أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صافي صافي - بين موسى الأندلسي وموسى النابلسي في رواية عودة الموريسكي من تنهداته















المزيد.....

بين موسى الأندلسي وموسى النابلسي في رواية عودة الموريسكي من تنهداته


صافي صافي

الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


د. صافي صافي:
بين موسى الأندلسي وموسى النابلسي
( في رواية عدوان عدوان “عودة الموريسكي من تنهداته/ أوغاريت/ رام الله 2010)

إذا صح أن معنى اسم موسى هو “المنقذ” أو “المنتشل”، فإنه لم ينقذ نفسه لا في الأندلس ولا في نابلس، فاختارا “الانتحار” الثوري، فالأول ألقى
نفسه في نهر “شانيل” في غرناطة، والثاني صوب رصاصة في رأسه.
وما يجمعهما هو عدم تقبلهما للخيار الأصعب وهو الاستسلام، والاستسلام هنا لا تعني الحياة، بما سيسجله التاريخ، وما سيقرأه أحفاده وذريته،
وذرية المسلمين من بعده، فالذين استسلموا في الحالتين لقوا نهايتهم
الحتمية، القتل والتهجير والتنصير. نهاية مأساوية في كل الخيارات، لكن خيار المقاومة سيظل علامة فارقة لمن بعدهم، وإن ماتوا. ما يجمعهما هوعدالة قضيتهما، وحصارهما وتجويعهما. ما يجمعهما اختيارهما التمرد
حتى لو وقف العوام ضدهما في الحروب اللفظية المتطايرة، وتفسخ الحركات السياسية والعسكرية في غير اتجاه. ما يجمعهما أن البعض وقف
حليفا للأعداء، فالقلاع تسقط من الداخل، يسقطها المنهزمون نفسيا. ما
يجمعهما أنهما انتظرا مساعدة من الخارج فلم تأتهما، فماتا أبطالا. إنه
خيار.
أما موسى الأول، النبي، فإنه لقى حتفه، لا يعرف كيف وأين، فضاعت
جثته، وظل خيالا في خيال، رغم المقامات الكثيرة التي سميت باسمه،
والمناطق الجغرافية من جبال وأودية وسهول خلدته. حتى الألواح التي
نزلت عليه في طور سيناء، ضاعت، وقام الرواة المتعددون باسترجاع
بعض شذرات كلماتها على مدى قرون، لتختلط الحقيقة بالخيال، وليستنطق الله بما لا يمكن أن يقوله، وأن يوصف بالحقد على الآخرين، ومن قتل
واغتصاب وحرق ونازية منذ حوالي 4000 عام.
هذا الاسم ؛“موسى”؛ ذكر أكثر من 80 مرة في رواية عدد صفحاتها
١٢٠، ليس عبثا، وإنما ربما محاولة للبحث عن المنقذ/ المهدي/ المنتشل
الذي لم يأت في الحالة الأولى الأولى، ولا في الثانية ولا في غيرها، فظل كل موسى يبحث عن نهاية له، عن قراره بالتحدي، بالتمرد، بالبحث عن ذاته، ولا يقبل انتحار “ألبير كامو”، بأن يظل تابعا لرؤية الحكام والرعاع، فالعبثية هي مآلات الحياة، وليست الإهمال، ولا السكون، ولا الاستلام،


