أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد شهاب - كربلاء: قراءة في الاحتجاج الأخلاقي














المزيد.....

كربلاء: قراءة في الاحتجاج الأخلاقي


أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)


الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 15:39
المحور: حقوق الانسان
    


في التاريخ الإسلامي، لا تمثل كربلاء مجرد حدث دموي يعتصر القلب ألمًا، أو مأساة تعيشها طائفة دون أخرى، وإنما هي مرآة للتوتر بين الشرعية الدينية والسلطة السياسية، ولحظة مفصلية تكشف هشاشة النموذج السياسي حين يُجرد من القيم.

فالإمام الحسين لم يخرج طامعًا بالسلطة، بل رافضًا لظلمها، ولم يكن مشروعه انقلابيا بالمعنى الذي يُدرس في العلوم السياسية، بل أخلاقيًا في جوهره ومضمونه، وحين طُلبت منه البيعة، لم يرفضها بوصفها إجراءً إداريًا خاطئا، وإنما رفض أن يمنح الشرعية لسلطة لا تستند إلى العدل.

والأهم ما كان يراه في ملامح السلطة فهي لم تعد ظلًا للنبوة، بل آلة قسرية تفرض الطاعة بالعنف، وهكذا لم يكن الامام الحسين يناهض شخص، وانما يفضح تصوّر هش للشرعية، وكأنه يقول ببساطة شديدة: إذا سُلب العدل، فلا شرعية للحكم.

ولو عدنا إلى عشرات الرسائل التي بعثها أهل الكوفة اليه، نلاحظ أنها لم تتضمن دعوات للثأر بقدر ما كانت نداءات من مجتمع يبحث عن بوصلة رمزية وسط فراغ القيم، وهي تعكس انتظار الناس لنموذج أخلاقي في السلطة، لا مجرد بديل سياسي، لكن المفارقة انه حين جاءهم، خافوا وتراجعوا.

الخذلان هنا ليس مجرد ضعف بشري، ولكنها اللحظة التي يتراجع فيها الصوت الجمعي عن الموقف الأخلاقي، وتُترك المبادئ وحيدة في مواجهة السيوف. في مواجهة ذلك أدرك الحسين حقيقة المأزق، فقال في واحدة من أبرز كلماته: “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة”.

في المنظور العسكري قد يُقال إن ثورته فشلت في تحقيق النصر الميداني، لكن بالنظر الى اهدافها يتضح ان ما بقي ليس الهزيمة، بل البوصلة التي تحولت الى منهج، لقد وضع الحسين معيارًا جديدًا: أن تُقاس الشرعية بما تحققه من عدل، لا بما تفرضه من أمر واقع.

ومن بين كل ما كُتب عن كربلاء، يبقى موقف السيدة زينب لحظة نادرة في إعادة تعريف الانتصار، حين قالت “ما رأيت - في كربلاء- إلا جميلًا”، لم تكن تغفل عن الدماء السائلة، بل كانت ترفض مقاييس الانكسار التقليدية، وتُذكّرنا أن البطولة ليست دائمًا في الغلبة.

ولا تنحصر دلالات كربلاء في إطارها الزمني، بل تمتد لتشكل نموذجاً إنسانياً متكرراً عبر التاريخ. فهي تعيد إنتاج المشهد ذاته الذي شهده النبي عيسى (عليه السلام) حين خذله أتباعه وقت اشتداد المحنة، ليأتي بعد قرون المستشرق ماسينيون فيكتشف في تراجيديا الحسين نفس ذلك الأثر الأخلاقي الكوني الذي يتجاوز حدود الدين والثقافة، مؤكداً أن مأساة كربلاء ليست سوى فصل جديد من فصول الصراع.

اعود قلبلا الى رواية تستحق التأمل، وتحمل كثافة في المشهد الذي نتحدث عنه. فعندما وقف الحسين أمام جيش عمر ابن سعد خاطبهم قائلاً: “إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارًا في دنياكم”، لم يكن خطابه موجهًا للمقاتلين كأعداء، بل كبشر خسروا بوصلتهم الأخلاقية، وهي محاولة أخيرة لتنبيه الضمير قبل أن يُحسم كل شيء بالسيف.

وهنا تُلامس كربلاء جوهر السؤال الأخلاقي الذي لا يشيخ، هل تُمنح الطاعة لمن نزع رداء العدل؟، فلم يكن الحسين يطلب نصرًا بالمعنى العسكري، بل كان يختبر يقظة الضمير في وجه القهر، وكما في كل عصر، حين يتردّد الناس بين الكرامة والسلامة، يعود السؤال من جديد: من الذي يستحق أن يُتبع؟.



#أحمد_شهاب (هاشتاغ)       Ahmad_Shehab#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من نحن؟ التنوع والهوية في عالم ممزق
- لماذا لا يمكن ان تفوز اسرائيل بالحرب؟
- الاستيلاء على الدولة
- الكويت ومسارات الإصلاح والتغيير
- أزمة دجاج في دولة نفطية - تحالف النظام مع التجار
- الهوايات الغريبة- الانغماس في الدفاع عن الظالمين
- الكويت :حتى لا تزعزع محطات الثقة
- الفرد الثوري وروح القانون
- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ
- دليلك الى تشكيل حكومة فاسدة
- نقاط القوة والضعف في وثيقة الكويت الإصلاحية
- تاريخ العراق خلال المئه عام الماضيه
- التجديد الفكري وفضائل التجديد
- الخروج من ذهنية الرهائن الشيعة
- توطين الديموقراطية في العالم العربي
- وكلاء الدين
- مواطن بدرجة مناضل
- حتى لا يكون العصيان هو الحل
- بيان شيعي ضد الفتنة
- نهاية الاستبداد


المزيد.....




- أبو عبيدة: المقاومة تستنزف الاحتلال وتعرض صفقة شاملة.. ونتني ...
- ألمانيا تعيد فتح ملفات طالبي اللجوء من غزة بعد تجميد طويل
- حرمان ملايين اللاجئين من مساعدات الغذاء والدواء والسكن والتع ...
- ترامب، مطاردة المهاجرين
- العفو الدولية تنتقد دعم الاتحاد الأوروبي لـ-إسرائيل- ورفضه ت ...
- نحن نموت ببطء.. شهادات من غزة بشأن تفاقم المجاعة
- منظمات المساعدة: الآعانة المالية لطالبي اللجوء لا تكفي
- وسط تقارير عن -إعدامات ميدانية- و-قتل تعسفي- في السويداء.. ا ...
- حملة اعتقالات واقتحامات إسرائيلية بأنحاء الضفة الغربية
- بأمر من المحكمة الجنائية الدولية... ألمانيا تعتقل ليبيا متهم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد شهاب - كربلاء: قراءة في الاحتجاج الأخلاقي