ايران بين اوهام القوة وحقيقة الضعف

أكرم بوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 10:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قبل اسبوع ظهر في الفضائيات العربية عدد من المحللين السياسيين الايرانيين بوجوه تعلوها الفرحة وابتسامات عريضة ،وهم يزفون الانتصار العظيم للإستخبارات الايرانية في اختراق اسرائيل والحصول على آلاف الوثائق المهمة المتعلقة بالمنشآت النووية الاسرائيلية ، وقد بلغت نشوة النصر لدى المحلل الايراني الخاص بقناة سكاي نيوز العربية الى درجة الاعلان عن تراجع القدرات الاسرائيلية على ضرب ايران ، وكأنه اراد الايحاء الى بداية نهاية اسرائيل بجهود الاستخبارات الايرانية ، والمثير للدهشة ان ذلك المحلل استاذ جامعي يدرك ان تلك المعلومات لاتمت للحقيقة بصلة ، ومن المرجح ان تكون اسرائيل هي من سربت تلك المعلومات تمهيدا لتوجيه ضربتها التي قامت بها صباح هذا اليوم .
ما من شك لدى المهتمين بالشأن السياسي ان ايران تعتمد مبدأ التقية الذي يعتمد على التضليل والاكاذيب ويغلب عليه طابع التهويل والمبالغة ، بداً من رأس الهرم المتمثل بالمرشد الاعلى "علي خامنئي"الذي يجيد المناورة والكذب ، وليس مستغرباً انضمام عدد من الاساتذة الجامعيين وعدد من الدبلوماسيين السابقين الى نهج المرشد الذي لم يهتم يوماً بمعاناة المواطن الايراني الذي يرزح تحت ضغوط اقتصادية ومعيشية شديدة ، فالرواية التي يروج لها المحللين الايرانيين بأن الرد سيكون غير متوقع وسيدهش العالم بأسره هو مجرد مبالغات لايصدقها حتى من يروج لها ، حيث انهم يدركون ان الواقع يخالف تماما لما يروجون له ومع ذلك يتمسكون بذلك الخطاب رغم عدم مصداقيته .
الحقيقة التي لايمكن تجاهلها هي ان ايران لاتمتلك قدرات عسكرية تمكنها من مواجهة اسرائيل مباشرة ، وما كانت تروج له من محو اسرائيل اعتمد اساساً على الميليشيات التي شكلها قاسم سليماني في عدد من الدول العربية ، واتضح ان تلك الميليشيات التي تباهت بها ايران ومولتها بالمال والسلاح على حساب الشعب الايراني لم تتمكن من مواجهة اسرائيل ، وتم تصفية بعضهم وتحييد البعض الآخر ، لتنكشف قوة ايران المزيفة التي لطالما تم تضخيمها ، اما الاكاديميين الذين لايزالون يروجون لقوة ايران الكبرى فقد اصبحوا محل تهكم وسخرية ، ومن المخجل ان يفقد الاكاديمي مصداقيته وان يكون اضحوكة بيد جنرالات من الحرس الثوري .
لم يكن تشكيل الحرس الثوري من اجل الدفاع عن الدولة الايرانية او حماية شعبها وحفظ كرامته ، فهذه مهمة الجيوش الوطنية ، وإنما تشكلت هذه الميليشيا للدفاع عن نظام ولاية الفقيه وضمان بقائه في السلطة ، لذلك لم يتمكن من التصدي للضربات التي تلقتها ايران صبيحة هذا اليوم من سلاح الجو الاسرائيلي ، ومن المتوقع ان نسمع روايات هزلية ومضحكة عن قوة الرد الايراني من المحللين الايرانيين ، لكن الحقيقة لن تتغير بمجموعة من الاكاذيب ، حيث ان ايران لاتمتلك اي وسيلة حقيقية للرد ، ومن المرجح ان يكون الرد مشابها للرد السابق الذي لم يخدش مواطنا اسرائيليا .
السياسة الايرانية التي تنتهج مبدأ التقية تثير الكثير من التساؤلات ، فهي من جهة تمتلك الكثير من عناصر القوة التي تجعل منها دولة فاعلة ومزدهرة ، لكنها اختارت ان تستخدم عناصر القوة التي تمتلكها لزعزعة استقرار دول المنطقة متجاهلةً احتياجات شعبها الذي يعاني من الفقر والحرمان ، ولاشك ان استغلال عناصر القوة بصورة صحيحة كان سيؤدي الى ازدهار وتطوير الدولة الايرانية ، وكان المواطن الايراني سيعيش برفاهية وكرامة ، فما المنافع التي جنتها ايران من استعداء دول الجوار وفي مقدمتها السعودية ، وماهي مصالح ايران في تدمير السعودية؟ وهو الهدف الرئيسي لايران .
ختاما : من يظن ان المواطن الايراني متعطش لرد عسكري قوي ضد اسرائيل ، يكون مخطئا لأن المواطن الايراني يبحث عن حياة كريمة ويهتم بالدرجة الاساسية بتوفير لقمة العيش ، والمواطن الايراني ذكي وليس من السهولة ان يصدق الاكاذيب التي يروجها الاعلام الايراني فهو يدرك تماما ان اسرائيل تتفوق على ايران من كافة النواحي ، وان اي تصعيد غير مدروس قد يجر ايران الى كوارث مدمرة ، كما ان المواطن الايراني يدرك ايضا ان امتلاك اسلحة رادعة لانفع فيها ، فالنظام لايجرؤ على استخدامه حفاظاً على بقاءه على رأس السلطة .

اكرم بوتاني
دهوك
13/6/2025م

#أكرم_بوتاني (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل