أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكلاسيكية -قاطع طريق- ل زكريا صبح (أنموذجًا)















المزيد.....


القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكلاسيكية -قاطع طريق- ل زكريا صبح (أنموذجًا)


محمد عبدالله الخولي
كاتب/ ناقد/ باحث

(Mohammed Elkhooly)


الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 13:07
المحور: الادب والفن
    


يختلف بناء الشخصيّة بين القصة والرواية، فالأخيرة ترتكز على الشخصيات بشتى أنواعها موسعةً من أفقها مستغورةً في أبعادها النفسيّة والاجتماعيّة، بل البنية السردية في العالم الروائي – وفقا لمساحاتها – تغطي معظم جوانب الشخصية المعالجة فنيًا في فضاءات الرواية؛ ولذا نتذكّر – دائما – أسماء الشخصيات الروائيّة. أما في القصة – أحيانا – تقوم الشخصيّة بدور وظيفي بوصفها حاملةً للقيمة الموضوعية في القصة القصيرة، فلا يتوجّب على القاص أن يستغرق في وصف شخصياته ومعالجة الجوانب النفسيّة والاجتماعيّة لها؛ نظرا لضيق المساحة وارتكان القصة القصيرة على الحدث والتبئير على الموقف/ الموضوع، وضرورة التكثيف التركيبي في البنية السرديّة، ولا يضطر القاص إلى استغوار ماهية الذات/ الشخصية إلا عندما يقتضي الموضوعُ ذلك؛ ولذا لا يتذكر القارئُ أسماءَ الشخصيات في القصة لأنه يركز على القيمة الموضوعية للنص.

تغييب الأسماء في القصة القصيرة:
يختلف بناء الشخصية بين القصة والرواية في أمور كثيرة ومنها: تغييب اسم الشخصية وعدم الاعتناء به – خاصة في السرديات ما بعد الكلاسيكية – حيث ينصبُّ اهتمام القاص على المتعاليات النصية والمضامين والقيمة، وإن كانت الشخصيات تقوم بدور بنيويٍّ في تنشئة البنية النصيّة، حيث لا تقوم سردية إلا على كاهل شخصياتها، ولكن يجب التنويه أنّ الشخصيةَ في القصة القصيرة يُنظر إليها – أحيانًا – من الجانب البنيويِّ بوصفها مرتكزًا من مرتكزات البنية النصية، كما يُنظر إليها من الجانب الوظيفي "وأعتقد أن غياب الاسم في القصة القصيرة يرتبطا ارتباطًا وثيقًا بنوع الفن نفسه، وذلك لأنّ كاتب القصة القصيرة لا يريد لشخصياته الخلودَ الدائمَ مثل الشخصيات الروائيّة التي مازالت الجماهير تذكرُ على مرِّ الأجيال أبطالَها العظام(...) فإنك لو سألت أحدًا عن شخصيات كاتب كبير مثل نجيب محفوظ لأجابك بأنه يعرف(السيد أحمد عبدالجواد، زهرة، محجوب عبدالدايم حميدة. إلخ)، في حين أنه لا يتذكر شخصيات قصصه القصيرة." وهذا السمت – غالبًا – ما نلحظه في القصة القصيرة لا سيما الحداثي منها، وأظن أنّ تغييبَ الاسم أفضل من وَسْمِ الشخصيةِ به على سبيل الاعتباط دون أن يحمل الاسم دلالةً أو حمولةً تاريخيةً أو بعدًا اجتماعيًّا وإن لم يكن الاسمُ كذلك فهو عبءٌ على التركيب اللغوي الذي يرتكز – في الفن القصصي – على التكثيف بناءً والمضامين بوصفها قِيَمَاً موضوعاتية للنص " فالشخصياتُ في القصة القصيرة لا تحمل إلا شحنةً شديدةَ الحمولةِ، ترغب من خلالها في إثارة عقل المتلقي لفترة وجيزة تناسب في مدتها وقت القراءة... ولذلك فإذا كان الحال هو عرض موقفٍ في حياة شخصية أو بثُّ شكوى أو توصيل مضمون اجتماعيٍّ، أو غير ذلك مما تود القصةُ القصيرةُ طرحَه، فإن تحديدَ الاسم ليس بالضروري." وهذا متلاحظ في المجموعة القصصية "قاطع طريق" لزكريا صبح حيث غيّبَ القاصُ أسماءَ الشخصيات في مجموعته القصصية.
