|
اليسار مفهومه ودوره.
حاتم استانبولي
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 09:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اليسار مفهومه ودوره كنت قد كتبت في مقال سابق حول الظروف التاريخية لظهور اليسار منذ فجر التاريخ الذي بدء مع ظهورالمكلية الخاصة التي رافقها غياب العدالة في التوزيع الاجتماعي للخيرات المادية . اليسار وقواه هم تعبيرعن تيار اجتماعي يعكس مصالحه القوى الاجتماعية المنظمة التي اخذت شكل حركات وجبهات واحزاب انعكس موقفها نتيجة تحديد موقعها في عملية الانتاج الاجتماعي ومواقفها الذي تعبر عنها من خلال استخدام ادوات التحليل المادي للقوانين المحركة للمجتمعات وتفسيرها للظواهر الطبيعية وتطورت معارفها الفكرية عبر الزمان نتيجية انخراطها وتفاعلها الدائم الملموس في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وانعكاسها في سلوكها السياسي. في هذا المقال ساتطرق للجانب الفلسفي لمفهوم اليسار وتعبيراته وآلية اتخاذ موا قفه بين المعيار والناظم له وموقعه ودوره في اطار الظواهر السياسية وتفاعله مع القوى المحركة لها. لنتفق ان الناظم لحركة اليسار هو موقفه الدائم من قضايا العدالة الاجتماعية في بعدها القانوني من تعميم قيم الحرية والمشاركة وتوزيع الخيارات المادية واحترام القيم الانسانية للطفل والمرأة والعمال والعاملات وحقوقهم في التعليم والصحة والغذاء ومناهضة التمييز القائم على اساس العرق او المعتقد او الدين او اللون او الجنس واحترام الحقوق الاقتصادية والبيئية والعلمية او استخدام العقائد الدينية او الفكرية كاداة للاضطهاد الانساني بكل اشكاله آخذين بعين الاعتبار التطورات العلمية التكنولوجية المتسارعة والعميقة التي حدثت وما زالت تتقدم باضطراد وتاثيرها العميق على قوى الانتاج وموقعها وتاثيرها في عملية التغيير الاجتماعي حيث حل الروبوت الآلي مكان الالف العمال ناهيك عن التقدم الذي حدث في التبادل المعلوماتي من حيث الزمان حيث يتطلب عنوان مثل الصراع الطبقي اعادة قراءة من حيث تصنيف الطبقات وتعارضاتها وتناقضات مصالحها. فيروس كرونا وغيره من الفيروسات والميكروبات وضع البشرية امام تحديات مصيرية جديدة وفرض حدودا جديدة بين المجتمعات الفقيرة والغنية واصبح تناقض الفقر والغنى بمعناه الشامل (الاقتصادي والمعرفي ) هو الذي يحكم العلاقات الانسانية . هذا التناقض الذي تعمق من خلال امتلاك الوسائل المتقدمة (Digital) كوسيلة لتحقيق مكاسب مالية وعلمية هائلة في زمن قياسي . هذا العامل الجديد فرض واقعا تبادليا متعدد الاشكال والاساليب يلعب فيه راس المال المالي عاملا رئيسيا مقررا في انتقال الثروات المادية وتمركزها في اطار عدد محدود من البشر يتحكمون بالموارد البشرية والمادية. بالاضافة لوقائع اجتماعية جديدة على قوى اليسار ان تعيد قراءة انعكاسها على التغيرات الاجتماعية واصطفاف القوى وتحالفاتها وانتقال فئات اجتماعية لمواقع جديدة في لوحة توزع القوى ودورها السياسي وموقعها في عملية الانتاج الاجتماعي حيث تراجع الدور الانساني المباشر في عملية الانتاج لدور الآلة وتكنولوجية المعلومات والاتصالات (حسب راي ابني ان علينا تغيير شعار يا عمال العالم اتحدوا الى شعار يا رابوتات وكبيوترات العالم اتحدوا). كل هذا سيكون له تاثير عميق في كافة المجالات وخاصة الحربية منها حيث بدء عصر حروب الروبوتات التي توضح في احدثها حيث حسمت الروبوتات معركة (كاراباخ). هذا يفرض تطويرمعيار اليسار وتعريفه من حيث سلوك ومواقف قواه التي تساهم بشكل فعال في تعميق المحتوى القيمي للسلوك الانساني الذي يعتمد قيمها في نضالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والعلمي وسيكون العنوان الحقوقي الانساني القانوني عنوانا رئيسيا لنضال اليسار وقواه بعناوين مثل الحرية والعدالة والمشاركة التي من الممكن ان يستثمر التقدم التكنلوجي في المشاركة من خلال تعريف الهوية الشخصية الكترونيا وعنوان مثل البيئة يجي ان يحظى باولوية لاهميتها الملحة في التعامل مع متطلبات الحفاظ على عناصر الحياة البيئية والانسانية . اما عنوان مواجهة الجرائم بحق الانسانية التي ترتكب من خلال توسيع استخدام الروبوتات والدرونات في الاعمال الحربية والاغتيال خارج اطار القانون مما يعوم المسؤولية القانونية المباشرة في تحديد المسؤولية عن الانتهاكات والجرائم بحق الانسانية والبيئة يجعل مهمة وضع اطار قانوني لاستخدامها مهمة ملحة لقوى اليسار. كل هذه المعطيات تؤكد صحة الخلفية المعرفية لليسار فهو الفكر الذي يعتمد قوانين الدياليكتيك المادي في قراءة وتفسير الظواهر الاجتماعية هذا الفكر الذي يحمل خصائص تطوره الدائم لانه يتطور لكونه يعكس الواقع المادي بحركته الدائمة وتطوره ومدى اكتساب وادراك خاصية قوانينه يمكن قوى اليسار من التعاطي مع التحديات بكافة جوانبها بعيدا عن الارتجالية والرغبوية الفردية واسقاطاتها على الواقع. الناظم والمعيار هو مدي قدرة القوى على ادراك العلاقة بين (الملموس -المجرد- الملموس ) اي قراءة الواقع بصورة جدلية في اطار حركته وتطوره آخذين بعين الاعتبار المتغيرات التي تطرأ في كل لحظة من حيث زمانها ومكانها واعادة انتاجها برؤية تسهم في تطوره وتعتمد قيم العدالة الانسانية والبيئية كناظم وسلوك القوي في تطبيقاتها كمعيار. ان مدى قدرة الالتزام الواعي بالناظم والمعيار يحدد تصنيف القوى والاحزاب والافراد على انهم يساريون. اليسار لا يقيم كما يقيم الجنس كذكر وانثي اي يكتسب الطابع المطلق للصفة او لا يمكن الذهاب الى الطبيب وطلب منه كتابة وصفة موقف يساري لصرفها من الصيدلية لهذا ممكن ان تكون يساري في الموقف السياسي ولكن في السلوك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي يمينيا على سبيل (مثل الشيوعي الذي يعلن التزامه بالفكرة ولكن عندما يتعلق الامر في توزيع الميراث يصر على المبدأ الديني في التوزيع ويحرم أخواته وامه من التوزيع العادل للميراث بناء على حقوق المساواة الذي يسعى فكره لتحقيقها )هذا كمثال وليس للحصر . اليسار كمفهوم معرفي يتسم بتعددية جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والقانونية والسياسية وامتلاك احد هذه الخواص دون الاخرى لا يعكس تصنيف القوة او الفرد على انه يساري بل ممكن تصنيفه على انه موقف يساري في الجانب المحدد الذي عبرعنه. اليسار كمشروع ( ثقافي, اقتصادي,سياسي,اجتماعي,بيئي) يسعى