أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - عبادة الإله مثرا















المزيد.....


عبادة الإله مثرا


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 16:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مثرا هو الإله الفارسي لشروق الشمس والعقود والعهود والصداقة، والشاهد على انتقال الفصول ، والمحافظ على النظام الكوني، و مسؤول منح النِعَم الإلهية للملوك الذي يضفي الشرعية على حكمهم باعتباره راعياً للمتعبدين . وكان المحاربون يبتهلون إليه قبل بداية أي معركة ، وبالتالي أصبح معروفاً باسم إله الحرب .
يُعدّ مثرا أشهر آلهة الديانة الإيرانية المبكرة المتعددة الآلهة ، واستمر تبجيله بعد أن حلّ الدين التوحيدي الزرادشتي محل الدين القديم .
كما يتعلّق الإله مثرا الفارسي بالإله الڤيدي "مترا"( الديانة الڤيدية التي تحولت إلى الهندوسية لاحقاً) ، وله علاقة إلى حد ما مع الديانة "المثرائية أو المثراسية " الرومانية الغامضة التي انتشرت حوالي (عام 100-400 ميلادي) في أنحاء الإمبراطورية الرومانية . إلا أن هذين الإلهين مختلفين بالرغم من أن مثرا الروماني مُستعار بنحو واضح من مثرا الفارسي ، وحتى المثرائية في إيمانها غالباً ما زُعم أنها المبدأ الأساس لنموذج يسوع المسيح وعقيدته المسيحية ؛ إلا أنه لا يوجد دليل تاريخي على الإطلاق يدعم هذا التأكيد .
لقد ورد اسم مثرا في نقوش الإمبراطورية الأخمينية (حوالي عام 550-330 قبل الميلاد)، ولا سيما أثناء حكم الملك "أردشير الثاني" (عام 404-358 قبل الميلاد)، كما كان له شأن عظيم في فترة الإمبراطورية الساسانية (عام 224-651 ميلادي). ولكن بعد سقوط الإمبراطورية الساسانية على أيدي العرب المسلمين الغزاة عام 651 ميلادي؛ قُمعت الزرادشتية بما في ذلك الإيمان بالإله مثرا . وفي زمن لاحق، حمل "الپارسيون" النصوص والطقوس والتقاليد الزرادشتية إلى الهند حيث تم الحفاظ على الدين هناك سليماً . ولا يزال مثرا يلعب دوراً مهماً في الطقوس الزرادشتية الحديثة التي تواصل نهج الماضي العريق .

الأصل والشخصية والبيان
برزت عبادة مثرا في زمن ما قبل الألفية الثالثة قبل الميلاد عندما بدأت المجاميع المهاجرة المعروفة الآن باسم الهندو ـ الإيرانيين والهندو ـ الآريين في الاستقرار بمختلف مناطق إيران وشمال الهند. وبالتالي، كان هناك عدد من أوجه التشابه بين الآلهة الڤيدية وآلهة الديانة الإيرانية المبكرة بما في ذلك مثرا الفارسي ومترا الڤيدي .
كان مترا الڤيدي (يُطلق عليه أحيانا مترا ـ ڤارونا) إله العقود وشروق الشمس، والخصوبة بهيئة المطر والمحصول الوفير، وكذلك حارس للحقيقة. كما جُمع اقتران الإلهين "مترا - ڤارونا" إله شروق الشمس مع إله السماء القوي "ڤارونا"، وكانا يُصوران على أنهما يسكنان قصراً ذهبياً في السماء له ألف باب يخرجان منه كل صباح في مركبتهما اللامعة .أمّا وصف مثرا الفارسي في الآڤستا (الكتاب المقدس الزرادشتي) كان على النحو التالي :
"هو أول من يصل من بين الآلهة السماوية إلى جبال هارا (البرز)، وقبل الشمس الخالدة التي تنطلق بسرعة فائقة؛ وهو الذي يقف في المقدمة مرتدياً زيّه الذهبي، ويُمسك بالقمم الجميلة، وينظر من هناك إلى مسكن الآريين [الشعوب الإيرانية] بعين الرحمة." ( مهر يشت 13.4، خورده آڤستا)
كما يُصوّر مثرا راكباً عربة لامعة تجرها خيول بيضاء، حاملاً الشمس المشرقة، ومسلّحاً برمح فضّي ، وقوس وسهام من الذهب ، وخناجر وفؤوس وصولجان ؛ ترمز جميعها إلى دوره كحارس للنظام الكوني والإله الذي يمنح الشرعية للملوك. كما يُعد مثرا يقظاً دائماً ولا يمكن خداعه، فهو يعرف قلوب الناس ونواياهم الحقيقية، ويحتفظ بقوى الظلام بعيداً. وكان يُعتبر أشدّ قوّة ضد إله الأشرار "أنگرا ماينيو" (المعروف أيضاً باسم أهريمان )، الذي كان يخشى الصولجان أكثر من أي سلاح آخر من أسلحة الآلهة.

