرة ذاتية
.... وكلما عدتُ إلى البيت مساءً، كانت أمي تنظر إليّ نظرة مختلفة… وكأنها ترى في عينيّ شيئًا لم يكن من قبل. كانت تُحضّر لي الشاي بالنعناع وتقول بصوت خافت: "كبرتَ، يا ابني".
نعم، كبرتُ يا أمي… لكن شيئًا من الطفولة ظلّ يسكنني. ظلّ معي، كصوت البادية في آخر الليل، كنُباح الكلاب البعيد، كظلّ نخلة لا تنسى جذورها حتى حين تتمايل في الريح.
وفي مساء من تلك الأمسيات الطويلة، جلست أكتب أولى كلماتي في دفترٍ قديم، لم أكن أدري أنني بدأت أكتب قصة رحلتي… كنت فقط أكتب لأفهم، لأبوح، لأبدأ.
والبداية، كما همست لي البادية ذات يوم، كانت هناك… في البيت الأول.
ذاك البيت، البسيط في هيئته، العظيم في معناه، كان أكثر من مجرّد مأوى. كان مرآةً لأيامي الأولى، لصوت أمي وهي تناديني مع غروب الشمس، لخطى أبي الثقيلة العائدة من الحقل، لرائحة الخبز الساخن، وصرير الخشب حين تشتدّ الرياح.
في ذلك البيت، تعلمت أن الحلم لا يحتاج قصرًا، بل قلبًا يؤمن. تعلمت أن الغنى ليس ما في الجيوب، بل ما في الصدر من دفء، ومن يقين. تعلمت أن الوحدة ليست في المكان، بل في غياب من نحب. وأن الوقت، مهما بدا بطيئًا، يحملنا معه دائمًا نحو ما لا نعرف، نحو ما سنصير.
والآن، كلما قلّبت تلك الصفحات القديمة، أعود إلى هناك. أعود إلى نفسي الأولى، إلى ذلك الطفل الذي نظر للسماء من بين جذوع الأشجار وتساءل: "ماذا يوجد هناك، خلف كل هذا الأفق؟"
ربما لم أجد كل الأجوبة بعد، لكنني وجدت شيئًا آخر… وجدت القصة. وقصتي تبدأ دائمًا من هناك، من البيت الأول.
#حميد_بوعمال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