عمار سعدون البدري
الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 19:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شكّل الأمن المجتمعي واحدًا من الأعمدة الأساسيَّة لحياة المجتمع واستمراره وأداءه الوظائف والأدوار المنوطة به، بينما يسهم تهديد الأمن هذا وإضعافه في وجود مجتمع تحكمه تحدّيات تمنعه من وظائفه، لا بل تقضي على استقراره وثباته وتغيّر هويّته. وتؤدّي مجموعة من العوامل دورًا في تهديد الأمن المجتمعيّ. اضافة الى ذلك يمثل الأمن الاجتماعي حجر الزاوية في تقدم المجتمعات في كافة المجالات سياسياً واقتصادياً وثقافياً …إلخ، وهو مطلب للإنسان وللمجتمع، وهو المناخ التي تتحقق فيه الرفاهية والاستقرار والتنمية، الأمن الاجتماعي غايته القضاء على مثلث الرعب “الخوف والجوع والمرض”، ولا يتحقق إلا بتعاون بين الدولة والمجتمع.
وقد تعددت واختلفت الآراء حول مفهوم الأمن المجتمعي وعرفه البعض بأنه: "هو اطمئنان الإنسان على دينه ونفسه وعقله وأهله وسائر حقوقه، وعدم خوفه في الوقت الحالي أو في الزمن الآتي، في داخل بلاده ومن خارجها، ومن العدو وغيره، ويكون ذلك على وفق توجيه الإسلام وهدي الوحي، ومراعاة الأخلاق والأعراف والمواثيق.
يقوم الأمن المجتمعي على مجموعة من المقومات والاسس التي تعد ضابطا لتحققه في المجتمعات ، وابرز هذه المقومات هي: السلطة والنظام ، العدل والمساواة، التماسك والتكافل الاجتماعي ، الامن الاقتصادي، الحرية وسيادة القانون.
يمثل الأمن المجتمعي أهمية كبيرة للمجتمع وتظهر تلك الاهمية في أن الأمن المجتمعي في ذاته يؤدي الى الحفاظ على أمن الوطن وسلامته من الخارج ومقاومة الجريمة والعنف والحد من التطرف والارهاب؛ كما يعد الامن المجتمعي ركن التنمية وأساسها ؛ فهو وسيلة للسلم والتوافق بين افراد المجتمع ومنبع للحضارة.
واجه العراق بعد العام 2003 تهديدات متعددة و مختلفة الأنماط، و الفواعل، و النطاقات، و أن هذه التهديدات تركت انعكاساً على الواقع الأمني العراقي، ولتعزيز الامن المجتمعي في العراق لابد من مواجهة عدد من الملفات المهمة، من اهمها-
1. خطر الجماعات الإرهابية:يعد العراق اليوم أكثر الدول تضرّراً من الإرهاب حسب تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 Global Terrorism Index الصادر عن معهد العلوم الاقتصادية والسلم السويدي IEP بتسجيل 833 هجوما إرهابيا تعرض له العراق عام 2021 وهو الأعلى من أي بلد آخر. فما زال تنظيم داعش الإرهابي يهدد الامن القومي العراقي بما يشكله من خطر كبير، ومن المتوقع ان يقوم التنظيم رغم ما يتعرض له من ضربات بتجديد أساليب عمله. اضافة الى مشكلة تهديدات وجود عوائل داعش المحتجزين في المخيمات في العراق وسوريا ، حيث تشير الإحصاءات الى أكثر من 100 ألف شخص محتجزين في العراق داخل مخيم الجدعة ناهيك عن وجود نحو 30 الف عراقي في مخيم الهول السوري.
2. الوجود الأجنبي: وهو تهديد يتعلق بالتواجد او الوجود الأجنبي في العراق سواء وجود القواعد الامريكية او الشركات الأمنية الاجنبية او المنظمات الأجنبية او المستشارين الأمنيين او العمال الاسيويين والافارقة او الصحفيين الأجانب، سواء المقيمين في إقليم كردستان او بغداد وسائر مناطق العراق.
3. ارتفاع مؤشر الفساد: يعد الفساد بشقيه المالي والاداري احد المؤشرات الاساسية في تهديد الامن المجتمعي ، وان مستوى الفساد المالي والاداري للمؤسسات الحكومية يعد عاملا اساسيا في تراجع الاقتصاد وانخفاض الثقة بين الشعب والحكومة،ووفقا لمؤشر الفساد الذي نشرته منظمة الشفافية ، فقد استقر العراق خلال المدة 2013 – 2015 على المستوى (16) ثم ارتفع الى المستوى(17) خلال عام 2016 ، اذ احتل المرتبة (166) من(167) دولة شملها المؤشر . ومع اقتراب حلول العام 2024 ونهاية العام الحالي احتلَّ العراق المرتبة الـ 23 من بين 30 دولة المصنفة بأعلى بلدان العالم فسادا .
