|
الأدب في ممالك مصر القديمة
عضيد جواد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 16:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يتضمن الأدب المصري القديم مجموعة واسعة من التكوينات النثرية والشعرية موزعة على نقوش التوابيت والنصب التذكارية والمسلاّت والمعابد ، كما نجده أيضاً في محتوى الأساطير والقصص والكتابات الدينية والأعمال الفلسفية والأقوال والأمثال وعبارات الحكمة والسير الشخصية والتاريخ و الأغاني والمسرحيات والترانيم والرسائل وسجلات المحاكم . ورغم أن العديد من هذه التكوينات لا تُعرَّف عادةً على أنها "أدب"، إلا أنها تُعد كذلك في البحوث والدراسات المصرية؛ لأن بعض منها وخاصة في المملكة الوسطى (عام 2040-1782 قبل الميلاد)، تتمتع بمثل هذه القيمة الأدبية العالية . تأتي الأمثلة الأولى للكتابة المصرية من فترة الأسرات المبكرة (حوالي عام 6000- 3150 قبل الميلاد) على شكل لوائح القرابين والسير الشخصية التي كانت تُنقش على تابوت الشخص المتوفي مع قائمة ثابتة من الذبائح والهبات ؛ لكي يتعرّف ذويه على الكميّة المستحقة له عند زيارتهم المنتظمة للقبر . ونظراً للاعتقاد السائد آنذاك في أن الموتى سوف يستمرون في الحياة بعد موت أجسادهم؛ لذا كان تقديم طعام الغفران بشكل معتاد عند القبور يُعد أمراً مهماً. فقد كان على الموتى أن يأكلوا ويشربوا حتى لو لم يمتلكوا هيئة الجسد. ومن لائحة أو قائمة القرابين جاءت صلاة طعام الغفران؛ وهو عمل أدبي نمطي حلّ محل لائحة القرابين . ومن السير الشخصية جاءت "نصوص الأهرام" التي كانت عبارة عن وصف لحكم الملك ورحلته الناجحة إلى حياة الآخرة. وقد حدث هذان التطوران خلال فترة المملكة القديمة حوالي (عام 2613- 2181 قبل الميلاد).
كانت تلك النصوص مكتوبة بالهيروغليفية Hieroglyphics (النقوش المقدسة)؛ وهو نظام كتابة يجمع بين الفونوگرامات Phonograms (الرموز التي تمثل الصوت)، واللوگورامات Logograms (الرموز التي تمثل الكلمات)، والإيديوگرامات Ideograms (الرموز التي تمثل المعنى أو الدلالة) . كانت الكتابة الهيروغليفية تتطلب جهداً مكثفاً للغاية، لذا نشأ إلى جانبها خط آخر يُعرف بالهيراطيقية Hieratic (الكتابات المقدسة)، وهو أسرع في العمل وأسهل في الاستخدام . كانت الكتابة الهيراطيقية مبنية على الخط الهيروغليفي واعتمدت على نفس القواعد ولكنها كانت أقل منهجية . حيث كانت الكتابة الهيروغليفية تُكتب بعناية خاصة لإظهار الناحية الجمالية في ترتيب الرموز؛ بينما كانت الكتابة الهيراطيقية تُستخدم لنقل المعلومات بسرعة ويسر. وفي حوالي عام 700 قبل الميلاد، تم استبدال الهيراطيقية بالخط الديموطيقي Demotic (الكتابة الشعبية) الذي استمر استخدامه حتى ظهور المسيحية في مصر واعتماد الخط القبطي Coptic في حوالي القرن الرابع الميلادي . كانت أغلب الأدبيات المصرية مكتوبة بالخط الهيروغليفي أو الخط الهيراطيقي؛ حيث استُخدمت الهيروغليفية في نقوش المعالم الثابتة مثل المقابر والتوابيت والمسلات والنصب التذكارية والمعابد، بينما استُخدم الخط الهيراطيقي في كتابة مخطوطات البردي والأواني الخزفية. ورغم أن كل من الهيراطيقية والديموطيقية والقبطية من نظم الكتابة الشائعة بين المتعلمين والمثقفين، إلا أن الهيروغليفية استمر استخدامها طوال تاريخ مصر في نقوش الهياكل الأثرية ؛ حتى تم تجاهلها خلال الفترة المسيحية المبكرة . وعلى الرغم من أن تعريف "الأدب المصري" يشمل العديد من أنواع المؤلفات المختلفة، إلا أننا سوف نولي في هذا المقال اهتماماً أكبر للمؤلفات الأدبية المميزة مثل القصص والأساطير والخرافات والمؤلفات الفردية الخاصة ؛ وسوف نذكر أيضاً أنماطاً أخرى من الأعمال عندما تكون ذات أهمية استثنائية. حيث يمتد التاريخ المصري وأدبه لقرون عديدة ؛ وبالتالي لا يمكن لمقال واحد أن يتناول جميع مدونات الأدب المصري القديم بشكل عادل ومنصف .
