|
كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه السياسي؟ - النص الكامل
جيلاني الهمامي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدنه الاجتماعية وحزامه السياسي؟
عادة ما كان يوم غرة ماي مناسبة للتظاهر بما يتضمن من معان كثيرة سياسية ونقابية وحتى ثقافية أحيانا. لكن ثمة نوايا أخرى كانت ترافق المظاهرات وهي تتمثّل في عملية "استعراض القوة" من كل الأطراف التي تشارك في احتفالات غرة ماي. بعد الثورة انخرط الجميع في هذه "الاستعراضات" بما في ذلك القوى الماسكة بالحكم. فكانت مثلا الترويكا وحركة النهضة وحتى نداء تونس تستغل احتفالات غرة ماي لتعبئة قواعدها وأنصارها لأغراض كثيرة منها إبراز قوتها وقدرتها التعبوية للتدليل على جماهيريتها وبالتالي على أنها جديرة بالحكم. ومن مواقع أخرى ومتباينة كانت القوى المعارضة من مختلف المشارب تنظّم بالمناسبة أيضا استعراضاتها لتأدية معاني مغايرة ولكنها تدور كلها حول إثبات عناصر القوة والتمثيليّة والجدارة.
هذه السنة تجدّدت التجربة وإن في ظروف مختلفة ونزلت كل القوى بما في ذلك السلطة الحاكمة إلى الشارع في مباراة لا غاية منها غير تقديم شواهد القوّة والحضور للتّدليل على الشرعية والجدارة. وما يلفت الانتباه في هذه المباراة مشاركة "حزب الرئيس" قيس سعيد في عملية لاستعراض القوة أمام المسرح أشرف على تنظيمها القصر وسُخِّرَتْ لها كل الإمكانيات المادية واللوجستية لاستقدام الأنصار والأتباع والمريدين من كل فجّ بهدف تحقيق تعبئة "مليونية" تظهر "شعبيّة الرئيس". لكنّ هذه العمليّة باءت بفشل ذريع وخيبت آمال منظّميها.
على هامش ذلك طرحت الكثير من الأسئلة منها ما مغزى أن تعجز السلطة عن تعبئة عشرات الآلاف (على الأقل) رغم كل الإمكانيات التي سُخِّرَتْ لذلك من حافلات ومنح تحفيز وتغطية مصاريف بتدخل من أوساط رسمية على النطاق المحلي والجهوي (ولاة ومعتمدون وعمد) وباستخدام مكثف لوسائل الاتصال الأخرى؟ هذا السؤال يحيلنا في الحقيقة على سلسلة من الأسئلة الأخرى لعل أهمها هل توصّل سعيّد إلى خلق القاعدة الاجتماعية التي يستند إليها؟ وممن تتكون طبقيا هذه القاعدة؟ وما حجمها؟ وهل أصبح قيس سعيد يتمتع بحزامه السياسي الخاص الكفيل بأن تضمن له استدامة كرسي الحكم؟ تطرح هذه الأسئلة أمام العدد الضعيف من الأنصار الذي حضر يوم غرة ماي في وقفة مساندة له أمام المسرح بالعاصمة.
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة يجدر أن نسلط بعض الضوء على الطريقة التي وصل بها قيس سعيد إلى الحكم وعوامل نجاحه في ذلك.
قيس سعيد منتوج مسار الثورة المضادة في السياسة، كما في كل مناحي الحياة الأخرى، لا شيء يحصل صدفة. فكلّ ما يحصل هو نتاج سلسلة سببية طويلة ومعقّدة لا يدركها النّاس بالضرورة على وجه الدقّة. ولذلك يذهب الناس مذاهب شتى في تفسير الأحداث والظواهر وتأويلها. ومن هنا تتأتّى التّفسيرات المثاليّة والعاطفية والانطباعية والميكانيكية والسّطحيّة لما يحصل في المجتمع من أحداث سياسية واجتماعية وغيرها. ذلك ما حصل بالفعل مع ظاهرة الشعبوية منذ ظهورها الأول حتى تمكّنها من الحكم في شخص قيس سعيّد.
ولكن حينما ندقّق النظر في مسار تطور هذه الظاهرة طيلة السنوات العشر التي تلت الثورة يتملّكنا ميل غريب إلى تفسيرها خارج قواعد العقل والجدلية والمنطق، ميل إلى تحكيم دور الحظ إذ لا شيء يمكن ان يبرّر ما حصل غير الحظ والصدفة. والحقيقة، حتى لا نكون مثاليين، هي أن ظروف ومعطيات وتطورات تظافرت كلها تماما كما يحصل في كل الثورات المضادة لتنتج أحيانا كما قال ماركس بصدد لويس نابليون بونابارت الثالث "أن الصراع الطبقي ... قد أوجد الظروف والعلاقات التي مكّنت شخصا سخيفا من متوسط المواهب من أن يؤدّي دور بطل" (1).
لقد كان مفهوما أن تتخذ الثورة التونسية بعد رحيل بن علي ذلك المنحى وتسقط بين براثن التشكيلة الطبقية التي كانت سائدة في عهده كما في عهد بورقيبة وتستمر سجينة لإرادتها سواء بإدراك منها أو من دونه. ولم يكن بن علي يختلف عن سلفه في نهاية التحليل إلا ببعض التفصيل لا أكثر. فالتشكيلة البورجوازية الكمبرادورية العميلة هي نفسها القاعدة الطبقية للنظام. وتتشكل من شرائح صناعية ورأسمال خدماتي ومن شريحة بيروقراطية الدولة في الأمن والجيش والإدارة ومن بعض "البزناسة" الذين يتمعّشون من موقعهم في منظومة الحكم وأطرافها. هذه التشكيلة الطبقية رغم أنها محدودة التجربة فيما يتعلق بالتعاطي مع الأوضاع الثورية لأنها على العموم عاشت لأكثر من خمسين سنة في ظل الاستقرار السياسي والاجتماعي عدا بعض الهزات القليلة (جانفي 78 وجانفي 84 والحوض المنجمي 2008...) التي نغصت عليها صفو حياتها وتكفلت الدولة بحسم أمرها على جناح السرعة، رغم ذلك عرفت هذه المرة، أي مباشرة عقب أيام جانفي الثورية، كيف تقود سفينة منظومتها بهدوء إلى مرافئ النجاة. وتفسير ذلك في خطوطه العريضة معلوم ويكاد يتفق عليه الجميع.
لقد كانت ثورة برجوازية أفقها العام إرساء نظام الحرية والديمقراطية وتحويل شكل الدولة من جهاز منغلق فاشستي واقع تحت حكم الفرد (بن علي) إلى نظام تعددي تتوفر فيه الحريات العامة والفردية يسمح للشعب بالمشاركة السياسية في حدود ما لا يمس من جوهر النظام الاقتصادي والاجتماعي. ويعود ذلك إلى سببين على الأقل أولهما أن الجماهير الشعبية التي خاضت المعركة مع أجهزة البوليس والجيش كانت في الأساس جماهير الشباب من المعطّلين عن العمل والمهمّشين ولم يكن للطبقة العاملة دور كبير عدا مساهمتها في آخر أيام بن علي (من 12 إلى 14 جانفي) تحت قيادة البيروقراطية النقابية في تصعيد الضغط على النظام. أما السبب الثاني فهو غياب القيادة الثورية، سواء كانت حزبا أم جبهة سياسية، ومحدودية دور المعارضة السياسية في الفعل الثوري والاحتجاج. لقد كانت القوى السياسية المعارضة ضعيفة ومنهكة ومعزولة ومنقطعة عن الحركة الاجتماعية جرّاء سياسة القمع والمنع والحصار في عهد بن علي. لذلك اقتصرت الثورة على إجراء تغيير جزئي لم يمس إلا شكل الدولة فيما ظلت قاعدتها المادية والطبقية على حالها دون تغيير. وقد كرست الانتخابات العامة في مناسبتين، أكتوبر 2011 وأكتوبر 2014، تثبيت هذه المنظومة الطبقية رغم استبدال النظام السياسي (نظام الحكم الفردي الاستبدادي) بنظام تعدّدي فتح مجالات واسعة من الحرية السياسية وعدّل أجهزة الحكم لاستيعاب الديمقراطية الناشئة. في الاثناء ظل الائتلاف الطبقي الماسك بالجهاز الاقتصادي يبحث في القوى السياسية التي دفعت بها الثورة وتصدّرت المشهد عمّن يمكن أن يمثّله بدلا عن "حزب التجمع الدستوري" المنحل. وبدا في مرحلة أولى أنه وجد ضالته في "حركة النهضة" ولكن وبعد فترة الحكم الانتقالي (ما بين أكتوبر 2011 وانتخابات 2014) تراءى له أن يحيي "حزب التجمع" و"يرسكله" في تشكيلات سياسية جديدة بتسميات شتى. وعلى امتداد الفترة الفاصلة بين 2014 و2019 استمرت عملية البحث بما في ذلك عن طريق تحالف سياسي بين حزبي "النهضة" و"النداء". وكانت النتيجة واحدة.
لقد كشفت الحكومات المتعاقبة طيلة عشريّة ما بعد الثورة عن فشل ذريع في الخروج بالبلاد من الأزمة الحادّة والشاملة التي تردّت فيها بل انقادت البلاد إلى أزمة اشد وأخطر حتى باتت مهددة بالانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي والانفجار الاجتماعي والانفلات الأمني. ونتيجة ذلك فقدت فئات واسعة من الشعب التونسي الذي لم يتحقق له شيء من مطالبه في مضمار ظروف عيشه، ثقتها فيمن يحكم ومن يعارض وفي كل مؤسسات الدولة وفي السياسة والسياسيّين بشكل عام وانقلبت حماستها للثورة والتغيير إلى نقمة عليها واستعدادا لتقبل كل أطروحات الثورة المضادة. في هذا المناخ المتعفن جرت انتخابات 2019 وأفرزت في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية قيس سعيد كواحد من المترشّحين للدور الثاني بـ 620 ألف صوت ونبيل القروي بـ 525 ألف صوت.
لقد استغل قيس سعيد حالة الارتباك العام التي طرأت على وعي الجماهير الشعبية التي منيت بخيبة أمل عميقة وتردت في حالة من اللامبالاة غير مسبوقة طوال عشرية الثورة. وعرف كيف يستهوي مَنْ ظَلّ من المفقّرين والمهمّشين والناقمين على الثورة وإفرازاتها السياسية والحزبية دون تمييز بين من يتحمل المسؤولية ومن لا يتحملها معتمدا على شعارات شعبوية "الشعب يريد" و"الشعب يعرف ما يريد" وعلى وعود وهمية بمكافحة الفساد وبرنامج "المعتمديات الأكثر فقرا". وقد مثل أسلوبه التواصلي الخاص (استعمال اللغة العربية الخ...) واختلافه عن الصورة النمطية للسياسيين سلاحا فعالا في تسويق صورة نمط السياسي غير المألوف الصادق والمتواضع والنظيف.
عرف قيس سعيد كيف يتسلل "في غفلة" من الجميع تقريبا، القوى السياسية الماسكة بالحكم والقوى المعارضة على حد سواء. لكنّ وصوله إلى قصر قرطاج ومن ثمة استيلاؤه على كلّ مراكز الحكم لم يحصل بمعزل عن التطورات التي اختصت بها التجربة التونسية وبالتحديد الفترة الانتقالية ولا عما ميّز العشرية الماضية على الصعيد العالمي من تقلبات وتحولات كان من أهم خاصياتها صعود الشعبوية في أكثر من مكان في العالم.
كنت فيما سبق قدّمت بشكل موجز ومكثّف الأسباب السياسية العامّة التي فسحت المجال لقيس سعيد كي "يتسلّل" إلى الحكم وأعود إلى ذلك هذه المرة من زوايا أخرى وخاصة منها زاوية سلوك الطبقات الاجتماعية الأساسية في تونس خلال العشرية الماضية.
في سلوك الطبقات الاجتماعية خلال المرحلة الانتقالية خلّف رحيل بن علي وانحلال حزب "التجمع" فراغا كبيرا في الساحة السياسية. فكلّ الأحزاب المعارضة لنظام بن علي داهمتها الثورة وهي تعاني من الضعف والتشتت والعزلة الاجتماعية. لقد فرض عليها بن علي حالة من العزلة عن الجماهير ومنع عليها كل سبل الارتباط بالحركة الاجتماعية. لذلك وجدت نفسها إبان الثورة وجها لوجه مع مهمتين عويصتين الأولى العمل على افتكاك موقع في المشهد السياسي المستحدث وخاصة في منظومة الحكم ما بعد الثورة والثانية الانتشار جماهيريا وكسب طبقات وفئات اجتماعية كل حسب رؤاه ومقارباته.
فحركة "النهضة" التي كسبت الجولة الأولى من الانتخابات العامة في أكتوبر 2011 بفضل الخطة الانتخابية التي وضعتها واستغلال عامل الدّين وسذاجة أوساط واسعة من الناخبين من كل الطبقات والشرائح (من البورجوازية الكبيرة ومن الطبقة العاملة على حد السواء) راحت حالما استلمت الحكم تعمل على صنع قاعدتها الاجتماعية عبر استمالة الطبقة البرجوازية الكبيرة (في الصناعة والتجارة والفلاحة) والشرائح العليا من بيروقراطية الإدارة والمؤسسات الصلبة في الجيش والأمن والقضاء من جهة وعبر خلق "رجال الأعمال الجدد" التابعين لها وبثّ أعوانها وكوادرها في المؤسّسات والأجهزة من جهة ثانية. وقد قطعت أشواطا مهمّة في هذا المضمار وبدأ "رأس المال الجبان" في البحث عن الاستظلال بظلها لو لا التقلّبات السّياسية التي شوّشت عليها خطّتها. ومن أبرز مظاهر هذا التشويش سقوطها في "فخّ الإرهاب" (العلاقة بأنصار الشريعة...) الذي حاولت توظيفه بشكل خبيث فأفلت من رقابتها وتحوّل بسرعة إلى "عامل قلق" عكّر عليها أجواء المناورات السياسية في مرحلة انتقالية هشّة وأثار حولها كثيرا من الرّيبة والشّكوك حتى لدى الطبقات العليا التي قبلت من حيث المبدأ أن تستبدل "التجمع الدستوري" المنحل بحركة "النهضة" كتعبيرة سياسية تمثلها وتلهج باسمها.
لقد فشلت حركة "النهضة" في التوفيق بين مختلف الاستحقاقات المتناقضة التي طرحتها مرحلة ما بعد الثورة واضطرت إلى العودة للتحالف مع "النظام القديم "المرسكل" في "نداء تونس" بقيادة الباجي قائد السبسي. ولكن فشل هذا التحالف في معالجة الملفات الثقيلة عمّق ريبة وشكوك لا فحسب الطبقات العليا (البورجوازية الكبيرة بكل فصائلها) بل وسّع نطاق هذه الشكوك والرّيبة إلى فئات البورجوازية المتوسطة والشرائح العليا من البورجوازية الصغيرة في المدن والأرياف وبطبيعة الحال في صفوف أوساط من الطبقة العاملة والفئات الاجتماعية الحسّاسة كالشباب والنساء.
أما الفئات الشّعبية والأوساط المثقّفة التّقدّمية فقد وجدت بُعَيْدَ انتخابات أكتوبر 2011 في "الجبهة الشعبية" التعبير السّياسي الملائم عن انتظاراتها ومطامحها رغم أنّها لم تمنحها ثقتها إلا بشكل جزئي وراحت تراقب تطوّر الأوضاع المتقلّبة ما بين 2012 وما بعد انتخابات 2014. ذلك أن هذه الفترة شهدت هجوم حركة "النهضة" القادمة للتو إلى منصب الحكم على الكثير من ثوابت المجتمع في إطار سعيها إلى وضع أسس نظامها من منظورها "الإسلامي"(هجوم على اتحاد الشغل، التبشير بمفاهيم جديدة في مجال الاسرة والمرأة والحياة المدنية، الاغتيالات السياسية الخ...). ورغم أن الجبهة ارتقت إلى مركز القوة الثالثة في السّاحة السياسية وتحوّلت في نظر الجميع تقريبا إلى قوة الضغط الأساسية لكسر الاستقطاب الثنائي بين "النهضة" و"النظام القديم" وأصبح ينظر إليها على أنها قوة التعديل والتوازن في البلاد، رغم ذلك فإنها لم تتمكّن من احتكار تمثيل الطبقات والفئات الشعبيّة الفقيرة والمتوسّطة. فقد بدأت بالظهور أطراف تنافس "الجبهة" على هذا التمثيل (التيار الدّيمقراطي، حركة الشّعب الخ...) ومن ثمّة انطلق مسار تراجع "الجبهة" وفقدانها لوزنها الاجتماعي وتأثيرها السياسي.
خلاصة القول إن الفترة الانتقالية ما بين سقوط نظام الاستبداد وحلول النظام الديمقراطي الليبرالي الجديد، تميّزت من النّاحية الاجتماعية بتردّد مختلف الطّبقات في حسم خيارها حيال العرض السياسي الغزير الذي قدمته الساحة إبّان 14 جانفي. واستمرّ هذا التردّد على امتداد المرحلة الانتقاليّة أي حتّى سنة 2019. وهو ما يفسّر تعطّل مسار "استكمال مهام الثورة" كما طرحته "الجبهة الشعبية" من ناحية وعدم قدرة الثورة المضادّة على التّقدّم بسرعة لغلق قوس الثّورة رغم تعدّد المحاولات وتنوّعها (هذا إذا اعتبرنا أن صعود السلفية كان أيضا وجها من أوجه الثورة المضادة) من ناحية ثانية.
لقد عاشت البلاد على وقع نوع من توازن حالة الهشاشة بين سلطة الحكم الجديد (ما بعد الثورة) والقوى المعارضة لها ولو لا الوزن الذي كانت تتمتع به الدّولة العميقة (الإدارة والجيش والأمن أساسا) لدخلت البلاد في منعرج كان يمكن أن يعطي للتاريخ خطّ سير غير الخطّ الذي سارت فيه البلاد. وهكذا توفّر المناخ لظهور الخطاب الشعبوي الذي لم يكترث له أحد في البداية واتضح فيما بعد فعاليته في اقتلاع ثقة "الشعب" واختصار المسافة للوصول بسرعة إلى الحكم. غير أنّ تعقيدات الوضع استوجبت مزيد الانتظار حتى تكتمل نضج "الفكرة الشعبوية". ومع استفحال حالة العجز شبه العامة لدى أهم الفاعلين السياسيين في الساحة، التحالف السياسي/الطبقي الممثل في النهضة والنداء ومن لف لفهم (حزب آفاق، حركة الشعب) من جهة والمعارضات السياسية وخاصة "الجبهة الشعبية" من جهة أخرى تهيأت الظروف فعلا لصعود التيار الشعبوي الذي كشف عن نواياه دون مواربة في الدخول إلى حلبة الصراع من أجل الحكم.
نسخة مشوّهة من بونابارت لقد أنتج فشل منظومة الحكم الجديدة وعجزها عن معالجة الملفّات الكبرى التي أشعلت فتيل الثورة حالة من الضبابية والغموض احتضنت كثيرا من مشاعر الإحباط والقلق خاصة لدى كل الفئات والأوساط الاجتماعية/المهنية، لدى الشباب وجماهير المناطق الفقيرة والمهمشة وجزء واسع من الطبقة الوسطى ومثقفيها والغاضبين من أداء حركة "النهضة" وانقسامات "نداء تونس" والرافضين لما يسمى بـ"الطبقة السياسية" التقليدية. كانت تلك هي لوحة المشهد العام التي حفت بانطلاقة قيس سعيد في مسيرة الزحف نحو الحكم وكَيّفَهَا على النّحو الذي جعل من وصوله إلى الحكم ظاهرة سياسية واجتماعية باغتت الكثير وأثارت استغراب الجميع تقريبا.
اعتمد قيس سعيد أسلوبا غير معهود في السّاحة التونسية يعوّل على الاتصال المباشر فقام بسلسلة من الجولات والزيارات (خاصة إلى مثلث الثورة بوزيد/القصرين/قفصة) مستعملا خطابا مختلفا عن خطاب السياسيين "التقليديين" سواء الذين كانوا في الحكم أو في المعارضة وحرص على الظهور خلال هذه الزيارات وفي كل اتصالاته بمظهر الإنسان المتواضع. فلم يعقد ولو اجتماعا جماهيريا واحدا وروّج لنمط معين من "الدّاعية" الفقير (قهوة capucin وسجائر من النوع الشعبي كريستال). ويحيلنا هذا النمط من العمل على الأسلوب الذي اعتمده لويس نابليون بونابارت خلال الثورة الفرنسية 1848 – 1852 في جولاته في أقاليم فرنسا للاتصال بسكان الأرياف موزعا عن طريق جمعيته "10 ديسمبر" الكحول. والحقيقة أن قيس سعيد استعار من بونابارت، جدّ الشعبوية الأوّل، كثيرا من أدوات العمل وأساليب الدعاية.
لقد عرف كيف يوفّق بين متناقضات كثيرة أملتها خطته الشّعبوية التي عمل على أن يكسب على أساسها فئات وأصناف اجتماعية مختلفة ومتنوعة، الشباب وسكان الأرياف والمثقفين والبورجوازية المتوسطة والعنصر المحافظ وفي نفس الوقت العنصر البرجوازي الصغير نصير الثورة المحبط من "اليسار الثوري الفاشل" إلى جانب كبار مسؤولي الجهاز الإداري البيروقراطي بما في ذلك الأمنيون الذين يكنون عداء غير مخفي للثورة وللشباب الثائر.
إن القدرة على التأليف بين كل هذه المتناقضات لا يمكن أن يحصل إلا بواسطة برنامج انتقائي يقدّم عرضا مركّبا لكل هذه الفئات والأصناف التي تجد فيه كل فئة منها صدى لمعاناتها وجوابا على طموحاتها الفئوية الخاصة. وفي نفس السياق نجح في الترويج لصورة السياسي من نمط جديد يحمل مشروعا نقيضا لـ"لسيستام" بمواصفات السياسي النزيه النظيف المتواضع والصادق والجاد والمثقف الذي يحمل معه الأمل والأنجع في مقاومة "النهضة" وفي نفس الوقت ممثل الدين والأخلاق والقادر على إحلال الاستقرار وهيبة الدولة والسيادة الوطنية والقضاء على الفوضى والفساد والمفسدين الخ...
لخّص كل ذلك في شعار ذي تأثير "سحري" وهو "الشعب يريد .. ويعرف ما يريد" هذا الشعار الذي انتهى به فعلا إلى الحكم رغم أنه لم يكن يستند إلى طبقة معينة ولم يكن يتمتع لا بشرعية البرنامج ولا بشرعية النضال والتاريخ. وهو مدرك لهذه الحقيقة التي اقتضت منه أن يشرع حالما استوى على كرسي الرئاسة في استمالة الأجهزة الصّلبة للدّولة ريثما يَمُرُّ إلى صناعة قاعدته الاجتماعية وحزامه السياسي.
توقّع كل الذين صوّتوا لفائدة قيس سعيد وأسهموا في صعوده للحكم ألا يتأخّر حالما استلم كرسي الرئاسة عن تجسيم الوعود التي أغدقها عليهم خلال حملته الانتخابيّة. وهو أمر مفهوم بالنّظر إلى ما عاناه الكثير منهم مدة طويلة بعد الثورة. فراحوا يراقبون وينتظرون متشبثين ببصيص الأمل في أن ينطلق قطار الإجراءات والقرارات لفائدتهم.
غير أنّ تركيزه في الأشهر الأولى من حكمه على الشّعارات العامّة المتعلّقة بـ"مقاومة الفساد والمفسدين" والتّحريض على "الخونة" و"العملاء" و"الذين أضرّوا بالبلاد" وبمعاركه المعلنة والخفيّة مع الحكومة والبرلمان حول "الصلاحيّات" وما إلى ذلك خلق لدى تلك الفئات والأصناف الاجتماعيّة والمهنيّة، الشباب وسكان الأرياف والمثقّفون والبورجوازية المتوسّطة والعنصر المحافظ وفي نفس الوقت العنصر البرجوازي الصغير نصير الثورة المحبط من "اليسار الثوري الفاشل" إلى جانب كبار مسؤولي الجهاز الإداري البيروقراطي بما في ذلك الأمنيون، انطباعا بأن الرجل مازال في حاجة إلى مزيد من الوقت كي "يدخل في جوهر الموضوع" ويبدأ في معالجة الأوضاع بما يلبّي لكلّ منها مطامحه الخاصّة. وهكذا استطاع التّمديد في مهلة الانتظار وفي نفس الوقت الاستمرار في الاعتماد على نفس الدّعاية الشّعبويّة لتوسيع دائرة التّعاطف معه وتثبيت حزام نصرته.
قيس سعيّد والبورجوازيّة الكبيرة ذلك لم يمنعه لا محالة من التّوجّه على جناح السرّعة إلى "كرتيل" المصارف والمؤسّسات الماليّة. فقد استقبل محافظ البنك المركزيّ عديد المرّات كما استقبل رئيس الجمعيّة المهنيّة التّونسيّة للبنوك والمؤسّسات الماليّة وأعضاده أكثر من مرّة وأكّد لهم كما جاء في موقع رئاسة الجمهوريّة " ألّا مجال للمساس بحقوق وممتلكات رجال الأعمال والمستثمرين الذين يحترمون القانون أو التّنكيل بهم أو تقييد نشاطهم، مشدّدا على أنّ الحرّيات مضمونة في تونس في إطار القانون".
وكان اتّحاد الأعراف من أوّل الأطراف التي استقبلها قيس سعيّد ليردّ على تهانيهم له بالفوز في الانتخابات علما وأنه كان نزل ضيفا عليهم بصفته مترشّحا للرّئاسة يوم 27 سبتمبر 2019 ووعد بالوقوف إلى جانبهم مؤكّدا "أهميّة دور القطاع الخاصّ في تونس" مبيّنا "أنّه ينتظر من الاتّحاد أن يكون قوّة اقتراح".
وفي حركة ذكيّة لكسب رضى أصحاب رأس المال والشرّكات تمّ التخفيض في الضّريبة على الشرّكات (ميزانية 2021 مثلا) قبل أن يقع اللّجوء مجدّدا إلى التّرفيع فيها بالنسبة إلى السنة الجارية (2025) لمواجهة انسداد أبواب الاقتراض الخارجي ومخاطر الإجحاف في الاقتراض الداخلي من المؤسّسات البنكية المحليّة.
لقد سعى قيس سعيد إلى كسب ثقة كبار الرأسماليّين المحلّيّين والأجانب ولكنه لم يفلح في ذلك أولا بسبب افتقاره لاستراتيجية متكاملة في تمويل منظومته وثانيا بسبب مواقفه المتضاربة والإجراءات الاعتباطية والانفعالية المتناقضة التي أقدم عليها حيال العديد من الملفّات التي تهمّ أوساطا مختلفة من البرجوازيّة الكمبرادوريّة.
إنّ التّرفيع في نسبة الفائدة المديرية التي شكّلت غطاء للمؤسسات البنكية والمالية لتوظيف أرباح طائلة على القروض المسداة للمستثمرين والمستهلكين وغيرها من التّسهيلات مكّنت هذا القطاع من تحقيق نسبة نمو بمعدل 13 % طيلة السنوات الماضية رغم أن نسبة النمو العامة لم تتجاوز معدّل 1% يقابلها من الجهة الأخرى الشروع في تخفيض نسبة الفائدة المديريّة جريا على ما يحصل في العالم الرأسمالي (كوجه من أوج التبعية) والضغط على المؤسسات البنكيّة لإجبارها على التخفيف من نسب الفائدة على القروض وتهديدها باتخاذ إجراءات عقابيّة إن لم تمتثل وهو وجه من أوجه التناقض في تعاطي قيس سعيد مع هذه الشريحة الاجتماعية التي تتمتّع بنفوذ اقتصاديّ وسياسيّ قويّ.
ومن الأمثلة الأخرى على سمة الاضطراب والعشوائية في سياساته الطابع الانتقائي في التعاطي مع ملفات الفساد الذي بالمناسبة بدأ في إعادة إنتاج "طرابلسيّة جدد" أي فئة جديدة من الفاسدين المرتبطين بالمنظومة الجديدة (كلّ منظومة تخلق فاسديها). ففي الوقت الذي وقع الزجّ بعدد من كبار الرأسماليّين المرتبطين بالرّأسمال الغربي في السجن (أولاد المبروك والدغري والمخلوفي الخ...) تستمرّ آفة الفساد الكبير والصغير في نخر الاقتصاد والمجتمع بما رسّخ القناعة بأن ما يردده قيس سعيد من شعارات من قبيل "سنواصل حرب تحرير تونس من كل اللوبيات..." ليس سوى "ماعون خدمة" لتجديد خطاب التحريض الشّعبوي ووسيلة من وسائل صيانة "بارومتر" شعبيّته. رغم أنه مع مرّ الأيام أصبح مبعث ذعر ورعب في أوساط "الإدارة" وكبار المسؤولين ووسيلة لابتزاز أصحاب المؤسسات والمشاريع.
لم تجد البورجوازية الكبيرة المحليّة والمستثمرين الأجانب في سياسات قيس سعيد المناخ الملائم للإقدام على الاستثمار "والمخاطرة" والانخراط في "المجهود الإنمائي". وظلّت متردّدة لفترة طويلة نسبيا، ترصد اتجاه تطور الوضع. لذلك لم تثمر اللقاءات المتكررة مع منظمة الأعراف ورؤساء المؤسسات البنكية ومع رئيس اتحاد الأعراف الفرنسيين "الميديف" (مارس 2022) نتائج تذكر في تحريك "المبادرة الخاصة" وتنشيط عجلة الإنتاج وتفعيل محركات التنمية. وللتذكير فإن نسبة الاستثمارات الخارجية المباشرة ظلت ضعيفة جدا مقارنة بما كانت عليه في عهد بن علي مثلا. قد يكون لتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أثر في ذلك ولكن ومهما كان من أمر فإنّ قيس سعيد الذي قاد البلاد إلى نوع من العزلة الخارجية خلق من حوله فراغا في مستوى الطبقات البورجوازية المحلية والأجنبية دولا ومؤسسات وخواصّا.
فالنتيجة هي أن أدركت البرجوازية الكبيرة في تونس أنه لا يمكنها الاطمئنان إلى قيس سعيد وبالتالي الاعتماد عليه في خدمتها وصيانة مصالحها واعتباره ممثلا عنها. وهو ما يفسّر تردّدها في الانسياق في سياساته وقبول طلباته مثل التّخفيض في نسب الفائدة وتجاهلها دعواته للتخفيض في الأسعار (لقاء قيس سعيد مع رئيس اتحاد الأعراف في نوفمبر 2023 وأكتوبر 2024) التي أطلق عليها "معركة التحرير الوطني بالتخفيض في الأسعار". وبسبب ذلك كانت علاقة قيس سعيد بالطبقة البورجوازية الكبيرة وستظل علاقة هشة وتشكل واحدة من نقاط ضعفه التي سيكون لها أثر بالغ في قدراته على تمويل اقتصاد نظامه.
قيس سعيد والطبقات والفئات الشعبيّة وليست العلاقة مع الطبقات والفئات الشعبية بأحسن حال. فعلى مدى السنوات التي قضّاها في الحكم، لم يقدّم قيس سعيد لهذه الفئات شيئا يذكر تقريبا. وبصرف النظر عن الأسباب التي حالت دون ذلك فإنّ العمال وسائر الكادحين (من فلاحين فقراء وموظفين وحرفيين صغار الخ...) الذين تدهورت مقدرتهم الشرائية بشكل مفزع جراء التهاب الأسعار وفقدان الكثير من مواد الاستهلاك الأساسية وانهيار قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية لم يكن في حسبانهم أن تؤول أوضاعهم إلى ما آلت إليه وقد بنوا على انتخاب قيس سعيد ووصوله للحكم قصورا من الأحلام التي ما انفكّت تتحوّل إلى كوابيس.
فعلى مدى العقود الماضية منذ عهد بن علي تمتّع العمال والموظفون من كل القطاعات (الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص) بزيادات دورية في أجورهم ساعدت، بصرف النظر عن قيمتها، على حماية المقدرة الشرائية ولو بشكل نسبي، فضلا عن أنه لم تشهد السوق المحلية ما شهدته وتشهده في عهد قيس سعيد من فقدان مواد الاستهلاك الأساسيّة ولم تشهد البلاد ظاهرة الطوابير أمام المخابز والمغازات لشراء السكر أو الحليب أو السميد وغيرها من المواد أو أمام محطات البنزين للتزود بالمحروقات أو قوارير الغاز. وبعبارة أخرى فإنّ أوضاع العمّال والأجراء وكل الفئات الكادحة ازدادت سوءا في عهد قيس سعيّد مقارنة بما كانت عليه قبل مجيئه إلى الحكم واحتكاره كل الصلاحيّات بعد انقلاب 25 جويلية 2021.
أما الفئات المهمشة، من معطلين وأنصاف عمال (عمال المناولة والعمال الموسميين ...) فقد اكتشفوا هم الآخرون أن شعارات قيس سعيد لم تكن غير محض خديعة انجروا وراءها ووقفوا مع مرّ الأيام على زيفها. فلا الدكاترة المعطّلون عن العمل ولا الأساتذة والمعلمون النوّاب ولا العاطلون عن العمل الذين طالت بطالتهم واستصدر مجلس النواب لهم قانونا خاصا لتشغيلهم وأمضاه قيس سعيد بنفسه (القانون 38) ولا عمّال الحضائر والمناولة وعمال "الآليات" وغيرهم من عموم العاطلين عن العمل نالوا شيئا من مطلبهم الرئيسي والوحيد: الشغل القار واللائق.
لقد لهثوا وراء هذا المطلب وبنوا على صعود سعيد للحكم وعلى الانحياز له آمالا في بلوغ هذا الهدف. ولكن الأيّام كشفت لهم الحقيقة المرة واضطروا مجددا إلى العودة إلى التحركات والاحتجاجات والاعتصامات في ذات الساحات والمواقع والمؤسسات التي قضوا فيها أياما وليالي للضغط على الحكومات السابقة.
والنّتيجة مرّة أخرى هي أن هذه الفئات أدركت أن قيس سعيد الذي استفاد من أصواتها لن يكون مصدر فائدة بالنسبة إليها وأنها أخطأت العنوان حين علّقت عليه آمالها وبالتالي بات لزاما عليها أن تستأنف مسيرة النضال من جديد ولكن ضد قيس سعيد بالذات ومنظومته التي لا تقل عداء لها عن بقية المنظومات السابقة.
لقد جرت الأيام بسرعة، ولم يتطلب الأمر كثيرا من الوقت كي يستيقظ كل من موقعه، البورجوازية الكبيرة وأصحاب المشاريع المتوسطة والصغرى وطائفة واسعة من العمال وفقراء الريف والمهمشين والطامعين من المثقفين السذّج، ويدرك شيئا فشيئا أنه أودع أطماعه بكل حماقة لدى فرد ماكر وبات من الملح أن ينسى وإلى الأبد تلك الأطماع ويستبدلها بأحلام جديدة لن تتحقق الا بسياقات جديدة.
إن هذه الفترة على قصرها كانت كفيلة بأن تؤكد القاعدة الماركسية الذهبية القائلة بأن "ليس وعي الناس هو الذي يحدّد وجودهم، وإنّما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدّد وعيهم". وبطبيعة الحال لا ينبغي الوقوف عند هذا الحدّ. فمن المؤكّد أنّ البورجوازية الكبيرة بخبرتها وخبرة أسيادها الأجانب من دول وشركات ومؤسسات مالية علاوة على خبرة خدمها من كبار بيروقراطي الدولة لن تتوانى بأيّ حال من الأحوال عن التفكير في مصالحها وفي "الجهة" الأقدر على تمثيلها وحمايتها كما أنّها لن تتوانى عن التحرّك، رغم جبنها المعهود، لإسناد تلك "الجهة". والسّؤال الذي يبقى قائما إنّما هو يهمّ الطبقة العاملة وسائر الطبقات والفئات الكادحة والشعبيّة الأخرى، فهل أنّها ستستفيد من تجربتها لتفكّر في مصيرها بشكل مستقلّ أم أنّها ستبقى رهينة حسابات القوى الرّجعية والأوهام الفارغة؟ إن الجواب عن هذا السّؤال يهمّ حزب العمّال كما يهمّ كل القوى التقدمية في البلاد لما يطرح عليها من دور في توعية الطبقات والفئات وتنظيمها حتّى تصبح لاعبا رئيسيّا في المعادلة.
لا يعرف على قيس سعيد قبل الثورة اهتمامه بالسياسة وتعدّ على أقل من أصابع اليد الواحدة المناسبات السياسية التي ظهر أو شارك فيها. وهي كما هو موثق تدون حضوره في "الشُّعَبْ الدستورية" التابعة "للتجمع الدستوري الديمقراطي" أو تصريحات نادرة عبّر من خلالها عن مساندة لنوايا بن علي تنقيح الدستور لإرساء رئاسة مدى الحياة.
أما بعد الثورة فإن تدخلاته في وسائل الاعلام قد جلبت له انتباه الناس بعلاقة بانتخابات أكتوبر 2011 أو خاصة بعلاقة بالمجادلات حول أحكام الدستور الجديد الذي تمت المصادقة لاحقا في جانفي 2014. ويذكر الجميع وقتها مساندته لحركة النهضة التي اعتبرها أولى من غيرها بحكم البلاد. وكان سعى إلى الترشح للبرلمان على دائرة أريانة ثم صرف نظره عن ذلك ليقينه بأن الوقت لم يحن بعد.
البدايات التنظيمية للمشروع الشعبوي لقد وفر الحراك الثوري الذي عقب فرار بن علي، وخاصة اعتصام القصبة، فرصة لكل التيارات والمجموعات والأفراد للانخراط في النضال السياسي وفتح كما قال أحدهم "بوابة الدخول الصاخب إلى ساحة المشاركة، لكافة التونسيين والتونسيات". وعرفت البلاد طفرة غير مسبوقة من ظهور أحزاب ومجموعات وتيارات سياسية وجمعيات ونوادي وغيرها من الأطر التي ابتدعتها قريحة جمهور الثورة. وكان قيس سعيد من جملة الذين جاء بهم هذا "الدخول الصاخب إلى ساحة" النضال السياسي. واكتشف فيه شباب الثورة الغاضب وخاصة شباب الجهات الفقيرة صوتا مختلفا عن باقي أصوات ما يسمى بـ"الطبقة السياسية". وقد ساعده تخصصه في القانون الدستوري على الظهور بمقترحاته المختلفة عن كل الاخرين بخصوص تشريعات المرحلة الانتقالية (المراسيم، قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية، الدستور الجديد الخ...). ومع مر الزمن كشفت منظومة الحكم ما بعد الثورة عن الكثير من العجز والفشل الذي وجد فيه قيس سعيد المجال الملائم للبدء بالتبشير برؤيته وتقديم عرضه الخاص لمعالجة الحالة التي تردت فيها البلاد.
لقد ظهرت الملامح الأولى للفكرة الشعبوية في تونس مباشرة بعد انهيار نظام بن علي حيث ظهرت "رابطة قوى تونس الحرة" كـ"مجموعة عمل وتفكير" وهي في الحقيقة حركة سياسية من ضمن الحركات التي جاءت بها طفرة ما بعد الثورة وقد ضمّت عناصر منحدرة من التّيارات اليسارية الطلابية التي تلاشت منذ تسعينات القرن الماضي (2). حركة عرّفها رضا شهاب المكي في حوار صحفي أجرته معه جريدة "الصحافة التونسية" كالآتي "بعض القوى الوطنية الديمقراطية تنطلق الآن من قراءة متجددة تجدد الأحداث وتجدد العصر وبعض هذه القوى تتشكل الآن في إطار نضالي ذي مرجعية تقدمية ثورية أطلق على نفسه "قوى تونس الحرة". نحن جزء من "الوطد" ولكننا لا نريد خوض صراع أيديولوجي حول من هم الأحق بتمثيل هذه التجربة". (3)
كان ضمن هذه العناصر من جمعته بقيس سعيد علاقة صداقة زمن الدراسة في كلية الحقوق بتونس. ومنهم من "اكتشفه" من خلال تصريحاته كما يقول رضا شهاب المكي "لم يكن قيس سعيّد من الوطد (حزب الوطنيين الديمقراطيين التونسي...)، لكنه فاجأنا في طريق التاريخ، فقد وجدناه يقدّم في الإعلام مشروعاً، هو توأم مشروعنا، وتلاقَينا في الحياة. كنت أنا في الخارج، وكان قيس سعيّد يجول في تونس برفقة سنيّة الشربطي، من شمالها الى جنوبها، منذ 2012، ليعرّف بالمشروع". فما كان يروّج له قيس سعيد كان يجد صداه فيما يقوله ويكتبه رضا شهاب المكي ومن لف لفه كقوله ""إنّ منوال الحكم الديمقراطي الشعبي الّذي يؤسس لبناء الدّولة من الأسفل إلى الأعلى أي من المحلّي إلى الجهوي فالإقليمي أصبح شرطا ضروريا للدولة الجديدة كي تقدر على القيام بوظائفها الاجتماعية والتنموية الّتي تضمن التوازن بين الجهات والفئات والأجيال". (4)
لقد انطلق قيس سعيد وأصحاب "هذا المشروع/التصور الذي كُتب بعد الثورة سنة 2011 مع 16 شخصًا من الرفاق" من القناعة المشتركة بإفلاس الديمقراطية التمثيلية في صيغتها الليبرالية الغربية، ليصلا إلى أن الديمقراطية المباشرة والبناء القاعدي، ، هي الحل الأمثل وأن التنمية لن تتحقق إلا بتغيير نظام الحكم لينبع من الأفراد انطلاقًا من المحلي نحو المركزي ومن الأسفل إلى الأعلى". (5)
وعلى عكس مما وقع ترويجه فإن قيس سعيد انطلق في نشاطه الدعائي للمشروع الشعبوي منذ 2012 ضمن مجموعة سياسية منظمة، وإن على طريقتها الخاصة، كانت تمثل حزامه السياسي الذي دخل به رويدا رويدا معترك الحياة السياسية. وانطلاقا من توجهات هذه المجموعة نستطيع اليوم فهم الخلفيات التي أفرزت قوى دعم "مسار 25 جويلية" بمختلف تلويناتها ودرجات مساندتها لقيس سعيد وهو في سدة الحكم.
وينبغي القول أيضا أن هذا التيار قد استفاد من صعود الشعبوية على الصعيد العالمي وأحسن استعمال طرقه في الدعاية والترويج السياسي لمشروعه وعرف كيف يستغل نقاط ضعف القوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي العام وحوّل فشلها إلى أدوات عمل لتعزيز "وجاهة مشروعه" ومصداقية الرمز الذي بدأ يبرز في الساحة كنمط جديد ومختلف عما يسمى بـ"الطبقة السياسية". وقد أكدت سنية الشربطي أحد أبرز وجوه هذا التيار في أحد البيانات سنة 2011: "تَعتبر قوى تونس الحرة أن ثورة تونس اليوم، تلتحم مع نضالات شعوب العالم ضد العولمة المدمّرة، ونتائجها المفزعة على الاقتصادي، الاجتماعي، البيئي، الصحي والثقافي... وهي تستلهم أشكال النضال من الحركة العالمية لمناهضة العولمة، وتقدم نموذجاً ثورياً رائعاً يلهم شعوب المنطقة في مسارها النضالي، ويتحد معها في رسم المستقبل الإنساني الجديد".
الديجيتال وصناعة الكتلة الانتخابية والحزام السياسي رافقت الانتخابات الرئاسية التي صعد فيها قيس سعيد إلى الرئاسة صدمة قوية في الأوساط السياسية ولكن أيضا في أوساط الاعلام التقليدية. ذلك أن الأدوات الإعلامية الجديدة، المنصات الالكترونية والمجموعات الخاصة والمغلقة تمكنت عبر أشكال غير تقليدية من أن تؤثر في صناعة الرأي العام وتوجيهه وضبط خياراته الانتخابية وبالتالي من هندسة المشهد السياسي ما بعد انتخابات 2019. فبفضل هذه الأدوات وفي "غفلة من الجميع" صعد قيس سعيد إلى الرئاسة. وتلاحقت فيما بعد التقارير لتفسّر هذه الظاهرة التي لم تكن حكرا على الساحة التونسية وإنما سبق وأن تكررت في أكثر من مكان في أوروبا وفي القارة الافريقية وأوكرانيا وغيرها من مناطق العالم.
وتذهب الكثير من التقارير إلى تفسير الظاهرة بالانخراط القوي للشباب المولع بتقنيات التواصل الجديدة الذي فرض قطيعة مع تقاليد المعارك الانتخابية التقليدية ووسائل الاتصال القديمة مثل الاجتماعات العامة وأشكال الاتصال الجماعي أو عبر وسائل الاتصال السمعي البصري. ولئن استطاعت هذه الأساليب المستحدثة التأثير في مجريات الانتخابات وحتى في الكثير من المعارك السياسية الأخرى فإنها في الحقيقة أفرغت العملية الانتخابية من محتواها إذ أصبحت انتخابات بلا نقاش ودون أفكار.
صحيح أن "الحملة الانتخابية الالكترونية" التي اعتمدها قيس سعيد قد ضمنت له تكوين خزان انتخابي واسع (خاصة في الدور الثاني) ولكنه خزان ظرفي ومؤقت بدليل نسب المشاركة في المناسبات الانتخابية اللاحقة (الاستشارة الالكترونية والاستفتاء الخ...). لقد تأكد أن هذا النوع من الكتل الانتخابية التي يصنعها مثل هذا النمط من الانتخابات هي كتل هشة وقابلة للتبخر بسرعة masse électorale éphémère ولا يعتد بها في إثبات مشروعية من يستند عليها إلا إذا تم العودة لأشكال الحملات التقليدية التي يلعب فيها المال الفاسد وأجهزة الحكم الدور المعهود. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا النمط من الحملات الانتخابات التي اعتمدها قيس سعيد 2019 خاصة وجرى التنويه على أوسع نطاق بـ"نظافتها" و"بساطتها" هي من "أوسخ" الحملات التي وجد فيها المال الفاسد كل الإمكانيات للتلاعب بأصوات الناخبين دون أن يقع التفطن إلى ذلك. واذكّر هنا بما جاء في التقرير الذي كشف فيه مخبر أمريكي DFRLab لإدارة فايسبوك حملة التأثير التي نظمتها الشركة التونسية UReputation تحت عنوان "Operation Carthage"(6) أثناء الانتخابات الرئاسية في تونس لسنة 2019.
حزام الامس وحزام اليوم بعد ظهور نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية حاولت عديد القوى مثل حركة النهضة "ركوب الموجة" وأعلنت مساندتها لقيس سعيد في الدور الثاني واستعملت حركة "ائتلاف الكرامة" صورة قيس سعيد عنوانا لحملتها التشريعية. وعلى امتداد ما يقارب السنتين شكلت هذه القوى مع "حركة الشعب" العمود الفقري للسند السياسي الذي ارتكز عليه سعيد في معاركه المعلنة والخفية مع الحكومة والبرلمان وحول مسألة الصلاحيات. ثم سرعان ما تغيرت مركز الاستقطاب ومحاوره حتى أصبح قيس سعيد على طرفي نقيض من النهضة وائتلاف الكرامة من جهة والدستوري الحر من جهة أخرى. حصل ذلك بعدما ضمن قيس سعيد إلى جانبه قطبي الجهاز الصلب في الدولة، الجيش والأمن، وبعدما قطع جملة من الخطوات الأخرى في إعادة ترتيب أوضاع أجهزة الدولة وبعث طائفة واسعة من المجموعات الالكترونية التي تولت القيام بمعارك متتالية (جوان 2020 وجويلية 2021) ضد البرلمان ومن وراء ذلك حركة النهضة بموازاة مع المعارك التي كان يخوضها هو ضد الجميع تقريبا.
وقد شكلت هذه المجموعات النواة الصّلبة لحزامه السياسي بعد انقلاب 25 جويلية 2021 الذي استقطب كل القوى المناوئة للنهضة. فباسم رد الجميل، لقاء تجميد البرلمان وإزاحة النهضة من الحكم ثم من المشهد السياسي ومحاكمة قياداتها ومنعها من النشاط، التفّتْ الغالبة العظمى من الأحزاب السياسية حول ما سمي بـ"مسار 25 جويلية". لقد عبّرت كل الأحزاب والتيارات القومية والأحزاب والتيارات اليسارية (باستثناء حزب العمال الذي اعتبر منذ الوهلة الأولى أن ما قام به قيس سعيد هو انقلاب) وكل المنظمات والجمعيات عن مساندتها للمسار الجديد الذي "خلّص" البلاد من "النهضة" ودشن مرحلة جديدة توقّعوا جميعهم أنه سيسير بالبلاد إلى الخلاص.
وإلى جانب ذلك انبعث أكثر من حزب ووجد أكثر من حراك يحمل أسم "مسار 25 جويلية" لم يجدوا رغم كل الحماس الذي أبدوه في تقديم شواهد الإخلاص أي اهتمام من قيس سعيد الذي ذكّر أكثر من مرة أنه لا يمثله أي حزب وأنه لا يسعى إلى تكوين حزب سياسي. كما صمّ أذانه أمام المبادرات التي أطلقها بعضهم (حوار وطني مثلا) والطلبات التي عبٍّر عنها بعضهم الآخر (طلبات عبيد البريكي مثلا). وفي ظل تفاقم مظاهر القمع والانغلاق السياسي وتكاثر حالات انتهاك الحريات مقابل احتدام الازمة الاقتصادية والاجتماعية وعزلة البلاد خارجيا وظهور علامات فشل متأكد لمنظومة قيس سعيد وجدت بعض الأطراف نفسها مجبرة على أن تشرع بالتباين معه والتعبير على بعض الانتقادات له ولسبل حكمه.
لقد انفضت من حوله العديد من الأحزاب والمنظمات والجمعيات بعضها لا يتوانى عن التعبير عن صريح معارضته، وبشدة أحيانا، فيما تزحزح البعض الآخر إلى مواقع "المساندة النقدية" ولم يبق من المساندين له دون قيد أو شرط غير بعض النكرات الطامعين والطمّاعين الذين لا وزن لهم في الساحة ولا تاريخ لهم ولا مستقبل إذ أن وجودهم مرتبط بوجود قيس سعيد على سدة الحكم.
إن الفشل الذريع الذي مني بها في إدارة شؤون البلاد رغم احتكاره كل السلطات كشف زيف الشعارات التي رفعها وصدقها الناس. وليس من المبالغة في شيء القول بإن الشعور باليأس وما يتخلله من علامات التذمر والغضب صار حقيقة يدركها الجميع بما في ذلك أجهزة الحكم ووسائل الاعلام. وهو شعور لا يملك قيس سعيد أبسط المقومات والامكانيات لمعالجته. لذلك فإن حزام الدعم الذي وجده وهو في مرحلة "الدعوة" لمشروعه أو أثناء الانتخابات بدأ ينفرط تاركا فراغا من حوله لا يستطيع تحمّله إلا بالاعتماد على عصا القمع. وبذلك قد دخل الطريق الخطأ الذي أودى بمن سار على هذا النهج من قبله.
تونس – جوان 2025
هوامش 1 – مقدمة كارل ماركس لكتابه "الثامن عشر من برومر لويس بونابارت" – لندن 23 جوان 1869. 2 – البيان التأسيسي لحركة "قوى تونس الحرة" بعنوان "من هي قوى تونس الحرة" أنظر على الرابط التالي من هي قوى تونس الحرّة PDF 3 – حوار صحفي أجراه خليل الرقيق مع رضا شهاب المكي على صفحات جريدة الصحافة بتاريخ 15 مارس 2011، أنظر الرابط التالي : رضا شهاب المكّي الصحافة | PDF 4 – من نص بعنوان: في الاستحقاق الاجتماعي لثورة الشعب التونسي منشور على الحوار المتمدن بتاريخ 23 سبتمبر 2014). 5 – هل يتجه قيس سعيد نحو تطبيق مشروع "قوى تونس الحرة" في الحكم؟ - تونسUltra – أنظر الرابط التالي : هل يتجه قيس سعيّد نحو تطبيق مشروع "قوى تونس الحرة" في الحكم؟ 6 – أنظر: Opération Carthage - How a Tunisian company conducted influence operations in African presidential elections.
#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظريات الأزمات ودورات كوندراتييف Kondratiev، أي توازن 1974 –
...
-
تعليق أولي على الهيئة الإدارية الأخيرة
-
كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا
...
-
الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة تخفى أزمة
-
كيف جاء قيس سعيد وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ال
...
-
غرة ماي: الاحتفال ثم بعد ؟؟
-
كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا
...
-
عاد الفاتح من ماي... وضاعت مكاسبه
-
دونالد ترامب - النص الكامل
-
دونالد هتلر (الجزء الثالث والاخيرة)
-
دونالد هتلر - الجزء الثاني
-
دونالد هتلر (الجزء الأول)
-
حوار مع جريدة النهج الديمقراطي العمالي بالمغرب الشقيق
-
العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
-
حوار مع موقف -أفريكا براس- AFRICA press
-
حتى تعود الأمور إلى نصابها (مقدمة كتاب الاتحاد العام التونسي
...
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحول (الجزء الثا
...
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل - الجزء ال
...
-
ألمانيا تربط مع تاريخها النازي
المزيد.....
-
مظاهرات لوس أنجلوس.. كاميرا CNN ترصد ما حدث باشتباكات الشرطة
...
-
وسط ضجة أوامر ترامب.. ما قد لا تعلمه عن الحرس الوطني بالجيش
...
-
الدفاع الروسية: نقل الدفعة الأولى من جثث الجنود الأوكرانيين
...
-
موسكو تسقط عشرات المسيّرات الأوكرانية وتوقعات بردّ روسي -غير
...
-
الخارجية الروسية لـRT: أوروبا تختار المعاناة من أثر العقوبات
...
-
الجيش الإسرائيلي: غارة تستهدف عنصرا في -حماس- جنوبي سوريا
-
الجيش الإسرائيلي يعلن موعد انتهاء عملية -عربات جدعون- في غزة
...
-
أمين كبار العلماء بالأزهر يرد على إبراهيم عيسى وحديثه عن قصة
...
-
ترامب يشكر الحرس الوطني على إخماد الاضطرابات في لوس أنجلوس (
...
-
مسؤولة ألمانية: نحتاج 3 سنوات من التسلح المستمر لمواجهة -اله
...
المزيد.....
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|