|
الاجساد تتشابه عندما يمزقها الرصاص وتترك عارية تغازل السماء
سلام فضيل
الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عام 1991وبعد ثلاثة ايام من اندلاع الانتفاضة في مدينة الديوانية ‘ هاجم الجيش منطقة ألبدير وهي احد ى نواحي الديوانية ‘ وعلى مداخلها اصتدم بشباب الانتفاضة ‘ ودارت بينهم معركة ‘ اوقفته من التقدم واقتحام المدينة ‘ ولكن الطائرات الحربية المساندة للجيش ‘ ظل بعضها يقصف المشتبكين مع الجيش على اطراف المدينة وسط المزاع والانهر الممتدة على مساحة كبيرة ‘ ومحاذية للطريق السريع عمارة ديوانية ‘ والبعض ا لاخر راح يحلق بعلو منخفض فوق بيوت المدينة ‘ ومن ثم افرغت قنابلها عليها فهدمت بعضا من البيوت ‘ وجرحت بجروح بليغة ‘ جوادة كاظم المبلغ ‘ معلمة لم يمضي على تخرجها من اعدادية المعلمين في الديوانية ‘ سوى اشهر‘ وشقيقها ‘ صباح ‘ طالب هندسة سنة ثانية ‘ ماتو قبل ان يصلوا الى المستشفى ‘ وهناك وسط المزارع ‘ استشهد عدد أخر منهم عبيد لايذ ‘ صاحب مقهى ‘ وحبيب اسويد ‘ بائع خضرة ‘و فلاح رباط معلم ‘ وهادي البولاني طالب صناعة ‘ وهؤلاء ‘ جميعا ‘ تعرفهم عائلة ‘ وزير الداخلية الحالي ‘ جواد البولاني ‘ واغلب اساتذة جامعة ‘ الديوانية ‘ حيث يعمل شقيق جوادة ‘ وصباح ‘ ‘ استاذا ‘ وابن عمهم اليساري هاتف بريهي . ظلت اجسادهم مرمية في العراء ‘ الى ظهيرة اليوم الثاني ‘ بعد ان وصلت عشرات السيارات محملة بشباب الانتفاضة من كل قرى وبلدات الديوانية قبل طلوع الشمس . وحملوا الشهداء على الاكتاف وطافوا بهم وسط المدينة ‘ وكان مع المشيعين وردد شعارات حماسية وبحرقة ‘ ميثم حسن يوسف ‘ الذي قتل مع السيد مجيد الخوئي ‘ في النجف عام 2003 . وفي اليوم الثالث ‘ صففناهم بشاحنة ‘ حمل مكشوفة ‘ ووقفنا ‘ نكفكف دموعنا ‘ ملتصقين ‘ بجدارها الحديدي الذي يعلو نا قليلا ‘ نحتمي به من الرياح ‘ التي راحت تمزقها ‘ الشاحنة ‘ لحظة انطلاقها من المدينة ‘ وحيده خالية من وداع الحبيبات ‘ متناسية بيت الشعر (الدارمي) الذي كثيرا ما يردده اهالي الديوانية (الما وراه صياح وحشة الجنازة ) باتجاه النجف ‘ حيث يرقد من سبقهم من الاحبة ‘ الذين اعدموا قبلهم بسنتين ‘ بعد حفلات طويلة من التعذيب . كانت الطريق خالية موحشة ‘ وقبل ان نصل راح الجيش يطوق النجف ويقصف المقبرة ‘ فسلكنا ‘ طريق وسط المزارع باتجاه الكوفة ‘ حيث تناثرت الجثث يوم العاشر من محرم ‘ يوم الاحد الماضي ‘ في منطقة الزركة ‘ وعندما وصلنا مقبرة الكوفة ‘ وجدنا القصف ‘ وقليلا من طلقات القناصة ‘ اوقفنا الشاحنة في احد الفروع القريبة من المقبرة ‘ وتسللنا الى المقبرة ‘ اكملنا حفر القبر الاول ‘ ولم نستطع الا ستمرار ‘ فعدنا مع اجساد الشهداء باتجاه الديوانية ‘ وبالقرب من الشافعية احدى نواحي الديوانية ‘ توقفت الشاحنة امام احد البيوت ‘ له علاقة قربى ‘ مع الاجساد التي مزقتها الطائرات ورصاص الجيش ‘ وتعذر دفنهم في مقبرة النجف . انتظرنا حتى غادرت الشمس ووسط ظلام الليل حولناهم الى عربة نقل صغيرة ‘ وانطلقت وسط الظلام وتوقفت بالقرب من تلة عالية من التراب وخلال ساعتين حفرنا حفرة ‘ يصل عمقها الى اكثر من متر ‘ وبعرض مترين واكثر ثلاثة متر طولا ‘ ورصفناهم بجانب بعضهم ‘ واعدنا التراب ‘ مثلما كان ‘ ولكن هذه المرة مبلل بقليل من قطرات دموع الفراق ‘ وبعد عدة اشهر عدنا اليهم ‘ ولكن هذه المرة من دون حجي غازي الذي رفض مغادرة ألبدير بعد دخول الجيش ‘ وصار احد ارقام المقابر الجماعية ‘ وبعد منتصف الليل حيث الناس ‘ تغط بالنوم ازحنا التراب عنهم وبسرعة حملناهم بعدة سيارات صغيرة ‘ احداهن يقودها ابن حجي غازي ‘ الذي لانعرف وقتها ان كان دفن في المقابر الجماعية ام مازال ‘ تحت التعذيب ‘ الاوغاد كانوا يستمتعون كثيرا في التعذيب ‘ وقبل ان يعرينا ضوء الشمس ‘ كنا غادرنا مقبرة النجف ‘ وتركناهم بجوار الاحبة يواصلون معهم رحلتهم الابدية . عادت الي وحاصرتني كل تلك اللحظات والاجساد المقطعة والضحكات المرتسمة على تلك الوجوه الجميلة ‘ وجوه عشاق الحرية الذين قتلوا في الانتفاضة وقبلها وبعدها ‘ ودفناهم ‘ تحت جنح الليل ‘ وصرنا ‘ نبكيهم بعد ان تغط الناس في النوم ‘ وفي الصباح ‘ نبتسم عندما يشتمهم الاوغاد ‘ اتت بهم الذاكرة بعد ان قتل حكام النجف المئات من الشباب والنساء والاطفال بعد ان اكتشفوا انهم غير موالين لحكام المدينة‘ ويشكلون خطرا على رجال الدين في النجف . فقتلوهم بعد ان استعانوا بالطائرات الامريكية ‘ وظلت اجسادهم متناثرة ‘ وسط تلك المزارع التي احتمينا بها مع الاجساد التي مزقها رصاص الجيش والطيران في ناحية ألبدير ايام الانتفاضة عام 1991‘ وظلت ليومين في العراء ‘ وهؤلاء ظلوا في العراء الى ان تكرم السيد السيستاني وطلب دفنهم بمقبرة جماعية ليتعرف عليهم ذويهم فيما بعد .
#سلام_فضيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع النفوذ والمال والسلطة وضحاياه المعدمين
-
هل يمكن لامة رموزها قتلة الاطفال والعمال وتدعي المحبة والتسا
...
-
ثلاثة ملايين شهيد وسجين سياسي حقوقهم اقل مما يحصل عليه احد ا
...
-
خطة بوش وما قالته شده
-
انتم وكل الحكومة موجودين هنا بفضل وحماية الامريكان وعليكم ان
...
-
صدام يحكم حبيب تغريد بالاعدام بعد ان اخذه منها لحربه المجنون
...
-
صدام وضحاياه الابرياء اطفالا ونساء
-
مثلما الارهابين لايمثلون إلا ذاتهم.. فأن صدام القاتل ومن حاو
...
-
وزراء المحاصصة يستعرضون انجازاتهم وسط المنطقة الخضراء !؟
-
مدينة النجف وكذبة التسليم يؤكدها قتلاها
-
الحرية تحفظ النجاح وتعلمنا تجاوز الفشل
-
فلتنفعكم قصور النظام واموال الشعب المنهوبة يا اقطاب المحاصصة
...
-
الحزب الشيوعي والبحث عن العدالة والحرية ..بدل الطائفية والعر
...
-
لااحد يثق بكم يا من خذلتم الشعب الجريح بعد ان ادماه نظام الق
...
-
الاختلاف والحوار يهدم الاستبداد وثقافة الدين مصحف وسيف
-
بوش وهستريا التدميرالعراق وما بعده
-
ماذا ستحكمون ان قتلتم العراق شعبا وبلادا ؟
-
البطالة والحاكم ورجال الدين في عالمنا العربي
-
قتل امام الله
-
انتم المسؤولين عن قتل اهلنا يا قفا النظام ويا وجه طالبان
المزيد.....
-
سقطت من طائرة!.. كتلة جليدية ضخمة تخترق منزلًا على بعد أقدام
...
-
وزارة الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة القتلى في القطاع واستمرار ا
...
-
-ترمي لهدم النظم الأساسية في البلاد-.. أمن الدولة الكويتي يق
...
-
الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد مدمرة أمريكية وسفينتين في
...
-
نهاية مأساوية لشاب قتل والدته بطريقة وحشية في محافظة المنيا
...
-
وفاة 14 حاجا أردنيا أثناء أداء مناسك الحج بسبب الحر الشديد و
...
-
إعلان مؤتمر سويسرا: 80 دولة تتفق على وحدة أراضي أوكرانيا كأس
...
-
حزن تجاوز المدى.. غزة تستقبل العيد بأسى وفقد في كل بيت وصلاة
...
-
كعك العيد على نار الحرب في غزة: نساء نازحات في دير البلح يبد
...
-
السلطة والسياسة
المزيد.....
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
المزيد.....
|