أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد شهاب - من نحن؟ التنوع والهوية في عالم ممزق














المزيد.....

من نحن؟ التنوع والهوية في عالم ممزق


أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)


الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 14:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا ينفصل سؤال التنوع عن إشكالية الهوية التي تشكل العصب الخفي لتاريخ المجتمعات الإنسانية. فالدولة الحديثة، بوصفها كيانا قانونيا وسياسيا، ليست مجرد أداة لإدارة التعدد، بل هي فضاءٌ لتفكيك الثنائيات التقليدية التي صنعتها الأيديولوجيات الأحادية: (نحن/الآخر)، (الأصيل/الدخيل)، (المقدس/المدنس).

هنا يبرز التناقض الجوهري للحداثة: فهي من ناحية تفرض مركزية العقل الكوني، ومن ناحية أخرى تُعيد إنتاج الخصوصيات الثقافية بصورة أكثر تعقيدًا. هذا التناقض يُفضي إلى إشكالية كبرى: كيف تؤسّس الدولة الحديثة هوية مرنة قادرة على استيعاب التنوع دون أن تتحول إلى آلةٍ لطحن الخصوصيات؟

التاريخ يعلمنا أن المجتمعات التي اختزلت هُويتها في سردية أحادية — سواء دينية أو عرقية — تحولت إلى كيانات هشَّة أمام تحولات العصر. فالنموذج الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، الذي حاول صهر التنوع في بوتقة القومية المتطرفة، أنتج كوارث إنسانية كبرى. بالمقابل، فإن المجتمعات التي اعترفت بـ"التنوع" كسمة أساسية للهُوية — كما في النموذج الكندي — استطاعت تحويل التعدد إلى نظام مرن قادر على استيعاب التناقضات.

لكن كيف ننتقل من "التسامح مع المختلف" كمفهوم سلبي يعيد إنتاج علاقة القوة إلى "التفاعل الجدلي معه" كشرط لبناء المعنى المشترك؟ الإجابة تكمن في نقد البنى الذهنية التي تسكن لاوعينا الجمعي.

فالهوية الوطنية ليست كيانًا ثابتًا يورث ، بل هي عملية تفاوض مستمرة بين الذاكرة التاريخية والواقع المتغير. فحين تُختزل الهوية في طقسٍ احتفالي جامد — كتماثيل جليدية — تتحول إلى أداة قمعية تُقصي كل ما يخرج عن سرديتها.

الخطر الحقيقي لا يكمن في وجود التعدد، بل في الخوف من فقدان النقاء الوهمي. هذا الخوف يغذيه خطابٌ ديني وسياسي يستخدم "الهُوية" كسلاح لتحويل التنوع إلى تهديد وجودي، وصراع اجتماعي.

لكن الفلسفة — من ابن خلدون إلى هابرماس — تذكرنا بأن الحضارات العظيمة وُلدت من رحم الاختلاف، لا من سجن التماثل. فالحضارة الإسلامية في عصرها الكلاسيكي لم تكن "إسلامية" بالمعنى الضيق، بل كانت فضاءً تتعايش فيه النصوص المقدسة مع فلسفة اليونان وعلوم الهند.

لنقرر ايضا ان الحداثة، رغم ادعائها الحياد، لم تكن بريئة من عنفها الرمزي؛ فهي تارة تذيب الفروق في بوتقة العولمة، وتارة أخرى تدفع بالهويات إلى الاختباء خلف أسوارٍ دفاعيةٍ متصلبة. ولعل أخطر ما في هذا الانزياح هو تحول الهوية من أداةٍ للانتماء إلى سلاحٍ للإقصاء، حيث يُعادُ تدويرُ الخطابات الدينية والثقافية لخدمة نزعاتٍ قبليةٍ بعباءةٍ حداثية.

لتحويل التنوع إلى قوة دافعة، علينا أولًا تفكيك الأسطورة المؤسِّسة للهُوية النقية، واعتماد "التوليف الحضاري" كمنهجية لفهم الذات. هذا يتطلب:

1. تعليما جذريا : يُحرر العقل من ثنائية "المركز والهامش"، ويعيد قراءة التاريخ كسلسلة من التمازجات لا الانفصالات.
2. موسسات مرنة: تسمح بظهور هويات فرعية دون خوف من تفكك النسيج الوطني.
3. خطابا دينيا واعلاميا: يعترف بشرعية وجود الآخر، لا كـ"ضيف" يُدار، بل كشريك في صياغة المصير.

في النهاية، لا يختزل التنوع في إصلاحاتٍ إداريةٍ أو شعاراتٍ سياسية، بل هو اختبار جوهري لقدرتنا على التعايش. إنَّ الهروبَ إلى أسطورة "الهوية النقية" ليس إلا محاولة يائسة لإنكار تعقيدات العصر، بينما الاعتراف بالتعددية يبقى المدخل الوحيد لبناء مجتمعات قادرة على الصمود. ففي عالمٍ تتهاوى فيه اليقينيّات، قد يكون التنوع هو آخر أوراقنا الرابحة.



#أحمد_شهاب (هاشتاغ)       Ahmad_Shehab#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يمكن ان تفوز اسرائيل بالحرب؟
- الاستيلاء على الدولة
- الكويت ومسارات الإصلاح والتغيير
- أزمة دجاج في دولة نفطية - تحالف النظام مع التجار
- الهوايات الغريبة- الانغماس في الدفاع عن الظالمين
- الكويت :حتى لا تزعزع محطات الثقة
- الفرد الثوري وروح القانون
- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ
- دليلك الى تشكيل حكومة فاسدة
- نقاط القوة والضعف في وثيقة الكويت الإصلاحية
- تاريخ العراق خلال المئه عام الماضيه
- التجديد الفكري وفضائل التجديد
- الخروج من ذهنية الرهائن الشيعة
- توطين الديموقراطية في العالم العربي
- وكلاء الدين
- مواطن بدرجة مناضل
- حتى لا يكون العصيان هو الحل
- بيان شيعي ضد الفتنة
- نهاية الاستبداد
- بيئة العنف


المزيد.....




- مشاهد قاسية توثق بحث أطفال من غزة عن الطعام في ظل الحصار الإ ...
- حاكم خيرسون يعلق على مخرجات الجولة الأولى من مفاوضات موسكو ـ ...
- مباحثات مصرية روسية حول الأوضاع في قطاع غزة وليبيا وسوريا وا ...
- من هم أطراف الاشتباكات الأخيرة في ليبيا وما الذي يحدث؟
- بغداد تنهي استعداداتها لاستضافة القمة العربية المقررة السبت ...
- البنك الدولي يعلن تسوية ديون سوريا واستئناف منحها القروض
- زيارة ترامب للخليج ـ دبلوماسية وتجارة وعلامات استفهام كثيرة؟ ...
- -سي إن إن-: زيلينسكي وميرتس وتوسك وستارمر تحدثوا مع ترامب بش ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل مروعة في قضية -سفاح المعمور ...
- فيدان يلخص نتائج المفاوضات بين وفدي روسيا وأوكرانيا في اسطنب ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد شهاب - من نحن؟ التنوع والهوية في عالم ممزق