|
رقعة شطرنج الشرق الأوسط: من يسقط أولاً؟
ميساء المصري
(Mayssa Almasri)
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 09:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليست الحرب بين إيران وإسرائيل مجرد صراع نفوذ تقليدي أو منافسة على ساحات الوكلاء، بل رقعة شطرنج هائلة تُلعب فيها الأحجار الكبرى بيد أطراف قد لا تظهر للعيان. والإسقاطات مباحة للجميع و ما يجري الآن هو إعادة تعريف للشرق الأوسط نفسه: من يحكمه، من يُقسمه، من ينهض، ومن يُمحى من الوجود الجيوسياسي. والسؤال لم يعد: (من سينتصر؟) بل (من سيسقط أولاً؟)… لا كخسارة ميدانية فقط، بل كإختفاء إستراتيجي من مشهد المنطقة. في السيناريو الأول، إذا انتصرت إيران ، فذلك لن يُترجم إلى مشهد قوة مستقرة، بل إلى لحظة عابرة تُسَرّع دخول المنطقة في رعب نووي وصراع وتوازن ردع غير قابل للضبط. ستكون النتيجة توسعًا في نفوذ طهران عبر وكلائها، ولكن بثمن باهظ، عزلة دولية خانقة، اضطراب اقتصادي متصاعد، وشروخ اجتماعية داخلية تهدد بتفجيرها من الداخل. كل "انتصار" هنا يبدو كقنبلة موقوتة، تضع طهران على حافة إنهيارها الذاتي. أما في حال انتصار إسرائيل ، فالمشهد مُوَازٍ بالخطورة. إنهيار النفوذ الإيراني لن يملأه لاعب مستقر، بل ستنتشر قوى جماعات ما بعد الدولة، طوائف مسلحة، ومليشيات عابرة للحدود. والإقليم سيتحول إلى منطقة رمادية بلا سيادة وستتغول اسرائيل على الجميع . لبنان سينزلق أكثر نحو فوضى لا مركزية، سوريا نحو إعادة تقسيم فعلي، والعراق إلى ساحة اقتتال داخلي مستدام. وتتوسع الفجوة الإستراتيجية ولا يمكن أن تُملأ إلا بتفكك أكثر عمقًا، لا ببديل موحد. نحو حلم صهيوني لا يمكن تغافله. أما السيناريو الثالث، وهو استمرار الحرب دون حسم، فهو الأكثر ترجيحًا والأشد فتكًا. هنا، لا حرب تُربَح، ولا سلام يُنجَز المفاوضات شراء للوقت . ونعيش حالة "ردع متآكل" تطيل أمد المعركة وتحولها إلى واقع مستدام. و المعادلة تصير واضحة، هدنة سطحية تغلف حربًا مستترة ( اغتيالات، عمليات سيبرانية، ضربات دقيقة، تفكيك بطيء لبنية الدول من الداخل ككل . في هذا النموذج، لا معنى للنصر أو الهزيمة، لأن الهدف الحقيقي هو إدامة التآكل، لا الحسم.ويستمر الصراع خفيا. وفي هذه الدوامة الثلاثية، تظهر الحقيقة الأعمق، ما يُدار في الكواليس هو مشروع إعادة تأسيس للشرق الأوسط، لا مجرد ضبط ميزان القوى. لم تعد الدولة المركزية كافية، ولا السيادة بمفهومها القديم صامدة. بل ما يجري هو تحديد من تبقى على الرقعة ومن يُسحب بهدوء من اللعبة. و حين نقول إن الحرب بين إيران وإسرائيل، بصرف النظر عن مآلاتها من ربح أو خسارة ، تقود إلى إعادة تعريف منطقة الشرق الأوسط، فنحن لا نصف نزاعًا على أراضٍ أو توازن ردع نووي، بل نواجه مشروعًا لإعادة تشكيل الخريطة الذهنية والسياسية للمنطقة بأكملها، من يُعتبر "دولة مركزية"، ومن يُعاد تصنيفه كـ "وظيفة جيوسياسية" فقط، لا ككيان مستقل. من يحكم فعليًا؟ ليس من يملك الجيوش فحسب، بل من يملك أدوات التأثير الخفي: البيانات، الطاقة، المال، السردية الدولية، وشبكات المصالح والعملاء. قرارات الحرب والسلام تُطبخ في عواصم بعيدة وتنفذ في عواصم منكوبة . الطاولة السياسية لم تعد مكان المفاوضات، بل مسرحًا للخداع المنظم. من يُقسم؟ لم تعد الخرائط تُرسم بالمسطرة، بل تُفرّغ من الداخل عبر إثنيات متصارعة، طوائف مُمزقة، اقتصاديات منهكة، وإعلام يروّج للفرقة. سايكس-بيكو الجديدة غير مرئية تقوم على التآكل المجتمعي لا الترسيم الجغرافي. من ينهض؟ من يمتلك القدرة على الإنخراط في الشبكات العالمية، أمنية، تكنولوجية، اقتصادية. من يتجاوز الهويات القديمة ويقفز إلى عصر البراغماتية الذكية. من يملك مفاتيح اللعبة الجديدة: من الذكاء الاصطناعي إلى الممرات البحرية، من الحوسبة إلى التحالفات السيبرانية. ومن يُمحى؟ يُمحى من يتخلف عن التحول. من لا يقرأ المتغيرات الكبرى. من يبقى وفياً لخرائط قديمة وشعارات لم تعد تنفع. حتى إن لم يُعلَن سقوطه، سيكون خارج اللعبة فعليًا. ليبيا مثال. اليمن مرآة. فلسطين كيان متعدد الأجسام بلا رأس واحد. ودمشق، وبيروت، وبغداد، وصنعاء: مرايا مكسورة لدول تاهت بين وصايات متضادة وأصابع لا تشبهها. والرياض وعمّان، آخر ما تبقّى من انضباط عربي يحاول التنفس داخل سردية تشظٍ إقليمي تُكتب خارج الحدود..، وحتى إيران، إن لم تراجع منظومتها من الداخل، ستكون مرشحة لتآكل تدريجي يبدأ في الهامش ويمتد إلى المركز. فالثبات أبدا لا يعني الحصانة . وهكذا، في كل السيناريوهات، نحن لا نعيش فقط حربًا بين عدوين تقليديين، بل مشهدًا لشرق أوسط يُعاد تشكيله بأدوات القرن الحادي والعشرين، لا بخنجر ولا بندقية، بل بخوارزمية ودرون وعقوبات وعملات مشفرة وسرديات هجينة. كل هذا يحدث بلا بيان رسمي، ولا مؤتمر سلام، ولا إعلان هزيمة. بل عبر أدوات ناعمة: اقتصاد موجَّه، أمن متشابك، وتقنيات تتلاعب بالجمهور والنخب على حد سواء. الدول لا تسقط بضربة واحدة… بل بتآكل بطيء لا يشعر به أحد حتى تنهار تماما من الداخل. لهذا أكرر ما على الطاولة ليس إلا قشرة رقيقة، تخفي تحتها نظامًا كاملاً من المصالح المتوحشة، والتحالفات المتغيرة، والصراعات المستترة. المفاوضات؟ ديكور. البيانات المشتركة؟ تمويه. وحتى الهدوء الأمني؟ خدعة مؤقتة لن تطول. هل المخفي أعظم؟ بلا شك. ما يُجهز في الغرف السوداء سواء في تل أبيب، طهران، واشنطن، أو العواصم العربية يتجاوز صراع النفوذ إلى إعادة تعريف الاقليم ككل .بعبارة أخرى، لا يوجد انتصار نقي، ولا هزيمة نهائية، بل "إعادة تدوير للأزمات" في شكل جديد، أكثر ذكاءً، وأشد دموية. أما الشعوب، فتبقى في قلب الإعصار، لا تدري من العدو، ولا من الحليف، لأنها لا ترى إلا دخان المعركة، لا أصابع اللاعبين خلف الستار. على رقعة الشطرنج هذه، لا أحد آمن. كل قطعة مهددة. وكل تحرك يحسم مصير دولة، أو ربما اختفاءها. المعركة ليست بين ملك ووزير وقلعة… بل على من سيبقى ضمن اللعبة، ومن سيُرفع عن الرقعة بلا رجعة.
#ميساء_المصري (هاشتاغ)
Mayssa_Almasri#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من مصر إلى إيران :هل تخون الشعوب ؟؟
-
نحو لحظة شمشون: هل تتهيأ إسرائيل لسيناريو السقوط الكبير؟
-
الأردن و تحديات الهوية السياسية في زمن المال والقوة
-
التهجير الناعم.. والإقليم المباح
-
الكيان الصهيوني والسعودية ..صفقات سلاح ولوبي وديناميكية إقلي
...
-
الكابوس الاسرائيلي : العدد
-
عهر سياسي ليس أكثر
-
تطبيع ملزم بأموال عربية ..
-
الأردن : الفساد و إشكالية رجل الدولة ورجل السياسة والإقتصاد.
-
جاسوس نتنياهو ... من مجرم الرصاص المصبوب الى دسائس أمنية شخص
...
-
كتاب بولتون ..إحذروا أحجية الجهل العالمي
-
خطة الضم ...الأردن وفلسطين ..والتدرج الزمني لنتنياهو ...
-
الأردن ..ما بعد صدمة كورونا
-
ماذا لو أصيب ترامب بالكورونا ؟؟؟
-
حرب أسعار,صراع ديوك,غطس في النفط , وحرق دول..فمن الخاسر الأك
...
-
لغز قروض البنك الدولي ....ولعبة الحكام بالشعوب
-
وزراء الخارجية العرب مغيبون.. و شعوب متهمة بمعاداة السامية..
...
-
من البتراء حتى مكة ... سنوات التيه العربي والبيع على المكشوف
...
-
الأردن : أسلحة صامتة ..لحرب هادئة .
-
الأردن .. وما خفي إعلانه من صفقة القرن .
المزيد.....
-
بعد 26 عامًا على رحيلهما: صور نادرة من -حفل الزفاف السرّي- ل
...
-
حراشفه مميزة.. كيف صمد هذا الحيوان في وجه الصيد الجائر؟
-
تركي الفيصل بعد صورة نتنياهو التوراتية لإسرائيل: هل سيمضي لا
...
-
غزة تسجل 4 وفيات جديدة بسبب الجوع و100 منظمة دولية تتهم إسرا
...
-
غضب لا يهدأ في صربيا: اشتباكات وأعمال عنف خلال مظاهرات بين م
...
-
العمل أربعة أيام في الأسبوع مفيد للصحة، فلماذا لا يتم اعتماد
...
-
سوريا: حصان هارب في شوارع دمشق
-
السلطات الأميركية تثبّت أجهزة تتبُّع في شحنات شرائح الذكاء ا
...
-
تنديد فلسطيني وعربي بمشروع سموتريتش الاستيطاني وحماس تدعو لل
...
-
ترامب وبوتين يلتقيان الجمعة في ألاسكا وزيلينسكي بلندن لبحث إ
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|