صلاح زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 00:47
المحور:
الادب والفن
حاوره: تحسين كرمياني
جريدة التآخي 21 / 10 / 2004
في أسلوبه لمحات شفافة وبروق تلقائية، وقائع مدهشة، ومفارقات لا تنافي الأذواق، لغته احتجاجية، مضامين قصصه غاضبة تعري الأشياء بلا اشكاليات التأويل, لا يجامل في مقالاته وطروحاته الشفاهية، ينفرد عن السرب، كونه قال ما لديه بكل وضوح وهو تحت عيون الرقباء والوشاة ومن جند الملاحقة أصحاب الرأي المضاد, اعتقل لمرات وتم فرض الحصار حوله وابعاده من الواجهة لجرأته وصدق كتاباته, وليس هناك أدل من قصصه (التماثيل) (لعنة الحمام) (عام الخروف) (الرامي العاشر) وعشرات القصص، كلها حقائق جرت في وضح النهار أو وراء الكواليس ووجد (صلاح) نفسه مؤهلا لقول ما يعتقده، يبتعد عن التغريد اللغوي والتعقيد الأسلوبي، مهمته ايصال الرسالة للآخرين.
نال جائزة (المبدعون) من مؤسسة الصدى الاماراتية عن مجموعته (ثمة حلم .. ثمة حمى) حاليا يحرر الصفحة الثقافية لجريدة (الأنباء) وأصدر ست مجاميع قصصية.
س - لا أحب الأساليب التقليدية في اجراء الحوارات.. سؤالي هو .. ما سر اجذاب (صلاح) الى (القصة القصيرة جداً) ؟
ج - لا أدري ماذا تعني بـ (القصيرة جداً) كون ما ينشر تحت هذه اليافطة (جدا) بسطرين أو ثلاثة اسطر، هو ضمن قناعاتي الشخصية محض لعب مجاني, بل محض هراء كتابي, ودليل على الخواء وضعف الموهبة وجفاف المخيلة، ترى ماذا بوسع القاص أن يقول بجملتين قصيرتين مختصرا ومختزلا الحكاية والحدث والشخصية بحجة (القصيرة جداً) السقيمة, بطبيعة الحال أن ما أكتبه شخصيا هو في تقديري (نص) قصصي تتوافر فيه شروط الـ (قص) والسرد وتتساوق مع قصيدة (النثر) ونصي سواء كان قصيرا أو قصيرا جدا، فهو يكتفي بذاته ويتجاوز المصطلح العقيم, ولا يقع تحت سطوة التنميط والتجنيس, ويمتاز بالحد الأعلى من الكثافة والاقتصاد والايجاز, ويتحاشى الحشو الانشائية والاستطراد.
س - أسهبت في شرحك وأنا أردت سر انجذابك ؟
ج - القصة القصيرة فن رفيع وصعب وجميل, وسيلة تعبير، أي خطاب ورؤية وفكر وفن, انني اؤمن بان الكتابة بكل أشكالها وأنواعها فن وفعل، أي لابد من تحقيق شرط الجمال وشرط الموقف.
س - ترى ما سر الانفعال والغضب في أسلوبك القصصي ؟
ج – سبق وأن أجبت على هذا السؤال في مجلة الشباب سنة 1997 نصا (الغضب هو أعلى درجات الاحتجاج، حينما يستلب الإنسان وتمتهن كرامته, لا بد أن يغضب وينفعل, والكاتب المبدع هو كائن انفعالي وغضوب على طول الخط، فهو يحتج ويغضب حين يرى شعبا يقهر أو طفلا يبكي، والغضب موقف دونه يكون الكاتب حياديا والكاتب الحيادي اللاابالي كاتب منافق ومراوغ وغير مسؤول، أنا شخصيا كاتب غاضب ونصوصي غاضبة) قلت كل هذا وغيره تحت انظار السلطة.
س - دائمًا تحاول اثارة جملة أسئلة, منها ما هو لفت نظر القارئ، لما هو مسكوت عنه خلال سنوات (العسكريتاريا). هل ترى أن الاقنعة الرمزية تكفلت بايصال الرسالة الاحتجاجية؟
ج - اعتقد جازماً, إن مهمة الكاتب الأساسية هي اثارة الاسئلة تلو الأسئلة, بحثاً عن الحقيقة بكل وجوهها، كون السؤال من أركان الفلسفة والمعرفة، أن كل قصة من قصص تطرح بشكل أو بآخر سؤالاً أو جملة أسئلة، دون أن تتكفل بالإجابة, أما بشأن القناع الرمزي, أعتقد إن لكل كاتب قناعه الخاص، يتوارى خلفه, وأحيانا يلجأ إلى أقنعة عديدة لتمرير رسالته إن كانت ثمة رسالة بالمعنى الذي تقصده, ولا أدري على وجه اليقين إن وصلت رسالتي الاحتجاجية حسب تعبيرك أم لم تصل؟
س - بالنسبة لي وصلت.
ج - إذا وصلت للآخرين أيضاً.
