مهران موشيخ
كاتب و باحث
(Muhran Muhran Dr.)
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 16:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
واقع الاسلامويين في الشرق الاوسط
بعد
"طوفان الاقصى "
عندما احتل الاتحاد السوفيتي في صيف 1979 افغانستان عبر انزال جوي وبالتعاون والتنسيق مع الجيش الافغاني من الداخل ، قام بتشكيل حكومة بقيادة الحزب الشيوعي الافغاني. واصبح نظام الحكم في افغانستان جمهوري والدولة الافغانية اصبحت خاضعة الى قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي والحكومة السوفيتية بشكل مباشر وبامتياز.. لقد اصبحت جمهورية افغانستان بمثابة جمهورية جديدة اضيفت الى الجمهوريات السوفيتية الخمسةعشر التي كانت تشكل مع بعضها آنذآك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
في هذه الفترة كان الخميني متواجدا في فرنسا بعد ان اجبر على مغادرة العراق بعد 15 سنة من الاقامة في النجف الاشرف وكان الشارع السياسي في طهران يغلي والتظاهرات الجماهيرية الحاشدة اخذت تواجه بقمع قوات الشرطة لها. استعمل الجيش خراطيش المياه والقنابل المسيلة للدموع ثم السلاح الحي ثم نزل بدباباته لقمع المتظاهرين. بعض القطعات العسكرية التي كانت مكلفة بقمع الانتفاضة انظمت الى صفوف الجماهير المنتفضة وفي فترة قصيرة انهار الحكم الملكي وسقطت ايران بيد الشعب. سقطت ايران وسقط معها ملك ايران محمد رضى بهلوي مثلما سقط الاسد بدون اية مقاومة عسكرية لقوات الجولاني /الشرع . نعم سقطت امبراطورية شاه ايران الجبارة سياسيا واقتصاديا والتي كانت تمثل على مدى عقود من السنين يد امريكا الطويلة في الشرق الاوسط،. سقط شاه ايران وكانه دمية (مثل سقوط بشار الاسد ) بل مصيره كان اتعس بما لا يقاس بحالة الاسد الهارب. لقد رفضت امريكا السماح له ولزوجته بالاقامة في امريكا وكان آنذاك مصابا بالسرطان، وفي نهاية المطاف مات شاه ايران محمد رضى بهلوي في المنفى، في مصر
ان سقوط شاه ايران لم يكن عفويا، وانما كان مخطط له من قبل امريكا واسرائيل بعد احتلال الاتحاد السوفيتي لافغانستان . امريكا كانت قد خططت لانشاء قوة سياسية في ايران وفي المنطقة عموما قوة من طراز جديد بعد ان استنفذت الحاجة الى نظام شاه ايران، قوة مدنية التشكيل قوية تكون رادعة لسياسة الاتحاد السوفيتي الاشتراكية المعادية للامبريالية العالمية وعلى راسها امريكا. قوة تواجه نمو التاثيرالسياسي والعلاقات الاقتصادية والعسكرية لموسكو لاصدقاءه في افغانستان وفي كل من العراق وسوريا والجزائرومصر. قوة الردع هذه كانت تتمثل تشكيل احزاب ومنظمات وحركات وفصائل وكتائب اسلامية سنية وشيعية والاخيرة بمرجعيتين احدهما تخضع للمرجعيات الدينية في القم والاخرى موالية للنجف.
القاعدة الجماهيرية لهذه التنظيمات المتطرفة الارهابية المسلحة كانت ولا تزال افراد اميين يجهلون القراءة والكتابة ، ولا علم لهم بعالم اللاهوت ولا التاريخ الاسلامي ويجهلون ماهية اختلاف التشيع عن فقه السنة، كل ما يعلمون انهم ولدوا وابصروا النور وهم شيعة وانهم اعداء تاريخيين للسنة من زمن الامام علي، لان عمرالسني قتل الشيعي حسين. لو سالت ابناء الطرفين لماذا هذا العداء التناحري الدموي بينكم لم ينتهي الى يومنا هذا رغم مرور اربعة عشر قرنا من الزمن ؟، لن تجد من يجيب على سؤالك. انهم متحمسين لانتمائاتهم بقناعات عمياء ومتاثرين بالاملاءات الفكرية الدينية الشيعية الذي يجري تلقينهم كالببغاء يتليه عليهم شيخ معمم اوخطيب مسجد او إمام جامع، وهؤلاء في الغالب تحصيلهم الدراسي يضعهم في خانة الجهلة علما ان من بينهم افراد يقودون حشود مليونية .