4. تفاقم مشكلة البطالة والفقر: هنالك مجموعة من العوامل ادت الى تفاقم مشكلة البطالة في العراق وارتفاع نسبها بشكل مباشر وغير مباشر وهي زيادة نسب نمو السكان العراقي والذي وصل الى (3.5 %) ، وضعف دور القطاع الخاص في مساهمته في الناتج المحلي العراقي، وضعف القاعدة الصناعية في العراق ، وذلك لان الاقتصاد العراقي ريعي يعتمد على الايرادات وتصدير الموارد الطبيعية وبالاخص النفط . أما الفقر في العراق فهو احد مؤشرات الفشل الاقتصادي ويمثل عجزا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.وان من العوامل المسببة للفقر البشري في العراق هو تزايد معدلات النمو السكاني العالية نسبيا، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي ، ضعف الادارة العامة ، والافتقار الى الخدمات الاساسية وهي الصحة والتعليم والتغذية ، فضلا عن فشل السياسات الحكومية وبرامج الاصلاح الاقتصادي.ووفق احصائيات وزارة التخطيط العراقية ان نسبة الفقر في العراق بلغت 25% من إجمالي السكان في العام 2022"، وأن هذه النسبة ارتفعت مقارنة بعامي 2019 و2020، حيث كانت النسبة لا تتجاوز 20 %.
5. انتشار السلاح المنفلت :ان انهيار الواقع الأمني في العراق دفع شرائح واسعة من المجتمع الى شراء السلاح للدفاع عن النفس وبسبب الحروب اصبح السلاح سلعة تباع على منصات التواصل الاجتماعي وهذا يمثل مشكله خطيره على الامن المجتمعي. اضافة الى النزاعات العشائرية التي تتكرر في محافظات الجنوب، وبعضها يستمر لأيام عدة، ويعمد خلالها المسلحون المتنازعون إلى استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة، تصل في بعض الأحيان إلى رمي قذائف صاروخية. أن "انتشار السلاح المنفلت وراء زيادة معدلات الجريمة، فحين يتاح للأفراد الوصول إلى الأسلحة بسهولة، سيقومون باستخدامها في أغراض غير قانونية، فضلاً عن تصعيد التوترات الطائفية والسياسية".
6. تهديدات الامن الغذائي والدوائي :في ظل غياب الرقابة من قبل الوزارات المعنية بالامن الغذائي والدوائي وانتشار الفساد الاداري والمالي في المؤسسات الرقابية التابعة لتلك الوزارات نشطت في العراق شبكات تعمل على جعل العراق ساحة تجارية لتوزيع واستهلاك المواد الغذائية الفاسدة او غير المطابقة لشروط الصحة والسلامة وهو ما يعد من الجرائم التي تضر بالمواطن والمجتمع .
7. التهديدات السيبرانية: تتضمن بيئة المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات العديد من التهديدات التي تمس بأمن المجتمع الرقمي، فقد أدى النقل السريع والعشوائي للبيانات الخاصة بالأفراد والمجتمعات للعالم الافتراضي إلى جعل أمنهم المجتمعي والهوياتي محلّ تهديد دائم، ويعاني في هذا الإطار المجتمع العراقي من التبعات السلبية للانكشاف الرقمي والاستخدام العشوائي لمنصات التواصل الاجتماعي التي تمس قيمه الأساسية وتغير في الكثير من الأحيان ثوابته الأصلية، كما تخلق أيضا العديد من المشكلات النفسية والهوياتية داخل المجتمع بفعل غياب عنصري الرقابة والردع.
8. استفحال ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها: تعد تجارة المخدرات وتعاطيها من الاسلحة الخطيرة والفتاكة اثرت بشكل كبير على امن المجتمع، وبينما تحول العراق من معبر للمخدرات إلى مستهلك في العقدين الأخيرين، حسب متخصصين، فإن تجارة وتعاطي المخدرات في البلاد وصلت إلى آفاق غير مسبوقة تنهش جسد المجتمع وخصوصا بفئة الشباب، وقُدرت أعداد الموقوفين بتهمة حيازة وتجارة المخدرات في إحصائيات عام 2023 بـ14 ألفا، في حين بلغ عددهم 17 ألفا سنة 2022، حسب آخر إحصائية رسمية أُعلنت نهاية العام الماضي بشأن أعداد المعتقلين بتهمة المخدرات والكميات المضبوطة منها.
الخاتمة
يعد الامن المجتمعي الركيزة الأساسية لضمان سلامة الأفراد والجماعات المختلفة الأمر الي يؤدي بدوره إلى بناء قاعدة ثابتة ومستقرة للمجتمع ومن ثم يعمل على تحفيز الأفراد نحو الابداع والاستقرار والحفاظ على الهوية الوطنية . إذ يعد الامن المجتمعي المحصلة النهائية لجميع الإجراءات التي تتخذها الدولة لتأمين الإجراءات التي تتخذها الدولة لتأمين المجتمع من خلال استغلال كل الطاقات بكافة جوانبها لتحقيق الحياة الكريمة لكافة مواطنيها خدمة للصالح العام.
ان نجاح أي إستراتيجية للامن المجتمعي في العراق لا يمكن ان يتم الا إذا وقفت على حقيقة مصادر التهديد داخليا وخارجيا، ولايمكن الاكتفاء بالإشارة اليها فقط، انما العمل لإيجاد معادل موضوعي للحد من خطورة التهديدات والمخاطر والتحديات في بلد يعاني من غبن الجغرافية السياسية ووهن الجيوبولتيك وضعف الدولة وعزلة الطبقة السياسية وفوضى الفضاء الإعلامي وانهيار منظومة القيم وضعف القانون وتنامي قوة جماعات الضغط على حساب الدولة. اذن لابد من إيجاد استراتيجية تبحث عن مواطن القوة لتعزيزها وعن نقاط الضعف لتجاوزها ومعالجتها، فالأمن في مجمله مفهوم وقائي يشمل جميع مرافق الحياة، يقوم على استباق الاخطار قبل وقوعها لا انتظارها ثم التحرك كرد فعل يكون فيه زمام المبادرة بيد للخصوم والاعداء والمنافسين.
التوصيات:
1. الحفاظ على الثوابت الوطنية المجمع عليها لدى أفراد المجتمع، واحترام الرموز الوطنية، وتجنب اللجوء إلى التدخلات الأجنبية والأجندة غير الوطنية مهما كانت الذرائع، للحفاظ على الأمن والاستقرار في المجتمع
2. توفير الأمن للمواطنين، وتكثيف جهود المؤسسات لبث الروح المعنوية وزيادة الانتماء الوطني عبر الإنجازات، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني كمساند للجهود الرسمية على كافة المستويات.
3. المعروف عن التنظيمات الإرهابية انها تجدد اساليبها واستراتيجيتها لذا يستوجب الانتباه واليقظة وتجديد الخطط ومضاعفة العمل الاستخباري لإجهاض محاولات إعادة التواصل بين العصابات الإرهابية وحواضنها.
4. ضرورة مواجهة السلاح المنفلت ،وذلك من خلال "تعزيز القدرات الأمنية، وتعزيز الجهود الدولية لمكافحة التهريب والاتجار غير المشروع بالأسلحة، إضافة إلى وضع منهاج تثقيفي لتوعية المجتمع بأهمية نبذ العنف، وما ينتجه ذلك من تنمية للأفراد والبلاد.
5. توفير الاحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع على كافة المستويات وتحسين ظروف المعيشة، وخلق فرص عمل متكافئة بين أفراد المجتمع وفتح باب العمل الحر، وتدعيم ذلك كله بقوانين وتشريعات قادرة على مواكبة التطور المعاصر.
6. وضع استراتيجية امنية لمكافحة المخدرات ترتكز على مبادئ عديدة، احدها التعاون مع دول الجوار لمكافحة ومحاربة المخدرات، باعتبار هذا الملف عابر للحدود الوطنية، وتكثيف الجهد الاستخباراتي ، اضافة الى توفير بنى تحتية خاصة لإيواء المحكومين المدمنين على المخدرات وإعادة دمجهم بالمجتمع والعمل على وجود فرق فنية تعمل على فحص مبكر للمتعاطين للمخدرات.
7. العمل على وضع برامــج شــاملة لاعــادة تأهيــل وادمــاج عوائل داعش المحتجزين في المخيمات وإعــادة ادماجهــم داخــل مجتمعاتهــم بمــا يحقــق التماســك الاجتماعــي ويمنــع خلــق حواضــن جديــدة للتطــرف العنيــف يمكــن ان تتصـدر المشـهد الارهابـي فـي العراق مسـتقبلا.
#عمار_سعدون_البدري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