س - (الصمت والصدى) عن دار الشؤون الثقافية العراق و(كائنات الأحلام) عن منشورات اتحاد كتاب العرب سوريا, مجموعتان جمعت فيهما قصصا من مجاميعك السابقة، قال البعض موت (صلاح) في الاشارة الى موت المؤلف, ماذا تقول لهم ؟
ج - أقول لهم، تفرغوا لأنفسكم ولكتاباتكم ودعوا الآخرين لحالهم, اسعوا لتحقيق منجز ابداعي يوفر عليكم مهنة القيل والقال، يا صديقي من حقي المشروع أن أنتخب قـصــصــا من مجاميعي السابقة وأعيد نشرها وطبعها ثانية وثالثة, أعلن لهؤلاء غالبا ما أعيد نشر كتاباتي في الصحف المحلية والعربية وتترجم الى لغات عالمية، ما الضير في ذلك ؟
أما موت المؤلف فهو مفهوم نقدي ابتدعه الناقد الفرنسي البنيوي (رولان بارت) لا علاقة له بموتي قصصيا حسبما يدعون هؤلاء الكتبة المساكين.
س - يرى (كونديرا) أن هناك رواية (مقالية) كثيرون ذهبوا أن القاص المبدع محمد حضير يحقق مقولة (كونديرا) في (كراسة كانون) سؤالي هل حقق صلاح زنكنه المعادل الافتراضي، أعني القصة المقالية؟
ج - ليست ثمة رواية مقالية أو مقامية, أو قصة فلسفية وأخرى شعرية وما شابه ذلك من مسميات, الرواية فن من فنون الكتابة، وجنس أبي له خواصه ومقوماته وهكذا بالنسبة للقصة والقصيدة والمقالة والمسرحية، والا طلع علينا من يقول بالرواية التشكيلية والقصة الموسيقية والمقالة الشعرية.
(كونديرا) مثلا يوظف ثقافته ومعرفته في رواياته لصالحها وليس العكس, فهو ليس مقاليا أو منظراً، إنما هو ساحر عجيب في بث افكاره في متن الرواية دون المساس بمقوماتها, بل يزيدها متعة ومعرفة وادهاشاً، أما ما كتبه القاص المبدع محمد خضير في كراسته الكانونية فهو عمل مقالي خالص لا يمت لفن الرواية بصلة, وتأكد بان محمد خضير قاص متمكن ومن طراز خاص لكنه ليس روائياً .
س - كثر الحديث عن دور الناقد لايصال رسائل القاص، هل ثمة انفراج في آلية التعبير بعد زوال سلطة الرقيب، أعني هل أن الناقد سيتناول (النص) كما يريده القاص، لا كما كان يفعل للمرور من شرطي الرقابة.
ج - لا علاقة للنقد بالانفراج ومقص الرقيب، كون النقد جهد اكاديمي منهجي عقلاني، وقد كتبت أكثر من مرة عن النقد التهويمي والنقد الإخواني والمجاني, المشكلة في الناقد وليس في النقد، معظم النقاد باستثناءات نادرة يكتبون بدافع ثانوي خارج مجال الأدب والإبداع بدافع اجتماعي أو تجاري كما حصل ويحصل مع أدباء عرب غير مهمين وهامشيين، فتراهم يخلطون بين المعدن الثمين والمعدن الرخيص. على النقاد الشباب الذين راحوا يشقون طريقهم منذ سنوات بمثابرة معرفية تستحق الاهتمام والاشادة, عدم الكف عن ملاحقة كل ما هو أصيل ابداعيا.
س - يتناول الأدباء بعضهم بعضا علناً وسراً، باتهامات تتعلق بالسلطة المخلوعة، سؤالي لك وأريد اجابتك بصراحة، هل ينبغي إحراق الجمال ؟ أم إجراء مكاشفات علنية وهادئة لاعادة الروح الى ثقافتنا المعطلة، خصوصا أن بعضهم ترعرع في الخارج وجاء ليرفع عقيرته ويتبجح بعد أن حصل على منصب في جريدة ما, وراح يهذر متهماً وشاتما, ولو كان في الداخل لما كان له أي وجود يذكر، ماذا تقول أنت؟
ج - أجل أنا مع المكاشفة ووضع النقاط على الحروف، وضد الاتهامات والمهاترات والتلويح بالعصا الغليظة، الكتابة كما قلت لك موقف ومسؤولية، والتزام أخلاقي، والأدباء الذين انحدروا الى الهاوية وحدهم يتحملون وزر ما اقترفوه من آثام المدح والمهادنة والارتزاق، عليهم أن يخجلوا قليلا, وحسناً فعل الشاعر (علي الحلي) حيث نشر غسيلهم القذر على الملأ، أنا شخصيا ادعوا الى فتح صفحة جديدة والعمل معاً لبناء العراق الجديد, ولا أدري ماذا تقصد بإحراق الجمال ؟!
س - أقصد الأدب طالما هو قوس قزح الوجود إن جاز التعبير، الأدب بكل تفرعاته !!!
ج - من المؤكد أن أولئك الذين زوروا الحقيقة, وجملوا وجه النظام البشع ومجدوا الطاغية, لا علاقة لهم بالجمال الذي تعنيه اطلاقا .
س - لقد أتعبتك بأسئلتي كوني لم أكن تقليديا, أردت استفزازك، ولى سؤال أخير، ماذا يريد القاص صلاح زنكنه من ثقافة الغد؟
ج - أنا ممتن لأسئلتك الذكية, أريد من ثقافة الغد أن تكون ذات أفق مفتوح على كل الاتجاهات والتيارات, أن تكون ثقافة خالصة شفافة علمانية، تنطلق الى رحاب الإنسان وترمم أوجاعه, لأن الثقافة العراقية ثقافة رصينة وأصيلة وذات إرث حضاري عميق، ثقافة الغد الحقيقية هي ثقافة الحرية !!
#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