أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان














المزيد.....

30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 09:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في صباح 30 يونيو 2019، تحولت شوارع الخرطوم إلى مسرح للصراع الطبقي في أبهى تجلياته. لم تكن الملايين التي خرجت مجرد حشود عابرة، بل كانت تعبيرًا ماديًا عن تناقض تاريخي بين قوى الإنتاج الاجتماعية - العمال، الفلاحين، والمهمشين - وبين آلة الدولة القمعية التي تحرس مصالح الرأسمالية الطفيلية والعسكر. هذا اليوم لم يكن منعزلًا عن سياقه، بل كان ذروة مسار جاء عبر ثورة ديسمبر 2018، حيث برزت اللجان الشعبية واعتصام القيادة العامة كأشكال جنينية لسلطة مضادة، تشبه "السوفييتات" التي ظهرت في الثورة الروسية عام 1905، قبل أن تتطور إلى سلطة عمالية فعلية في 1917.

عندما اقتحمت قوات الدعم السريع اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، لم تكن تقتل المتظاهرين فحسب، بل كانت تقتلع بدم بارد إمكانية تحول الثورة إلى سلطة شعبية دائمة. هذه المجازر ليست أحداثًا عشوائية، بل آليات بنيوية لنظام قائم على الريع والنهب. التاريخ يعلمنا من كومونة باريس 1871، حيث ذبح الجيش الفرنسي عشرات الآلاف من العمال خلال أسبوع واحد، أن أي شكل من أشكال السلطة الشعبية المباشرة يشكل تهديدًا وجوديًا للطبقة الحاكمة. وبالتالي، فإن مجزرة القيادة العامة ليست إلا تجسيدًا لهذا القانون التاريخي.

ما جعل 30 يونيو لحظة استثنائية هو كسرها - ولو مؤقتًا - معادلة الخوف. كما رفض عمال بتروغراد أوامر القيصر في فبراير 1917، وأثبتت جماهير القاهرة في يناير 2011 أن الجدار الأمني يمكن اختراقه عندما تصل التناقضات الطبقية إلى ذروتها. لكن الثورة الروسية انتصرت لأن البلاشفة قدموا برنامجًا واضحًا: "الأرض للفلاحين، المصانع للعمال، إنهاء الحرب"، بينما ظل الحراك في السودان يعاني من غياب أدوات سياسية قادرة على تحويل الزخم الجماهيري إلى استراتيجية حكم واضحة.

الوثيقة الدستورية التي تلت 30 يونيو كانت أداة لاحتواء الثورة وتحويل مطالبها الجذرية إلى طقوس شكلية، تمامًا كما فعل "الدستور البروسي" بعد ثورات 1848 في أوروبا، حيث منحت حقوقًا شكلية مع بقاء الملكية تملك السلطة الحقيقية. هذه الوثيقة، التي جمعت بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، تركت العسكر يحتفظون بسلطتهم الكاملة، مؤكدين أن الثورة التي لا تمتلك تنظيمًا ذاتيًا تتحول إلى مجرد مراسم بلا فاعلية.

انقلاب 25 أكتوبر 2021 جاء كخطة حتمية من الطبقة الطفيلية التي رفضت التنازل عن سلطتها وأدوات قمعها، فاستعانت بالقوة العارية لإجهاض التحول الديمقراطي الهش. ردود الفعل الشعبية والدولية لم تغير من واقع استمرار الدولة كآلة قمع طبقية، بل إن القمع تزايد، وبدأت الدولة في التحول إلى حرب أهلية مفتوحة.

اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع يكشف الوجه العنيف للثورة المضادة، حيث استهدف طرفي الصراع المدن والأحياء، موجهة ليس فقط ضد خصوم سياسيين، بل ضد الوعي التنظيمي والثوري الذي نشأ في هذه الأحياء. هذا المسار يذكّر بتاريخ مشابه في سوريا، حيث استُهدفت أحياء منظمة لتمزيق النسيج الثوري، وأيضًا بما حدث في إسبانيا عام 1936 حين دعمت الطبقة البرجوازية فرانكو ضد الجمهورية في حرب أهلية دموية.

تجربة 30 يونيو تثبت أن الوعي التلقائي الذي وصفه لوكاتش وحده لا يكفي؛ الثورة تحتاج إلى "حزب كذاكرة طبقية" كما وصفت روزا لوكسمبورغ، أداة قادرة على توحيد نضالات العمال والفلاحين والمهمشين ضمن برنامج سياسي واضح يسعى لتفكيك الدولة القديمة وبناء سلطة شعبية حقيقية تقوم على المجالس المحلية والجمعيات التمثيلية المباشرة.

عبر التاريخ، تؤكد الثورة الروسية 1917 هذا الدرس، حيث تمكن البلاشفة من توحيد الطبقة العاملة وتحقيق نصر تاريخي، بينما فشلت الثورة الألمانية 1918-1919 بسبب ضعف التنظيم السياسي، مما سمح للقوى الرجعية باستعادة السلطة. وفي الصين 1949، أظهر الحزب الشيوعي كيف يمكن للتحالفات الواسعة والقيادة المركزية تحويل المجتمع، في حين كشفت الثورات العربية عام 2011 عن قوة الشارع المشتعل وضعف التنظيم السياسي الثوري، ما جعلها عرضة للإجهاض، وهو ما حدث لاحقا في سودان ما بعد 30 يونيو.

إلا ان ذكرى 30 يونيو تظل أكثر من مجرد يوم نضالي، بل تجسيدًا حقيقيًا لقدرة الجماهير على تحدي منظومة الطفيلية والاستبداد. هذه اللحظة تعلمنا أن النضال الطبقي لا ينتصر بالاحتجاجات وحدها، بل يحتاج إلى تنظيم سياسي واعٍ، وحزب ثوري يعيد بناء السلطة الشعبية، ويحوّل القوة الجماهيرية إلى مشروع تحرري ملموس. الدماء والتضحيات التي رافقت الثورة تثبت أن مسيرة التحرر مستمرة، وأن المستقبل سيصنعه الوعي والتنظيم في صفوف الطبقات الكادحة.

تدفعنا هذه الحقيقة الٱن لأن نجعل من 30 يونيو نقطة انطلاق لإعادة بناء مشروع الثورة، الذي لا ينجح إلا بتوحيد القوى الشعبية خلف برنامج واضح لمقاومة الاستغلال وبناء بديل حقيقي للسلطة.

30 يونيو لم يكن مجرد يوم، بل كان برهانًا حيًا على أن الجماهير حين تنتفض بوعي طبقي، تصنع التاريخ. لكن الدماء التي سالت تذكرنا بأن الثورة تحتاج أكثر من الغضب العفوي، تحتاج إلى تنظيم ثوري يصوغ الغضب إلى سلطة، والتضحيات إلى انتصار. السودان أمام مفترق طرق: إما الاستسلام لكابوس الحرب والاستغلال، أو إكمال المسيرة ببناء أداة الثورة التي تحول الذكرى إلى مستقبل.

على الثوريين أن يغيروا العالم، لا أن يكتفوا بتفسيره.

تاريخ كل مجتمع حتى الآن هو تاريخ الصراع الطبقي.


النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- -لم استطع الجلوس مكتوف الأيدي-.. متطوعون يمتطون الخيل بحثا ع ...
- مقتل أربعة أشخاص في هجمات روسية دامية على العاصمة كييف ومناط ...
- لافروف يلتقي عراقجي ويجدد عرض موسكو المساعدة بحل الملف النوو ...
- البنتاغون يطلب أموالا لدعم قسد وفصائل أخرى بسوريا
- المدعي العام بأنقرة يحقق مع زعيم المعارضة بتهمة -إهانة الرئي ...
- مشاكل الكلى الأكثر شيوعا لدى كبار السن والوقاية منها
- جين قد يقي من داء السكري من النوع الثاني
- منها مصر والإمارات وروسيا.. ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية جديد ...
- لماذا ينُمّ البشر؟ وماذا يقول خبراء نظريات التطور عن النميمة ...
- فيديو - آلاف الإسبان يحيون مهرجان سان فيرمين لركض الثيران في ...


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان