جهاد عقل
(Jhad Akel)
الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 14:06
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
مع إفتتاح الدورة ال 113 لمؤتمر العمل العالمي في الثاني من حزيران الجاري (يستمرالمؤتمر من 2- 13 حزيران 2025) ،أصدر الأتحاد الدولي للنقابات العمالية من مقره في بروكسل تقريره الذي يعرف بعنوان "مؤشر الحقوق العالمية 2025”، تحت عنوان مثير للقلق بالنسبة لوضع العمال والنقابات العمالية في عالمنا. بل فيه تأكيد على الخطر القائم بالنسبة للعمال في ظل الرأسمالية المتوحشة ، التي تقودها في الآونة الأخيرة حكومات يمينية معظمها متطرفة ، تدعم قوى رأس المال وتعادي الطبقة العاملة عامة وجاء عنوان هذا التقرير بما يلي:”انهيار حقوق العمال في جميع أنحاء العالم"، والقضية ليست مجرد عنوان ، فعندما نطالع مجمل المعطيات الواردة في التقرير، يتأكد لنا أن وضع النقابات العمالية والعمال خاصة في قلب الدول الرأسمالية خاصة،حدث فيه تدهور حقيقي فيما يتعلق بحقوق العمال "بشكل حاد في جميع قارات العالم".
كما يُشير التقرير الى ما حدث من تدهور في دول وقارات لم يسبق لها أن شملت في تقارير سابقة منذ عقد واكثر من الزمن ،"حيث سجّلت أوروبا والأمريكيتان أسوأ درجاتهما منذ بدء المؤشر في عام 2014. والآن، حصلت سبع دول فقط على أعلى تصنيف وهو 1 في احترامها لحقوق العمال، مقارنة بـ 39 دولة حصلت على 5”.
كما تتضمن النتائج الرئيسة للتقرير ما حدث من تدهور في أوروبا والولايات المتحدة خاصة حيث جاء ما يلي :"شهدت ثلاث من أصل خمس مناطق عالمية تدهورًا في الأوضاع؛ حيث سجلت الأمريكيتان (3.68) وأوروبا ( 2.78) أسوأ درجاتهما على الإطلاق. وواصلت أوروبا تدهورها السريع من 1.84 في عام 2014، وهو أكبر انخفاض تشهده أي منطقة حول العالم خلال السنوات العشر الماضية”.
كما كشف التقرير على أنه من "بين 151 دولة شملها الاستطلاع، حصلت سبع دول فقط (أقل من 5%) على تصنيف من الدرجة الأولى وهو 1 ــ بانخفاض عن 18 دولة قبل عقد من الزمان" .
هذه المعطيات المخيفة بالنسبة للطبقة العاملة وللنقابات التي تمثلها،هي نتاج سياسات رأسمالية قامت بتنفيذ خططها خلال الفترة الأخيرة ، ضمن ما أُطلق عليه "خطط إشفاء " ومرونة إدارية " وغيرها من المصطلحاتالرأسمالية التي تمكنت تلك القوى والتي تتحكم بالإقتصاد العالمي ، مثل الشركات العولمية ، والمتنفذين من أصحاب الملياردات في أروقة الحكم الراسمالي وحكوماته من تنفيذها.
أسوأ 10 دول للعمال ليس فقط
يكشف التقرير عن حال العمال في أسوأ عشرة دول من بين ال 151 دولة التي شملها استطلاع التقرير وهي :”بنغلاديش ، بيلاروسيا ، الإكوادور ، مصر ، إسواتيني ، ميانمار ، نيجيريا (جديد)، الفلبين ، تونس ، وتركيا". وأن :”أسوأ منطقة في العالم بالنسبة للعاملين هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، بمتوسط تقييم 4.68” وفق المؤشر الذي يشمله التقرير.
كما وتم "تسجيل حالات وفاة بين النقابيين في الكاميرون وكولومبيا وغواتيمالا وبيرو وجنوب أفريقيا".
وفي 12 دولة ، تدهورت الأوضاع بشدة بسبب الصراعات وما رافقها من انهيار سيادة القانون، لدرجة أنها حصلت الآن على أدنى تصنيف ممكن وهو 5+. وهذه الدول هي: أفغانستان ، وبوروندي ، وجمهورية أفريقيا الوسطى ، وهايتي ، وليبيا ، وميانمار ، وفلسطين ، والصومال ، وجنوب السودان ، والسودان ، وسوريا ، واليمن" .
بينما لم تشهد سوى ثلاث دول تحسناً في تصنيفها بحلول عام 2025: أستراليا (2)، والمكسيك (3)، وسلطنة عمان (3).وتتمتع سبع دول بتصنيفات أسوأ: الأرجنتين (4)، كوستاريكا (4)، جورجيا (4)، إيطاليا (2)، موريتانيا (5)، النيجر (4)، بنما (4).
75% من البلدان تستبعد العمال من حق إنشاء نقابة أو الانضمام إليها.
74% من البلدان تعيق تسجيل النقابات.
45% من البلدان تفرض قيودًا على حرية التعبير والتجمع.
في 71 دولة تم اعتقال واحتجاز العمال. كما تعرض العمال للعنف في 40 دولة .
إنتهاك حق الإضراب والمفاوضة
لم يكن هذا التدهور في وضع العمال وفي علاقات العمل محض صدفة بل هو كان نتاج إنتهاج سياسات حكومية ، إعتمدت على المسار الرأسمالي النيوليبرالي ، والذي يعتمد على معاداة حقوق العمال وإتخاذ تشريعات مناهضة لحقوق العمال مثل حق الإضراب وحتى الحق بالمفاوضة الجماعية ومن ثم التضييق على حرية التنظيم النقابي.
كنا تابعنا ما قامت به بعض الدول من إتخاذ تغييرات في قوانين العمل لديها ، بحيث تجرأت على وضع عراقيل أمام العمال في إمكانية القيام بإستعمال حق نضالي أساسي ، ألا وهو ، حق الإضراب ، بإدعاء أن العمال ونقاباتهم يعلنون الإضراب دون الأخذ بالحسبان قضية "المصلحة الوطنية"، وهنا يؤكد التقرير أن 87% من الدول "انتهكت حق الإضراب، و 80% إنتهكت حق المفاوضة الجماعية، كما
كان "وصول العمال إلى العدالة مقيدًا في 72% من البلدان، وهو أسوأ مستوى تم تسجيله على الإطلاق”.
الخطر داهم ولا بد من النضال لإسقاطه
مع أن التقرير أو "المؤشر" أشار الى تدهور الوضع في كل من أوروبا وأمريكا الجنوبية ومن ثم الشمالية وقيادة الأخيرة من قبل دونالد ترامب ، نستطيع أن نقول أننا نعرف ما يجري من معاداة للعمال وحقوقهم ونقاباتهم في أمريكا الجنوبية ، في ظل الحكومات الدكتاتورية والعسكرية ، وممارسة هؤلاء سياسات منع الحريات النقابية ، والقيام بإعتقال وسجن النقابيين وحتى القيام بإغتيالهم دون رادع (أنظر أعلاه)، كل ذلك جرى ويجري في ظل الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة على تلك الدول والحكومات ، بالرغم من أن تلك الممارسات منافية لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية ، التي تدعي أمريكا بأنها حامية لها!!.
لكن المثير للإنتباه في هذا المؤشر أنه لم يتناول بتوسع ما يجري من خطوات معادية للعمال والنقابات في الولايات المتحدة الأمريكية منذ صعود الرئيس الحالي الى سدة الحكم ، أي دونالد ترامب ، وما قامت به إدارته من فصل تعسفي لمئات آلاف العاملين في مختلف المهن والوظائف ، والأخطر من ذلك السماح للرأسمالي أيلون ماسك وغيره من الرأسماليين الإطلاع على الملفات الشخصية للعاملين الأمر الذي ينافي حقوق الإنسان والمواثيق الدولية عامة.