دائما يستدخل زكريا صبح شخصياته بضمير الغائبِ ثم يمنحُها فرصةَ الحديث عن نفسها بضمير الأنا، وأحيانا تظلّ الشخصية صامتةً ويتحدث السارد/ الراوي العليم نيابةً عنها ففي قصته: " الساكن الجديد" يقول: "كثيرا ما تخيّل الخط الوهمي الذي يفصل بين خارج العمارة وداخلها بأشكال عدة، فمرة يراه حائطا أصم بلا نوافذ أو أبواب أو حتى فرجة صغيرة كي يعبر إلى شقته الكائنة في منتصف المسافة بين ثلاثة طوابق أسفلها وثلاثة أعلاها." ثم يمنحه الساردُ ضمير أناه ليتحدث عن نفسه فيقول: "نعم أنا الجار الجديد الذي مرّ عليه هنا سبع سنين"
قصة "الساكن الجديد" تم تغييب اسم الشخصية، بل مارس السارد سلطتَه على الشخصية وسيجها بضمير الغيبة ولم يمنحْها ضمير الأنا إلا في حواريةٍ بسيطة في النص، والسبب في ذلك أن الشخصيةَ ليست مقصودةً لذاتها، بل القيمة الموضوعية التي يتحملها النص/ القصة. الساكن الجديد– أو القصة في عموميتها – تمثل حالة الصمت المخيّم على المجتمع تجاه المنكرات والتغاضي عنها، وأصبح هذا الصمت متشظيا في بنية المجتمع وانعزلت كل ذات عن محيطها – وفقا لتخوفها – من مكاشفة عالم الجريمة أو مجابهة التردي الأخلاقي في المجتمع حيث يترتب على فعل المجابهة ضررٌ بالغٌ بمن يحاول مكاشفةَ هذا الأمرِ أو مجابهتَه. فالعمارة السكنية- التي تُمارس في إحدى شققها جرائمُ أخلاقية – هي أيقونةٌ مصغرة من الواقع الخارجي الذي تُمارس فيه أخلاقيات متردية ويكتفي الناس بمناظرتها والتغاضي عنها تخوفا من مغبة التدخلِ في شؤون الآخر، ولعلّ السبب في ذلك تحولات الواقع/ العالم من حولنا حيث أصبحت كل شخصية منطويةً على نفسها منعزلةً عن محيطها. أما الساكن الجديد فهو تجسيدٌ لتمظهرات هذا التخوّف، فالشخصية ليست مقصودةً لذاتها بل القيمة والشحونات الدلالية التي تحملها، ولذا غيّب القاص اسمَها لأنه لن يضيف جديدا إلى بنية النص.
الشخصية الوحيدة التي منحها القاص اسما هي شخصية "نسيم" الذي عنونت القصةُ باسمه "نسيم" تحت ما يسمى بشعرية العنوان أو تماس الاسمِ مع المحيط الدلالي للبنية النصية. تحكي القصة عن مدرس يتنافر مظهره مع مخبره، تنبعث منه روائحُ عطرية نفّاذه يوحي عبقُها بأنّها باهظةُ الثمن وهذا ما لا يستطيعه "نسيم" ولذا حامت الشكوك والتآويلُ حوله حتى زوجته تشككتْ في أمره واتهمته بأنَّه يعرف غيرها. الحقيقة أن "نسيم" كان يمرّ كلَّ صباح على أحد المولات ويتعطّر بحجة الشراء ثم يتعللُ ولا يشتري. منحه القاص اسمًا يتماس مع شخصيته بوصفها حاملةً للقيمة الموضوعية للنص، ومن ناحية أخرى يحتك هذا الاسم بالمحيط الدلالي للقصة. يقول:
"انعطف نسيم نحو المول الجديد الذي لم يمر على افتتاحه بضعة شهور، دخله ووضع قدمه على سلَّمه الكهربائي فرقص قلبه فرحا، تجاوز مدخله الواسع فلفحه هواء التكييف البارد، واخترقته رائحة العطور التي دوخته... تراقبه زوجته من بعيد، تحدث إلى البائع لثوانٍ كانت كفيلة بإقناع البائع أن يفتح درجا سريا ويخرج من قنينة من زجاج كاللؤلؤ... انتشى نسيم للرائحة، ثم شكره واعدا إياه أن يعاوده كي يشتري منه زجاجة صغيرة." إنْ غُيّبَ اسم الشخصية هنا أظنه لن يضر البنية النصية بمستوييها: (العميق/السطحي)، بيد أنّه أضاف إلى العنوان وميضًا شعريًّا، وأظهر الجانب العاطفي/ الجمالي في الشخصية "نسيم" التي تواجه برقتها عنف التأويل في الواقع.
في قصته "رجلان" كان القاص مضطرًا أن يمنح كلَّ شخصيّةٍ اسمَها حيث يرتكز الموضوع النصيُّ على التشابه بين الاسمين وما حدث من لبس في استدعاء أحدهما إلى مبنى "ماسبيرو" حيث بنت الشخصية الأولى "زكريا صبحي حسين" أملَها على حُلم اللقاء الإذاعي في ماسبيرو وعند الدخول إلى المبنى تفاجأ أنّ المُستدعى الحقيقي "زكريا صبحي حسن" فتبددت أحلامُه. هنا توجّب على القاص ذكرُ اسم الشخصية لتبيان حالةِ اللبسِ والتشابه بين الاسمين، وما ترتب على ذلك من تمظهرات الدهشة والانكسار. هاتان القصتان: [نسيم/ رجلان] ذكر فيهما القاصُ اسم الشخصية لغايات نصيّة ذكرتها آنفا، بينما باقي المجموعة القصصية تم تغييب أسماءِ الشخصيات لأنها ليست مقصودةً لذاتها بل عاملًا وظيفيًّا حاملًا للقيمةِ الموضوعيّة للنص، ففي قصته "الطائر" والتي يعالج فيها قضية (الانتحار) لم يمنح المنتحرَ اسمًا ولم يستغورْ ذاتَه؛ لأنّ القاصَ انشغل بتوصيفٍ سرديٍّ لمشهديّةِ الانتحارِ بغيةَ الانعتاقِ من قيودِ الواقع فلم ينشغلْ بمسمى الشخصيّة ولا بأسباب الانتحار لأنّ مقصدية النصِّ ترتكز على التوصيفِ المشهدي للانتحار وفكرةِ التَّحررِ من القيودِ المجتمعيّةِ.
المهنة مُعَرِّفًا شخصيًّا:
بعد أنّ غيّبَ القاصُ أسماءَ الشخصياتِ ولم يُعرها اهتمامًا وتغاضى عن ذكر أسمائِها، ولم ينوّه عنها إلا وفق ما تقتضيه الضرورة النصية/ الموضوعية كما فعل في قصتي: (نسيم/ رجلان)- كان لزامًا عليه أن يبحثَ عن مُعَرَّفٍ شخصيٍّ يُظهر الجانبَ الاجتماعيَّ أو النفسيَّ للشخصية حيث "يعد الوقوف على مهنة الشخصية أمرا مفيدا في التعرف على طبقتها الاجتماعيّة التي تنتمي إليها، كما أنه يفيد في التعرف على جزء كبير من مشكلاتها التي تعاني منها." وهذا ما فعله الكاتب زكريا صبح مع شخصياته حيث لجأ إلى تعريف شخصياته من خلال المهنة فالأخيرة "أداة تعريف للشخصية التي يستغني الراوي عن ذكر اسمها مكتفيا بتعريفها بمهنتها." وقد وقعت جميع المهن في المجموعة القصصية "قاطع طريق" في حيّز طبقيٍّ ينحاز إليه الكاتب إنسانيًّا كــ: (السائق/ الموظف/ المدرس/ النجار/ المحاسب/ العامل/ عامل النظافة/المدقق اللغوي/ المؤلف/ الناقد) تمثل هذه المهنُ قطاعًا كبيرًا من المجتمع وتشكلاته البنيويَّة المُنشِّئة له.
