أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد وجدي - هل الميول تبرّر الأفعال؟ تأملات فلسفية في مسألة المثلية والاحتكام إلى الطبيعة














المزيد.....

هل الميول تبرّر الأفعال؟ تأملات فلسفية في مسألة المثلية والاحتكام إلى الطبيعة


محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)


الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 18:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المقدّمة:

يُطرح اليوم، في كثير من النقاشات الثقافية والحقوقية، سؤال حول المثلية الجنسية: "أليست ميولًا طبيعية؟" ويُراد من هذا الطرح أن يُنهي الجدل الأخلاقي حولها بمجرد وصفها بأنها جزء من "الطبيعة". لكن هل وجود ميول في الطبيعة يقتضي بالضرورة قبولها أو اعتبارها أخلاقية؟ وهل الطبيعة تصلح أن تكون مرجعًا للحكم على ما هو صالح للإنسان فردًا ومجتمعًا؟

هذا المقال لا يهدف إلى التحريض أو الإدانة، بل إلى فتح باب النقاش الفلسفي الهادئ، انطلاقًا من تساؤل مشروع: هل الميول، وحدها، تكفي لتسويغ الأفعال؟


---

أولًا: بين الطبيعي والأخلاقي

حين يُقال إنّ المثلية ميول طبيعية، ينبغي أولًا أن نُميّز بين ما هو (موجود في الطبيعة)، وبين ما هو (مقبول أخلاقيًا) أو (صالح إنسانيًا).
فالطبيعة تضمّ القتل والتكاثر، المفترس والفريسة، كما تضمّ مظاهر الرحمة والتعاون. فهل نقبل كل ما في الطبيعة؟ أم أن للعقل البشري وظيفة أخرى تتجاوز مجرّد التلقي؟
إنّ وجود الميول لا يُضفي على الأفعال صفة القبول، وإلا لكان لكل غريزة تبريرها الأخلاقي، حتى الغضب والعنف والخيانة.


---

ثانيًا: مغالطة الاحتكام إلى الطبيعة

الفلسفة الحديثة حذّرت من مغالطة منطقية معروفة تُسمى "الاحتكام إلى الطبيعة" (Appeal to Nature)، وهي أن نقول:

"هذا السلوك طبيعي، إذًا هو جيد."
وهذا خطأ.



كما قال الفيلسوف جورج إدوارد مور (G.E. Moore):

"أن نقول إن شيئًا ما (جيد) فقط لأنه (طبيعي) هو خطأ منطقي."
الغيرة، حب السيطرة، الرغبة في الانتقام... كلها ميول طبيعية، لكن لا أحد يطالب بتشريعها أو اعتبارها فضيلة.




---

ثالثًا: ما قاله الفلاسفة

أفلاطون (Plato):
في "الجمهورية"، يفرّق بين ثلاثة عناصر في النفس: العقل، الروح، والشهوة. ويعتبر الإنسان العادل هو من يجعل العقل قائدًا، لا الشهوة.

"العدالة في النفس أن تكون الأجزاء الثلاثة في تناغم، وأن يقودها العقل."



أرسطو (Aristotle):
في "الأخلاق إلى نيقوماخوس"، يُشدد على أن الأخلاق تقوم على الفضيلة، والفضيلة هي الوسط بين الإفراط والتفريط.

"ليست كل رغبة تَستحق الاتباع. على الإنسان أن يختار ما يليق بعقلٍ سليمٍ ونفسٍ فاضلة."



إيمانويل كانط (Immanuel Kant):
رفض بناء الأخلاق على الرغبات والميولات، ودعا إلى الانضباط العقلي والواجب الأخلاقي.

"تصرّف دائمًا على نحوٍ يمكن لفعلك أن يُصبح قانونًا عامًا."
فلو اتبع كل إنسان شهواته، دون ضابط عقلاني، لتفكك المجتمع، وانعدمت المسؤولية الأخلاقية.




---

رابعًا: معيار الصواب لا يُختزل في الميل

القول إن المثلية ميول طبيعية لا يُنهي النقاش، بل يفتحه:

ما الذي يُحدّد المقبول من الميول؟

هل المعيار هو القانون؟ أم العُرف؟ أم الدين؟ أم العقل؟

وإذا سلّمنا أن الميل معيار كافٍ، فبأي حق نمنع علاقات أخرى غير تقليدية أو مدمّرة باسم الأخلاق أو الصحة النفسية أو المصلحة الاجتماعية؟


الإنسان لا يُختزل في رغباته. وجود الرغبة لا يعني بالضرورة وجوب إشباعها.


---

الخاتمة:

حتى لو افترضنا أن المثلية ميول طبيعية، فإنّ الميول ليست معيارًا للصواب.
الإنسان كائن عاقل وأخلاقي، لا مجرد كائن شهواني.
والكرامة الإنسانية تكمُن في القدرة على مقاومة الأهواء، لا الخضوع لها.
إنّ اختزال الإنسان إلى ميوله، وتسويغ الأفعال بناءً على الرغبات، يُفرّغ الأخلاق من معناها، ويجعلنا عبيدًا لما نشتهي، لا أحرارًا بما نختار.



#محمد_وجدي (هاشتاغ)       Mohamed_Wagdy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سرُّ الأربعاء-
- ما بين واحد والآخر
- ثوبكِ المزيان
- روحٌ منيرةٌ
- ماذا على ؟؟؟ - شعر
- إلى تونسية - شعر
- قيد
- في البدء
- بوست للفخر والشكر
- فلسفة الصلاة في حياة بولس الرسول : ج 1
- - أعطيني لأشرب -
- يا أيها المزمل - شعر
- المسيح ولعازر - هكذا تكلم يسوع
- المسيح واللصوص
- فراق
- الدلعدي فيكتور هوجو والتغيير
- الذبائح والقرابين، ومدلولها في العهد الجديد
- هل تكلم القرآن عن الانفجار العظيم ونشأة الكون ؟
- سيمبا - أبوك عايش جواك
- هل غُلِبَت الروم نبوة شاهدة على صدق النبي؟


المزيد.....




- فيديو رد فعل مدير FBI لحظة سماع -قنبلة- ماسك عن اسم ترامب -م ...
- إيلون ماسك يحذف تدويناته التي شن فيها هجوما لاذعا على ترامب ...
- زائر غير مرحّب به.. تمساح ضخم يتجوّل في قلب مدينة سياحية بتك ...
- شاهد كيف ردت ناشطة تبحر الى غزة على تغريدة ساخرة لسيناتور أم ...
- عشرات القتلى في غزة في ثاني أيام العيد، بينهم 5 أثناء محاولت ...
- البنتاغون يحقق في حذف محادثات هيغسيث على منصة سيغنال حول الض ...
- المبعوث الأمريكي إلى سوريا: موقف ترامب تجاه دمشق مفعم بالأمل ...
- الجيش الإسرائيلي يعترف بنقص حاد في عدد جنوده
- مصر.. طالب أزهري ينهي حياته خوفا من عقاب والده
- طهران تندد بمنع الولايات المتحدة دخول الإيرانيين


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد وجدي - هل الميول تبرّر الأفعال؟ تأملات فلسفية في مسألة المثلية والاحتكام إلى الطبيعة