لقد ركزت الزرادشتية [ وربما الديانة الإيرانية المبكرة التي اُستمدت منها ] على الصراع بين قوى الخير والنظام (بقيادة أهورا مزدا ) وقوى الشر والفوضى (بقيادة أنگرا ماينيو). وكان الغرض الأساسي من الحياة البشرية هو اختيار أي من هاتين القوتين ليتبعها الناس، وكانت مسؤولية الآلهة مثل مثرا لمساعدة الناس على اختيار المسار الصحيح وحمايتهم من أكاذيب وفخاخ الشر. ويصف البروفيسور "جون ر. هينيلز" السمات الرئيسية لـ أنگرا ماينيو :
"يُحكى إن الروح الشريرة خلقت [اللاحياة] (أي شكل من أشكال الوجود يتعارض تماماً مع كل ما هو ايجابي في الحياة الحقيقية) والوجود الأسوأ. ويُشار إلى مصير الأشرار بأنه [مكان للطعام السيئ]. وإنه [بيت الكذب]. إذ يقول زرادشت إن قوى الشر هي قوى الغضب والغطرسة والغرض السيئ . إنهم يدمرون عالم الحقيقة، ويؤذون الماشية، ويخدعون الإنسان ويحرمونه من الحياة الطيبة والاستقرار ." (ص52)
في مواجهة هذه القوى، كان مثرا يشكل دفاعاً قوياً. وكان من مسؤولية مثرا حماية البشرية ( وبالتالي محاصيلهم ومواشيهم) من نوايا أنگرا ماينيو . وتحقيقاً لهذه الغاية، كان من أهم واجباته إضفاء الشرعية على الملكية من خلال منح الـ " ڤار" (النعمة الإلهية) لملك جدير يهتم بشعبه، ثم إزالة هذه النعمة عندما لم يعد بإمكان الملك أن يفي بمسؤوليته من العقد .
كما وُصف مثرا على أنه قاضياً لأرواح الموتى عند جسر "چنڤات" (پل چینود) ، وهو المسافة بين عالم الأحياء وعالم الأموات ؛ حيث تتم تلاوة سجل الأعمال الصالحة والسيئة للروح وتحديد وجهة المتوفي بعد قرار الحكم . بالنسبة لأولئك الذين اتبعوا أهورا مزدا يذهبون إلى [بيت الأغاني]؛ أمّا الذين اختاروا طريق أنگرا ماينيو ؛يتم إرسالهم إلى الوجهة التي اعتنقوها طوال حياتهم،وهو [بيت الأكاذيب] .

الزرادشتية و الإمبراطورية الأخمينية
يأتي هذا التصوّر للإله ودوره في الحفاظ على النظام الكوني من النصوص الزرادشتية ، لكن يُعتقد أنه كان يعكس مكانته ومسؤولياته في الديانة الإيرانية المبكرة. إذ كان مفهوم هذا الدين ينتقل شفهياً ( كما كانت الزرادشتية )، ولم يتم تدوين أي شيء حتى الفترة الساسانية. وبالتالي، من الصعب معرفة كيف فهم الإيرانيون الأوائل مثرا في الأصل، وما هي أجزاء النصوص الزرادشتية التي تعكس الفهم المبكر، وأي الأجزاء التي تأثرت بإصلاحات زرادشت وتأسيس الدين الجديد .
صادف كاهن يدعى زرادشت (مزدیسنا) رؤية غيّرت المعتقد الديني الفارسي بشكل كبير . فقد ظهر له كائن من نور على ضفة أحد الأنهار، وعرّف نفسه باسم "ڤوهو ـ مانا أو بهمن" ( العقل الصالح ، أو حُسن الأخلاق ) ، وهو مصطلح في اللغة الأڤستية لمفهوم زرادشتي . إذ أخبر زرادشت أن معتقدات الفرس الدينية مغلوطة. وقيل له إن أهورا مزدا هو الإله الأوحد ؛ وأن كل ما يسمّى من "الآلهة" الأخرى هي مجرّد انبثاقات من الكائن الأسمى . ومن هذا المنطلق تأسست الديانة الزرادشتية .

لقد اُفترض منذ فترة طويلة أن أول ملك للإمبراطورية الأخمينية "كورش الثاني" (عام 550 ـ 530 قبل الميلاد) كان زرادشتياً؛ لأن الديانة الزرادشتية كانت راسخة في المنطقة بحلول فترة حكمه. لكن هذا ليس بالضرورة صحيحاً ! لأن نقوش الملك كورش التي تذكر "أهورا مزدا" في نصوصها يمكن من السهل اعتبارها إشارة إلى أسمى الآلهة في الدين القديم ، وهو نفسه الإله الأوحد للدين الجديد . وينطبق الأمر نفسه على خلفاء الملك كورش، وهما؛ "الملك دارا الأول" (عام 522 ـ 486 قبل الميلاد) ، والملك "خشایارشا الأول أو أحشويروش الأول" (عام 486 ـ 465 قبل الميلاد) اللذَين يشيران إلى أهورا مزدا بنفس الطريقة. حتى أن دارا الأول أدرج بإشارة إلى "الآلهة الأخرى" في "نقش بيستون أو بيهستون" الشهير (الذي يعني مكان الإله) .

تأتي فكرة ارتباط الإمبراطورية الأخمينية في زمن لاحق مع الزرادشتية ، ذلك حسب تدوينات الكتّاب اليونانيين والرومانيين . ومن المرجح أن الأخمينيين كانوا من الزرادشتيين ، إلا أنه ليس مؤكداً (على الأقل ليس مع الملوك الأوائل) . حيث يأتي في نقوش الملك أردشير الثاني ذكر الآلهة "أهورا مزدا" و "أناهيتا" و "مثرا"، مستشهداً بحمايتهم لمشاريع البناء الخاصة به ، مما شجع علماء التاريخ الأوائل على استنتاج أن الزرادشتية كانت متعددة الآلهة. ومع ذلك فإن التفسير الأكثر دقة هو؛ أمّا أن الملك أردشير الثاني لم يكن زرادشتياً ، أو أنه كان يستحضر الإله أهورا مزدا باعتباره الإله الحقيقي الأوحد ، وأن الإلهين أناهيتا ومثرا هما انبثاقين منه.
أياً كان الأمر، فقد استمرت مكانة مثرا كحامي للنظام الكوني ، وإله العدالة الذي يراقب كل شيء كما كان دائماً . ولم يكن الدين الإيراني القديم ولا الزرادشتي يؤمنان بمعابد لآلهتهم؛ معتقدين أن الآلهة كانت قوية للغاية بحيث لا يمكن حصرها في هيكل يبنيه البشر ؛ لذا فليس من المستغرب ألا نجد أي معابد لمثرا حتى الآن ، ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في الواقع هو وجود العديد من المعابد المرتبطة بوضوح بالإلهة أناهيتا ! . وكان مثرا يُعبَد مثل أي من الآلهة الأخرى (في معابد النار المفتوحة ) ؛ حيث جميع العناصر المقدسة من النار والهواء والأرض والماء التي تجسد كل واحدٍ منها أحد الآلهة على التوالي : آزار أو آتاش، ومثرا ، وهوم أو هيما ، و أناهيتا . ولا بد أن عبادة الإله مثرا ( أو على الأقل التقديس الكبير للإله باعتباره تجسيداً) قد استمرت ، لأنها كانت تمارس من قبل "قراصنة قيليقيا Cilician pirates " أو قراصنة البحر الأبيض المتوسط (مجموعة من الأفراد أصولهم من أجناس مختلفة) ، ذلك عندما أعاد القائد العسكري الروماني "پومبي" (عام 106-48 قبل الميلاد) توطينهم في "قيليقيا Cilicia" حوالي عام 66 قبل الميلاد .

المثرائية (المثراسية) الرومانية
من المحتمل أن يكونوا قراصنة قيليقيا، الذين يُقال أنهم قد أظهروا شكلاً من أشكال الإيمان بالإله مثرا . وهم من ألهموا مختلف مجتمعات روما في اعتناقهم العقيدة المثرائية. ولا بد أن المحاربين الرومانيين الذين كانوا تحت أمرة پومبي في قيليقيا قد أتقنوا المبادئ الأساسية لها ونشروها بين فصائل الجيوش . لكن المشكلة التي تكمن في هذه النظرية، مثلما هو الحال مع أي نظرية أخرى بما يتعلق عن أصل المثرائية ؛ في أن لا أحد يعرف كيف بدأت وأين، وكيف انتشرت تلك العقيدة ، أو حتى ما كانت تؤمن به !
الزعم بأن قراصنة قيليقيا قد اعتنقوا المثرائية يأتي من كتاب (حياة پومبي) لـ "پلوتارخ". حيث يرد فيه؛ "إن القراصنة في قيليقيا قد أجروا بعض الطقوس المثراسية السرّية التي لا تزال مستمرة حتى الوقت الحاضر، وهم قد أسسوها من الأول " (24.5).
ويبدو من المنطقي استنتاجاً أن العقيدة الدينية للقراصنة قد تبنتها جيوش روما وانتشرت من هناك ، ومن الواضح ايضاً أن المثرائية كانت الأكثر اعتناقاً بين أفراد الجيش الروماني بشكل خاص . وطالما ليس من الواضح ما هي مبادئ هذه العقيدة ، أو ما هي طبيعة "الطقوس السرية" التي يجريها قراصنة قيليقيا ؛ فإنه لا يمكن التأكيد على وجه الدقة بأن قيليقيا هي النقطة التي تحوّل عندها مثرا الفارسي إلى مثرا الروماني . ولكن من الواضح أن هناك اختلافات كبيرة بين الإلهين وطريقة عبادتهما .
إن مثرا ( مثراس) الروماني هو إله الشمس، وحارس العقود، والنظام، والصداقة (وهو يشبه إلى حد كبير مثرا الفارسي) ، إلا أن أوجه التشابه تنتهي عند هذا الحد . وهذه السمات متشابهة مع أي شيء آخر يتعلق بتلك العقيدة ، حيث تمّ التعرّف عليها من خلال الأدلة المادية المنظورة والتي هي على شكل لوحات من الفسيفساء وتماثيل ونقوش بارزة، وكذلك من خلال مؤلفات كتّاب مسيحيين كانوا يذمّون الدين وسلوك معتنقيه. أما كهنة هذه الديانة أنفسهم لم يدونّوا أي شيء ، لأنهم كانوا حريصون على أن تبقى معتقداتهم وطقوسهم سرّية ، وغير مسموح لهم البوح بأسرارها .

غالباً ما يُصوَّر الإله مثراس في الأعمال الفنيّة الرومانية على أنه شاب يقتل الثور السماوي في فعل يُفسَّر على أنه يرمز إلى الموت والبعث. كما يُصوَّر على أنه وُلِد من صخرة، وهو يحمل شعلة عند خروجه (مؤكداً دوره كحامل للنور)، أو يطلق سهماً في سحابة (أو صخرة) لينبثق منها الماء (مما يُعَد هوية له في الحياة والخصوبة). وكانت عبادته تُقام في السر في الكهوف أو في معابد تحت الأرض شُيّدت لتشبه الكهوف، كما لم يكن يُسمح للنساء بالانضمام إلى تلك الطائفة؛ ولكن لا علاقة لأيّ من هذه الأيقونات أو الطقوس مع مثرا الفارسي .
مع ذلك كما يشير هينيلز؛ فإن معاصري ذلك الزمان ربطوا مثراس الروماني مع الإله الفارسي :
"كانت المثراسية معروفة لدى معاصريها باسم [الأسرار الفارسية] ، وكان يُشار إلى مثراس نفسه باسم [الإله الفارسي]. كما نسب بعض كهنتهم تعاليم المثراسية إلى زرادشت. ويبدو أن الأصول الفارسية مؤكدة من خلال بعض التفاصيل الواردة في الأسرار؛ فهناك على سبيل المثال كلمات فارسية يمكن التعرف عليها، وإحدى مراحل الطقوس السبع هي فارسية." (ص78)
لا شك أن المثراسية الرومانية كانت مستوحاة في الأصل من فكرة المثرائية الفارسية، لكن هذا لا يعني أنها كانت استمراراً للديانة الإيرانية القديمة عبر الزرادشتية وصولاً إلى المثراسية الرومانية !. حيث بناءً على الأدلة الأثرية والانتقادات المسيحية المبكرة للدين، كانت المثرائية فلكية بطبيعتها، وتركز على التكهن أو التنبؤ والتنوير في حياة الفرد وحالة البعث بعد الموت. إذ يخوض المبتدئون عدداً من الاختبارات التي بمجرّد اجتيازها؛ يرتقي المتعبدون إلى تسلسل هرمي من سبع درجات حتى يصلون إلى أعلاها ، يُطلق عليها " الأب " ، الذي كان يُنظر إليه على أنه شخصية كاهن مستنيرة وراعية. كما يتناول المبتدئون الطعام سوياً ، وطقوسهم في الصلاة جماعية، واعتبروا يوم الأحد هو السبت، مما جعل الكتّاب المسيحيين يذمّون المثرائية لأنها تقلّد الديانة المسيحية .

مثراس ويسوع
في تطور مثير للاهتمام، انقلب هذا المفهوم بعد قرون عندما روّج المثقفون الفرنسيون للزعم القائل بأن المسيحية نسخة من المثرائية ، وأن المسيح لم يكن له وجود قط . وقد تكرر هذا الادعاء منذ ذلك الحين في أشكال مختلفة، إلا أن الحجج الأساسية تفيد على أن مثراس هو النموذج القديم الذي تم من خلاله خلق شخصية يسوع المسيح لاحقاً، وأنه مثل "يسوع الجديد"، حيث ولد مثراس في الخامس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول من عذراء وكاهن مجوسي ، وكان له اثنا عشر تلميذاً، واحتفل بـ "العشاء الأخير"، ومات مصلوباً. إلا أنه لا توجد أدلّة في الحقيقة تثبت كل ذلك .
لقد تم ترويج ما يسمى بنظرية أسطورة المسيح، والتي كانت قد اُخترعت من قبل اثنين من الأكاديميين الفرنسيين في القرن الثامن عشر الميلادي " شارل فرانسوا دوپوا" (عام 1742- 1809م) ، و "قسطنطين فرانسوا چاسيبوف دي ڤولني" (عام 1757-1820م). فقد كان دوپوا أستاذاً للبلاغة في كلية دي ليزيو ​​بباريس ، و دي ڤولني فيلسوفاً ومستشرقاً. وفي خضم الثورة الفرنسية عام 1789م، ندد العديد من الثوار بالمسيحية (وخاصة الكاثوليكية ) باعتبارها خرافة شجعت على صعود الطبقات العليا على حساب الطبقات الدنيا.
وكان كتاب " أصل كل العبادات" الذي ألفّه دوپوا عام 1794م الذي يتكون من 13 جزءاً ، وأعيد نشره باللغة الإنگليزية عام 1872م تحت عنوان " أصل كل العبادات الدينية " يهدف إلى ترويج المفاهيم المذكورة أعلاه بالإضافة إلى العديد من الأفكار .

لا يوجد دليل على أن مثراس (أو حتى يسوع المسيح نفسه ) وُلد في الخامس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول . حيث صُوَّر مثراس في الأعمال الفنية أنه قد خرج من صخرة ، ولم يكن رضيعاً قط . كما ليس صحيحاً أن ولادته جاءت من عذراء كانت لها علاقة مع كاهن مجوسي . كما لم يُصوَّر مثراس أبداً مع أي تلاميذ على الإطلاق، ولم يحتفل بالعشاء الأخير، ولم يمت مصلوباً ، ولا توجد نقوش أو نحوت ولوحات لمثراس وهو ميّت .

كما ذكرنا سابقاً، استمر تبجيل مثرا الفارسي حتى الحكم الساساني، وهي الفترة التي تأسس فيها نظام العقيدة الزورڤانية (التي يُشار إليها غالباً باسم طائفة هراطقة الزرادشتية). حيث أعتقد الزورڤانيون أن الإله الأعلى هو زورڤان ( الزمن الغير متناهي) ، وأن أهورا مزدا ، وأنگرا ماينيو كلاهما كائنات مخلوقة منه. ومن هذا المنطلق، فإن جميع الآلهة الأخرى كانت أيضاً كائنات مخلوقة على قدم المساواة بشكل مقارب مع أهورا مزدا، وبالتالي يمكن عبادتها كآلهة في حد ذاتها .

كان "النبي ماني" (عام 216-274 م)، مؤسس الديانة المانوية، ضيفاً عند الملك الساساني "شابور الأول" (عام 240-270 م) وطوّرمفهومه هناك عن مثرا المانوي (حيث اقتبس الكثير من رموز وطقوس العقائد الأخرى عندما أسس ديانته). وفي الديانة المانوية، يُفسَّر مثرا باعتباره شخصية المحارب ( المخلّص)، وحاملاً للنور وداعياً للإيمان، وبالتالي فإن ماني قد احتفظ باثنتين من أقدم سمات مثرا الأساسية المعروفة.
بعد سقوط الإمبراطورية الساسانية في أيدي العرب المسلمين الغزاة عام 651 ميلادي ، أنقذ الپارسيون النصوص الزرادشتية التي لم يدمرها الغزاة وفرّوا بها إلى الهند، و أسسوا مجتمعهم الخاص هناك ؛ حيث لا يزال مثرا يحظى بالتبجيل والقداسة في طقوسهم الدينية إلى يومنا هذا. وعندما يتم تكريس كاهن زرادشتي، يتلّقى عصا أو صولجان مثرا، رمزاً لمهمته الأسمى في محاربة قوى الشر والظلام .
كما يُقام مهرجان أو عيد "مثراكانا" (المعروف أيضاً باسم مثراگان) سنوياً تكريماً لمثرا (في الاعتدال الخريفي)، ويشار للمعبد الزرادشتي الحديث بـ "دار - إي مهر" بمعنى (بوابة مثرا) ؛ حيث يبقى مثرا رمزاً للنور والسلام في الوقت الحاضر، تماماً كما فُهم عنه في الماضي القديم؛ مما جعله أحد أقدم الآلهة المقدّسة في العالم وبشكل مستمر ولأكثر من أربعة آلاف عام ..




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أچاريا . أس ـ قصة مؤامرة المسيح ـ آدڤنچرس آنليميتد للطباعة ـ 1999 .
آرثور كوتيريل ـ الموسوعة الشاملة للأساطير ـ ساوثووتر للنشر ـ 2012 .
ڤيستا كورتيس ـ الأساطير الفارسية ـ طباعة جامعة تكساس ـ 1993 .
جون ر. هينيلز ـ الميثولوجيا الفارسية ـ پيتر بيدرك للكتب ـ 1990 .
هوما كاتوزيان ـ الفرس: إيران القديمة والوسيطة والحديثة ـ طباعة جامعة بيل ـ 2010 .
رونالد ميلور ـ مؤرخو روما القديمة ـ روتليدج للنشر ـ 2012 .
أي. تي. أولمستيد ـ تاريخ الامبراطورية الفارسية ـ طباعة جامعة شيكاغو ـ 2009 .
پلوتارخ ـ حياة : أگيسيلاوس . وپومبي. پيلوبيداس . مارسيلوس ـ طباعة جامعة هارڤارد ـ 2010 .
روبرت. أم . پرايس ـ نظرية أسطورة المسيح ومعضلاتها ـ أمريكان أثيست للطباعة ـ 2011 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحنيط عند المصريين القدماء
- مذكرات جندي أمريكي عن درب الدموع
- من هم الأمورّيون ؟
- هذا ما كتبه هيرودوت عن بابل القديمة
- شخصية هرقل في الأساطير اليونانية والرومانية
- بطل ملحمة گلگامش بين الحقيقة والأسطورة
- نرگال (مسلامتيا) إله الموت والحرب والدمار
- الكريسماس عبر التاريخ
- قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)
- طقوس الشاي في الصين واليابان القديمتين
- هنود السهول الأصليين في أمريكا
- ليلة السكاكين الطويلة
- ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
- الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
- الفينيقيون شعب أرجواني
- عنخ رمز بلاد النيل
- دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
- نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
- العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها
- نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة


المزيد.....




- مهرجان الصورة عمّان..حكايا عن اللجوء والحروب والبحث عن الذكر ...
- المجلس الرئاسي الليبي يتسلم دعوة رسمية لحضور القمة العربية ف ...
- الخارجية الروسية تحذر من شبح النازية وتقدم تقييما لوضع العال ...
- إصابة 29 شخصا بزلزال شمال شرقي إيران
- وزير الداخلية الإسرائيلي: المشاهد القادمة من سوريا تشير إلى ...
- والتز يؤكد استمرار المباحثات بين موسكو وواشنطن
- -حماس- تعلق على قرار سويسرا حظر الحركة
- مادورو: رفع -راية النصر- على مبنى الرايخستاغ عام 1945 تحول إ ...
- بريطانيا تبحث استخدام أموال ليبيا المجمدة لتعويض ضحايا -إرها ...
- بريطانيا ترحب بتوقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - عبادة الإله مثرا