القاعدة الشعبية لهذه التجمعات الدينية المتطرفة هم من الشرائح الاجتماعية الفقيرة ، جهلة وعاطلين عن العمل، لن تجد في صفوف محاربي حزب الله العراق وعصائب الحق وجيش المهدي وكتائب البدروالنجباء والعشرات من امثالهم ومن هم على شاكلتهم مسلحين مقاتلين اطباء اومهندسين او اكاديميي، لن تجد في صفوفهم ممثلي المسارح والسينما والتلفزيون ولا شعراء ولا ادباء ولا فنانين. لن تجد في صفوفهم اناس اصحاب مهن يدوية لهم ورش عمل اومتاجرصغيرة، ولن تجد نساء في صفوف الحشد ولا في الفصائل، بل ستجد الى جانب عشرات الالاف من الفضائيين، عراقيون امتشقوا السلاح وامتهنوا القتل للاسترزاق، ستجد شيشانيين و صربيين و افغان و سعوديين و باكستانيين و اوزبيكيين ومقاتلي "حماس" يهجرون عوائلهم و يقطعون آلآف الكيلومترات ليصلوا الى العراق او سوريا او لبنان او سودان او ليبيا ليقتلوا "اعداء الاسلام" من شباب و شيوخ واطفال ثم يقومون بسبي نساءهم، وان اقتضى الامر يقدم على الانتحار بتفجير نفسه ليقتل نفسه ومعه العشرات... كل هذا لكي ينال الشهادة في سبيل الله و كي يستمتع بفضل هذا الاستشهاد بحوريات الجنة ويكون ضيفا عند الرسول محمد على مائدة الافطار في شهر رمضان
.
لقد افلحت امريكا واسرائيل و بريطانيا بنجاح كبيرفي خلق ونشر وتعميق هذا التوجه الديني الاعمى، ونجحت ايضا في التحكم بتوجيه مسيرته ومراقبة نتائجه عبر مواصلة شحن اجواء الطائفية المقيتة والكراهية وتشجيع القتل على الهوية بين الطرفين، وليس نادرا حث الطرفين على سفك دماء المسيحيين والصابئة والازيديين البررة بدعوى كونهم كفار. وتبقى امريكا واسرائيل هما سادة الموقف وغالبا ما يطرحون انفسهم، تحت عبائة خليجية، طرفا وسيطا لحل الخلافات بين الاطراف المتناحرة
استمرحقبة الاسلام السياسي الطائفي في الشرق الاوسط وايران اربعة عقود ونيف وكلف وباء الدين الاسلاموي المتطرف بشقيه السني والشيعي ارواح قرابة خمسة ملايين مواطن من العراق وايران والكويت ولبنان وفلسطين
وسوريا وسودان وليبيا عبر الحروب الطائفية الداخلية او بين بلدين جاريين.
.
ذكرنا في بداية هذا المقال، ان سقوط الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي اعطى الفرصة التاريخية للولايات المتحدة الامريكية ومعها حليفتها الستراتيجية، لا بل توأمها اسرائيل للانفراد بالهيمنة على المسار السياسي والاقتصادي في العالم عبر حروب تفتعلها وتغذيها لخدمة مصالح تجار الحروب ودعم ماكنة الصناعة الحربية، و هذا هو ما قاما بها من دفع صدام الى غزو الكويت مثلا، ثم حرب الخليج. وبعدها حرب افغانستان وحرب يوغوسلافيا، وغيرها
التحالف الامريكي الاسرائيلي قرر تعزيز قدراته العسكرية وتوسيع سيطرته السياسية وتمتين استحواذه للثروات الطبيعية لبلدان المنطقة اكثر فاكثرتحت ذريعة تجديد الخارطة الجيوسياسية للشرق الاوسط. يقينا، اولى مهام الخارطة الجيوسياسية الجديدة هو ضمان امن واستقرار اسرائيل مرة واحدة والى الابد. لتحقيق هذا الهدف استوجب زحف اسراىيل والتوسع على حساب اراضي فلسطين في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وباتجاه جولان في سوريا، وفي نهاية المطاف جعل فلسطين ولبنان وسوريا والعراق دول تحت الانتداب الامريكي ـ الاسرائيلي عبر مندوبين سامين يتم تعيينهم من قبل المحتل الاسرائيلي والامريكي والبريطاني من خلف الستارة. واول خطوة فعلية وهامة في هذا المسارقد تحقق بعد تعيين الجولاني/الشرع رئيسا للحكومة الانتقالية في سوريا، اما الخطوة التالية التي ستسبق البدء باعلان الهوية السياسية للشرق الاوسط الجديد مرهون بالاساس بالتطورات المرتقبة لحرب روسيا واوكرانيا ومن جهة اخرى مرتبطة ايضا بمستقبل مطالبة امريكا الغاء ايران برنامجها في تخصيب اليورانيوم .
. على كل حال صافرة الانطلاق لبدء رسم خارطة الشرق الاوسط الجديد ستكون توقيع اتفاقية سلام، او حسن الجوار، او تطبيع العلاقات والاعتراف بدولة اسرائيل ومن ثم تبادل السفراء المعتمدين بين اسرائيل وسوريا. كل المعطيات تشير الى ان المباحثات الجارية الان بين مسؤلين سامين من كلا الطرفين وبحضورطرف امريكي في اكثر من بلد ستضع النقاط على الحروف وسيتم توقيع اتفاقية سلام وحسن الجوار واتفاقيات تبادل تجاري وتاسيس مؤسسات مالية ومصرفية مشتركة وتبادل وفود ثقافية الخ . وهكذا سنشهد ان الاسلام السياسي الشيعي والسني والحروب الطائفية ستصبحان في خبركان. امريكا واسرائيل ستنهي نشاط الاسلامويين في المنطقة وستصفي قياداتهم مثلما فعلت مع حماس وحزب الله وستقضي على بقايا ميليشيات ايران في العراق بعد اربعين عاما من الدعم المادي والعسكري والاعلامي .
كل مجريات حرب ابادة شعب فلسطين وبشكل خاص شعب غزة و كذلك مجمل المأساة الانسانية والبنيوية الفضيعة التي لاتزال تمارس يوميا في غزة منذ سبعة اكتوبر لم يكن بامكان حكومة نتينياهو انجازها لولا "طوفان الاقصى“.. من هنا نؤكد على موقفنا السابق والمعلن منذ البدء في اكثر من مقال من ان "طوفان الاقصى" كان سيناريو اسرائيلي-امريكي مستحكم بامتياز وجزئيا بالطواطؤ مع بعض قيادات حماس والمقربين منهم عبر وسطاء من الخليج وقطرالتي تمثل راس الحربة في هذا السياق.
ان التخطيط لتنفيذ "طوفان الاقصى" بدء قبل اكثر من عقدين من الزمن، وقبلها تم البدء بزرع رجالات الموساد وتجنيد عملائهم في كل من غزة ولبنان وسوريا وعراق وايران .ان الغارات الجوية العديدة التي نفذتها اسرائيل على المنشئات النووية في سوريا والعراق وايران واستهدافها لقيادات الفصائل الموالية لايران في كل من غزة و سوريا ولبنان والعراق واخيرا ايران قد حققت اهدافها بفضل التعاون الوثيق لعملائهم على الارض.
الان وبعد اربعين عاما من ورقة "بوكر الاسلام السياسي" انتهت اللعبة مع الطرفين، انتهت مع السنة المتشددين الارهابيين من قاعدة وداعش، وانتهت مع الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لايران من جهة اخرى ، المنطقة على اعتاب الانتقال الى حقبة سياسية جديدة اسمها ...شرق الاوسط الجديد. ترى من هو الحصان الجديد الذي ستراهنان عليه امريكا واسرائيل في هذه الواحة المسنجدة؟، وتحت اية لافتة او شعارخارج اطارومفاهيم الاسلاموية التي اندثرت بعد "طوفان الاقصى"؟، سؤال سنجد جوابه في الخريف القادم.
في الاشهر القليلة القادمة ستحسم المعركة مع حماس في غزة ومع حزب الله في لبنان ومع الفصائل الشيعية المسلحة في العراق الموالية لايران ، وفي سوريا الجولاني حيث يتحدث الشرع عن سوريا واحدة ولكن نشاطه يكمن في تفتيت سوريا نزولا عند رغبة ثنائي اسرائيل-امريكا. الاشتباكات الخفيفة بدأت مع لبنان ثم مع قسد الكردي، ثم جاءت مجزرة العلويين في الساحل، ثم الجيرمانا والان ومنذ اربعة ايام معارك سويداء الدروز. جميع هذه" المناوشات المسلحة" تحمل طابع الطائفية والاثنية المدعومة من اسرائيل وامريكا ودول الجوار تمهيدا لتقسيم سوريا الى كانتونات. الدور المناط هنا لجولاني /الشرع في هذا المخطط هوالمباركة والمساهمة في التنفيذ، ولهذا الغرض جرى اختيار جولاني/الشرع وتدريبه منذ سنين خارج الحدود لتنصيبه فيما بعد خلفا للاسد الهارب .
انهت امريكا حقبة الاسلام السياسي التي انشاتها قبل خمسة واربعين عاما وانتقلت الان الى عصرحديث اسمه... الشرق الاوسط الجديد، الدول او الولايات هنا ستكون لها حلة جديدة نجهل طرازها ولا نعلم شئ عن الوانها. اليقين هو ان كل الدمارالبشري والبنيوي في غزة وما اعقبها من احتلال سوريا وهروب الاسد ودمار لبنان وتحطيم البرنامج النووي لايران والاجهاض على علمائه وقادته العسكريين، وفي الافق معاقبة العراق ايضا، قد حدثت عبر التخطيط الخلاق لثنائي اسرائيل - امريكا لسيناريو"طوفان الاقصى" وقام بتفجير هذا الطوفان الاسود... حماس، نعم حماس لوحدها تتحمل المسئؤلية كاملة تجاه الشعب الفلسطيني في غزة وتجاه شعوب المنطقة في لبنان وسوريا والعراق بل وحتى ايران، لان تفجير حماس "طوفان الاقصى" في 7
اكتوبرمن عام 2023 اعطت لاسرائيل، كما كان مخططا، الذريعة لانطلاق الى تنفيذ الشرق الاوسط الجديد
#مهران_موشيخ (هاشتاغ)
Muhran_Muhran_Dr.#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