تمثل – غالبية هذه المهن – الفئاتِ التحتيّة/ المطحونةِ في السياق المجتمعيِّ. وتتوزع على ثلاثة أنماط: العمل العمومي (الحكومي) المنتظم كــ (المدرس- الموظف)، العمل المهني اليومي كــ (السائق- النجار)، والعمل الوهمي – وفق سياقات النظرة المجتمعية – حيث لا تعد هذه المهن عملا رسميا كــ (القارئ الناقد- عامل النظافة غير الرسمي الذي يمارس مهنة التسول بملابسه التي تشي بحاجته واحتياجِه). تقوم هذه المهن بدور المعرِّف الشخصي، وتتجلى من خلالها تمظهراتُ الواقعِ المجتمعيِّ لهذه الشخصيات – خاصة – تلك التي تمتهن مهنًا غيرَ رسميّةٍ وما تعانيه تلك الشخصيات من انكساراتٍ وخيبات في محيطها المجتمعيِّ، ومن هذه الانكسارات التي يرصدها القاص انكسارَ القارئ/ الناقد الذي يمارس مهنة النقد/ القراءة بشكل غير رسمي. فبعد أن كانت تزدان به المنصات النقدية، وكان أول المتحدثين تقدم به العمر وتغيّر وضعُه وأصبح في آخر الصف بعد أنْ كان في مقدمته، وربما لا يُسمح له بالكلام إلا في حدود زمنية ضيقةٍ وأصبح عالةً على المنصات. يخشى دائما سؤال الناس له: ماذا تعمل؟ كان دائما ما يتخيّر إجابات تحفظ له ماءَ وجهه، فيقول في قصته "الوظيفة قارئ": "لم أجد بُدًّا من اختلاق وظيفة جديدة تناسبني بعد أنْ احدودب الظهر، وتيبّست المفاصل، وارتعشت الأطراف، هل أقول لهم أنا موظف في إحدى الشركات؟ وأي شركة تقبل برجل جاوز السبعين بقليل، لا يتحرك إلا ساحبًا قدمًا تلو أخرى؛ لأنه لا يستطيع رفعهما عن الأرض. هل أقول لهم أنا مدقق لغوي...لمعت الفكرة في رأسي عندما سمعت أحدهم يقول لي: لقد أرهقت نفسك في قراءة العمل، ولست أدري كيف أشكرك. عندما قابلني في ندوة لاحقة منحني بعضَ الفئات الورقية... الآن أقول لمن يسألني عن عملي، قارئ، لم أعد شاعرا بالخجل، أصبحت أفاخر بنفسي كلما أطلّ عليّ أحد أبنائي أو زارتني زوجتي." هنا، ومن خلال المهنة المتوَّهّمة يرصد لنا زكريا صبح مدى الانكسار الذي تعرضت له شخصيةُ الناقد – الذي ضيّع عمرَه على المنصات دون أدنى فائدة – الذي أوهمته الأضواءُ، وبعد أنْ تقدَّم به العمر وجد نفسَه في عالمٍ من السراب. وفي قصة "نسيم" المدرس هذه المهنة هي التي شككت فيه محيطَه الطبقيَّ؛ فكيف يقوى المدرسُ – مع ما يعانيه – من شراء هذه العطورِ الغالية المستوردة، وفي قصته "هروب" تتجلى لنا معاناةُ طبقة السائقين ومن على شاكلتهم من الذين يتكسّبون قوتَهم يومًا بيوم أو كما يقولون: "على كف الرحمان". يخرجون من بيوتهم، وليس في حوزتهم سوى السَّتر، يقطعون يومَهم في تعبٍ وشقاءٍ بغيةَ أن يعودوا لأولادهم بما يسد حاجتَهم ومتطلَّباتِهم الحياتيّة، فيقول: " قالها وهو يبكي بحرقة، وضع وجهه بين يديه مداريا ضعفَه، كان فتقا صغيرا في قميصه ظهر من خلاله جسده جعلني أشفق عليه... نزل يسحب قدميه بصعوبة رغم فتوته البادية، مضى يتلفت كلص يخاف القبض عليه، كان نحيفا إلى حد ما."
ترميز الواقع وانفتاح البنية على التأويل:
من جماليات البناء القصصي (الحداثي) الميل إلى عملية الترميز والخروج من شرط الواقع وقيوده، ثم التعبير عنه بشكلٍ رمزيٍّ ومن هنا تقع القصةُ في جدليَّة الحضور والغياب، حيث يغيب الواقعُ بصورته ويحضر في العالم الرمزيّ في البنية السردية. في قصته "عطش" يعاني كلٌّ من (الحصان/ صاحبه/ الشجرة) العطشَ في وُسْع الصحراء، فلم يتخلّ الرجلُ عن حصانه بل تحمل كلاهما عبءَ الشجرة وحملاها ومَضَيَا بها بحثًا عن الماء.
القصة بناء رمزي متخيّلٌ يستبطن حمولاتٍ دلاليةً لها علاقةٌ بالواقع الخارجي. هذا الواقع تخلَّص من صورته ودخل العالم النصيَّ عن طريق حمولةٍ رمزيةٍ تُشير إلى التضحية من أجل الآخر، ولن تستقيم الحياةُ أو ينوجد الماء – بوصفه رمزا للحياة – إلا بالتضحية وتَوَحُّدِ الذواتِ في صحراء الحياة بشكل متناغمٍ يجعل كلَّ ذات تتماهى مع آخرها لتتجلى معاني الإنسانية في أبهى صورها، بل ينفتحُ النصُّ وفقَ ممثلاته السيميائية إلى حالة من التوحد بين الإنسان والوجود بوصف الأول- خليفة لله على أرضه. دخل الواقع محمولاً في بنيةٍ رمزيةٍ انفتح بها التأويلُ على مساربَ كثيرةٍ كلّها تدور حول علاقة الذات بآخرها، وعلاقة الإنسان بالعالم/ الوجود. وهذا ما نصت عليه قصة "عطش" ولكن في بنية رمزية تتعالى على الواقع وتنغمس في مائه في آن، حيث يتصل الواقع بالنص موضوعيًّا وينفصل عنه في تمثيلاته النصيَّة الفنية. وهذا ما تجلى في قوله:
"بكى الحصان من أجل نفسه ومن أجل صاحبه، ثم سمع الرجل يقول له، ماذا نفعل؟ هنا مالت الشجرة عليهما، وقالت احملاني إلى الماء فإني في غاية العطش، فجعل الرجل نصف الشجرة فوق كتفه، ونصفها الآخر فوق ظهر الحصان ومضوا يبحثون جميعا عن الماء."

تجسيد المعاني وأنسنة الأشياء:
تجنح السردياتُ ما بعد الكلاسيكيةِ إلى ما يسمى بالسَّرد (غير الطبيعي) والأخير له تمثلات كثيرة في العائلة السرديّة ومنها استدخال الكائنات غير البشرية واندغامها مع البنيةِ السردية شريطةَ أن يكون دخولُها دالاً حال تلقي النص من قِبل القارئ. ومنها استنطاق الكائنات غير البشرية أو تجسيد المعاني في الأشياء دون استنطاقها. يستطيع القارئ أن يفكك السرود غير الطبيعية بما تحمله ذاكرتُه الثقافيةُ من تحولات السرد عبر تاريخيته فــ " قارئ النص السردي يتعامل معه ليس على أساس أنه يمتلك خصائص سردية، ولكن على خلفية بسط أطر سردية معرفيّة تدفعه إلى تأويل (الحيوانات- الأشياء)، مثلا، في أمثولة، على أنها شخصيات، مثلها في ذلك مثل شخصيات بشريّة تقوم بدورها في العمل السردي. إنّ النصوص السردية يُكيِّفها القارئ مما يجعل المحاكاة مغايرة لتقليد الواقع، ولكنها لبنةٌ سيميائيةٌ يسترجعها القارئ كواقع خياليٍّ، ويعمل على دمج أبعادها السرديّة." فكل سرد غير طبيعي مهما تباعد عن منطقية الواقع قابل للتأويل "أي كلُّ سردٍ يستعمل نماذج مختلفةً عن تلك التي يُقدمها السرد المحاكاتي الواقعي. ويُضرب لذلك مثال الحكايات العجائبية، والأعمال الفانطاستيكية لأنها بدورها، وإن كانت (غير واقعية) تُسجل في إطار التوافقات التي نجدها في الأعمال السردية الواقعية." بناءً على ما سبق نستطيع أن نفرق بين السرد الكلاسيكي/ المحاكاتي والسرد غير الطبيعي الذي يحيد – وفق تمثلاته – عن الواقع/ المنطق، ومع انغماسه في الحمولاتِ غير الطبيعةِ يستطيعُ المتلقي أن يلمح ويتأوّل المعاني المجسدة في هذه الحمولات الرمزية. ففي قصته " تمرّد" تتمرد ماكينات/ آلات النجارة على صاحب الورشة بعد أن انهال ضربًا على إحدى الماكينات حيث أكلت الأخيرةُ أصابعَ عاملٍ من العمّال، فاستشاط صاحبُ الورشة غضبًا ورفعها من ورشته بعد أن انهال عليها ضربا.. فتمردت الماكيناتُ على صاحب الورشة وتوقّفت عن العمل، فيقول: "لعنتها سببتها، ثم انهلت عليها ضربا بكل ما طالته يدي، كانت ساكنة لم تبدي أيَّ انفعالٍ، مددت يدي أسفلها باحثا عن أصابع الرجل، خرجت بها وسط (النشارة الناعمة)، قشعريرة ضربت جسدي وخوف شديد اعتراني، حاولت اللحاق بسيارة الإسعاف التي حملت الرجل إلى المستشفى، نظر الدكتور في عقلات الأصابع وأصدر حكمه: لن نستطيع إعادتها مكانها، عدت وقد أقسمت أن أبيعها من توها، جاءت سيارة كبيرة وعدة رجال أقوياء، رفعوها فوق السيارة، أغلقت باب ورشتي وذهبت غاضبا، والآن أدركت سبب تمرد كل معدات الورشة على صاحبها." تُجَسِّد هذه الفقرة معنى الوفاء والأخوة الحقيقية التي يتغياها الكاتب في عالمه الإنساني، ولما افتقدها جسدها في الأشياء من حوله لتكون أكثر وقعًا على المتلقي. بينما أحدث الكاتب بهذا التجسيد مفارقة بين الإنسان وغيره من الأشياء؛ فبعد أن بُترت أصابع العامل لم يتوقف العمل وستأخذ الحياة – في الورشة – دورتها الطبيعيّة مع غياب هذا العامل الذي ربما أنفقَ عمرَه كلَّه في خدمة صاحب الورشة، ولكن غيابَه لن يؤثر في شيء، بينما توقفت الماكينات عن العمل رفضا وتمردًا لغياب أختهن.

التماهي الشعوري مع العالم وهيمنة النزعة الإنسانية:
تتمايز المجموعة القصصيةُ "قاطع طريق" بهيمنة النزعة الإنسانيّة التي ترسّخت في العمل بصورته الكلية، فلم تخلُ قصة من المجموعة من الجانب الوجداني/ الإنساني بوصفه ركيزةً موضوعيّة ينبني عليها العمل في عموميته. تجاوزت النزعةُ الإنسانيّة – عند زكريا صبح – الواقعَ الإنسانيَّ وتماهت مع الموجودات في العالم وتجاوبت معها شعوريًّا، وهذا الملمح منوجدٌ في المجموعة القصصية بشكل ملفت ففي قصته "الحصان" يرصد لنا القاص معاناةَ الحصان الذي يجر عربة (الكارو) لينقل أصحابَه إلى السوق مع ما يناله منهم من ضرب وإهانات، ولما أوشك على الموت لم يعبأ به أحدٌ، بل تركوه بلا رحمة على شاطئ الترعة، بينما هو ينتظر منهم عكس ذلك – ووفق تخيلاته – منحه الموتُ فرصةً ليرى بعينيه أن مهمته قد انتهت ولن يلتفت إليه أحدهم. في صبيحة اليوم التالي أغمض الحصان عينيه حسرةً وغرق في سباتٍ عميق عندما رأى حصانا آخر يجر العربةَ. هذا التجاوب الشعوري بين القاص/ السارد والموجودات غير الإنسانيّة يدل على طغيان النزعة الإنسانية وتشظيها داخل المجموعة القصصية "قاطع طريق" وعن تجاوبه الشعوري مع الحصان المهدور حقه يقول القاص: " في الصباح عند اكتمال شروق الشمس رأى أهله فوق العربة يضحكون، يجرهم حصان فتي، أغمض عينيه وراح في سبات عميق. قبل الغروب كان السوط يلهب ظهر الحصان الجديد، لما وقعت عيناه على الحصان الراقد على حافة الترعة استشاط غضبا وانتابته حالة هياج، انطلق بالعربة ومن عليها نحو الترعة، سقطوا جميعا، وحلقت روح الأصيل فوقهم.
تجليات الرؤية الباطنية في الكون التخييلي:
هناك من الشعوريات الباطنية ما ينتاب الذات ولا تستطيع التعبيرَ عنه إلا من خلال كون تخييلي، ويصبح الأخير تجسيدا متخيلا لعالم الذات الباطنية. فعملية الإبداع – بوصفها معاناة أو مخاضًا – يمر به كل مبدع حقيقي، حيث يصبح النصُّ الإبداعيُّ مولودا تربطه بالمبدع علاقة رحموتية مُتكونة من أحاسيس الأبوة والأمومة في آن. هذه الشعوريات استطاع القاص زكريا صبح أن يجسدَها في كونٍ تخييلي في قصته "رجل ولود" والتي استهلها بقوله: "جاءني المخاض إلى ظل شجرة فوضعتها أنثى، لم تكن المرة الأولى التي أضع فيها مولودتي في الطريق العام، فعل شائن لا يليق برجل، لحظة انجذاب كبرى أغيب فيها عن الوعي... أغمض عيني، تظل ضربات الجنين تؤلمني، أبسط لنفسي فراشا من ورق، أتعلق بقلم في يدي... ذات مرة صف أحدهم سيارته خلف سيارتي، اقترب مني، لما رآني أتصبب عرقا ناولني زجاجة ماء، سمعت صوته كأني في حلم، كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، الرجل غائب عن الوعي، ثم صرخ من هول المفاجأة عندما رأى أنثى مولودة للتو... رأيته يرتعش يضرب نفسه في مقود سيارته، كان يحدث نفسه قائلا: زمن شاذ، عشنا حتى رأينا الرجل الولود." استغرق القاص في كونه المتخيل ووصل إلى أقصى درجة من التخييل حتى تمظهرت أمامنا تلك المعاناة التي يمر بها كل كاتب وهو ينتج/ يلد نصه الإبداعي، ولم تكن تصل إلينا هذه الشعوريات إلا من خلال هذا الكون التخييلي، ولم يقف زكريا صبح عند هذا الحد بل تجاوز حدود المنطق وجعل الرجل يلد، وهذا غاية الجنوح في عملية التخييل، فلو كانت المبدعة المنتجة نصها عبر عملية الولادة أنثى لكان الأمرُ أقلَّ وطأة على المتلقي من كون الرجل/ المبدع يلد؛ وهذا الجنوح منح القصة جمالاً متمايزًا وأفقًا إبداعيًّا جديدًا.
تجليات النسق المضمر وتداخل الواقعي والميتافيزيقي:
توزعت البناءات السردية – في المجموعة القصصية (قاطع طريق) – على ثلاثة أنماط: السرد المتخيل، السرد الواقعي، والسرد المتداخل، والأخير يعني تداخل الواقعي مع الميتافيزيقي الغرائبي. حيث تنبني القصة على مرتكزات الواقع ثم تتداخل مع الميتافيزيقي العجائبي وهذا ما أطلق عليه (التضفير) حيث يتماهى الواقعي مع الغرائبي في العالم السردي دون أنْ تشعر بارتباك في البنية النصية. وبين الواقعي والعجائبي تتجلى المضمرات الثقافية المشكّلة للوعي المجتمعي. في قصته "قاطع طريق" يظهر شبح/ عفريت الأب ليقطع الطريق على الناس بعد أن حُرم من زيارة ابنه له بعد أن تهدَّمت المقبرة وتم نقل الرفات إلى مكان آخر فانقطع ابنه عن زيارته. هنا مارس الأب (الميت) فاعليته على المكان وظهر شبحه، يستوقف المارّة ويُحَمِّلُهم رسائلَ شوقِه إلى ابنه طالبًا منهم أن يبلِّغوه هذه الرسائل ليأتي لزيارته كما يأتي الآخرون لزيارة ذويهم. هنا يتمظهر النسق الثقافي المضمر: أن الأرواح - بعد خروجها من الجسد – تظل على اتصال بالعالم، بل تمارس حركيتها في الوجود وتمارس عنفها على العالم إن اعْتُدِي عليها أو على ذويها، تنشد التواصل مع أحبابها وينتابها الحزن والانكسار إن امتنع أحبابُها/ أهلها عن زيارتها. كل هذه المضمرات مختزلة داخل وعينا الجمعي نظرا للموروث الديني، وما سمعناه من حكايا الأموات وتواصلهم مع الأحياء.
المجموعة القصصية "قاطع طريق" للكاتب زكريا صبح تعددت أنماطها وتوزعت بين ما هو واقعي ومتخيل والمزج بينهما في بنية نصية واحدة. كما انمازت ببعدها الإنساني واستغوارها للذات الإنسانية وتوحدها مع العالم. تمتعت بلغة أدبية رشيقة ليست مستغرقة في التخييل ولا متقاربة من الحكي المباشر. ولكن المجموعة القصصية في بعض المواضع كانت في حاجة ماسة لحبكة سردية درامية أكثر إقناعا وإدهاشا في آن.

الهوامش والإحالات:

- نبيل حمدي الشاهد، بنية السرد في القصة القصيرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2016، ص 36.
- المرجع نفسه، ص 37.
- نبيل حمدي الشاهد، بنية السرد في القصة القصيرة، (مرجع سابق)، ص 63.
- نفسه، ص 71.
- سعيد يقطين، السرديات ما بعد الكلاسيكية، بيت الحكمة، ط1، القاهرة، 2023، ص 260.
- سعيد يقطين، السرديات ما بعد الكلاسيكية،(مرجع سابق)، ص 263.



#محمد_عبدالله_الخولي (هاشتاغ)       Mohammed_Elkhooly#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصة القصيرة المتخيل الذاتي والتخييل المرجعي ورصد تحولات ال ...
- تَشَكُّلَاتُ الأنا صُوفِي بين عمق التجربة وسيولة التعبير قرا ...
- استراتيجيات التناص وآليات الخلاص من أزمة المصطلح -دراسة تحلي ...
- تَشَظِّي الخطابات وانكشاف النسق المضمر في رواية -حجر نفيسة ب ...
- سرديات (اللامرئي) بين الواقع والمتخيل في القصة القصيرة قراءة ...
- الرواية التاريخية: فانتازيا المصطلح وماهية التمثيل
- سردية الروح في مقامات البوح قراءة نقدية في المجموعة القصصية ...
- تجليات الذات الأنثوية ومكاشفة الأنساق المضمرة في الوعي الجمع ...
- شعر العامية المصرية بين إنسانية المعنى ودهشة التصوير ديوان - ...
- النيرفانا الشعرية وجماليات الانتهاك قراءة نقدية في ديوان -أن ...
- الشعر بين جمالية التركيب وعمق الرؤية قصيدة -ندبة زرقاء- لوسا ...
- انشطار الهويَّة بين فلسفة الرؤية وشاعرية البناء قراءة نقدية ...
- النص الشعري بين هيمنة المبدع وسلطة القارئ ديوان - من أحوالها ...
- الرواية والواقع وأيديولوجيا المجتمع قراءة نقدية في رواية - س ...
- السرد الروائي من التاريخ إلى الاستشراف جدلية الزمن واللازمن ...
- الرواية بين الواقعية والرمزية قراءة نقدية في رواية - بتوقيت ...
- ملائكيّة الرؤيةِ وفنيّةُ التشكيلِ – قراءةٌ نقديّةٌ في أعمالِ ...
- أحلام النوارس
- قصدية النص واشتغال العلامة السيميائية قراءة تأويلية في شعر م ...
- سيف من العهد القديم


المزيد.....




- مصر.. غرامة مشاركة -البلوغرز- في الأعمال الفنية تثير الجدل
- راغب علامة يسعى لاحتواء أزمة منعه من الغناء في مصر
- تهم بالاعتداءات الجنسية.. فنانة أميركية تكشف: طالبت بأن يُحق ...
- حمامات عكاشة.. تاريخ النوبة وأسرار الشفاء في ينابيع السودان ...
- مؤلَّف جديد يناقش عوائق الديمقراطية في القارة السمراء
- الأكاديمية المتوسطية للشباب تتوج أشغالها بـ-نداء أصيلة 2025- ...
- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكلاسيكية -قاطع طريق- ل زكريا صبح (أنموذجًا)