أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عضيد جواد الخميسي - الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية















المزيد.....


الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 18:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدأ الجيش الأحمر السوفيتي الحرب العالمية الثانية (عام 1939-1945) بسلسلة من الهزائم الفادحة، لكنه استجمع قواه في أواخر عام 1942 باسطاً سيطرته على مدن رئيسية مثل العاصمة موسكو، ولينينگراد (سانت پطرسبرگ)، وستالينگراد (ڤولگوگراد). وفي نهاية الحرب عام 1943؛ حقق الجيش الأحمر سلسلة من الانتصارات الكبرى، مثل معارك سمولينسك، وكورسك، وبرلين التي شهدت هزيمة ألمانيا النازية في مايو/ أيار عام 1945.

تأسيس الجيش
تأسس الجيش الأحمر السوفيتي عام 1918 عقب ثورة أكتوبر البلشفية عام 1917، والتي أطاحت بحكم القياصرة. وسُمي الجيش رسمياً باسم "الجيش الأحمر" (RKKA) أو "جيش العمال والفلاحين الأحمر" . وكان اللون الأحمر هو اللون الأكثر ارتباطاً بالبلشفية. ومن ثم أصبح رسمياً باسم "الجيش السوفيتي" في عام 1944 .
لقد اضطر الجيش الأحمر إلى محاربة الجيش الأبيض (مؤيدو الملكية ومعارضي البلاشفة) في حرب أهلية ضارية (عام 1917-1922). وتحقق انتصار البلاشفة في هذه الحرب بفضل الاحترافية العالية للجيش الأحمر. ويُنسب الفضل إلى "ليون تروتسكي" (عام 1879-1940) أحد زعماء ثورة أكتوبر في تحويل المحاربين من ميليشيا ثورية إلى جيش وطني نظامي، الذي ضمّ حوالي 48 ألف ضابط وأكثر من 200 ألف ضابط صف من الجيش الإمبراطوري القديم .
لقد تأثر سلوك الجيش الأحمر كثيراً بالأفكار البلشفية ، مما انعكس ذلك على بعض المسميات العسكرية القائمة. فعلى سبيل المثال، مُنعت كلمة "ضابط" ولم تُعاد إلا في عام 1935. وبدلاً من ذلك، استُخدم مصطلح " قائد أو رفيق "، وكان كل قائد او رفيق مُلزماً بتقديم تقريره إلى مفوض سياسي، الذي كان يمنح موافقته على أوامر القائد. وقد ضعف هذا النظام المزدوج بشكل كبير بسبب الطبيعة العسكرية ومتطلبات الحرب العالمية الثانية، ذلك عندما تُرك معظم القادة لاتخاذ القرارات العسكرية ، بينما اقتصر المفوضون على التوجيه السياسي والعمل الحزبي . وعندما تعرّض الاتحاد السوفيتي للهجوم من قبل ألمانيا النازية في يونيو/حزيران عام 1942 ( عملية بارباروسا )، تم إحياء النظام المزدوج إلى حد ما قبل أن يضعف مرة أخرى مع تقدم الحرب. ومع ذلك استمرت التوترات بين هاتين المجموعتين المختلفتين من أفراد القيادة .
رئيس الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين (عام 1878-1953) والذي تولى الحكم عام 1924 ،كانت لديه شكوك عميقة تجاه جيشه، خاصةً عندما ظنّ أنه يدعم منافسه السياسي الرئيسي نيكولاي بوخارين (عام 1888-1938). ولهذا السبب، قام ستالين بتطهير الجيش الأحمر:
"لقد عزل نحو 35 ألف ضابط من أصل 80 ألف ضابط من صفوف في الجيش في تلك الحملة؛ من بينهم ثلاثة من المارشالات الخمسة للاتحاد السوفييتي، وجميع نواب مفوضي الحرب الحادي عشر، و75 من قادة الفيالق البالغ عددهم 85، و110 من قادة الفرق البالغ عددهم 195."(دير،ص 962)
في عام 1941، وبعد أن لمس ستالين الضرر الذي أُلحق بقدرات الجيش الأحمر ؛ أعاد نحو 4000 ضابط كانوا قد أرسلوا إلى معسكرات الاحتجاز.


