أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - اتحاد كييڤ روس















المزيد.....


اتحاد كييڤ روس


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 16:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كانت كييڤ روس (862-1242م) اتحاداً سياسياً في العصور الوسطى يقع في پيلاروسيا وأوكرانيا الحاليتين وجزء من روسيا (التي سُميت نسبةً إلى شعب روس، وهو شعب إسكندنافي). واسم كييڤ روس هو تسمية حديثة (من القرن التاسع عشر)، لكنه يحمل نفس معنى "أرض روس"، وهو الاسم الذي عُرفت به المنطقة في القرون الوسطى .
حكم الروس من مدينة كييڤ؛ لذا فإن " كييڤ روس" تعني ببساطة "أراضي روس كييڤ". وقد ذُكر الروس لأول مرة في حوليات سانت ـ بيرتان التي أشارت إلى وجودهم عن بعثة دبلوماسية توجهت من القسطنطينية إلى قصرالملك لويس الأول أو لويس الورع (عام 814 ـ 840 م) . وفي عام 839 م زعمت هذه الحوليات في أنهم كانوا من السويديين، ولكن لم يُحدد أصلهم العرقي بشكل قاطع .

رُويت قصة عن وصول الروس إلى الشرق لأول مرة في " السجل الأوّلي" (المعروف أيضاً باسم ـ حكاية السنوات الغابرة ـ) لروسيا، والتي تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي تقريباً. وتروي القصة كيف دعا سكان هذه الأرض الروس (الذين يُعرفون بالڤايكنگ الإسكندناڤيين ) لحكم بلادهم والمحافظة على الاستقرار فيها عند منتصف القرن التاسع الميلادي . وقبِل ثلاثة أشقاء الدعوة وكان من بينهم روريك، الذين أسسوا سلالة روريكد التي استمرت لأكثر من 700 عام .
يؤيد هذه الرواية للأحداث الآن مؤرخون يُصنفون على أنهم "نورمانديون" (أي من يؤمنون بالأصل النورسي لسلالة روريكد)، و بـ"مناهضو النورمانديين" من المعترضين الذين يجادلون بالأصل السلاڤي لروسيا والدول الأخرى . وتُعتبر ادعاءات النورمانديين حالياً أقرب إلى الواقع ، ومن المُسلّم به عموماً أن الزعيم النورماني روريك (عام 862 ـ 879 م) هو من أسس السلالة التي استمرت بسلسلة متصلة حتى عهد إيڤان الرابع؛ أول قيصر لروسيا (عام 1547 ـ 1584 م)، المشهور أيضا باسم "إيڤان الرهيب" .
سقطت دولة كييڤ روس في أيدي المغول بين عامي 1237 و1242 ميلادية، مما أدى إلى تقسيم المنطقة إلى أجزاء ، وتحولت في نهاية المطاف إلى الدول الحديثة پيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا.

السجل الأوّلي والملوك الأوائل
يُرجَّح أن يكون السجل الروسي الأولي قد اكتمل حوالي عام 1113 م في كييڤ، حيث نُسب سابقاً إلى الراهب نستور( حوالي عام 1056 ـ 1114 م )، ولكن يُعتقد الآن أنه كان عبارة عن مخطوطات سابقة ، وإن نستور قد وثّقها في سجل موحد . ويعود تاريخ أقدم مخطوطة مُحتفظ بها الآن إلى عام 1377 م ، مع ملاحظات مدوّنة تُؤكِّد التاريخ الأقدم للمخطوطة . ويُشار إلى السجل بانتظام على أنه توثيق للتاريخ ، ولكن هذا الوصف مُثير للجدل لاحتوائه على عدد من الفصول الأسطورية والخرافية. ومع ذلك، تؤيد الأدلة الأثرية في المنطقة العديد من الأحداث التي وُصفت وإن لم يكن جميعها.
يبدأ السجل بالزعم أنه بعد الطوفان الكبير المذكور في التوراة، تقاسم أبناء نوح (حام وسام ويافث) العالم فيما بينهم، وحصل يافث على منطقة كييڤ روس كجزء من نصيبه. ولم يُذكر ما فعله يافث لإرساء النظام والاستقرار في أراضيه؛ لكن السجل يروي أن الناس قد تقاتلوا فيما بينهم، وفي النهاية خضعوا للخزر في آسيا الوسطى ( تركيا ) والڤارانجيين (الڤايكنگ) في الدول الإسكندناڤية.

لقد أُجبر سلاڤ المنطقة على دفع الإتاوة للخزر و الڤارانجيين على حد سواء ، ولكن في النتيجة فقد طُرد الڤارانجيين من المنطقة ، وحافظ السلاڤ على علاقتهم مع الخزر. لكنهم بعد ذلك وجدوا أنفسهم غير قادرين على الحكم ، والإتاوة المدفوعة للخزر كانت باهظة؛ إلا أنهم أدركوا في أن الحياة ربما تكون أفضل في ظل حماية الڤارانجيين. ويرد في السجل المقطع أدناه :
" قالوا في أنفسهم؛ لنبحث عن أمير حاكم ويحكمنا وفقاً للقانون، فسافروا إلى الخارج إلى الڤارانجيين الروس؛ وكان هؤلاء الڤارانجيون يُعرفون بـ الروس، كما يُطلق على بعضهم بـ السويديين، والبعض الآخر النورمانديين، والإنگليز، والگوتلانديين، لأن هذا هو اسمهم." (ص59)
وصل المبعوثون السلاڤيون إلى أرض الروس المجهولة ، ودعوهم للمجيء إلى أرضهم ليحكمون كملوك. وقبِل ثلاثة أشقّاء من الإقطاع الدعوة. وكما ورد في السجل ؛ الآتي :
" كان أكبرهم روريك قد استقر في نوڤگورود؛ والثاني سينوس في بيلوزيرو؛ والثالث، تروڤور في إيزبورسك. وبفضل هؤلاء الڤارانجيين ، عُرفت منطقة نوفگورود بأرض روس. كما ينحدر سكان نوڤگورود الحاليون من العِرق الڤارانجي، لكنهم كانوا سلاڤيون قبل ذلك." (ص 59ـ 60)
يأتي تأكيد وجود المستوطنات الإسكندناڤية في هذه المناطق من الأدلة المادية المكتشفة في التنقيبات الأثرية. وفي حوالي عام 750م، تأسست مستوطنة في ستاراجا لادوگا بالقرب من نهر ڤولخوڤ؛ وهي أول قرية إسكندناڤية في المنطقة. وذكر البروفيسور توماس نونان ذلك كما المقطع أدناه :
" تشير الأدلة الأثرية إلى أن الإسكندناڤيين سكنوا لادوگا منذ نشأتها؛ فقد عُثر في طبقة أثرية تعود إلى خمسينيات القرن الثامن على مجموعة من أدوات الحدادة الإسكندناڤية البلطيقية، بما في ذلك تعويذة تحمل وجه أودين ( الإله الأعلى في الأساطير النورسية) ... لم يأتِ الإسكندناڤيون الذين زاروا لادوگا للنهب والسرقة. ولم تكن هناك مدن أخرى في الأرض المجاورة، ولم تكن هناك أديرة، وكانت تلال الدفن المجاورة للسكان المحليين متواضعة للغاية في محتوياتها. ولم يكن هناك سوى القليل من الأشياء الثمينة التي يمكن سرقتها هنا. لقد أُسست لادوگا لتسهيل الوصول إلى داخل روسيا الأوروبية بكل ثرواتها الطبيعية." (سوير،ص 141-142)
وتشير الأدلة أيضاً إلى أن لادوگا أصبحت مستوطنة متذبذبة في عدد سكانها، وهو ما يتوافق مع رواية السجل الأولّي عن طرد السلاڤ للڤارانجيين ثم دعوتهم للعودة. كما عُثر على قطع أثرية نورسية في نوڤگورود والمواقع الأخرى المذكورة في السجل .