أدب المملكة القديمة إن لوائح أطعمة الغفران والسير الشخصية، على الرغم من أنها لا تعّد أدباً في المفهوم العام ، إلا أنها تعتبر النماذج الأولى لنظام الكتابة المصري في التأليف . حيث كانت لائحة الغفران عبارة عن تعليمات بسيطة معروفة لدى المصريين باسم "هتپ ـ دي ـ نسو" بمعنى " هدية يقدمها الملك"، منقوشة على تابوت توضح الطعام والشراب والقرابين الأخرى المناسبة للشخص المدفون هناك. وكانت السيرة الشخصية المدونّة بعد وفاة الشخص ، تُكتب دائماً بصيغة الضمير المتكلم ، وكأن المتوفى هو الذي يتحدث عن نفسه. وقد أشارت عالمة المصريات ميريام ليچهايم إلى هذا الجانب : "كان الهدف الأساسي للسيرة الشخصية - الصورة الذاتية بالكلمات - هو نفس هدف الصورة الشخصية في النقش والنحت البارز لتلخيص السمات المميزة للشخص من حيث قيمته الإيجابية وفي مواجهة الحياة الأبدية." (ص4) لقد تم تعزيز تلك السير الشخصية المبكرة بنوع من الكتابة النمطية المعروفة الآن باسم ـ لائحة الفضائل أو خصائل المناقب ـ والتي نشأت من "القدرة الجديدة على التقاط تجارب الحياة غير المحددة في الأنماط الدائمة للكلمة المكتوبة" ( ليچهايم، ص 5). كما أكدت لائحة الفضائل على أعمال الخير التي قدمها الشخص في حياته ومدى استحقاقه للتذّكر . وتشير ليچهايم إلى أن أهمية الفضائل تكمن في أنها "تعكس المعايير الأخلاقية للمجتمع" وفي الوقت نفسه توضح أن المتوفى قد التزم بهذه المعايير (ص5). وكانت بعض هذه السير الشخصية ولوائح الفضائل موجزة ومنقوشة على أبواب وهمية أو حول عتبات الأبواب. والبعض الآخر، مثل السيرة الشخصية الشهيرة لـ "ويني" ، منقوشة على ألواح ضخمة ومفصلة للغاية، كما كُتبت بأسلوب النثر؛ بينما كُتبت لوائح الفضائل بالشعر النمطي . ومن الأمثلة النموذجية على ذلك نقش "نفر- سشم - رع" المسمّى "شيشي" يعود إلى الأسرة السادسة من المملكة القديمة : لقد أتيت من مدينتي لقد نزلت من مدينتي لقد أنصفت سيدها لقد أرضيته بما يحب. لقد تحدثت بصدق، لقد فعلت الصواب لقد تحدثت بشكل عادل، وكررت ذلك بشكل عادل لقد اغتنمت اللحظة المناسبة لكي أستطيع أن أتعامل بلطف مع الناس . أحكم بين أثنين حتى أرضيهما لقد أنقذت الضعيف من الأقوى منه بقدر ما كان في استطاعتي . منحت الخبز للجائع والملابس للعريان لقد جلبتُ من بلا قارب إلى هذه الأرض . دفنت من ليس لديه ولد لقد صنعت قارباً لمن ليس لديه واحداً . لقد احترمت أبي، وأسعدت أمّي لقد أعنت أبنائهم . هكذا قال من يّلقب بشيشي . ( ليچهايم ص 17)
أدت هذه السير الشخصية ولوائح الفضائل إلى ظهور "نصوص الأهرام" للأسرتين الخامسة والسادسة التي كانت مخصصة للملوك؛ بحكاية عن قصة حياة الملك وفضائله ورحلته إلى حياة الآخرة؛ بغية تعريف حياة المتوفي على الأرض ورحلته الخالدة إلى أرض الآلهة، وبالتالي تدوين معتقداتهم الدينية المبكرة . كما تأتي أساطير الخلق مثل القصة الشهيرة عن آتوم الذي وقف على التل البدائي وسط مياه الفوضى المتدفقة، وجاء بالخلق من العدم عن طريق نصوص الأهرام . وتتضمن هذه النقوش أيضاً تلميحات عن قصة أوزوريس ومقتله على يد شقيقه ست، وقيامته من بين الأموات بواسطة زوجته (شقيقته) إيزيس ، ورعايتها لابنهما حورس في أهوار دلتا . في أعقاب نصوص الأهرام ، ظهرت مجموعة من المؤلفات الأدبية المعروفة باسم " وصايا في الحكمة" . تقدم هذه الأعمال مبادئ قصيرة حول كيفية العيش على غرار كتاب الأمثال التوراتي . وفي كثير من الحالات، نجد نفس هذه الوصايا في أسفار الأمثال والجامعة والمزامير وغيرها من الروايات التوراتية. وأقدم نصّ هو "وصايا الأمير هاردجيدف" الذي دوّن في فترة ما من الأسرة الخامسة والذي يتضمن وصايا مثل : طهر نفسك أمام عينيك لئلا يطهرك آخر. عندما تنجح، وتجد أسرتك اتخذ زوجة صالحة، سيولد لك ولد . من أجل ابنك تبني بيتاً عندما تصنع مكاناً لنفسك. (ليچهايم ،ص 58)
والوصايا اللاحقة الموجهة إلى "كاجمني" :
الرجل المحترم ينجح . المتواضع هو المحمود. الخيمة مفتوحة للصامتين . مقعد السكون واسع . لا تثرثر!... عندما تجلس مع رفيق تجنب الطعام الذي تحبه . ضبط النفس لحظة قصيرة . إن الشراهة حقيرة ومذمومة. قدح من الماء يروي العطش . جرعة من العشبة تقوّي القلب. (ليچهايم ،ص 59-60) كان هناك عدد من هذه النصوص، وجميعها مكتوب وفقاً لنموذج أدب نارو الرافديني . إذ كان متاحاً للكاتب الرافديني في أن يستعير هوية شخصية حقيقية مشهورة ويعمل على منحها الدور الرئيسي في حكاية من صنع خياله مستخدماً اسمه وأفكاره ، ويقدمها إلى الجمهور القارئ كعمل أدبي حقيقي من منظور الشخص الأول . حيث لم يكتب الأمير هاردجيدف الحقيقي أقواله ، ولم تكن وصايا كاجمني موجهة إلى شخصه الحقيقي . وكما هو الحال في أدب نارو، يتم اختيار شخصية معروفة لمنح العمل الأدبي وزناً أكبر وبالتالي قبولاً أوسع. وقد تطور أدب الحكمة ونصوص الأهرام والسير الشخصية بشكل كبير خلال المملكة القديمة وأصبحت الأساس لأدب المملكة الوسطى .
أدب المملكة الوسطى تعتبر المملكة الوسطى العصر الكلاسيكي للأدب المصري . وخلال هذه الفترة تم كتابة النصوص المعروفة بالمصرية الوسطى التي تعتبر أرقى أشكال الهيروغليفية وأكثرها شيوعاً بين الآثار واللقى الأخرى في المتاحف العالمية. وأشارت عالمة المصريات روزالي ديفيد الى هذه الفترة في المقطع التالي : "عكست أدبيات هذا العصر العمق والنضوج الإضافيين اللذين اكتسبتهما البلاد نتيجة الحروب الأهلية والاضطرابات التي شهدتها الفترة الانتقالية الأولى . وقد تطورت أنواع جديدة من الأدب بما في ذلك ما يسمى بـ [ أدب التشاؤم] ، والذي ربما كان أفضل مثال على التحليل النفسي والشكوك التي عاشها المصريون في تلك الحقبة ." (ص209) أدب التشاؤم الذي ذكرته روزالي ديفيد هو من أعظم أعمال المملكة الوسطى؛ لأنه لا يعبر فقط عن عمق فهم تعقيدات الحياة ، ولكنه كان يصاغ بسردية رائعة. وبعض أشهر الأعمال من هذا النمط (المعروف عموماً باسم الأدب التعليمي) :الصراع بين الرجل و"با"(ذاته) ، الفلاح البليغ ، التهكم على المِهن ، وصايا الملك أمنمحات الأول لابنه سنوسرت الأول ، نبوءات نفرتي، و وصايا إيبوير .
تعتبر قصة "الصراع بين رجل وذاته" أقدم نص عن الانتحار في العالم . حيث يقدم النّص حواراً بين الراوي وذاته حول صعوبات الحياة وكيف يُفترض أن يعيش المرء فيها. وفي فقرات تذكرنا بسفري الجامعة أو المراثي التوراتيين؛ حيث تحاول الروح مواساة الرجل من خلال تذكيره بالأشياء الجيدة في الحياة وعن بركة الآلهة، وكيف ينبغي له أن يستمتع بالحياة بقدر ما يستطيع لأنه حتماً في الآخر سوف يموت . وترجم عالم المصريات ويليام كيلي سيمبسون النص باسم " الرجل الذي سئم الحياة" ويختلف مع التفسير القائل على أنه يتعلق بالانتحار. وقد أشار في تعليقه التالي على النّص : "إن هذا النّص الذي يعود إلى عصر الدولة الوسطى والذي تمت كتابته في بردية برلين المرقمة (3024) ؛ كثيراً ما تم تفسيره على أنه حوار بين رجل وشريكته حول موضوع الانتحار. وأنا في اعتقادي ؛ أن النص له طبيعة مختلفة إلى حد ما. وما يتم عرضه في هذا النّص ليس حواراً بل وصفاً عن نفسية رجل مكتئب بسبب شرور الحياة ؛ إلى الحد الذي شعر فيه بالعجز في الوصول إلى أي فكرة لقبول الصلاح الفطري للوجود. وإن داخله النفسي كما هو الحال، غير قادر على أن يتصالح معه بسلام ." (ص178)
إن عمق الحوار بين الرجل وذاته ومدى التجارب الحياتية التي تم التطرق إليها، يظهر أيضاً في الأعمال الأخرى المذكورة . ففي مسرحية "الفلاح البليغ" يسلب اقطاعياً ثرّياً أرض فلّاح فقير؛ وهذا الفلاّح كان فصيح اللسان ، فيعرض شكواه على قاضي المدينة؛ فيُعجب القاضي بقدرة الفلّاح على بلاغته في الحديث إلى الحد الذي جعله يرفض حسم قضيته بسرعة ؛ وذلك من أجل سماعه يتحدث لفترة أطول . ورغم أن الفلاح يحصل في النهاية على جميع مستحقاته؛ فإن نّص المسرحية يكشف عن الظلم المتمثل في الاضطرار إلى إرضاء أصحاب السلطة ومسايرتهم بغية استرجاع الحقوق دون خسارة كبيرة . كما تُقدَّم مسرحية "التهكم على المِهن" على هيئة رجل ينصح ولده في أن يصبح كاتباً؛ لأن الحياة صعبة ، وأن أفضل حياة غير متعبة هي تلك التي يستطيع فيها الرجل أن يجلس طوال اليوم دون أن يفعل شيئاً سوى الكتابة. أما بقية المهن التي يمكن للمرء أن يمارسها بالعمل الشاق والمعاناة التي ليس لها نهاية في حياة قصيرة وثمينة للغاية لا تستحق إهدارها عليها . إن موضوع الأب الذي ينصح ولده بأفضل سُبل الحياة يُستثمر في عدد من المؤلفات الأخرى . ففي "وصايا وحِكم أمنمحات" ؛ نجد أن شبح الملك المقتول يحذر ابنه من الوثوق في المقرّبين منه؛ لأن الناس ليسوا دائماً كما أنت تراهم ؛ وأفضل سلوك هو أن يلتزم بنصائحه الخاصة وأن يكون حذراً من أي شخص آخر. ويحكي شبح أمنمحات قصة كيف قُتل جسده على يد المقرّبين منه؛ لأنه ارتكب خطأ الاعتقاد في أن الآلهة سوف تكافئه على الحياة الفاضلة بإحاطته أولئك الذين يمكنه الوثوق بهم . وكما في مسرحية "هاملت" لشكسپير؛ ينصح پولونيوس ابنه قائلاً: "إن هؤلاء الأصدقاء الذين حولك، والذين قرّبتهم إليك، حاول أن تمسكهم بروحك في أطواق من الفولاذ؛ ولكن لا تثقل راحة يدك بالمتاع عن كل حدث جديد لم يكتمل بعد" (I.iii.62-65). وهنا ينصح پولونيوس ابنه في أن ألا يضيع وقته مع أولئك الذين بالكاد يعرفهم؛ بل أن يثق فقط في أولئك الذين أثبتوا مصداقيتهم . ويوضح شبح أمنمحات الأول أيضاً نفس هذا النهج من التعامل مع الآخرين : لا تثق بأخيك . لا تعترف بأحد كصديق . لا تجعل لنفسك رفاق حميمين لأنك لا يمكن أن تكسب منهم شيء. عندما تستلقي في الليل، دع قلبك يراقبك فليس للإنسان من يدافع عنه في يوم الضيق . (سيمبسون،ص 168)
كان الملك الحقيقي أمنمحات الأول (حوالي عام 1991-1962 قبل الميلاد) أول ملك كبير من الأسرة الثانية عشرة، والذي اغتيل في الواقع على يد المُقرّبين منه . وقد دوّن كاتب مجهول الوصايا التي تحمل اسمه في تاريخ لاحق، ربما بناءً على طلب الملك سنوسرت الأول (حوالي عام 1971-1926 قبل الميلاد) للإشادة بوالده وتشويه سمعة المتآمرين . كما أُشيد بالملك أمنمحات الأول في قصة " نبوءات نفرتي " التي تنبأت بقدوم ملك اسمه (أمنمحات الأول) وسوف يكون منقذاً للشعب، ويحلّ جميع مشاكل البلاد، ويبدأ عصراً ذهبياً. وقد كُتبت القصة بعد وفاة أمنمحات الأول، ولكن تم تقديمها كما لو كانت نبوءة حقيقية سبقت حكمه. إن هذا النمط من "النبوءة الكاذبة" [ وهي رؤية سُجِّلَت بعد الحدث الذي يُفترَض أنها قد تنبأت به] يشكل عنصراً آخراً متداولاً في أدب نارو الرافديني ؛ حيث أعيد تفسير "الحقائق" التاريخية بما يتناسب مع مقاصد الكاتب. وفي حالة "نبوءات نفرتي"، ينصب التركيز في النص على مدى عظمة الملك أمنمحات الأول، وبالتالي فإن رؤية حكمه وُضعت في فترة أبعد من التاريخ ؛ وذلك لإظهار كيف أن الآلهة اختارته لتحقيق هذا المصير كي ينقذ بلاده. ويتبع النص أيضاً نمطاً شائعاً في أدب المملكة الوسطى للمقارنة بين فترة ازدهار حكم الملك أمنمحات الأول "العصر الذهبي"، مع فترة سابقة من الانقسام والفوضى " عصر الإنكسار".
تتناول مجموعة " تحذيرات إيبوير" موضوع العصر الذهبي بصيغة أكثر شمولية . وبعدما اعتُبرت هذه المجموعة من المدوّنات تاريخية؛ أُخذت تصنّف على أنها من الأدب التعليمي الذي يركز على النظام والقانون في مواجهة الفوضى والاضطراب، حيث يتناقض الزمن الحاضر المليء باليأس وعدم اليقين مع زمن سابق كان فيه كل شيء على ما يرام والحياة ميسرّة. وكثيراً ما يروّج أولئك الذين يرون أن السرديات التوراتية ترتبط مع التاريخ المصري من خلال تحذيرات إيبوير؛ وأن الضربات العشر المذكورة في سفر الخروج تُعد دليلاً واضحاً على ذلك ؛ إلا أن هذا ليس صحيحاً ابداً ، لأن تحذيرات إيبوير لا ترتبط بأي شكل من الأشكال مع الضربات التي جاء ذكرها في الكتاب العبري !.
إضافة إلى هذه النصوص النثرية، قدمت المملكة الوسطى أيضاً النص الشعري المعروف باسم "أغنية عازف القيثارة"؛ وهي قصيدة نُقشت على قبر مع صورة رجل أعمى يعزف على قيثارة. ويُعتقد أن هذا الرجل كان يعزف ويغني الأغنية أثناء مراسم جنازة المتوفي؛والذي كان يتساءل كثيراً عن وجود الحياة المثالية لما بعد الموت ومقدار رحمة الآلهة. وفي الوقت نفسه فقد ابتكر ترانيم لهؤلاء الآلهة تؤكد على مثل هذه الحياة بعد الموت . كانت أشهر السرديات النثرية من المملكة الوسطى في التاريخ المصري هي؛ " حكاية البحّار المنكوب" و "قصة سنوحي". حيث ترفع حكاية البحار المنكوب مصر إلى مرتبة الأعلى من بين جميع بلدان العالم في ذلك الزمان، وذلك من خلال قصة رجل تحطم قاربه على جزيرة ويُعرض عليه شتى أنواع الثروة والسعادة لكي يبقى فيها؛ إلا إنه رفض جميع تلك المغريات وغيرها ؛ لأن كل ما كان يطلبه هو العودة إلى مصر. كما تعكس قصة سنوحي نفس المُثل العليا لرجل يُزَّج به إلى المنفى بعد اغتيال الملك أمنمحات الأول؛ وامنيته كانت العودة إلى الوطن . انعكست التعقيدات التي عاشتها مصر خلال الفترة الانتقالية الأولى (عام 2181-2040 قبل الميلاد) على الأدب في الفترة الانتقالية التي تلتها . وعلى عكس الآراء التي لا تزال تظهر في كتب التاريخ عن مصر، لم تكن الفترة الانتقالية الأولى عهداً من الفوضى والظلام والضيق الشامل؛ بل كانت ببساطة فترة لم تكن فيه حكومة مركزية قوية. وقد أدى هذا الوضع إلى إضفاء الطابع المتساهل مع الفن والأدب ؛حيث طورت المناطق شبه المستقلة أساليبها الخاصة التي كانت موضع تقدير كبير مثل الفن الملكي في المملكة القديمة؛ غير أن كتّاب المملكة الوسطى نظروا إلى زمن الفترة الانتقالية الأولى ورأوا فيه انحرافاً واضحاً عن أمجاد المملكة القديمة. وقد فسّر علماء المصريات اللاحقون أعمالاً مثل " تحذيرات إيبوير" على أنها روايات دقيقة عن الفوضى والاضطراب في العصر الذي سبق المملكة الوسطى، إلا أنها في الواقع؛ لولا حرية الاستكشاف والتعبير في الفنون والآداب التي شجعتها الفترة الانتقالية الأولى، لما كان الكتّاب اللاحقون قادرين على توثيق أعمالهم الأدبية. لقد استُخدِمت السير الذاتية الملكية ولوائح القرابين في المملكة القديمة التي كانت متاحة فقط للملوك وحاشيتهم في العهد الانتقالي الأول من قِبَل أي شخص قادر على تحمل تكاليف بناء الأضرحة، سواء كان من حاشية الملك أو غيره . وعلى نفس النحو، قدم أدب المملكة الوسطى أعمالاً يمكن أن تُشيد بملك مثل أمنمحات الأول ، أو تقدم تصوراً عن أفكار ومشاعر رجل بحّار من العامّة ، أو عن راوي مجهول الاسم في صراع مع ذاته . وقد فتح أدب المملكة الوسطى نطاقاً واسعاً للتعبير من خلال التمدد في الموضوعات التي يمكن للمرء أن يكتب عنها، وهذا ما كان ليصبح ممكناً لولا العهد الانتقالي الأول . بعد عهد الأسرة الثانية عشرة الذي شهد تأليف أغلب الأعمال العظيمة؛ حكمت بلاد النيل الأسرة الثالثة عشرة التي كانت الأكثر ضعفاً. وخلال تاريخ هذه الأسرة، تراجعت المملكة الوسطى على جميع الأصعدة ، حتى أنها سمحت أخيراً لعرق أجنبي بمسك السلطة في مصر السفلى؛ إلا أن هؤلاء (الهكسوس) قد تعرضوا أيضاً خلال فترة سيطرتهم للتشهير من قبل الكتّاب المصريين اللاحقين الذين كتبوا مرة أخرى عن فترة من الفوضى والاضطراب مثلما حصل في الفترة الانتقالية الأولى ؛ لكن في الواقع، فقد أضاف الهكسوس الكثير من المساهمات القيّمة للثقافة المصرية التي تمّ تجاهلها في الأدب اللاحق من المملكة الحديثة .
أدب المملكة الحديثة الفترة بين المملكة الوسطى والفترة المعروفة بالمملكة الحديثة، والتي يطلق عليها العلماء العهد الانتقالي الثاني (حوالي عام 1782- 1570 قبل الميلاد). حيث في خلاله انقسم الحكم في مصر ما بين الملوك الهكسوس الغرباء في مصر السفلى تحديداً عند منطقة أڤاريس وحكم المصريين عند منطقة طيبة من صعيد مصر، إضافة إلى سيطرة النوبيين على المناطق الجنوبية من صعيد مصر. وعندما توحدت مصر، طُرد الهكسوس والنوبيين خارج الحدود على يد الملك أحمس من طيبة (حوالي عام 1570-1544 قبل الميلاد) الذي فتح الأبواب على وسعها للمملكة الحديثة. وبذلك فقد ظلّت ذكرى "غزو" الهكسوس حاضرة في أذهان المصريين وانعكست في خططهم السياسية وأعمالهم الأدبية في تلك الفترة . لقد كرس الملوك الأوائل في المملكة الحديثة أنفسهم لمنع أي نوع من الغزو مثلما حصل لمصر مع الهكسوس، لذا فقد شرعوا في سلسلة من الحملات العسكرية لتوسيع حدود مصر؛ وقد أدى كل هذا إلى بناء نظام إمبراطورية شامخة في بلاد النيل ، وانعكس هذا المفهوم على نطاق أوسع في محتوى الآداب والفنون . فقد أصبحت النقوش والنحوت الضخمة لآلهة مصر ودعمها الدائم للملوك بمثابة وسيلة للتعبير عن تفوق البلاد على جيرانها. وعبرّت القصص والقصائد الشعرية والسرديات عن المعرفة الواسعة تجاه العالم خارج حدود بلاد النيل . كما أُعيدَ تصوّر الموضوع القديم للنظام ضد الفوضى على أنه صراعٍ إلهي ؛ حيث رُكِّزَ على هذه المواضيع الأوسع نطاقاً بدلاً من النظرة التشاؤمية والمعقدة عن المملكة الوسطى . لقد اتبع الهكسوس والفترة الانتقالية الثانية نفس الأساليب في فنون وآداب المملكة الحديثة كما جاء في الفترة الانتقالية الأولى من المملكة الوسطى؛ حيث باتت الأعمال الفنية والأدبية أكثر ثراءً وعمقاً في الحبكة والأسلوب والتوصيف الشخصي . وقد أشارت عالمة المصريات البروفيسورة روزالي ديفيد الى هذا الجانب كما في المقطع أدناه : " إن أدب المملكة الحديثة الذي قد تطور في فترة تأسيس مصر لإمبراطوريتها؛ كان يتسم بنهج أكثر شمولية. ويتجلى ذلك في النصوص التي تسعى إلى الترويج لإله الأمبراطورية العظيم آمون رع باعتباره خالقاً للكون من خلال النقوش المنحوتة على جدران المعابد وأماكن أخرى ، والتي تروي بطبيعتها الانتصارات العسكرية الماحقة للملك في أرضَي النوبة وسوريا." (ص210) ولكن هذا الوصف لا ينطبق إلا على النقوش الأثرية والترانيم الدينية. كما أن النقوش ذات الطبيعة الدينية والتي تركز على الآلهة؛عادة ما تكون إما عن الإله آمون أو الإلهين أوزوريس وإيزيس، آلهة الديانتين الأكثر انتشاراً في ذلك الوقت. ومع ذلك، فقد استمرت القصص والقصائد في التعامل غالباً مع الصراعات التي يواجهها الناس في حياتهم مثل التعامل مع الظلم، والخيانة الزوجية ، ومحاولة عيش حياة طويلة في مواجهة مع الموت. وقد تم التطرق إلى نفس هذه الموضوعات أو التعامل معها بشكل أعمق خلال فترة المملكة الوسطى، ولكن نصوص الفترة الحديثة تظهر وعياً بثقافات وقيم أخرى خارج النموذج المصري المعروف .
كان أدب المملكة الوسطى يعتبر من وجهة نظر المملكة الحديثة أدباً كلاسيكياً؛ حيث كان منهجاً دراسياً للتلاميذ الذين يرغبون في أن يصبحوا كتّاب. ومن الجوانب المثيرة للاهتمام في أدب المملكة الحديثة؛ التأكيد على أهمية الأنماط والوسائل التي يتبعها الكتّاب . فقد كان الكتّاب لهم دور كبير في الحياة اليومية المصرية، وتوضح شهرة نصّ " التهكم على المِهن" ؛ كيفية أدراك القرّاء في المملكة الوسطى الأهمية للكتّاب . مع ذلك، وخلال المملكة الحديثة كان الكاتب كما جاء في "بردية لانسينگ " و "بردية چيستر بيتي الرابعة" ، لم يكن مجرّد شخص محترم فحسب، بل كان يشبه الآلهة الى حد ما في قدرته على التعبير عن المفاهيم بالكلمات، وخلق شيء من لا شيء، وبالتالي يصبح خالداً من خلال مؤلفاته. وقد أشارت ليچهايم الى بردية چيستر بيتي الرابعة في المقطع التالي : "إن بردية چيستر بيتي الرابعة هي من بين مجموعة متنوعة من النصوص . إذ تحتوي الصفحة الأمامية على ترانيم دينية؛ والصفحة الخلفية تتضمن عدة نصوص قصيرة تتعلق بمهنة الكتابة، ومن بينها نص ذا أهمية غير عادية؛ إنه عبارة عن تبجيل لمهنة الكاتب تتجاوز الصيغ المعتادة وتطرح فكرة رائعة مفادها؛ أن الخلود الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يحققه هو شهرة اسمه التي تنقلها مؤلفاته. وعندما يتحول الإنسان إلى تراب؛ لا تبقى إلا الكلمة المكتوبة." (المملكة الحديثة،ص 167)
كان لمفهوم الطبيعة المقدسة للكلمات تاريخ طويل في مصر. وكان يُعتقد أن الكلمة المكتوبة قد وُهِبَت للبشرية من قبل إله الحكمة والمعرفة "تحوت" . وتعود عبادة تحوت إلى أواخر فترة ما قبل الأسرات (حوالي عام 6000- 3150 قبل الميلاد)، ذلك عندما بدأ المصريون القدماء لأول مرة باكتشاف الكتابة. وخلال الأسرة الثانية من فترة الأسرات المبكرة، كان لتحوت زوجة / ابنته سشات أحياناً . فقد كانت سشات إلهة جميع أصناف الكتابة المختلفة، وراعية للمكتبات وأمنائها ، وكانت على دراية بما هو مكتوب على الأرض ، و تحتفظ بنسخ من مؤلفات الكتّاب في المكتبة السماوية للآلهة. كانت سشات (الكاتبة الأنثى)، كجزء من مسؤولياتها، تشرف أيضاً على الحسابات، وحفظ السجلات، وإحصاء السكان، والقياسات في إنشاء المباني والآثار المقدسة. وكان يتم الابتهال لها بانتظام كجزء من التقليد المعروف باسم "مد الحبل"؛ حيث كان الملك يقيس الأرض التي شُيّد عليها المعبد. وبهذه الصفة كانت تُعرف باسم سيدة البنائين التي كانت تقيس الأرض وتضع أساسات المعابد.وقد أشار اليها عالم المصريات ريتشارد ويلكنسون في تعليقه: "يبدو أنها لم يكن لها معبد خاص بها، ولكن بحكم دورها في احتفالات التأسيس، كانت جزءاً من كل بناية معبد" (ص167). ومع ذلك، لم تنته مساهمتها في مجمع المعابد مع انتهاء البناء فيه ، بل استمرت من خلال السكن في جزء من المعبد الذي يُعرف باسم "بيت الحياة". وتبيّن روزالي ديفيد وظيفة هذا الجزء من المعبد كما في المقطع التالي : " يبدو أن بيت الحياة كان جزءاً من المعبد ؛ أما إنه مكتبة ومكان لنسخ النصوص و تدوين المخطوطات ، أو مؤسسة تعليمية عليا، حيث تنشر وتخزّن النصوص المقدسة وتصدر التعليمات. ومن المحتمل أن اللوائح الطبية والسحرية وكذلك الكتب الدينية كانت تُجمَّع وتُنسَخ هناك. وربما كانت هذه المؤسسة موجودة في المعبد نفسه في بعض الأحيان، ولكن في أماكن أخرى ربما كانت موجودة في أحد المباني داخل حرم المعبد. ولا يُعرف إلا القليل عن إدارتها أو تنظيمها، ولكن من المحتمل أن كل مدينة كبيرة كانت لديها إدارة أو تنظيم. ومن المعروف أنها كانت موجودة في تل العمارنة ، وإدفو، وأبيدوس." (ص203)
يعكس اسم المؤسسة تلك القيمة التي وضعها المصريون للكلمة المكتوبة. فقد كان بيت الحياة هو مدرسة ومكتبة ودار نشر وتوزيع وورشة للكتابة ؛ يرأسها سشات الذي حرص على الاحتفاظ بنسخ من كل ما تم إصداره هناك في مكتبته السماوية الخاصة. خلال فترة الدولة الحديثة، كانت هذه الأعمال تتألف في معظمها من الترانيم والصلوات والوصايا الحكيمة وأغاني التبجيل وقصائد الغزل والقصص الشعرية والنثرية. وتصل قصائد الغزل المصرية في الدولة الحديثة في مستوياتها بشكل ملحوظ مع محتوى سفر نشيد الأناشيد العبراني والمؤلفات اللاحقة للشعراء الغنائيين الفرنسيين " الـ تروبادور" خلال القرن الثاني عشر الميلادي في استحضارهم في وصف الحبيب الذي لا يضاهى ويستحق كل التفاني والتضحية. ولا تزال نفس المشاعر والتصورات المستعارة عند القصائد الرومانسية في فترة الدولة الحديثة هذه ؛ يمكن التعرف عليها في كلمات الأغاني الشعبية في الزمن الحاضر. إن البنية السردية للعمل النثري في ذلك الوقت، وحتى أدواته في بعض الأحيان، سوف يتم التعرف عليها أيضاً في الأعمال التي تلت . حيث في قصة الحق والباطل (المعروفة أيضاً باسم عمى الحق بالباطل )، يُصاب أمير طيّب القلّب ونبيل (الحق) بالعمى من قبل شقيقه الشرير (الباطل) الذي طرده واستولى على تركة والديهما؛ إلا أن هناك امرأة تصادق (الحق) وتقع في غرامه فتنجب منه ولداً ، وعندما اكتشف ابنه الهوية الصادقة لوالده، انتقم له واستعاد حقه في الميراث من المغتصب (الباطل) . لقد تم استخدام هذا النمط الأساسي من الأفكار مع بعض التعديلات في العديد من المؤلفات منذ ذلك الحين ؛ حيث تُستعار الفكرة الرئيسية لمشاهد فيها نوع من المغامرات والحبكة الدرامية كما في النص المعروف باسم " قصة وين آمون"؛ وهي قصة رسول بُعث في مهمة سهلة للحصول على الخشب لمشروع بناء. وفي سياق الحدث؛ كان من المفترض أن تكون تلك الرحلة قصيرة وسهلة، إلا أن وين آمون قد واجه العديد من العقبات التي احتاج التغلب عليها للوصول إلى هدفه والعودة إلى الوطن .
اثنتان من أشهر الحكايات هي حكاية الأمير الذي هددته ثلاثة أقدار والمعروفة باسم "الأمير الملعون" ، وحكاية الأخوين المعروفة باسم "مصير الزوجة الخائنة" . تتناول حكاية الأمير الملعون جميع عناصر القصص الخيالية الأوروبية التي عُرفت في القرون الوسطى ، كما تشترك في تشابه مثير للاهتمام مع قصة "صحوة بوذا". في حكاية الأمير الملعون ؛ حيث ولد ابن لملك وملكة بعد سنين طوال من الانتظار . وعند الولادة ظهرت حتحور السبع (إلهة السماء و الحب والخصوبة سميت قديما باسم بات) لإخبار الملك والملكة أن ابنهما سوف يموت على يد تمساح أو ثعبان أو كلب . وبسبب ذلك قرر والده الملك في أن يعيش ولده بعزلة عن العالم حتى لا ينال منه القدر ويموت . لذا فقد أمر الملك لبناء منزل حجري لولده في الصحراء. وبالتالي فقد نشأ الأمير بعزلة تامة في هذه البقعة الآمنة والبعيدة عن العالم . وذات يوم؛ صعد الأمير إلى سطح منزله ورأى العالم من خارج محيطه، عند ذلك ؛أخذ الأمير يتوسل أباه لمغادرة المنزل كي يواجه مصيره الذي مهما يكن. وفي رحلته إلى مدينة تقع في بلاد الرافدين ، لمح الأمير فتاة جميلة ( أميرة) مطلة على نافذة في قصر عالٍ يحيط بأرضه عدد من الشبّان يحاولون القفز عالياً ليمسكوا بحافة نافذتها و تقبيلها. وشاء القدر أن ينجح الأمير في تحقيق ذلك، متغلباً على خصومه ، ثم يتزوج بالأميرة بعد حصوله موافقة أبيها ويواجه جميع أقداره الثلاثة ( التمساح والثعبان والكلب )، ويهزمهم جميعاً ؛ إلا أن نهاية القصة مفقودة في البردية وذلك لتلف جزء منها . ومن سياق النص، فإن الزوجين قد عاشا حياتهما في سعادة دائمة.
تحكي قصة الأخوين الإلهيين أنوبيس وباتا اللذَين عاشا مع زوجة أنوبيس . تقع الزوجة في حب الأخ الأصغر باتا، وذات يوم حاولت زوجة أنوبيس إغوائه عندما عاد إلى المنزل من الحقول ؛ إلا أن باتا رفضها . بعد ذلك ، ترك باتا المنزل ولم يخبر أخاه عن هذا الموقف المخزي مع زوجته. وعندما عاد أنوبيس إلى منزله وجد زوجته في حالة من الهلع خائفة من أن باتا قد فضحها عند أخيه ، فتخبر زوجها أن باتا حاول الاعتداء عليها . خطط أنوبيس لقتل باتا، لكن الأخ الأصغر تلقّى تحذيرات من الآلهة وهرب. وبعد مدة من الزمن ؛اكتشف أنوبيس الحقيقة بشأن زوجته الخائنة التي استمرت في التسبب بالمزيد من المشاكل له، وقرر أن يكفر عن ذنبه من خلال العثور على أخيه والانتقام من زوجته الخائنة، وهو ما حصل في النهاية . في نفس الفترة جاء النص المعروف باسم "نزاعات حورس وست" ؛ رغماً من أن القصة الأصلية كانت أقدم من ذلك بلا شك. كما أن هذه الحكاية هي نسخة إلهية من صورة النظام والاستقرار مقابل الفوضى في المملكة الوسطى ، حيث هزم حورس (رمز النظام) عمّه ست (رمز الفوضى) وانتقم لوالده أوزوريس واستعادة المملكة التي اغتصبها ست. فقد كان على حورس الأمير أن ينتقم لمقتل والده على يد عمه، وللقيام بذلك كان يجب أن يجتاز عدد من الاختبارات لاثبات استحقاقه العرش .
نزاعات حورس وست التي ربما لم يطلع عليها الأدباء اللاحقون، هي رائدة لاثنتين من أكثر المؤلفات شهرة في الأدب الغربي "هاملت ، سندريلا" . وقد أشار الأديب الأمريكي كيرت ڤونگوت إلى أن كلتا القصتين أعيد تصورهما لعدة مرات وبنجاح كبير. وإن قصة المضطهدين الذين يستعيدون حقوقهم بعد تضحيات كبيرة؛ لا تزال تلقى صدى واسع لدى الجمهور في الوقت الحاضر، تماماً مثل تأثير نزاعات حورس وست على الجمهور في مصر القديمة.
ربما يكون كتاب "النهوض بقدوم النهار" ، المعروف باسم " كتاب الموتى المصري" ، هو أشهرمؤَلّف أدبي من فترة المملكة الحديثة . وعلى الرغم من أن المفاهيم والتعاويذ في كتاب الموتى المصري نشأت في فترة الأسرات المبكرة ثم اتخذ شكله في المملكة الوسطى، إلا أنه بات مشهوراً في المملكة الحديثة ، وأفضل النصوص المحفوظة الآن عن الكتاب تعود إلى تلك الفترة. كتاب الموتى المصري هو عبارة عن سلسلة من "التعاويذ" التي تعد بمثابة وصايا للمتوفى في حياة الآخرة لمساعدته على شق طريقه عبر المخاطر المختلفة ، والعثور على السلام المستدام في الفردوس . وهذا المؤَلّف ليس " كتاباً مصرياً قديماً "، ولا هو بـ"نص سحري للتعاويذ" كما يرى البعض ؛ بل هو خارطة طريق لأرواح الموتى ، باعتبار أن حياة الآخرة هو عالم غير معروف على ما يبدو، لذا فقد تم تأليف كتاب الموتى المصري لتزويد روح المتوفى بكل ما يلزم لمساعدتها في التوجّه وحمايتها في أرض الموتى .
إن الأدب المصري القديم كان ليُعدّ من بين المصادر التي يمكن أن تصلح كأساس للأعمال اللاحقة ، لولا أن النصوص قد ضاعت وطواها نسيان اللغة لقرون من الزمن . وأفضل ما يمكن أن يعتقده المرء هو؛ أن النسّاخ العبريين الذين دوّنوا الروايات التوراتية ربما كانوا على دراية ببعض نسخ هذه النصوص، وأن الكتّاب اللاحقين قد استوحوا منها العديد من الرموز وسير الأحداث، ولكن هذه الأفكار مجرّد تكهنات . إن الحضارات المختلفة تتوصل إلى أفكار متشابهة دون أي اتصال واضح فيما بينها في كثير من الأحيان وعلى مدار التاريخ، كما يتضح ذلك من تصميم شكل الهرم عند حضارة المايا والمصريين والصينيين. ومع ذلك، فمن الممكن أن تكون النصوص المصرية قد ألهمت أو على الأقل قد أعارت جوانب معينة إلى السرديات التوراتية التي اقتبسها بعد ذلك كتاب لاحقون في مؤلفاتهم الأدبية والدينية. ومن الممكن أيضاً بالطبع أن تكون شخصية البطل الذي ينتصر على قوى الظلام والفوضى ؛ تتردد ببساطة على مستوى عميق للغاية مع الإنسانية، ولا داعي لوجود عمل أصلي يمكن أن يقتبسه كتّاب لاحقون .
بعد المملكة الحديثة جاء العصر المعروف باسم الفترة الانتقالية الثالثة (حوالي عام 1069-525 قبل الميلاد) ثم الفترة المتأخرة (عام 525-323 قبل الميلاد) والأسرة البطلمية (عام 323-30 قبل الميلاد) وبعدها ضُمت مصر إلى روما . في حوالي القرن الرابع الميلادي تم تهميش النصوص القديمة للكتابة الهيروغليفية والهيراطيقية، وذلك عندما برزت المسيحية في مصر؛ حيث طوّر المصريون المسيحيون (المعروفون بالأقباط) خطّهم الخاص، وهو هجين بين المصرية الديموطيقية واليونانية.
لقد أصبحت النقوش الموجودة على الآثار والمعابد، وجميع النصوص في المكتبات وبيوت الحياة؛ غير مفهومة حتى اكتشاف حجر رشيد في عام 1798 ميلادي ، والاختراق الذي مكنّه من فك رموز الهيروغليفية على يد "جان فرانسوا شامبليون" في عام 1824 ميلادي . وعند التاريخ الذي كشف فيه شامبليون لغز النّص القديم؛ كان عالم كامل من الأدب قد تم إنجازه دون الاستفادة من عظمة الأعمال المصرية القديمة، ومع ذلك فإن الحبكة الدرامية لهذه القصص والقصائد المنسية نجدها بشكل أو بآخر في النصوص الحديثة من الأعمال الأدبية في جميع أنحاء العالم؛ وهي شهادة على البناء الشامخ والأساس القوي لهذه الموضوعات التي لامست الجوانب الأكثر تأثيراً في التجربة الإنسانية ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاثرين أي.بارد ـ مقدمة في علم آثار مصر القديمة ـ وايلي ـ بلاكويل للنشر ت 2015 . روزالي ديفيد ـ دليل الحياة في مصر القديمة ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2007 . جون إي. لويس ـ شهود عيان مصر القديمة ـ ريننگ بريس ـ 2003 . ميريام ليچهايم ـ الأدب المصري القديم، المجلد الأول: الدولتان القديمة والوسطى ـ طباعة جامعة كاليفورنيا ـ 2006 . ميريام ليچهايم ـ الأدب المصري القديم، المجلد الثاني: المملكة الحديثة ـ طباعة جامعة كاليفورنيا ـ 2006 . ميريام ليچهايم ـ الأدب المصري القديم: العصر المتأخر ـ طباعة جامعة كاليفورنيا ـ 2010 . ريتشارد ويلكنسون ـ آلهة وإلهات مصر القديمة بالكامل ـ ثامس وهدسون للنشر ـ 2003 . كارل تيودور زاوزيتش ـ الهيروغليفية بلا غموض: مقدمة في الكتابة المصرية القديمة ـ طباعة جامعة تكساس ـ 1992 .
#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حضارة وادي السند الغامضة
-
الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية
-
عبادة الإله مثرا
-
التحنيط عند المصريين القدماء
-
مذكرات جندي أمريكي عن درب الدموع
-
من هم الأمورّيون ؟
-
هذا ما كتبه هيرودوت عن بابل القديمة
-
شخصية هرقل في الأساطير اليونانية والرومانية
-
بطل ملحمة گلگامش بين الحقيقة والأسطورة
-
نرگال (مسلامتيا) إله الموت والحرب والدمار
-
الكريسماس عبر التاريخ
-
قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)
-
طقوس الشاي في الصين واليابان القديمتين
-
هنود السهول الأصليين في أمريكا
-
ليلة السكاكين الطويلة
-
ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
-
الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
-
الفينيقيون شعب أرجواني
-
عنخ رمز بلاد النيل
-
دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
المزيد.....
-
ليبيا: توقف مسار -قافلة الصمود- في مدينة سرت الخاضعة لسيطرة
...
-
هل تسعى إسرائيل إلى تغيير النظام الإيراني؟ مصادر تكشف لـCNN
...
-
تعهد برد -قوي وعقلاني-.. أول تعليق لرئيس إيران على الهجمات ا
...
-
فيديو يُظهر الموساد الإسرائيلي ينقل أسلحة داخل إيران قبل الض
...
-
تل أبيب تقرر إغلاق سفاراتها وقنصلياتها في أنحاء العالم
-
مكتب نتنياهو: سيتحدث مع بوتين وترامب وقادة العديد من الدول ب
...
-
بطلب من إيران مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعا طارئا بعد ظهر ا
...
-
بسبب انفجارات وحروق.. سحب عاجل لأكثر من مليون شاحن هاتف!
-
تطوير اختبار بسيط للتنبؤ بمتوسط العمر المتوقع
-
زعيم التيار الصدري يصدر بيانا بشأن الهجوم الإسرائيلي على إير
...
المزيد.....
-
كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون
/ زهير الخويلدي
-
كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية
/ رحيم فرحان صدام
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|