أصحاب المليارديرات أم العمال؟
بعد نشر هذا التقرير ، وفي ظل ما يتعرض له أبناء الطبقة العاملة في عالمنا عامة وفي الدول التي كانت تعتبر نفسها غير معادية للتنظيم العمالي النقابي قامت الإتحادات النقابية العالمية التي تُشَكّل "الإتحاد الدولي للنقابات العمالية" بحملة إعلامية للكشف عما تقوم به هذه القوى الرأسمالية تحت شعار " إنقلاب المليارديرات في مواجهة ديمقراطية العمال ، من يقرر مستقبلنا ؟ ال 0,0001% -أم نحن؟ "، والمطالبة بالتوقيع على عقد إجتماعي جديد ، يضع النقاط على الحروف بخصوص حقوق العمال ،خاصة وأن الحكومات وأصحاب العمل في منظمة العمل الدولية يطالبون بإلغاء بند حق الإضراب ،الذي جاء في اتفاقية منظمة العمل رقم 87 والذي يؤكد أن للعمال "حرية التنظيم وحماية الحق في التنظيم، وحق الإضراب كجزء من هذه الحرية. هذه الاتفاقية تؤكد على أن منع الإضرابات يقلل من قدرة النقابات على الدفاع عن مصالح أعضائها، ولا يتوافق مع مبادئ الحرية النقابية.
وعليه يؤكد المؤشر أو التقرير أنه :”إذا استمر هذا التراجع، فلن يبقى في العالم خلال عشر سنوات أي بلد يتمتع بأعلى تصنيف في احترام حقوق العمال. إنها فضيحة عالمية، لكنها ليست حتمية؛ إنه قرار متعمد يمكن التراجع عنه”. لهذا السبب، "يكشف الاتحاد الدولي لنقابات العمال عن الهجمة المُنسَّقة التي يشنها فاحشو الثراء وحلفاؤهم السياسيون للتلاعب بالاقتصادات ضد العمال. وليس من المحتم أن تتدهور حقوق العمال في مؤشر الحقوق لعام 2026.”
النضال من أجل المُستقبل هو الطريق
ولم يتردد النقابي لوك تراينجل الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات في تعقيبه على التقرير القول :”يكشف مؤشر الحقوق العالمي الصادر عن الاتحاد الدولي للنقابات لعام 2025 عن نتائج خيانة النظام الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تأسس على الديمقراطية وحقوق النقابات والعدالة. لقد تعاونت الحكومات على مدى عقود من إلغاء القيود التنظيمية، والليبرالية الجديدة، والإهمال، مما أدى إلى انهيار حقوق العمال. وقد أدى ذلك إلى حرمان الملايين من حقوقهم، ومهد الطريق للتطرف والاستبداد، وانقلاب المليارديرات على الديمقراطية الذي يهدد الآن الديمقراطية نفسها”.
وأضاف :”معًا، من خلال نقابات قوية ومستقلة وديمقراطية تُلبّي احتياجات الجميع، يُمكننا استعادة السلطة، وإعادة بناء اقتصادات تخدم الناس لا الشركات، والمطالبة بمؤسسات دولية تُحاسب من وُجدت لحمايتهم. تُناضل حركتنا يوميًا من أجل هذا المستقبل - ويجب أن يُظهر مؤشر العام المقبل بداية تغيير حقيقي.وإذا استمر الاتجاه الحالي، فلن تتمكن أي دولة من الحصول على تصنيف 1 خلال السنوات العشر المقبلة”.
ومن المقرر أن يجري بحث نتائج هذا التقرير في العاشر من حزيران الجاري في مؤتمر منظمة العمل الدولية الجاري حالياً في جنيف بجلسة خاصة، وستتضمن الجلسة شهادات من ممثلي النقابات العمالية من بعض أسوأ دول العالم بالنسبة للعمال،كلنا أمل بأن تسفر تلك الجلسة عن نتائج إيجابية بهذا الخصوص.
#جهاد_عقل (هاشتاغ)
Jhad_Akel#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