بعد عامين من وصولهم، توفي الشقيقان الأصغران، وضمّ روريك أرضيهما له، وجعل نوڤگورود العاصمة الجديدة لكامل الأراضي . وذات يوم ؛ طلب ​​رجلان من أتباع روريك (أسكولد ودير) الإذن منه لمغادرة البلاد والسعي وراء ثرواتهما في القسطنطينية، فمنحه لهما . وفي طريقهما إلى تسارگراد ( القسطنطينية ـ اسطنبول)، توقفا عند مدينة تقع على تلة مرتفعة تُدعى كيي (كييڤ)، واستوليا عليها، ثم بدآ في غزو المنطقة المحيطة بأساليب الڤايكنگ في المعارك . وينسب إليهما السجل الأولي ذلك الهجوم الشهير على تسارگراد (حوالي عام 860 م) بمشاركة مائتي قارب من الڤايكنگ، ومنيت المدينة بالهزيمة بعد مذبحة كبيرة بفعل عاصفة قيل إنها أُرسلت من قبل الرّب ، إلا أن توقيت ذلك الغزو لا يتوافق تاريخياً مع بقية الرواية.
في نوڤگورود، توفي روريك لأسباب طبيعية، وعهد بابنه الصغير إيگور إلى قريبه أوليگ للاهتمام به (المعروف أيضا باسم أوليگ نوڤگورود، وأوليگ النبي، عام 879-912م). وقد بدأ أوليگ سلسلة من الغزوات من نوڤگورود، فاحتل الأراضي المحيطة بها وعززها بالمحاربين . ثم وصل أخيراً إلى كييڤ ورأى كيف كان أسكولد ودير يجمعان ثروات طائلة من خلال الحروب ؛ فخدعهما بحجة خروجهما من المدينة طوعاً دون أن يمسهما بسوء ؛ إلا أنه غدر بهما وقتلهما،واستولى على الأرض، بعد ذلك نقل العاصمة من نوڤگورود إلى كييڤ (حوالي عام 882م). ومن خلال المفاوضات والقوة العسكرية، أقنع عدداً من القبائل والمستوطنات بالتوقف عن دفع الإتاوة للخزر ودفعها له حصراً. وبحلول نهاية حكمه، كان أوليگ قد وسّع سيطرة روس على المنطقة بشكل كبير، وملأ خزينة كييڤ بالأموال .
كان يُعرف باسم أوليگ النبي (الذي يُترجم إلى أوليگ الكاهن) بسبب نبوءة تتعلق بوفاته . إذ تنبأ بأنه (أوليگ) سيُقتل برفسة حصان جميل كان يملكه ؛لكنه لم يكن يجرؤ أبداً على ركوبه بسبب النبوءة . وأمر بإرسال الحصان بعيداً بشرط أن يكون دائماً تحت الاهتمام في التغذية والعناية. وبمجرّد أن غزا المناطق المحيطة وأبرم اتفاقيات مربحة (خاصة مع تسارگراد/ اسطنبول)؛ شعر بالثقة في نظام حكمه، وسخر من النبوءة . وذات يوم سأل أوليگ مستشاريه عمّا حدث للحصان الذي كان من المفترض أن يقتله، فقيل له إنه مات وطلب من حاشيته مرافقته للذهاب إلى حيث مكان جثة الحصان . وما أن وصل هناك، داس بقدمه على جمجمة الحصان ؛ مما أدى إلى ظهور ثعبان ضخم من تحتها ، وعضّه في قدمه وقتله.
تولّى إيگور (عام 912-945م) ابن روريك ، والذي ربّاه أوليگ حكم كييڤ. فقد تزوج إيگور من امرأة ڤارانجية تُدعى أولگا (التي أصبحت لاحقاً القديسة أولگا كييڤ، وتوفيت عام 969م) قبل توليه السلطة بفترة. ومثل أبوه بالتبني، شارك إيگور في حملات عسكرية ناجحة، وفرض الإتاوة على المهزومين . ولكن مع مرور الوقت، اكتشف أن كل الثروة التي جمعها لم تكن كافية ، ففرض ضرائب أكبر على الشعب، ثم اُغتيل في النهاية على يد قبيلة الدريڤليانيين بسبب جشعه. وكان ولده سڤياتوسلاڤ الأول (عام 945 ـ 972)، أصغر من أن يتولى العرش، فشغلت والدته أولگا منصب الوصي عليه بين عام 945 وعام 963 م .
كان أول ما قامت به أولگا هو معاقبة الدريڤليانيين لقتلهم زوجها. لذا أرسل الدريڤليانيون رسالةً يطلبون فيها زواجها من أميرهم ماي، وبدا أن أولگا قد وافقت وطلبت مبعوثين اليها ؛ فقتلتهم بخدعة منها وذلك عندما أركبتهم قارباً،ثم ألقتهم في حفرة ودفنتهم أحياء. بعد ذلك طلبت من حكماء الدريڤليانيين الرجال أن يأتوا إليها، ودعتهم للاستحمام عند وصولهم، إلا أنها وبحيلة منها أشعلت النار في الحمامات، فأحرقتهم حتى الموت. ثم دعت عامّة الدريڤليانيين إلى وليمة أُعدّت تكريماً لروح زوجها إيگور، وسمحت لهم جميعاً بتناول الخمر، وما ان ثملوا؛أمرت جنودها بذبحهم جميعاً .
لجأ الناجون من الدريڤليانيين إلى مدينة إيسكوروستين، حيث قُتل إيگور، إلا أن أولگا قامت بحصارها. وعندما عجزت عن السيطرة عليها، أعلنت أنها ستفرض على المدينة شروط استسلام مخففة، وطلبت من كل منزل وبسرعة تسليمها ثلاث حمامات و ثلاثة عصافير فقط . وأمرت جنودها بربط قطعة من الكبريت المشتعل بخيط في رجل كل طير، ثم إطلاق سراحها لتعود إلى أعشاشها في المدينة. اشتعلت النيران في الأعشاش التي بأعلى السقوف الخارجية للمنازل، وفي الأقفاص الخاصة بالطيور، وأماكن أخرى مختلفة ، فالتهمت النيران جميع أنحاء إيسكوروستين . وبالتالي فقد قتلت أو باعت أولگا معظم الناجين، لكنها أبقت على آخرين ليتمكنوا من مواصلة دفع الإتاوة .
وتُعدّ قصص انتقام أولگا من بين الأجزاء الأكثر أسطورية في السجلّ الأولّي ، لكن يُعتقد أنها تشير إلى أحداث تاريخية حقيقية في إبادة الدريڤليانيين . كما رفضت الكنيسة لاحقاً القصص الانتقامية التي تحدثت بها عن أولگا ، حيث قدّستها لجهودها في التبشير للمسيحية ؛ على الرغم من أن كييڤ روس بقيت وثنية في الغالب طوال حكم ابنها وخليفته. ولم تكن أولگا من حوّل المنطقة الى المسيحية؛ بل حفيدها ڤلاديمير الكبير (عام 980 ـ 1015م) .

ڤلاديمير الكبير و ياروسلاڤ الحكيم
تنازلت أولگا عن العرش لصالح سڤياتوسلاڤ الأول حوالي عام 963 م، وابتعدت عن أمور الحكم في كييڤ لقضاء بقية حياتها في الأعمال المنزلية. وسرعان ما بدأ سڤياتوسلاڤ الأول سلسلة من الحملات العسكرية تفوق حملات أوليگ وإيگور لتوسيع أراضيه والسيطرة على طرق التجارة . إذ غزا الخزر أولاً، التي لطالما كانت قوة منافسة، ثم بلگار الڤولگا، والـ آلان ( شعب إيراني رعوي قديم هاجر وتوزّع مابين شمال القوقاز واوروبا وشمال افريقيا)، وبلگار الدانوب حتى اتسعت مساحة مملكته لأكثر من ثلاثة أضعاف.
اغتيل سڤياتوسلاڤ الأول أثناء عودته إلى كييڤ في إحدى هذه الحملات، وتقاتل أبناؤه الثلاثة على العرش وهم ؛ ياروپولك الأول (عام 972-980م)، وأوليگ، وڤلاديمير . وقد قُتل أوليگ في ذلك الصراع على السلطة ؛ وعندما تولى ياروپولك الأول الحكم ، فرّ ڤلاديمير إلى النرويج والتجأ إلى قصر قريبه هاكون سيگوردسون (عام 972-995). وهناك جمع قوة من الڤارانجيين وانتظر لفترة من الزمن، وعندما شعر بأنه مستعد للعودة واستعادة حكم المملكة، هاجم أخاه ياروپولك الأول وقتله في كمين وهزم جيشه .

سار ڤلاديمير على خطى والده، فشنّ عدداً من الحملات العسكرية لتوسيع المملكة أو لتأمين مناطق محددة. وخلال هذه الحروب والمعارك، شيّد معابد وثنية لتكريم آلهة محلية وأخرى قومية. وفي ذلك الوقت تقريباً (حوالي عام 987م)، طلب باسيل الثاني إمبراطور بيزنطة (عام 976 ـ1025م) من ڤلاديمير مساعدة عسكرية للدفاع عن عرشه من منافسين له (كان أحدهما بارداس فوكاس، الذي أعلن نفسه إمبراطوراً). فاستجاب ڤلاديمير لطلبه ، ثم عُرض عليه الزواج من آن شقيقة باسيل الثاني. وتمت الموافقة على الزواج بشرط اعتناق ڤلاديمير للمسيحية.
أدى هذا الاتفاق إلى دخول كييڤ روس المسيحية وتأسيس الحرس الڤارانجي في الإمبراطورية البيزنطية . وحوالي عام 988 م ؛أرسل ڤلاديمير 6000 ڤارانجي إلى باسيل الثاني في القسطنطينية ، وأصبحوا الحرس الشخصي للإمبراطور البيزنطي ، وقوة ضاربة هائلة من ذلك التاريخ وحتى بداية القرن الرابع عشر الميلادي .
هناك رواية أخرى لاعتناق ڤلاديمير المسيحية تزعم أنه تنصّل من آلهته الوثنية، بحيث أرسل مبعوثين إلى دول مختلفة لمناقشة رجال الدين حول معتقداتهم وممارساتهم الدينية. وبعد اطلاعه على النصوص المسيحية والإسلامية واليهودية ، اختار المسيحية الأرثوذكسية الشرقية عقيدة له ؛ وذلك لجمال وروعة بناء الكنائس القسطنطينية، ولعدم وجود تحريم للكحول ولحم الخنزير. وقد حُشرت هذه القصة (في مرحلة ما من القرن الحادي عشر الميلادي) على الأرجح من ضمن المرّويات لإبعاد الشبهة عن عقيدة ڤلاديمير في شرط الزواج ، وللتأكيد على استقلاليته عن التأثيرات الأجنبية. ومهما كانت ظروف اعتناقه للمسيحية؛ فقد كان لها آثار بعيدة المدى، كما أشار البروفيسور روبرت فيرگسون :
" إن اختيار اللغة السلاڤية بدلاً من النوردية القديمة كلغة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ؛ جعل عملية الاستيعاب حتمية. كما فتح هذا الاختيار أمام المجتمع الروسي التأثير العميق والدائم للثقافة البيزنطية ." (ص131)
مع أنه ربما وافق في البداية على اعتناق المسيحية لمجرد تشكيل تحالف؛ إلا أن ڤلاديمير سرعان ما آمن بأسمى قيم المسيحية. إذ قدّم الرعاية لفقراء مملكته، وتطوع شخصياً لمساعدة أي شخص بغض النظر عن وضعه الاجتماعي، وبنى المدارس لتشجيع القراءة والكتابة والعديد من الكنائس ، وشيّد المدن ،كما ازدهرت التجارة والاقتصاد في عهده ، وحسّن حياة شعبه في جميع المجالات.

لقد جاء بعد ڤلاديمير؛ سڤياتوپولك الأول (عام 1015 ـ 1019م)، المعروف بـ"الملعون"، لقتله ثلاثة من أبناء ڤلاديمير (منهم بوريس وگليب، اللذان اعتُبرا قديسين لاحقاً)، بعد توليه الحكم . وربما كان سڤياتوپولك الأول الابن الأكبر لـ ڤلاديمير، لكن هذا غير واضح. إذ لم يكن حكمه مميزاً، وعُزل من قِبل أحد أبناء ڤلاديمير، ياروسلاڤ الأول (عام 1019 ـ 1054م)، والمعروف باسم ياروسلاڤ الحكيم .
وكان ياروسلاڤ الأول آخر ملوك كييڤ روس، وقد تزوج من إنجيگرد أولوفسدوتر (عام 1001-1050م)، ابنة ملك السويد أولوف سكوتكونونگ (عام 995 ـ 1022 م)، وعقد لاحقاً تحالفات مهمة من خلال زواج أبنائه لأجنبيات من دول أخرى . كما أصلح القوانين، وعقد معاهدات مهمة مع القسطنطينية، وأمّن حدوده من غزوات الپيچنگ الرّحل في تركيا. وتماشياً مع تقاليد ملوك روس كييڤ كمحاربين؛ قاد عدداً من الحملات العسكرية الناجحة ورفع كييڤ روس إلى ذروتها الثقافية والاقتصادية. وحوالي عام 1037 م، بدأ في بناء كاتدرائية القديسة صوفيا في نوڤگورود، والتي لا تزال من بين أروع كنائس العصور الوسطى في العالم؛ وتُعد فخامة كاتدرائية القديسة صوفيا دليلاً على عظمة عهد ياروسلاڤ الأول .
بعد وفاته، انقسمت كييڤ روس، حيث تقاتل أبناؤه فيما بينهم على السلطة، بينما ثارت مدن وإمارات أخرى. ولم يكن الملوك اللاحقون في كييڤ أقوياء بما يكفي للحفاظ على تماسك المملكة، فنشأت كيانات سياسية منفصلة أصغر حجماً. وقد أطاحت الحروب الصليبية الشمالية وخاصةً في القرن الثاني عشر الميلادي بمنطقة البلطيق التابعة للمملكة؛ كما دمرت الحملة الصليبية الرابعة (عام 1202-1204م) التجارة بنهب القسطنطينية؛ مما أدى إلى قطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى اليونان . وبحلول وقت الغزو المغولي بين عامي 1237 و 1242 م، لم تعد كييڤ روس اتحاداً مترابطاً بأي حال من الأحوال، وتم الاستيلاء على الولايات المنفصلة بسهولة.
وعلى الرغم من أن المؤرخين الذين يطلقون على كييڤ روس من الڤايكنگ اسم "مناهضي النورمان" ؛ إلا أنهم لا يزالون يؤكدون أن النفوذ النورسي في المناطق السلاڤية كان ضئيلاً، بيد أن الأدلة المادية والأدبية تُشير إلى خلاف ذلك. وقد أسس الروس الڤارانجيون الذين استقروا في ستاراجا لادوگا ونوڤگورود وكييڤ واحدة من أغنى الحضارات وأكثرها استقراراً في ذلك الوقت. وقد أرسى تطور الهوية الوطنية ذات العقيدة الدينية المشتركة في عهد ملوك روريك مثل ڤلاديمير الكبير و ياروسلاڤ الأول أساس الدول التي ظهرت لاحقاً في المنطقة..



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لارس براونوورث ـ ذئاب البحر: تاريخ الڤايكنگ ـ دار كروكس للنشر ـ 2014 .
روجر كولينز ـ أوروبا في العصور الوسطى المبكرة ـ ريد گلوب للنشر ـ 2010 .
روبرت فيرگسون ـ الڤايكنگ ـ پينگوين للنشر ـ 2010 .
آنگوس سومرڤيل ـ عصر الڤايكنگ ـ طباعة جامعة تورنتو ـ 2014 .
سوزان وايز باور ـ تاريخ العالم في العصور الوسطى: من اعتناق قسطنطين للمسيحية إلى الحملة الصليبية الأولى ـ دبليو دبليو نورتون ـ 2010 .
پيتر سوير ـ تاريخ الڤايكنگ المصوّر من أكسفورد ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2001 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب في ممالك مصر القديمة
- حضارة وادي السند الغامضة
- الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية
- عبادة الإله مثرا
- التحنيط عند المصريين القدماء
- مذكرات جندي أمريكي عن درب الدموع
- من هم الأمورّيون ؟
- هذا ما كتبه هيرودوت عن بابل القديمة
- شخصية هرقل في الأساطير اليونانية والرومانية
- بطل ملحمة گلگامش بين الحقيقة والأسطورة
- نرگال (مسلامتيا) إله الموت والحرب والدمار
- الكريسماس عبر التاريخ
- قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)
- طقوس الشاي في الصين واليابان القديمتين
- هنود السهول الأصليين في أمريكا
- ليلة السكاكين الطويلة
- ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
- الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
- الفينيقيون شعب أرجواني
- عنخ رمز بلاد النيل


المزيد.....




- دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازون
- لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
- انقسام في الكونغرس بعد أول إفادة بشأن ضرب إيران
- البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
- اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا ...
- بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا ...
- كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
- -نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض ...
- البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - اتحاد كييڤ روس