التعبئة العامة
مع تزايد تهديدات ألمانيا النازية، أصدر ستالين عام 1939 مرسوماً يسمح بتجنيد جميع المواطنين السوفييت الذكور في القوات المسلحة ( 18ـ 36عاماً). وكان معظم المجندين من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا ، حتى أصبحت هذه المناطق جزءاً من ساحة المعركة في عام 1941. ومع استمرار الحرب، التحق مجندون آخرون من وسط وشرق روسيا إلى الجيش . وكانت هناك فرق وطنية مكونة من الليتوانيين والأوزبك والأرمن . وتلك الفرق كانت تضم ضباطاً من الروس ايضاً. كما تشكلت العديد من الوحدات الجبلية أفرادها من المجندين الجورجيين ، وكانوا قوة عسكرية كبيرة .وانضمت أيضاً إلى صفوف الجيش كتائب عدلية أفرادها من المساجين (بمن فيهم السجناء السياسيون)، حيث بلغ عددهم الإجمالي حوالي 440 ألف رجل . وقد هبت جميع تلك الأرتال من المجندين والمتطوعين للدفاع عن البلاد . علاوة على ذلك فقد كان للنساء أدواراً غير قتالية في الجيش الأحمر، وكان حضورهن بصفة طبيبات ومسعفات. وبعد بداية الحرب العالمية الثانية، شاركن أيضاً في فعاليات قتالية، لا سيما في وحدات الدفاع الجوي . كما كان هناك العديد من القنّاصات (المتطوعات) وقائدات الدبابات (وحتى أن بعضهن كنّ قائدات وحدات مدرّعة). وفي المجمل ؛ "خدمت ما لا يقل عن 800,000 امرأة في القوات السوفيتية خلال الحرب" (ريس،ص 162).
في عام 1939، كان عدد أفراد الجيش الأحمر ثلاثة ملايين شخص ،وكان ينمو ويتطور بسرعة قياسية. وقد انقسم الجيش الأحمر إلى قسمين، أحدهما في الغرب والآخر في الشرق لمواجهة تهديدات ألمانيا النازية واليابان العسكرية. وكان هذا الانقسام بسبب ضعف شبكات النقل في الاتحاد السوفيتي آنذاك، مما حال دون سهولة تنقّل الجيوش عبر تلك المساحات الشاسعة. ورغم الاعتراف بأهمية التكنولوجيا في الميدان؛ إلا أن هناك ميل قوي نحو المشاة كأفضل وسيلة لكسب المعارك.

هيكل القيادة والتنظيم
خلال الحرب العالمية الثانية، كان ستالين قائداً للجيش الأحمر باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة . وكانت هناك لجنة الدولة للدفاع (GKO) تحت قيادته والتي ضمت شخصيات مثل وزير الخارجية، ڤياچيسلاڤ مولوتوڤ (عام 1890-1986)، و وزير الدفاع، المارشال كليمنت ڤوروشيلوڤ (عام 1881-1969)، ورئيس أمن الدولة، لاڤرينتي بيريا (عام 1899-1953). وكانت العضوية تتم بالترشيح ومتغيرة حسب الأداء. وكانت هناك مجموعة الـ ستاڤكا، وهو مجلس يتكون من ستالين ورئيس الأركان وعدد قليل من الجنرالات ذوي الخبرة. وقد عملت هيئة الأركان العامة للجيش مع الـ ستاڤكا للتنسيق في تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية. ويجتمع مجلس الـ ستاڤكا حسبما يقرر ستالين ذلك، إلا أنه ومع استمرار الحرب، أصبحت اجتماعاتها نادرة. في عام 1942، عين ستالين أفضل جنرالاته، جورجي چوكوڤ (عام 1896-1974)، نائباً للقائد الأعلى. وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت كل جبهة من جبهات المعارك تحت قيادة مجلس حرب خاص بها.
كان الجيش السوفيتي يتألف من فيالق المشاة والمدفعية (التي تضمنت المدفعية المضادة للطائرات) ، وفيالق سلاح الفرسان ( وحدات من المحاربين القوقازيين القدماء التي تحمل السيوف) والفيالق المدرّعة والآلية ، وفيالق التموين ، وفرق استخبارية، وكذلك الفيالق الفنية من الهندسة والمخابرة وقواعد للطيران الحربي ، وقواعد للسفن والغواصات الحربية. ولكن طوال الحرب، افتقر الجيش الأحمر إلى الآليات المدرعة لنقل المشاة ؛ حيث كانت قوات المشاة تستقل الدبابات في تحركاتها. وكانت من أفضل نخب وحدات الجيش الأحمر هي " فرق الاستطلاع ( رازڤيدچكي ) التي لعبت دوراً حاسماً في الحرب .

الزّي العسكري
كان الزّي العسكري الموحد للمشاة عبارة عن سترة (جيمناستويركا) البسيطة ذات اللون الكاكي الباهت مع بنطال واسع عند الوركين وحذاء جلدي عالي أو مسطح . وكان الزّي بنوعين ؛ قطني خفيف للصيف وصوفي ثقيل للشتاء. في الطقس البارد، كان يتم ارتداء سترة مبطنة ( تيلوگريكا) أو معطف صوفي طويل، أو معطف من جلد الغنم ( شوبا). وكان المستطلعون يتميزون ببدلاتهم المموهة. إذ وُفرّت لهم بدلات بيضاء ذات غطاء للرأس مموهّة في فصل الشتاء. وكان لدى وحدات الدبابات زيّاً أكثر تميّزاً، وعادةً ما كان عبارة عن بدلات سوداء وسترات جلدية. أما الخوذ فقد كانت مصنوعة من الفولاذ ، وقبعات الـ (پولوتكا) مخصصة للمجندين ، والقبعات المدببة القياسية للضباط ، واستُبدلت بقبعات من الفرو ( شاپكا يوشانكا) في فصل الشتاء.
كانت تصاميم الشارات والرتب والنياشين بسيطة نسبياً لمرتدي زي الجيش الأحمر، وذلك تماشياً مع روح البروليتاريا. فعلى سبيل المثال، لم تكن هناك أكتاف قبل عام 1943، وكانت الرُتب تُحدد بنجوم أو مَعِينات أو مستطيلات أو مثلثات معدنية مطلية بالمينا ، مثبتة (أو مطرزة) على ياقات أو ذراع المعطف الطويل. وكانت أعلى رتبة للمارشال تُحدد بنجمة وإكليل، بينما للرتب الصغيرة ، كان الرقيب يحمل مثلثاً واحداً. وربما بسبب بساطة الزّي، كان الجنود يحملون كثيراً من الميداليات وأنواط الشجاعة على زيهم القتالي .

الأسلحة
أعاد الاتحاد السوفيتي تسليح نفسه بشكل ملحوظ في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين. حيث في البداية، كانت الدبابات السوفيتية خفيفة التدرّع، وعانت من نقص حاد في قطع الغيار. ولكن منذ عام 1942، تحسن الوضع بشكل ملحوظ وتم إنتاج دبابات T 34 المتوسطة، التي يبلغ وزنها 26 طن، بأعداد أكبر. وكانت هذه الدبابات متفوقة على أي نوع من الدبابات الأخرى التي استخدمتها جيوش النازية ، حيث استطاعت مقاومة معظم القذائف المضادة للدبابات. وباختصار، فقد تميّزت الدبابة T 34 "بمحرك ديزل بسيط (قوة 500 حصان)، وتدريع جيد، وقوة نيران ممتازة، ولها قدرة فائقة على الحركة في الثلوج والأوحال" (بوتنر ص702). وكانت الدبابة T 34 مزودة بمدفع عيار 76ملم ، ودرع مائل بسمك 44 ملم ، مما مكّنها من مقاومة حتى أقوى مدافع جيوش المحور. كما بدأ استخدام سلسلة الدبابات الثقيلة KV الأبطأ والتدريع الممتاز، في مجموعات قتالية أكبر وأكثر فعالية منذ عام 1942 فصاعداً .
كانت مدفعية الجيش الأحمر نقطة الضعف مع اندلاع الحرب، إذ اعتقد كبار القادة خطأً، أن هذا النوع من الأسلحة قد ولّى عهده وأن الحرب الحديثة تتطلب أكثر قدرة على الحركة. إلا أن المدفعية أصبحت بالتدريج قوة عظيمة للجيش الأحمر، حيث شُكّلت فرق مدفعية كاملة، جمعت بين مدافع الهاون ومدافع الهاوتزر( قصيرة السبطانة) وقاذفات الصواريخ للعمليات الهجومية، وفرق متخصصة أخرى استخدمت مدافع الهاوتزر مع مدافع الميدان . وكانت أسلحة المدفعية عادةً بثلاثة عيارات: 76 و122 و 152 ملم.
كانت قاذفة الصواريخ كاتيوشا ذاتية الإطلاق BM-13، المعروفة باسم "سمفونية ستالين"، سلاحاً سوفيتياً فعالاً للغاية. وكان هذا السلاح المُثبّت على ناقلة، قادراً على إطلاق 16 صاروخاً عيار 132 ملم يعمل بالوقود الصلب وبسرعة فائقة. وكتب جندي ألماني في مذكراته أن هذا السلاح كان "أفظع وأكثر شيء صدمني في حياتي" (ستاهل،ص 299). ومع ازدياد قوة وقدرة وحدات المدفعية قرب نهاية الحرب؛ "كان هناك في كثير من الأحيان ما يصل إلى 375 مدفعاً ميدانياً ومدفع هاون في كل كيلومتر واحد من الجبهة ؛ وذلك وابلٌ مُزلزلٌ بحق" (زالوگا، ص21).
أصبحت بندقية الرشاش الآلي PPSh-41، بمخزنها القرصي المميز الذي يتسع لـ 71 طلقة، رمزاً لمشاة الجيش الأحمر. إذ أُنتج هذا السلاح بأعداد كبيرة جداً، تجاوزت 6 ملايين بندقية خلال الحرب العالمية الثانية. واستخدمها 34% من مشاة الجيش الأحمر ، وهي نسبة عالية مقارنةً بـ 11% فقط مع مشاة الجيش الألماني . وكانت تلك البنادق أكثر دقة، لكن إنتاجها كان أعلى تكلفة، وتتطلب مهارة أكبر في عملية الإطلاق والتصويب، وهو سلاح يتميز بتفوق واضح في القتال القريب. وأخيراً ، كان الرشاش ماكسيم موديل 1910 عيار 7.62 ملم بعجلاته المميزة، سلاحاً فعّالاً في قتال الشوارع. وكان من نقاط ضعف الجيش افتقاره إلى مدافع مضادة للدبابات ذات الكفاءة العالية .

الخسائر الكبيرة
" في بداية عام 1941، كان لدى الجيش الأحمر حوالي ( 5,370,000 خمسة ملايين وثلاثمائة وسبعون ألف) مقاتل في الميدان، وله القدرة أيضاً على استيعاب خمسة ملايين إضافية أخرى، وكان لديه ٢٠ ألف دبابة (دير ص 963). ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو مبهرة نظرياً، إلا أنها أخفت العديد من نقاط الضعف الخطيرة. ففي الأشهر الأولى من الحرب، عانى الجيش الأحمر من ضعف التنظيم، حيث كان القادة غالباً ما يتمركزون بعيداً عن قواتهم، ووحدات الخطوط الأمامية كانت تفتقر إلى بعض الذخيرة. كما يظهر أن بعض القادة العسكريين قد اعتمدوا بشكل كبير على قوات المشاة في خططهم الحربية، حتى مع مواجهة الفرق المدرعة . بالإضافة إلى أن وسائل النقل الآلية كانت غير كافية، ومناظير الرؤيا المُجهزة رديئة في العديد من الأسلحة؛ مما أثر بشكل كبير على دقة اصابة الأهداف. وكان هناك اعتماد كبير جداً على الخطوط الأرضية الضعيفة بدلاً من الاتصالات اللاسلكية الأكثر أماناً وموثوقية.
لقد كانت هناك مشكلة أخرى تمثلت في استخدام الدبابات السوفيتية؛ إذ فضّل القادة السوفييت توزيعها على وحدات المشاة واستخدامها كمدفعية ذاتية الحركة فقط، لا كأسلحة بحد ذاتها. علاوة على ذلك، فقد استُخدمت الدبابات على نطاق واسع في مجموعات صغيرة، مما قلل من فعاليتها بشكل كبير، خاصةً عند مواجهة فرق دبابات العدو المُكثّفة.
تُفسر هذه العيوب ضعف أداء الجيش الأحمر في حرب الشتاء خلال عامي 1939-1940، ذلك عندما حاول ستالين غزو فنلندا. وكانت السنة الأولى من الحرب الألمانية السوفيتية (1941-1945) التي حققت فيها جيوش هتلر مكاسب على الأرض ابتداءً من يونيو/ حزيران 1941؛ حيث استخدمت جيوش المحور تكتيكات الحرب الخاطفة ، وذلك بزج قوات هائلة من الفرق المدرعة والآلية السريعة الحركة في أرض المعركة ، مُسندة بالمدفعية والدعم الجوي . وكثيراً ما هاجم الألمان على جبهات ضيقة للتوغل في أراضي الخصم ، ثم محاصرة فيالق بأكملها. ولم يتمكن الجيش الأحمر من رسم خطط لإجهاض تلك التكتيكات. وفي ثلاث مواجهات ضارية ، وهي معركة "بياليستوك ـ مينسك" (يونيو/يوليو 1941)، ومعركة "سمولينسك" عام 1941 ، ومعركة "كييف" عام 1941 ؛ أُسر حوالي مليوني جندي من الجيش الأحمر. وعلى الرغم مما روّجت له الدعاية النازية، سرعان ما أدركت جيوش المحور أن نظرائهم السوفييت يمكن أن يكونوا قوة لا يستهان بها عندما لا يُخذلون من قبل قادتهم . وقد أشار تقرير لكتائب دبابات في يوليو/تموز 1941 إلى ما يلي :
" يقاتل الروسي بشراسة وضراوة، ويهاجم باستمرار، ويتمتع بمهارة عالية في الدفاع... وتتجدد المقاومة في الريف باستمرار. ولايمكنك أن تلمح المقاتل الروسي بسهولة لأنه عادة ما يكون متخفياً بشكل جيد ومتأنياً، فهو لا يطلق النار إلا عندما تكون المسافة قصيرة ومناسبة ." (ستاهل، 221)
والخلاصة ، عند معركة بارباروسا، خسر الجيش الأحمر حوالي 4 ملايين مقاتل و20 ألف ناقلة مدرعة (زالوگا ص 5). ولم تحقق الحملة أهدافها المتمثلة في القضاء على الجيش الأحمر، لكنه كان يعاني بلا شك من الخسائر الفادحة في الأفراد والمعدات .

الانتصارات العظيمة
في النهاية بدأ الوضع يتغير. حيث أعاد ستالين تسمية تلك الحرب بـ"الحرب الوطنية العظمى"، ودعا الجميع إلى خوض "كفاح لا هوادة فيه" من شأنه أن يجعل الاتحاد السوفيتي حصناً منيعاً أمام العدو . كما فرض أوامر وتعليمات صارمة على الجيش بعد هزائم أشهر الصيف. وفي 16 أغسطس/آب عام 1941، أصدر التوجيه الآتي:
"آمرُ بما يلي: (1) يُعتَبَر خائناً كلُّ من يُسقط شارته أو رتبته أثناء المعركة ويستسلم أو يهرب ؛ ويُعتَقَل أفراد عائلته باعتبارها عائلة من نَكَثَ القَسَم وخان الوطن. ويُطلَق النار على الفارّين من أرض المعركة فوراً. (2) يجب على كل مقاتل مُحاصر أن يستمر في دفاعه المستميت حتى النهاية. ويُعاقب بالموت من المستسلمين والمتخاذلين بكلِّ الوسائل المُتاحة، وتُحرَم عائلته من جميع الإعانات والمساعدات الحكومية... يُعمم هذا الأمر على جميع الكتائب والسرايا والفصائل في جميع خطوط القتال." (دير ص 959)

منذ عام 1943 أصبح تنظيم الجيش أفضل بكثير بين وحداته المختلفة، وخططه باتت ناجحة ومحكمة باستخدام الدروع وبمشاركة بقية الصنوف ، كما حُدّثت وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية . وشملت التحسينات الأخرى أيضاً تقليص اعداد المفوضين السياسيين العاملين في وحدات الجيش . كما عالج الجيش الأحمر المشاكل اللوجستية كتأمين طرق التموين والإمداد في مواجهة الغزاة النازيين الذين توغلوا في عمق الأراضي السوفيتية. وقد فاجأ طقس الشتاء الشوفينيين على حين غرة حيث تجمدت خزانات الوقود والماء في معداتهم ومركباتهم الناقلة الذي أعاق الصقيع استخدامها . في المقابل، كان الجيش الأحمر مجهزاً بشكل أفضل لحرب الشتاء ، من حيث سهولة تموينه وامداده من المصانع والمعامل والمخازن التي تم نقلها بالفعل إلى مكان آمن في وسط وشرق روسيا. كما أدت عوامل أخرى في تحسين أداء الجيش الأحمر منها الهجوم الذي شنته اليابان على پيرل هاربر القاعدة البحرية الأميركية في المحيط الهادئ، في السابع من ديسمبر/كانون الأول عام 1941، وكان هذا يعني أن الاتحاد السوفييتي لم يعد مُهدداً في الشرق، ومن الممكن نقل الفرق العسكرية هناك لمواجهة قوات المحور في الغرب.
منذ ذلك الحين؛ انقلبت سلسلة هزائم الاتحاد السوفيتي إلى انتصارات رائعة وبشكل دراماتيكي ؛ إذ في معركة موسكو (من أكتوبر/تشرين الأول عام 1941 إلى يناير/ كانون الثاني عام 1942)، ألحق الجيش الأحمر أول هزيمة برية كبرى بجيش هتلر في الحرب. حيث خطط المارشال جورجي چوكوڤ للهجوم المضاد في يناير/ كانون الأول عام 1942، الذي صدّ ثلاثة فيالق مدرّعة من دول المحور، وحرّر العاصمة من أي تهديد مستقبلي . ومع تقدم الجيش الأحمر لأول مرة بعد سلسلة طويلة من الانكسارات، تكشفّت فظائع ما ارتكبه المحتلون الغزاة؛ فقد هُدمت المنازل، وسُرقت الممتلكات بشتى أنواعها، وقُتل المدنيون من جميع الأعمار مع ازدياد وحشية الحرب.

لقد توالت الانتصارات السوفيتية مع الدفاع الناجح في حصار لينينگراد من سبتمبر/ أيلول عام 1941 إلى يناير/ كانون الثاني عام 1944. وبفضل التخطيط الدقيق لمارشال چوكوڤ، حقق الجيش الأحمر انتصاراً آخر في معركة ستالينگراد (من يوليو/ تموز عام 1942 إلى فبراير/ شباط عام 1943)، وبالتالي تدمير الفيلق السادس الذي هو أكبر فيالق هتلر، وأسر حوالي 91,000 جندي من القوات النازية. كما توّج الجيش الأحمر انتصاره في معركة كورسك (من يوليو/ تموز إلى أغسطس/ آب عام 1943) أكبر معركة دبابات في التاريخ. وخلال عام 1944، تم طرد الغزاة الشوفينيين بشكل مطرد من الأراضي السوفيتية. وأخيراً، تم احتلال برلين نفسها في أبريل/ نيسان من عام 1945، وبإنتحار هتلر استسلمت ألمانيا.
"هذه الانتصارات العظيمة بتحرير الأراضي المحتلة جاءت بتكلفة باهظة. حيث قُتل أكثر من ثمانية ملايين جندي، وأسر خمسة ملايين وسبعمائة ألف جندي ، و وفاة ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف جندي في الأسر ، جميعهم كانوا أفراد في الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية " (ريس ،ص 57).


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيان دير ـ دليل أكسفورد للحرب العالمية الثانية ـ طباعة جامعة أكسفورد ـ 1995 .
جوناثان ديمبلبي ـ بارباروسا: كيف خسر هتلر الحرب ـ پينگن للطباعة والنشر ـ 2022 .
ويل فاولر ـ الجبهة الشرقية في الحرب العالمية الثانية ـ دار أمبر للنشر ـ 2017 .
پيتر دينيس ـ عملية بارباروسا عام 1941 ـ أوسپري للنشر ـ 2007 .
لورانس ريس ـ حرب القرن: عندما حارب هتلر ستالين ـ نيو پرس ـ 2000 .
ديڤيد ستاهل ـ عملية بارباروسا وهزيمة ألمانيا في الشرق ـ طباعة جامعة كامبريدج ـ 2011 .
ستيڤن زالوگا ـ الجيش الأحمر في الحرب الوطنية العظمى 1941 ـ 1945 ـ أوسپري للنشر ـ 1989 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبادة الإله مثرا
- التحنيط عند المصريين القدماء
- مذكرات جندي أمريكي عن درب الدموع
- من هم الأمورّيون ؟
- هذا ما كتبه هيرودوت عن بابل القديمة
- شخصية هرقل في الأساطير اليونانية والرومانية
- بطل ملحمة گلگامش بين الحقيقة والأسطورة
- نرگال (مسلامتيا) إله الموت والحرب والدمار
- الكريسماس عبر التاريخ
- قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)
- طقوس الشاي في الصين واليابان القديمتين
- هنود السهول الأصليين في أمريكا
- ليلة السكاكين الطويلة
- ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
- الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
- الفينيقيون شعب أرجواني
- عنخ رمز بلاد النيل
- دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
- نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
- العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها


المزيد.....




- مصر وروسيا.. تعزيز الشراكة إقليميا ودوليا
- الوحيدة في أوروبا.. 3 قرود ذهبية قادمة من الصين تحط الرحال ف ...
- عاشت 103 أعوام - وفاة مارغوت فريدلاندر الناجية من المحرقة ال ...
- ميرتس يطالب ترامب بإلغاء الرسوم الجمركية وجعلها -صفرية-
- روسيا ومصر.. شراكة بالنصر على النازية
- بيسكوف: لم يناقش بوتين والسيسي الملف الأوكراني
- معهد البحوث الفلكية في مصر: لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأض ...
- بيسكوف: روسيا ممتنة لترامب على جهود التسوية السلمية في أوكرا ...
- وكالة: مدن في البنجاب وراجستان تتعرض لهجمات بمسيرات جوية
- حوار عسكري مصري تركي رفيع المستوى في أنقرة


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عضيد جواد الخميسي - الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية