أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية















المزيد.....

تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


سؤال الجمال بين المحلي والمركزي
منذ أن بدأت الحداثة الغربية في فرض أنساقها الثقافية والجمالية على العالم، ظلّت الكتابة العربية، في معظم تجلياتها النقدية والإبداعية، تتأرجح بين التماهي والتجاوز، بين التلقي والتأسيس. لقد ارتبطت الجماليات، بوصفها منظومة قيم وتصورات عن الفن والذوق والتلقي، في العالم العربي بمعايير مستوردة من الغرب، وخاصة تلك التي ارتبطت بحقول الفلسفة الجمالية الألمانية والفرنسية والأنجلو-أمريكية. لكن مع تصاعد الأسئلة النقدية حول المركزية الغربية ومشروعية التمثيل، ظهرت الحاجة الماسّة إلى إعادة النظر في مفهوم "الجماليات" ذاته، ومساءلة بنياته، بحثًا عن إمكانية تأسيس جماليات عربية جديدة تتجاوز هذه المركزيات دون الوقوع في فخ الانغلاق الثقافي أو النوستالجيا التراثية.

أولًا: المركزية الغربية ومآزق التلقي العربي

عبر العقود، تم تصدير النموذج الجمالي الغربي بوصفه معيارًا عالميًا لقراءة الفن والأدب. فكانت نظريات مثل الشكلانية الروسية، البنيوية الفرنسية، أو حتى التفكيكية، تتصدر المشهد النقدي العربي، ويعاد إنتاجها أحيانًا في سياقات عربية لا تشبه سياق نشأتها. أدى هذا التبني إلى هيمنة تصورات "كونية" للجمال، تم إخضاع النصوص العربية لها بوصفها نماذج "ناقصة" أو "قاصرة" عن تحقيق الشرط الجمالي كما تراه النظريات الغربية.

غير أن هذا التلقي لم يكن بريئًا، فقد فرض علاقات قسرية بين النص العربي ومفاتيح قراءته، وأقصى أنساقًا تعبيرية محلية تتجلى في الشعر الشعبي، والزجل، والحكاية، والمراثي، والمواويل، وسرديات النساء، باعتبارها "هوامش" لا تليق بالتأطير الجمالي الحديث. وهكذا تشكّلت فجوة بين الذائقة العربية ومصادرها التاريخية، وبين معايير الحكم الجمالي المستوردة، مما ولّد شعورًا بالاغتراب المعرفي والجمالي في أوساط كثيرة من المنتجين والمستهلكين للخطاب الثقافي.
ثانيًا: ملامح الجماليات العربية الكامنة
بعيدًا عن نماذج الهيمنة، يمكن القول إن هناك "جماليات عربية كامنة"، غير مصاغة نظريًا بالكامل بعد، لكنها تتجلى في الممارسة النصّية والسردية، وفي أشكال التعبير المحلي، وفي التقاليد الفنية الشفوية والمكتوبة، التي تحمل رؤية مختلفة للعالم، وللإنسان، وللعلاقة بين الذات والمجتمع، بين اللغة والواقع، بين الفن والحياة.
إن الشعر العربي، القديم والحديث، يحتكم إلى حساسية جمالية تختلف عن النموذج الغربي الكلاسيكي في بناء الصورة والإيقاع. وتتمثل الجمالية العربية مثلًا في العلاقة المعقدة بين الصوت والمعنى، في هيمنة التكرار لا بوصفه فقرًا بل بوصفه موسيقى للذاكرة. كما تتجلى في النزعة الحكمية والتأملية، وفي تعدد مستويات التلقي من الجماهيري إلى النخبوي. أما في السرد، فثمة حضور لافت لبلاغة الاستطراد، والمونولوج الداخلي، والزمان غير الخطي، وهي خصائص لا تتطابق مع معيار "الوحدة العضوية" أو "البنية المحكمة" التي تعززها نظريات غربية.
وإذا أضفنا إلى ذلك الفنون الشعبية، من الحكاية الشفهية إلى فنون الأداء والإنشاد، فسنكتشف تراثًا تعبيريًا غنيًا قائمًا على تفاعل جماعي بين الراوي والجمهور، وعلى جسدانية التجربة الفنية، وعلى انصهار المقدس واليومي، وهي عناصر تتطلب أدوات تحليلية جديدة تختلف جذريًا عن أدوات التحليل البنيوي أو التفكيكي.
ثالثًا: نحو تأسيس نظرية جمالية عربية

السؤال هنا ليس في نفي أو رفض ما أنتجته الفلسفة الجمالية الغربية، وإنما في مساءلتها من موقع التفاعل والتباين، والسعي لبناء مشروع نقدي عربي يقوم على:
ـ تفكيك المركزيات الغربية، لا عبر الخطاب الإيديولوجي، بل من خلال مقاربة نقدية لمقولاتها وتاريخها وسياقها الخاص، والكشف عن تواطؤها مع سرديات الاستعمار الثقافي والتفوق المعرفي.
ـ إعادة الاعتبار للأنماط التعبيرية المهمشة في الثقافة العربية، من حكايات الجدّات إلى المدائح الصوفية، ومن الملاحم البدوية إلى قصائد النثر، بما هي أدوات لبناء حساسية جمالية مغايرة.
ـ توسيع مفهوم الجمالي ليشمل التداخل بين الفن والحياة، بين الشعر والسياسة، بين السرد والتاريخ، بين اللغة والجسد، وهو ما يفتح المجال لتعددية جمالية تعترف بتنوع الذائقة وتغير الذهنية.
ـ تأصيل مفاهيم نقدية عربية، لا بمعنى استنساخ التراث، بل عبر استعادة المفاهيم الفاعلة في الأدب القديم مثل "الطرب"، "البيان"، "الإعجاز"، "الوجد"، وقراءتها بلغة معاصرة تسمح بتوسيع النظرية الجمالية دون التماهي مع مركزيات خارجية.
ـ جماليات ما بعد المركزية – بين المحلي والعالمي
إن المشروع الجمالي العربي لا يمكن أن ينجح إلا إذا تحرر من ثنائية الأصالة والمعاصرة، وعبر عن نفسه بوصفه جزءًا من "جماليات ما بعد المركزية"، التي تقر بتعدد المراكز، وتفكك الهويات الجمالية الكبرى، وتحتفي بالهجين، بالتعددي، بالهامشي. إن جمالية عربية ما بعد مركزية ليست انغلاقًا على الذات، بل إعادة تعريف للذات في ضوء الآخر، وتجاوز لفكرة التبعية أو القطيعة، لصالح علاقة نقدية واعية، تُعيد رسم الخريطة الجمالية العالمية من جديد.
وقد بدأت ملامح هذا المشروع تتجلى في بعض التجارب الإبداعية العربية الحديثة، سواء في الشعر الجديد الذي يتكئ على تجربة يومية حميمية، أو في الرواية التي تعيد كتابة التاريخ من موقع الضحية، أو في السينما التي تحتفي بالجسد والفراغ واللغة، أو حتى في الفنون التشكيلية التي تستعيد رموزًا بصرية من الموروث الشعبي. هذه كلها محاولات تؤسس لوعي جمالي جديد، ليس تابعًا ولا متعاليًا، بل متجذرًا في الأرض ومتصلًا بالكون.
نحو أفق مفتوح للجماليات
تأسيس جماليات عربية جديدة لا يعني اختراع نظرية مغلقة، بل تحرير الجمال من احتكارات المراكز، ومن استلاب السياقات. هو مشروع طويل ومعقد، يتطلب من النقاد والكتّاب والمفكرين العرب إعادة بناء العلاقة بين المفهوم والممارسة، بين المحلي والعالمي، بين الذاكرة والحداثة. إنه نداء لكتابة الجمال بلغة جديدة، تنبثق من الهامش، وتعيد للهوية العربية مكانها في خارطة الفن العالمي، لا كمستهلك للمعايير، بل كمنتج للدهشة والمعنى.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النسق الثقافي بين بيير بورديو وإدوارد سعيد وعبد الله الغذامي
- -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا
- توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...
- **الرواية ما بعد الحداثية: الجماليات والأساليب السردية
- اللغة والفكر: ملاحظات نقدية على -قلق الجندر- لجوديث بتلر
- جوليا كريستيفا: رائدة نسوية وفيلسوفة تتحدى جميع الأنساق الثق ...
- ال -nonfiction- من المذكرات والسير إلى البودكاست
- فلسفة الجسد في المسرح التجريبي
- الرواية والذكاء الاصطناعي: تحولات في الأدب والأساليب السردية ...
- الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية في الرواية
- روايات أدب الرعب: لماذا هي الأكثر مبيعًا بين الشباب؟
- مسلسل- فاتن أمل حربي- وال - ستريو تايب-
- فلسفة الميتافيرس ومستقبل البشرية
- بث الحياة في الماضي: كيف يمكن للروائيين الجدد أن يستلهموا ال ...
- تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات الثقافية
- التنمية المستدامة في عصر ال A I
- فلسفة التأمل الداخلي..الغوص عميقا داخل الذات
- قراءة في رواية- ثلاث طرق للسعادة- د. عمار علي حسن
- تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الفن التشكيلي والتصميم الجرافيت ...


المزيد.....




- مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- فيلم -فلو- يتجاوز 57 مليون دولار في إنجاز غير مسبوق للرسوم ا ...
- -سوذبيز- تطرح سترة سينمائية شهيرة من الثمانينيات بمزاد علني. ...
- رحيل الفنانة العراقية غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة ...
- هيئة محلفين أمريكية تفشل في إصدار حكم ضد المنتج السينمائي ها ...
- صيف 2025 السينمائي.. منافسة محتدمة وأفلام تسرق الأضواء
- آدم نجل الفنان تامر حسني يدخل العناية المركزة إثر أزمة صحية ...
- فضيحة جديدة تهز الوسط الفني في مصر (فيديو)
- مخرج أفلام إباحية كان من بين أكثر المطلوبين لـ FBI يقر بالذن ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية