أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسام الحداد - كيركجارد: قلق الحرية ومحنة الوجود الفردي















المزيد.....

كيركجارد: قلق الحرية ومحنة الوجود الفردي


حسام الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 07:05
المحور: قضايا ثقافية
    


في عالمٍ يتعاظم فيه صخب الجماعات، ويُحتفى فيه بالامتثال والتماهي مع الرأي العام، يبرز صوت سورين كيركجارد (Søren Kierkegaard) بوصفه أحد أكثر الأصوات الفلسفية تمردًا على هذا النسق. وُلد كيركجارد في كوبنهاغن عام 1813، ويُعدّ الأب المؤسس للفلسفة الوجودية، لما قدّمه من رؤية غير مسبوقة للفرد، والقلق، والاختيار، والإيمان، باعتبارها مكونات مركزية في الوجود الإنساني. لم يكن كيركجارد منظّرًا مجرّدًا، بل كان مفكرًا انخراطيًا غاص في أعماق الذات، وكتب بلغة شاعرية فلسفية تنضح بالألم والصدق، ووجّه نقدًا لاذعًا لمؤسسات الدين والسياسة والثقافة التي اختزلت الإنسان إلى مجرد ترس في آلة جماعية بلا روح.
أولى كيركجارد أهمية قصوى لمفهوم الفرد، لا بوصفه مجرد وحدة عددية في مجتمع، بل ككائن أخلاقي وروحي مسؤول عن ذاته وقراراته ومصيره. وبهذا المعنى، كان في خصومة فلسفية واضحة مع كل نماذج الفكر التي تُذيب الفرد في الكُل، سواء كانت الكنيسة الرسمية، أو الفلسفة الهيغيلية التي سادت عصره، أو النزعة العقلانية التي حاولت بناء إنسانٍ متطابق مع معايير موضوعية صلبة. وفي مواجهة هذا كلّه، كتب كيركجارد ليؤكد أن الحقيقة لا تُدرَك من الخارج، بل تُعاش من الداخل؛ وأن الذات لا تُبنى بالمنطق، بل تُصاغ بالمعاناة والاختيار والقلق.
ومن هنا، جاءت رؤيته للقلق لا كحالة مرضية أو ظرف نفسي طارئ، بل كشرط أنطولوجي عميق يلازم وعي الإنسان بحريته. فالقلق عند كيركجارد هو لحظة انكشاف الوجود الإنساني أمام احتمالات لا نهائية، وهو الذي يدفع الإنسان للتفكير في ذاته بوصفه كائنًا حرًا ومسؤولًا. فالقلق هو "ارتعاش الحرية"، كما يقول، وهو الذي يكشف للإنسان أنه ليس مجرّد نتاج للظروف أو العقائد، بل فاعل يمكنه أن يختار، وأن يتحمّل تبعات اختياراته. لذلك، فإن لحظة القلق هي بداية رحلة الحرية، لا نهايتها.
تتناول هذه المقالة أربعة محاور جوهرية في فكر كيركجارد: أولها نقده لمفهوم الجماعة وتأكيده على أصالة الفرد، وثانيها تصوره للاختيار الحر كشرط للمسؤولية، وثالثها تحليله الفريد للقلق الوجودي، وأخيرًا تصوره للقلق كشرط ضروري للحرية الروحية. وعبر هذه المسارات، يتضح أن كيركجارد لا يقدم فلسفة مجردة، بل صرخة وجودية موجهة لكل إنسان يريد أن يعيش لا ككائن مُساق، بل كذات تختار وتتحمّل وتؤمن.


الفرد مقابل الجماعة:
يُعَدّ سورين كيركجارد من أوائل الفلاسفة الذين قدّموا نقدًا جذريًا لمفهوم الجماعة بوصفها كيانًا يهدد الوجود الفردي الأصيل. في كتابه "نقطة الانطلاق" (The Point of View)، يؤكد أن الإنسان لا يُصبح ذاته إلا في مواجهة ذاته، لا في اندماجه بالجماعة أو النظام الاجتماعي. لقد رأى أن المجتمعات والمؤسسات، وخصوصًا الكنيسة الرسمية، تمارس نوعًا من القهر الرمزي الذي يُفرغ الذات من صدقها الوجودي ويجعل الفرد جزءًا من قطيع لا يتمتع بالحرية الحقيقية أو المسؤولية الفردية.
من هذا المنظور، كان كيركجارد مناهضًا لكل فكرة تختزل الإنسان إلى مجرد عنصر في نظام أو عقيدة جماعية. في كتابه "إما/أو" (Either/Or)، يصور الصراع الوجودي بين الحياة الجمالية (السطحية واللذائذية) والحياة الأخلاقية التي تتطلب اعترافًا داخليًا بالمسؤولية. فالفرد هو من يختار، وهو من يتحمّل نتائج اختياره، لا الجماعة. ولهذا، فكرّس كيركجارد نقدًا لاذعًا للكنيسة اللوثرية في الدنمارك، معتبرًا أنها شوّهت المسيحية الحقيقية بتحويلها إلى طقس جماعي فاقد للبعد الداخلي (Kierkegaard, Either/Or, 1843).
واحدة من أبرز مساهمات كيركجارد المفهومية هي قوله بأن الحقيقة ليست موضوعية فحسب، بل ذاتية، بمعنى أنها تتعلّق بعلاقة الفرد بما يعتقد أنه الحقيقة. ففي كتابه "الخوف والارتجاف" (Fear and Trembling)، يقدّم مفهوم "الحقيقة الذاتية" على أنه المعيار الأعلى للإيمان، حيث إن الإيمان الصادق لا يُبنى على براهين منطقية خارجية، بل على علاقة داخلية شديدة التوتر بين الإنسان وربه. هذه الفكرة كانت لاحقًا نواة لما تبناه الوجوديون مثل جان بول سارتر في تصورهم لمسؤولية الفرد تجاه وجوده (Kierkegaard, Fear and Trembling, 1843).
ينبع تركيز كيركجارد على الفرد من رفضه لما سماه "التسوية الجماعية"، أي ذلك الميل إلى محو التمايز الشخصي باسم العقل الجمعي أو الانتماء المؤسسي. إن الشخص، وفقًا له، لا يبلغ الحقيقة إلا عبر معاناة فردية داخلية، وليس عبر الرضوخ للسلطة أو السلوك الاجتماعي السائد. ولهذا قال في إحدى يومياته: "الحقيقة هي ذاتية، والفرد هو من يكتشفها من خلال الألم والقلق والاختيار الحر" (Journals and Papers of Søren Kierkegaard, Hong translation, 1967). من هنا، تحوّل الفرد إلى مركز الوجود، بينما غدت الجماعة تهديدًا لهذه الأصالة.

الاختيار الحر والمسؤولية:
يضع كيركجارد مسألة الاختيار الفردي في قلب التجربة الوجودية، مؤكدًا أن الإنسان ليس كائنًا مُسيّرًا أو خاضعًا لحتميات اجتماعية أو دينية، بل هو فاعل حر مسؤول عن مصيره. ففي كتابه "إما/أو" (Either/Or, 1843)، يصف كيركجارد الحياة على أنها سلسلة من الاختيارات الجذرية التي لا يمكن التهرب منها، ويذهب إلى أن الإنسان الذي لا يختار، في الحقيقة، قد اختار سلبًا أن يتنازل عن حريته. هذا التصوّر يُبرز أن الحرية ليست مجرد إمكان نظري، بل هي مسؤولية وجودية ثقيلة تتطلب الوعي الكامل بحدود الذات ونتائج أفعالها.
لكن هذه الحرية ليست حرية عبثية، كما يذهب إليها لاحقًا بعض الوجوديين مثل سارتر، بل هي عند كيركجارد حرية مرتبطة بالمسؤولية الأخلاقية والروحية. في "الخوف والارتجاف" (Fear and Trembling, 1843)، يعرض مثال إبراهيم الذي اختار طاعة أمر إلهي بدا له عبثيًا من الناحية العقلية، ومع ذلك ظلّ مسؤولًا أمام الله وأمام نفسه. هنا تتجلى طبيعة الحرية التي لا تنفصل عن المعاناة، وعن إدراك العجز أمام المطلق، مما يجعل الاختيار فعلًا يتطلّب "قفزة إيمانية" لا ضمان فيها. الفرد، إذًا، يختار لا بناءً على معايير عقلانية نهائية، بل من داخل علاقته بالذات وبالمطلق.
كيركجارد يرفض بشكل واضح ما سماه بـ "الحتمية الاجتماعية"، وهي التصورات التي ترى أن الفرد مجرد ناتج حتمي للبيئة أو التاريخ أو الثقافة. كما يرفض أيضًا "الحتمية اللاهوتية" التي تجعل من الله سببًا في كل شيء وتنفي حرية الإنسان. في "المرض حتى الموت" (The Sickness Unto Death, 1849)، يؤكد أن الإنسان هو "توليفة من الإمكان والضرورة"، وأن عليه أن يصنع ذاته عبر اختياراته، لا أن يُختزل إلى معطى مُسبق. ولهذا، يصبح الهروب من الحرية (سواء عبر الامتثال للجماعة أو التسليم بالحتمية) نوعًا من اليأس الوجودي، وهو في نظر كيركجارد أسوأ أشكال العدمية الروحية.
إن المفارقة الكبرى في فكر كيركجارد أن الحرية، رغم كونها مصدرًا للكرامة الإنسانية، هي أيضًا مصدر للقلق والمسؤولية. فالاختيار لا يتم في فراغ، بل في عالم مليء بالاحتمالات المتضاربة، وبدون ضمانات. وهنا يُدعى الفرد إلى اتخاذ موقف وجودي من قضايا كبرى مثل الإيمان، المعنى، الموت، والخلود، دون أن يكون لديه دليل قاطع على صحة ما اختاره. وهذا ما يُميز رؤيته عن العقلانية الحديثة؛ فالحقيقة في نهاية المطاف ليست يقينًا موضوعيًا، بل التزامًا داخليًا. كما يقول في "مفهوم القلق" (The Concept of Anxiety, 1844): "القلق هو إمكان الحرية، وهو الشرط المسبق لكل اختيار أخلاقي".

القلق الوجودي (Anxiety)
يُعتبر سورين كيركجارد من أوائل المفكرين الذين قدّموا مقاربة فلسفية وجودية للقلق، تختلف تمامًا عن التصورات النفسية التقليدية. في كتابه "مفهوم القلق" (The Concept of Anxiety, 1844)، يفرّق بين القلق والخوف؛ فالخوف يتعلّق بشيء معيّن وملموس، أما القلق فهو حالة وجودية غامضة تنبع من وعي الإنسان بحريته المطلقة وإمكانه المفتوح. القلق، إذًا، ليس عَرَضًا نفسيًا بل هو "ارتعاش الحرية" كما يسميه، وهو يكشف عن البُعد الأنطولوجي في الكائن الإنساني، حيث لا يمكن أن يوجد إلا بوصفه كائنًا حرًا يمكنه أن يختار، وأن يُخطئ.
هذا القلق الوجودي لا ينبع من الخارج، بل من الداخل؛ من كون الإنسان يُدرك نفسه بوصفه كائنًا حُرًّا وقادرًا على الإمكان. كيركجارد يرى أن هذه الإمكانية نفسها، أي الوعي بقدرة الإنسان على الفعل والاختيار، هي التي تولّد القلق. فيقول: "القلق هو إمكان الإمكانات"، أي أنه شعور ينبثق من انفتاح المستقبل على الاحتمالات، ومنها احتمال السقوط أو ارتكاب الخطيئة. هذه الحالة تمثل عنده الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى الحرية، لكنه قد يدخل منه أيضًا إلى اليأس أو الضياع (Kierkegaard, The Concept of Anxiety, 1844).
القلق، عند كيركجارد، ليس شرًا في ذاته، بل ضرورة وجودية، لأنه يكشف للفرد عن ذاته ويدفعه نحو اتخاذ موقف أخلاقي أو ديني. إنه، كما يقول، الحالة التي تسبق السقوط، وهي التي من خلالها يُدرك الإنسان إمكانية الخطيئة، وبالتالي يصبح مسؤولًا عنها. فالقلق هو ما يُخرج الإنسان من براءة الطفولة إلى وعي الكائن الأخلاقي. ولهذا يؤكد أن القلق ليس مرضًا بل هو علامة وعي وشرط أخلاقي للحرية (Kierkegaard, The Concept of Anxiety, trans. Reidar Thomte, 1980).
وفي هذا السياق، يُمكن القول إن كيركجارد يمهّد الطريق للوجوديين اللاحقين، وخصوصًا هايدغر وسارتر، الذين رأوا في القلق بُعدًا تأسيسيًا في الوجود الإنساني. إلا أن كيركجارد يختلف عنهم في أن القلق عنده لا يظل مسألة أنطولوجية مجردة، بل يأخذ طابعًا دينيًا؛ إذ يرى أن القلق يمهّد للـ"قفزة الإيمانية"، أي تلك اللحظة التي يختار فيها الإنسان العلاقة الشخصية بالله كطريق للخلاص من القلق واليأس. إنه لا يطالب الإنسان بأن "يتغلّب على القلق"، بل بأن يعيه ويحتمله كجزء من شروط وجوده الحر والمسؤول (Kierkegaard, The Concept of Anxiety, 1844).

القلق بوصفه مقدمة للحرية:
يُقدِّم سورين كيركجارد تصورًا غير مألوف للقلق، فيراه لا كحالة مرضية أو شعور يجب التخلص منه، بل كأحد أهم شروط الوعي الإنساني والنضج الروحي. في كتابه "مفهوم القلق" (The Concept of Anxiety, 1844)، يربط القلق بلحظة إدراك الإنسان لحريته وإمكاناته غير المحدودة، ويؤكد أن هذا الإدراك لا يمكن أن يتم من دون "ألم القلق"، ذلك التوتر الداخلي الذي يُصاحب انكشاف الذات على حريتها المطلقة. هنا، يصبح القلق حالة تأسيسية لا مفر منها لكل من يسير في طريق الحرية الشخصية. إنه لا يُقيد الإنسان، بل يدفعه نحو التفكير في ذاته ككائن أخلاقي وروحي مسؤول.
في هذا السياق، يرى كيركجارد أن القلق ليس فقط مُعاناة، بل فرصة للنمو، لأنه يجبر الفرد على مواجهة ذاته، وعلى أن يختار لا بدافع التقليد أو التلقين، بل بوصفه فاعلًا حرًا. فحين يواجه الإنسان إمكان الخطأ والسقوط، كما يشرح كيركجارد، يصبح مضطرًا لتحديد موقفه من الوجود، من الخير والشر، من الإيمان واللاإيمان. وهنا يتحول القلق من كونه تجربة سلبية إلى ما يشبه الامتحان الداخلي للروح. كما يقول: "من دون القلق لا يوجد حرية، القلق هو التربية التي تمنحها الروح للإنسان" (Kierkegaard, The Concept of Anxiety, trans. Thomte, 1980).
ولذلك، يعتبر كيركجارد أن الشخص القَلِق هو شخص بدأ يفهم معنى وجوده الحقيقي. لأنه لم يعد يعيش على السطح، أو يستسلم للراحة الزائفة التي تمنحها العادات أو الجماعة، بل أصبح يتحمّل عناء أن يكون ذاته. هذا الوعي القَلِق بالوجود هو بداية الوعي الأخلاقي، وهو ما يجعله يتقدم نحو "الذاتية الأصيلة". ولهذا يقول: "القلق هو الإمكانية التي تفتح أبواب الروح، فمن خلاله يبدأ الإنسان في أن يكون فردًا" (Kierkegaard, Journals and Papers, Vol. 2, ed. Hong, 1970).
في النهاية، يربط كيركجارد القلق بالحرية على نحو جدلي: القلق يحرر الإنسان لأنه يكشف له أن وجوده ليس مُسبق التحديد، بل مشروع مفتوح، يجب أن يُنجزه باختياراته. لكنه في الوقت نفسه يُثقله بعبء المسؤولية عن هذه الاختيارات. القلق هو، إذًا، عتبة الحرية، وشرطها الأول. وهو لا يزول، بل يُعاد تأويله من خلال الإيمان، لا باعتباره دواءً أو طمأنينة سطحية، بل استجابة وجودية واعية للخوف والتساؤل والمعنى (Kierkegaard, The Concept of Anxiety, 1844).

ختامًا
يُمكن القول إن فكر سورين كيركجارد يشكل تحولًا جذريًا في فهم الإنسان لذاته وعلاقته بالوجود. لقد أسس لفلسفة تضع الفرد في قلب التجربة الوجودية، بعيدًا عن كل ما يُفرغه من معناه الأصيل من مؤسسات جماعية أو أنظمة فكرية مغلقة. في عالمٍ تتزايد فيه الضغوط الاجتماعية والمؤسساتية، يُذكّرنا كيركجارد بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع عبر الألم والقلق والمواجهة الصادقة مع الذات. وهذا ما يجعل فلسفته ليست مجرد تنظير مجرد، بل صرخة أخلاقية وروحية في وجه التواطؤ مع السطحية والتكرار والنمطية.
لقد استطاع كيركجارد أن يعيد تعريف مفاهيم مثل الإيمان، الحرية، القلق، والاختيار، من منظور ذاتي عميق يربط بين الوجود الفردي والمعنى الروحي. فالفرد، في فكره، ليس رقمًا في جماعة ولا نتاجًا لبيئة أو تقاليد، بل مشروع مفتوح يُبنى بالقرار والمسؤولية. وفي زمن تُطغى فيه الأصوات الجماعية على النداء الداخلي للذات، يصبح حديث كيركجارد عن "الصدق الوجودي" دعوة إلى مقاومة الانصهار، والبحث عن الحقيقة الشخصية، لا كحالة من العزلة، بل كرحلة أخلاقية وإيمانية صعبة لكنها ضرورية.
كما أن مفهوم القلق عند كيركجارد لا يُمثّل عائقًا نفسيًا يجب تجاوزه، بل هو حالة تأسيسية تسبق الوعي بالحرية. إنه يدل على أن الإنسان بدأ يدرك أفق وجوده وعمق مسؤوليته. وهذا الطرح كان له تأثير حاسم على تطور الفكر الوجودي الحديث، حيث استلهم منه فلاسفة مثل هايدغر وسارتر رؤاهم حول الوجود والحرية والاختيار. ومع ذلك، تظل فرادة كيركجارد كامنة في خلفيته اللاهوتية، التي ترى أن الخلاص لا يتحقق إلا من خلال "قفزة الإيمان"، وهي لحظة وجودية لا يمكن تبريرها عقلانيًا، بل تُعاش بكل توترها الداخلي ومفارقتها.
إن تراث كيركجارد الفلسفي لا يزال حيًا وملهمًا، خصوصًا في عصرنا الذي يشهد أزمة في المعنى وتفككًا في المرجعيات الكبرى. فدعوة كيركجارد إلى عيش الذاتية الأصيلة، وتحمل عبء الحرية، والانفتاح على البعد الروحي للوجود، تمثل استجابة فلسفية راقية لمشكلات الإنسان الحديث. إنه لا يقدم أجوبة سهلة، بل يفتح أبواب التساؤل، ويضعنا أمام مرآة الذات، لنواجه حقيقة أننا وحدنا المسؤولون عن إنسانيتنا، عن خلاصنا، وعن الطريق الذي نختاره في هذا الوجود المعقّد.



#حسام_الحداد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الاجتهاد والمحاكمة: حين يُجرَّم الفكر تحت عباءة الغيرة ا ...
- -ثروة الأمم- لآدم سميث والأسس النظرية للاقتصاد الحر والرأسما ...
- داروين والتطور.. الحقيقة التي صدمت العالم
- -رأس المال- لكارل ماركس وتأثيره العالمي
- حرية الفكر بين ضرورة العقل وأوهام السلطة
- تحديات الديمقراطية في العالم العربي.. ثقافة الاستبداد وأفق ا ...
- محمود أمين العالم.. تاريخ من النضال والثورة والمعارك الفكرية
- هكذا تحدث فرج فودة (7): حول تطبيق الشريعة
- دير الأنبا صموئيل.. وفتاوى السلفيين والتحريض على قتل الاقباط
- الثقافة والحرف اليدوية
- جمال الغيطاني كما عرفته
- حالات.. بين الأنثى و الغياب
- بعد ان باعتهم الكنيسة رهبان دير الانبا مكاريوس يستغيثون بالر ...
- جائزة ساويرس ... الأقباط يمتنعون
- عالم من الغواية والعفة.. بين الواقع والأسطورة
- أحمد عبد المعطي حجازي وسؤال الثقافة!!
- الوقت.. المرأة
- إخوان الصفاء عصرهم ومراتبهم والموقف منهم
- محمد عمارة يتخذ مجلة الازهر منبرا لنشر التطرف وعدم قبول الآخ ...
- الشعر مسكون بالسياسة في فقه الغضب ليوسف مسلم


المزيد.....




- عائلات الرهائن الإسرائيليين تُطالب بإنهاء الحرب وتتّهم نتنيا ...
- مسؤولة: أمام ألمانيا ثلاث سنوات لتسليح جيشها لصد هجوم روسي م ...
- ترويكا.. الحلقة التاسعة
- قطار محمل بعدد هائل من الدبابات والمدفعية يتجه إلى العاصمة و ...
- فشل الخطة الامريكية الإسرائيلية للمساعدات واستعداد حكومة غزة ...
- رئيس بولندا المنتخب يعارض انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي
- الجيش الروسي يدمر 32 مسيرة جوية فوق مقاطعتي كورسك وأوريول خل ...
- شاهد.. الحي الذي نشأ فيه لامين جمال نجم برشلونة
- إلى أين يقود التصعيد الحالي الحرب الروسية الأوكرانية؟
- متظاهرون في باريس يطالبون بوقف حرب الإبادة في غزة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسام الحداد - كيركجارد: قلق الحرية ومحنة الوجود الفردي