لتحقيق كل هذه الجوانب من خلال خطة تحمل اهداف بعيدة واهداف قريبة محددة لانجاز هذه المهمات من خلال تعميم العدالة الاجتماعية وحرية خيارات المجتمعات والافراد والمشاركة الواعية للقوى الاجتماعية عبر ممثليها وحمايتها من خلال القانون الذي يجب ان يطبق على الجميع بشكل عادل ومتساو . القانون الذي يحمل عدالته كناظم ومعياره احترام تطبيقه بشكل عادل على الجميع كمجموعات وافراد بغض النظرعن موقعها السياسي اوالاجتماعي اوالاقتصادي اوالسياسي. وفي سياق مفهوم اليسار بالضرورة يجب التطرق الى مفهوم الظاهرة والحالة والضرورة والصدفة والعام والخاص والوحيد . الظاهرة تحمل في جوهرها الحالة او مجموعة من الحالات التي تعبر عن القوى وتعارضها وتصارعها في اطار الظاهرة والضرورة التي فرضت تشكل الحالة الجادة من اجل التغيير الايجابي التقدمي للظاهرة وتقدمية الظاهرة الاجتماعية او رجعيتها تعكسها محصلة القوى الداخلية التي تتصارع بين رؤيتي اليمين واليسار وميزان القوى الذي يحكم صراعهما فاليمين واليسار يحكمهما قانون وحدة وصراع الاضداد (المتناقضات) كما السالب والموجب وقانون الفعل ورد الفعل في الرياضيات والفيزياء. اما الحالة المتشكلة عبر تاثير الظاهرة العامة على الظاهرة الخاصة ودور الوحيد الفرد في اطار الظاهرة الخاصة الذي يشكل حالة موثرة في تطور الظاهرة (سلبا او ايجابا ) بحكم موقعه وتجربته ووعيه وادراكه لدوره في اطار تطوير الظاهرة او اعاقته لتظويرها . هنالك حالات وطنية فردية وجدوا انفسهم بالصدفة في اطار الظاهرة اليسارية في مرحلة التحرر الوطني نتيجة لعوامل وظروف خاصة اصبح لهم دور مؤثر نتيجة لاحتدام الصراع واستقطاب القوى في اطار الظاهرة وغالبا ما كانت وتكون هذه الحالات لا تملك مؤهلات الوعي المعرفي لتحديد دورها وغالبا ما تكون هذه الحالات مقررة في ميزان القوى الداخلي في اطار الظاهرة واصطفافها يكون ناتج عن عدم وعي لدورها واهميته وتاثيره على تطور الظاهرة ومنها من تدرك دورها الذي ينم عن وعي منفعي فردي وفي حال تعارضت المنفعة مع الموقع تغادر الظاهرة ومن الممكن ان تستثمر في تجربتها الخاصة في اطار ظاهرة نقيضة ليشكل اصطفافها الجديد عاملا مضرا في الظاهرة الاصل (انتقال البعض الى الفكر الديني او الليبرالي). وحالات زرعت في اطار الظاهرة عن وعي لتشكل في الاطار العام دورا كابحا لتطور الظاهرة وهذه اخطر الحالات لكونها تملك وعي ودعم مادي من قوى خارجية تريد تقويض الظاهرة من داخلها وهذا يخص القوى والمجتمعات والدول والتنظيمات ودائما ما تحمل هذا الحالات صفة تآمرية من حيث الدوروالفعل على الظاهرة وعلى القضية الوطنية. اما عن التناقضات التي تحكم الظاهرة فهي تاخذ شكلين داخلي وخارجي . الداخلي بين اليمين واليسار في اطار الظاهرة ويبقى المظهر العام للظاهرة يساريا ما دامت محصلة القوى التي تتصارع في داخلها تعكس المواقف اليسارية وادوات معرفتها ووسائلها وفي بعض الحالات ونتيجة لاحتدام الصراع مع الظواهر الخارجية تتراجع قوى المحركة لليسار في داخل الظاهرة ليتحول موقفها لليمين ويكون احيانا بفعل تاثير البنية اليمينية للمجتمع وانعكاساته على السلوك لبعض مكونات الظاهرة او خارجي على سبيل المثال لا الحصر تاثير البترودولار على الظاهرة الفلسطينية والعربية. في الحالة الكوبية استطاع اليسار من حسم الصراع داخل الظاهرة اليسارية وحقق انتصارات تاريخية للتحرر الوطني والاجتماعي. في الحالة السوفييتية انتصرت قوى اليمين بالرغم من البنية الاجتماعية اليسارية للمجتمع ولكن الدور الذي لعبه بعض الافراد في اطار الظاهرة اليسارية من تآمر عليها بمساندة القوى الخارجية ادي الى تراجع حركة اليسار بالاضافة الى تحويل الدور القيادي للحزب الى دور بيروقراطي في ادارة الدولة وتحويل المركزية الديمقراطية الى مركزية بيروقراطية ادت الى افراغ دور الحزب السياسي وكبح الصراع الداخلي في اطار الظاهرة مما ادى لتقوية نفوذ القوى اليمينية المعادية التي وظفت النقمة على الفساد الى نقمة على الفكر اليساري التقدمي واجهضت المكتسبات الانسانية التي حققتها ثورة اكتوبر. في الحالة الشرق اوسطية لغى اليسار دوره في قراءة التجربة التاريخية للمنطقة ودور الموروث التاريخي في تبلورها وغيب دوره. ولم تحظى فكرة اعادة قراءة مادية للفكر الديني بصورة نقدية ايجابية لابراز الجوانب الثورية فيه من خلال قراءة ضرورته التاريخية في زمانه ومكانه والقوى المتصارعة داخل الظاهرة الدينية واخص المسيحية والاسلام لدورهما في مواجهة الظروف والقوى الرجعية في زمانهما والتحولات التي طرأت على الفكر الديني ودور الاستعمار في مساندة اكثر الاتجاهات رجعية فيه في محاولة دائمة لابقاء هيمنة التخلف والتبعية واجهاض ومحاربة اية امكانية لتطور الفكر الوطني التحرري الديموقراطي. الفكرة التي حكمت بعض القوى في نسخ التجارب العالمية وفكرها ووسائلها الخاصة ادى الى تغييب الدور الخاص للظواهر اليسارية في منطقتنا (حتى درج المثل القائل اذا امطرت في موسكو يحملوا المظلات في منطقتنا في اشارة الى التبعية). بالطبع هذا مثل اطلقته القوى اليمينية للتحريض على اليسار الذي كان يغيب الخصوصية التاريخية للمجتمعات في المنطقة . باستثناء تجربة وحيدة قُبِرَت في مهدها هي تجربة الحزب الشيوعي السوداني الذي تكالبت القوى اليمينية على انهاء اكثر الحالات وعيا وتاثيرا في الحركة الديمقراطية اليسارية الذي مثلها كل من عبد الخالق محجوب والشفيع ورفاقهم. في الحالة السورية كانت حالة فرج الله الحلو الذي اذيب بالاسيد تشكل حالة متقدمة من اجل وحدة الشيوعيون في سورية ولبنان . الحالة اليسارية الفلسطينية الابرز كانت حالة غسان كنفاني الحالة الوطنية الديمقراطية الشاملة التي فُجِرَت من قبل الموساد الاسرائيلي لكبح تاثيرها على تطور الظاهرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. اما في اطار حركة فتح فكان اغتيال كل من كمال ناصر والعدوان والنجار وماجد ابو شرار وغيرهم الذين شكلوا حالة وطنية متقدمة في اطار الصراع داخل حركة فتح بين اليمين واليسار. اما عن العامل الخارجي وتاثيره على الظاهرة اليسارية فقد اخذ عدة طرق ووسائل للتاثير اهمها اغتيال العناصر الاكثر وعيا في اطار الظاهرة الذين لهم دورا واعيا في تعميق المحتوى الديمقراطي التقدمي للظاهرة ودورها الاجتماعي (اغتيال القادة الفلسطينيون السياسيون والعسكريون والمفكرون والمبدعون). استخدام الحالات المزروعة في الظاهرة لحرف اتجاهاتها الفكرية واعطاء اولوية لافكار تعمل لايجاد مخارج لازمة الخصوم والاعداء والدفع لاتخاذ مواقف تتعارض مع المصلحة الوطنية العامة. الحركة الوطنية الفلسطينية كظاهرة عامة تحمل في ثناياها ظواهر خاصة تتعارض من حيث البنية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وتتفاوت اوضاعها المعيشية ومستوى انخراطها في عملية الانتاج الاجتماعي متاثرة بعامل المكان (الشتات الفلسطيني) وظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية واذا ما اضفنا لها البنية الثقافية العامة فان الاتجاه العام للراي العام يميل الى اليمين من حيث البناء المعرفي وهذا العامل كان له تاثير على مدى فعالية اليسار الذي لم يعطي اولوية لاعادة قراءة الفكر الثقافي الموروث التاريخي والديني ودوره وتاثيره على البنية التنظيمية والسياسية لليسار ومخاطر تاثيرها على دوره. ممكن ان نتحدث بالمظهر العام عن ما اصطلح تسميته باليمين واليسار الفلسطيني كمظهرين رئيسيين حكما الحركة الوطنية الفلسطينية وتاثرت واثرت بهما الحركات التحررية العربية والعالمية . في عنوان اليمين الذي كان يعكس الحالة الوطنية العامة هذا اليمين ليس محصورا في تنظيم محدد بل هو عابر للتنظيمات . تنظيم فتح كقوة نمت نتيجة مجموعة انتقالات وتحولات مجموعة من القوى الاجتماعية المتعارضة بخلفيات فكرية مختلفة ولكن المظهر العام لبنيتها الفكرية كان وما زال يمينيا. فتح حكمها تناقض داخلي ما بين قواها الداخلية المتصارعة التي كانت محصلة ميزان قواها الداخلية تعبر عن المظهر العام لليمين السياسي الفلسطيني الذي حكم سلوكها بحكم التركيبة السياسية والاجتماعية لها ووجد دعما من القوى اليمينية العربية بكل الامكانيات المتاحة بل ان السعودية على سبيل المثال كانت تربط اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية بشرط وجود فتح في قيادتها وعبرت عن ذلك من خلال الدعم المالي الذي كان يمرعبرفتح للمنظمة . اليمين الفلسطيني كان متلاحما مع رؤية اليمين الرجعي في النظام السياسي للبلدان العربية المدعوم من الاستعمار وادواته المالية والاقتصادية. كانت العلاقة تقوم بين اليمين الرجعي العربي واليمين الفلسطيني على دعم التوجهات الاكثر يمنية في الحركة الوطنية الفلسطينية من اجل اخضاعها وترويضها لمواجهة تاثير تيار اليسار السياسي الفلسطيني العابر للتنظيمات بما فيها فتح. هذا اليسار كان ناظمه عدالة القضية الفلسطينية من حيث كونها قضية تحمل ابعاد حقوقية وطنية وانسانية وقانونية وسياسية . القوى المعادية للقضية الفلسطينية كانت تعمل على تقويضها من خلال البوابة الخلفية بوابة القوى الرجعية المهيمنة على السلطة في النظم السياسية للدول العربية التي تعمل في اطار جبهة التحالف البريطاني-الفرنسي-الصهيوني ومن ثم الامريكي . اما في عنوان اليسار الفلسطيني الذي لا يمكن حصره في تنظيم محدد بمعنى لا يوجد اي تنظيم يمثل حصريا اليسار الفلسطيني كون اليسار تيارا اجتماعيا والتنظيمات التي اعلنت عن تبنيها الفكر اليساري تخضع لذات المعايير التي تحكم حركة فتح الخلاف ان الصراع في فتح بين البنية اليمينية وبين الحالات اليسارية داخلها في حين التنظيمات اليسارية التناقض الذي يحكمها بين البنية الفكرية اليسارية وبين تاثير البنية اليمينية للمجتمع وتاثيره على البنية التنظيمية لليسار. المظهر العام الذي اعتمد لتقييم اليسار وتنظيماته بني على اساس الموقف السياسي من عدالة القضية الوطنية الفلسطينية ولهذا فان التمايز بين اليسار واليمين الفلسطيني كانت فوارقه ضئيلة بحكم خصوصية الحالة الفلسطينية وشتاتها والاندماج في عملية الانتاج الاجتماعي في خصائص وظروف مختلفة تفاوتت فيها انعكاساتها على الحالة البنيوية الفكرية والتنظيمية بالاضافة الى خصائص سمة المرحلة التحررية الوطنية . اذا ما اعتبرنا الجبهة الشعبية والديمقراطية والشيوعيون ومن يدور في فلكهم هم الظاهرة الخاصة لليسار الفلسطيني. هذه الظاهرة التي يحكمها صراع وتعارض داخلي بين مكوناتها من يمين ويسار وصراع خارجي مع قوى اليمين الرجعي والبنية الاجتماعية اليمينية العامة فان يساريتها هي نتيجة تعارض وتصارع الاتجاهات الداخلية وحسمها لصالح موقف اليسار الذي غالبا ما عُبِرَعنه بشكل رئيسي بالمواقف السياسية والنظرية ولكنها لم تنعكس في السلوك. الظاهرة اليسارية داخل الحركة الوطنية الفلسطينية يحكمها الصراع ما بين اليمين واليسار في اطار الظاهرة بين مفاهيم اليمين السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تحملها متأثرة بالثقافة السائدة (البنيوية) وبين حالات يسارية واعية ناظمها المعرفي ادوات المعرفة المادية الاكثر وشوحا كانت التجربة اليمنية. تفاوتت سيادة المفاهيم والمواقف اليسارية للظاهرة اليسارية الفلسطينية عبر الزمان ارتباطا بخصوصية المكان حيث شهدت تقدما في السبعينيات والثمانينيات وتراجعت في التسعينيات والالفية الثانية وما زالت تعاني من تخبط في المواقف ناتج عن عدم حسم موقفها من الهوية المعرفية واستخدامها كمنهج لسلوكها من حيث تحديد ووسائلها وادواتها ارتباطا بموازين القوى القائمة من حيث الرزمان والمكان. فاليسار كحالة في كل تنظيم ومنها حالات خارجها من حيث الانتماء التنظيمي جميعها تشكل نسبيا مفهوم اليسار الفلسطيني الذي يحمل ناظم ومعيار عدالة القضية الفلسطينية (تحقيق عدالة المخيم) هذه العدالة التي تحمل جوهرا حقوقيا تاريخيا وطنيا وسياسيا وانسانيا وقانونيا . الموقف اليساري هوالموقف الذي يعكس الواقع المادي السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي وهو موقف يتعارض مع الجمود ويكتسب حيويته وصحته من خلال عكسه للواقع المادي في اطار حركته الدائمة والمستمرة ويحدد حركته اليومية التي تعرف بالمعيار السلوكي الذي عليه بالضرورة ان يكون في اطار الناظم العام الذي يحمل جوهر عدالة القضية الفلسطينية وفي الحالة الفلسطينية فان عنوان المخيم الفلسطيني هو الناظم والمعيار للعدالة الفلسطينية (عدالة المخيم). تحقيق عدالة المخيم يجب ان يحكم السلوك اليومي للقوى اليسارية ومواقفها اي ان كل حركتها السياسية ناظمها تحقيق عنوان العودة للفلسطيني الذي طرد وهجر من ارضه وعانى على مدى اكثر من مائة عام من تآمر على وجوده وهويته الانسانية ويتعرض منذ اكثر من سبعين عاما لعملية الغاء ممنهجة وسرقة ومصادرة لارثه الثقافي والسياسي والاجتماعي وحقوقه القانونية والوطنية تستخدم في تبريره اكثر فكرة رجعية قائمة على الصفاء العرقي والديني واعطائها مشروعية الهية وتدعهما اكثر القوى رجعية راسمالية في العالم ولهذا تكتسب العدالة الفلسطينية بعدا ومعيارا عالميا تصطف لجانبها كل القوى التي تحمل موقفا يساريا متصادما مع الاستغلال الراسمالي الذي يعبر عن اسوء تعبيراته وممارساته في دعم النظام الاحتلالي الاحلالي في فلسطين. وفي هذا الصدد اود ان اشير الى ان ما وصلت له القضية الفلسطينية من تكالب واضح ومعلن بهدف تصفيتها تتحمله كل القوى الفلسطينية بيسارها ويمينها وكل بحجم تاثيره بالقرار السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي. والسؤال الملح والاهم لليساريون ؟ ما هو الفارق بين حكومة نتنياهو او اليمين الصهيوني وحكومات الانظمة العربية الرجعية اليمينية من حيث موقعها وموقفها من عملية الانتاج الاجتماعي والعدالة الانسانية من حرية ومشاركة واحترام حقوق مواطنيهم ؟ وكيف يفسر اعلان التحالف القائم بين هذه النظم وبين نظام نتنياهو العنصري؟ اليست هذه النظم جميعها بما فيها اسرائيل هي نتاج لاتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ؟ اليست هذه النظم بما فيها نظام نتنياهو هي جزء اصيل من النظام الراسمالي الاستغلالي العالمي وموقعهم في الجبهة المعادية للعدالة الحقوقية الانسانية الاجتماعية بكل جوانبها؟ ما الفرق بين قصف اليمن او قصف غزة او قصف سورية او قصف العراق او ليبيا او لبنان ؟ اليس الذين يقومون بها هم في جبهة واحدة ويعبروا عن ذات المنظومة الراسمالية الاكثر يمينية التي لا تعير اية قيمة لقيم العدالة الانسانية؟ العدالة الاجتماعية والقانونية والسياسية والبيئية والانسانية واحدة والنضال لتحقيقها يكتسب اهمية جمعية لكافة القوى المناهضة لعملية الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والاستخدام المزدوج للقانون الدولي ومعايير تنفيذه. لكل ما سبق فان المرحلة تتطلب اعادة لقراءتها من جديد على قاعدة المتغيرات والاصطفاف الجديد المعلن للقوى المعادية ويجب اعطاء اهمية قصوى للحفاظ على جوهر قانونية عدالة القضية الوطنية الفلسطينية التي تتعرض الى التصفية المتدرجة . المهمة الاهم لليسار الفلسطيني كمعبر عن قوى التيار الاجتماعي ان تحدد مهماتها المحددة من اجل الحفاظ على الظاهرة النضالية الوطنية الفلسطينية وتوحد جهودها وتخوض كافة معاركها السياسية للحفاظ على قانونية الهوية الوطنية والثقافية والسياسية واعادة النهوض بالحالة الفلسطينية من خلال تغييرادائها الداخلي عبر اعطاء حيز لسيادة الديمقراطية الداخلية فلا يمكن ان تطالب بديمقراطية م.ت .ف بدون تفعيل الديمقراطية الداخلية واستحقاقاتها. ان مهمة توحيد تيار اليسار الفلسطيني على قاعدة الناظم الوطني عدالة عودة فلسطينيي المخيم والمعيار السلوك اليومي المرتبط بمهمات محددة لخوض المعركة القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية. اذا كان هذا هو مفهوم التيار الشعبي العابر للتنظيمات والقوى المطروح فيجب ان يكون مشروط بضرورة اعطاءه الصفة الديمقراطية ليكون تيارا شعبيا ديمقراطيا معبرا عن التيار الاجتماعي اليساري المقاوم . فلا مشكلة في خوض اية معركة تحت هذا المفهوم والمعيار الذي يحكمه الناظم حتى لو كانت الانتخابات الفلسطينية القادمة التي يجب ان ينظر لها كمحطة نضالية لمواجهة مخاطر تصفية القضية الفلسطينية واعتبارها محطة لتفعيل كافة المؤسسات والقوى الاجتماعية واستثمار الحالة الشعبية التي تعارض استحقاقات اوسلو وتبعاتها. ما دامت عدالة المخيم لم تتحقق فان القضية الفلسطينية قائمة ولا تتحقق عدالتها الا بتحقيق عدالة المخيم. ان طبيعة المعركة تفرض ادواتها ووسائلها بناء على ميزان القوى القائم فهناك معارك الحفاظ على الذات ومعارك مواجهة التصفية التي ستطال الجميع يمينا ويسارا لكون الهدف الصهيوني يتعارض من حيث المبدأ والجوهر مع الهوية الفلسطينية السياسية والاجتماعية والثقافية ويهدف الى استمرار الغاء الهوية القانونية الفردية والجمعية للانسان الفلسطيني عبر دعمه للفئة الكمبرادورية العربية والفلسطينية المرتبطة بمصالحه الاحلالية. وفي هذا الصدد ساذكر بموقف سمعه احد القادة الفلسطينيين في اوائل الثمانينييات من احد القادة السوفييت وكان رده على شعار تحرير كل فلسطين اجاب القائد السوفييتي هل وصلتم الى حدود تل ابيب وطلبنا منكم العودة ؟ هذا يحمل معنى ان اي شعار لتحقيقه يلزمه ميزان قوى يحققه
#حاتم_استانبولي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من اتخذ قرار الحرب على إيران ! ولماذا ؟
-
الذي لا يقال خارج غرف التفاوض العبثي.
-
تحقيق العدالة هي الناظم والمعيار
-
درس شامل في الثوره الوطنيه الانسانيه
-
هزيمة ام انتصارحاتم
-
قراءة نقدية لفكر حركة التحرر الوطني العربي
-
الشهيد حسن نصرالله بين العروبة والاسلام
-
٧اوكتوبر يعيد ضرورة السؤال من هي اسرائيل؟
-
اغتيال المناضل اسماعيل هنية لماذا ؟
-
تغير المعادلات
-
رسالة مفتوحة للرئيس بوتين والوزير لافروف
-
جريمة النكبة الفلسطينية
-
تداعيات السابع من اوكتوبر
-
طلاب الجامعات الامريكية يطلقون الربيع الامريكي
-
٤٨ عاما على يوم الارض الفلسطيني
-
النائب بين ثلاثية الشعب والوطن والسلطة ،
-
ماذا يعني الخيار الامني صفر؟
-
قراءة اولية في اعلان الخطة الصهيونية بحلتها الترامبية !
-
صراع الافكار
-
جولات بلينكن الى المنطقة
المزيد.....
-
ريانا تتألق بإطلالة زرقاء ناعمة في فستان مستوحى من أزياء الس
...
-
لماذا قد يُلوث هاتفك المحمول القديم تايلاند؟
-
إسرائيل تريد التطبيع مع سوريا ولبنان لكنها -لن تتفاوض- بشأن
...
-
رواية -نديم البحر- لحكيم بن رمضان: رحلة في أعماق الذات الإنس
...
-
مصر.. تحذير السطات من ترند -الكركم- يثير الانتقادات!
-
شاهد.. ملاكم يتعرض لصعقة كهربائية أثناء احتفاله بالفوز
-
غزة وتشكيل لوبي عربي في سلم أولويات مؤتمر الجاليات العربية ب
...
-
قصف هستيري على غزة يعيد مشاهد بداية العدوان الإسرائيلي
-
ترامب: الولايات المتحدة لا تعرض على إيران شيئا
-
إذاعة صوت أميركا.. من الحرب العالمية الثانية إلى عهد ترامب
المزيد.....
-
الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
/ زهير الخويلدي
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
المزيد.....
|