ولا المال والجاه، إنما القدرة على اتخاذ قرارات في الحياة قبل الممات
الذي لا بد منه أخيرا، فالموت معلن مسبقا، وعليك أن تواجهه أو تختاره.
إنه موسى بن أبي غسان، حدة الشباب وريحانه، وقوته وصلابته، ونشاطه، وإن كان موسى الأول قد تجاوز المائة وعشرين عاما، فإن موسى
النابلسي عاش خمسمائة وعشرين سنة. عمر طويل قبل سقوط الأندلس، والتخلص من الموريسكيين، والموريسكيون هم العرب الذين بقوا في
الأندلس بعد سقوط دويلاتهم، تحت الحكم الإسباني، وأجبروا على تغيير
ديانتهم، وإن كان ظاهريا، وضاعت أسماء عائلاتهم في السجل المدني،
ليسمى الواحد منهم باسم الأب أولا وباسم عائلة الأم ثانيا، وخضعوا
لمراقبة شديدة في طقوسهم، ليثبتوا موالاتهم للدولة الجديدة، أما معابدهم
فتغيرت لمعابد الإسبان أو تم بعض التغيير في معالمها بما يحاكي ثقافتهم، أو حولت إلى متاحف ومزارات يؤمها السياح. إن ما حدث للعرب في
الأندلس لا يمكن وصفه بالكلمات، من الإجبار على تغيير مللهم، للقتل
والاغتيال والاحتيال، وحرق المزارع والمعامل، ونهب المدن وتدميرها،وتدنيس مساجدها، وتخريب بيوتها، وهتك نسائها وبناتها (بالضبط كما
يجري اليوم وجرى في مناطق عديدة)، مارسها “البيض”، وما زالوا
حتى في ظل انتشار منظمات حقوق الإنسان، والأمم المتحدة ومجلس
الأمن، وجميعات حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة، حتى تحول الآخرون لذوي احياجات أساسية في الطعام والشراب.
وأبو عبد الله الصغير/ المخمور، آخر حكام غرناطة، الدويلة الأندلسية التي سقطت. أبو عبدالله المشؤوم، التعيس، الزغابي، عبديل، ابن أبي الحسن،
الذي ثار على أبيه، واقتلعه من الحكم (هذا يحث اليوم)، لرفضه دفع
الجزية ل “فرناندو الثاني”، ملك أراغون عام 1482، كما يفعل ملوك
غرناطة. عبدالله هذا الذي احتوى المتمردين (بزمط، يشبه القرمطي) سلم غرناطة، بعد يأسه من الحفاظ على حكمه، فوقع اتفاقية ولاء تحافظ على
أملاك المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم وبيوتهم، التي لم يتم في النهاية
الالتزام بأي من بنودها، واستقر في النهاية في المغرب العربي. هكذا
تجري الأمور في مثل حالاته.
مر الكثير بين موسى الأول والأخير: موسى جت، وموسى النبي، وموسى بن نصير، حتى موسى بن أبي غسان، وموسى بن ميمون. كلهم جاؤوا
منقذين، لكن موسى النابلسي المسكون بالمكان، بمكانين، بالأندلس


وبنابلس، موسى الذي يحفظ غرناطة عن ظهر قلب، وإن لم يزرها من
قبل (في الرواية)، يحفظ جبالها وأوديتها وسهولها، وأسوارها، وحدائقها، وتماثيلها، وغرفها، وبرك مائها، وتصميم كل شيء فيها. ويحفظ سلوك
أمرائها، والحاشية، والناس، والوزراء، وأماكن الجلوس، والخشوع،
والحكايات، والتجسس. موسى المريض بالمكان، المهووس به، الذي لا
يستطيع فصل الماضي عن حاضره. موسى النابلسي الذي يلقى كل
الصعاب في السفر، وفي العودة وفي التنقل. موسى الذي يعيش بين جبلين مثل نهدي فتاة يتوسطها صليب، جبلين متقابلين، أحدهما قاعدة عسكرية
تراقب ما تحتها، وما فوقها، وفي كل اتجاه، وثانيهما الجبل المقدس عند
السامريين الذين حافظوا على تراثهم الديني والاجتماعي منذ آلاف
السنين. يلتقي موسى ب “جسيكا” الغجرية، ويغرم بها، فهو غجري مثلها، غجري الصحراء والعرب، لا يثبت في مكان، وتتحول كل الأماكن له،
ولا يمتلك أي منها، “جسيكا”، تسحره، وتزوره في بيت لحم، لكنه لا يرى فيها إلا “فكتوريا” التي يعرف تفاصيل جسدها وتضاريسه خلية خلية،
ويتبين خريطة روحها، ويتبين لغتها وما يثيرها وما يبهجها وما يسرها.
“فكتوريا” هي ابنة أخ الملكة “إيزابيلا”، المقاتلة الشرسة، التي وقعت في
الأسر، ويوما بعد يوم وقعت في حب ابن أبي غسان، واندمجت في حياة
العرب، وتقاليدهم، وخطوط كلماتهم. بطلة القتال، وبطلة الفراش، حتى
رحلت في صفقة تبادل الأسرى، فظلت في قلبه، وظل في قلبها. لم يبق من فكتوريا إلا الآهات والعذاب والذكريات وخاتم، وظل معها وشاحها هدية منه.
يقرر موسى النابلسي المقاومة، هو وغيره في البلدة القديمة، يستبسل في
الدفاع عن نفسه، ومدينته، بين هدير الدبابات، والطائرات، والمسيرات،
والرصاص، والقذائف، فيقتل منهم الكثير، ويختلفون حول النهايات، منهم من قرر أن يسلم نفسه وينجو، ومنهم من قرر البقاء. موسى النابلسي قرر البقاء، وكاد يقتل المستسلمين الذين قتلوا في النهاية من عدوهم، يصاب
في يده، وفي جسده، ويقاوم، تنفذ ذخيرته، فيقرر الانتحار، برصاصة في رأسه، فيرى في مماته “جسيكا” تقف فوق رأسه، فالأموات لا يموتون، بل ترحل أجسادهم، ولا يستطيعون التحكم بها.
ما أشبه موسى ابن أبي غسان بموسى النابلسي. ما أشبه اليوم بالبارحة.
لكن:
هل كان يجب أن ينتحر الأول لينتحر الثاني؟

ألم ينتظرا أن يتم إعدامها بدل الانتحار؟
هل انقسم الناس بين مستسلم ومقاوم؟
أين الحياة والباحثين عنها؟
هل ما جرى في الأندلس ونابلس هو مثال للكل الفلسطيني/ العربي/
الإسلامي؟
هل يكفي أن لا نستسلم، أم أن هناك طرق للحياة الكريمة.
أختار د. عدوان عدوان هذه البدائل بطريقة ساحرة ومقنعة، فروايته مركبة متشعبة بين مكان ومكان، وشخصيات وشخصيات، بين الماضي
والحاضر، وأحداث تتشابه وتختلف. رواية الموازة والتداخل بين الماضي والحاضر. إنها رواية موجهة لمن لديه الجلد في القراءة، وفي الحياة،
وفي التمرد حتى لو كان من أجل التمرد.
هذا حال المورسكيين قديما، وحالهم حديثا.



#صافي_صافي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العابرون والمقيمون في رواية تزوجت شيطانا”/ لكفاح عواد
- شهادة عين التينة
- الذاكرة والرواية
- اللون الأزرق في رواية -عداء الطائرة الورقية- لخالد حسيني
- سينمائية رواية -وجع لا بد منه-
- تداخل الأجتاس الأدبية
- قراءة في رواية -علبة حذاء- لصونيا خضر
- رموز ومعاني في -حليب الضحى-
- -الرغيف الأسود: قصص الطفولة المنسية-
- -تحرير الشرق-: نحو إمبراطورية شرقية ثقافية
- شهادتي حول رواية زرعين
- العاشق/ة في -نساء من صمت-
- أطوار الغواية مسرحية في رواية
- أساطير الأولين ما بين الرواية والقصة
- الكتابة والمرأة في إشراقات صباح سالم
- أكاذيب المساء/ محمد رمضان الخضور/ عمان 2020
- الخاصرة الرخوة/ المطلقة/ روايتان لجميل السلحوت
- المطلقة إنسانة لها مشاعر وكرامة وحرية الاختيار والقرار
- رواية دروب المراثي لأسعد الأسعد
- تجربتي مع الرواية


المزيد.....




- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صافي صافي - بين موسى الأندلسي وموسى النابلسي في رواية عودة الموريسكي من تنهداته