أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكمت الحاج - كراس كوابيس أدورنو















المزيد.....

كراس كوابيس أدورنو


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 18:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


* كراس الكوابيس..
"أدورنو في متاهة اللاوعي: تمارين في اليقظة الليلية"
"الحلم أسود مثل الموت." — تيودور ف. أدورنو

# في يناير من عام 1956 كتب تيودور ف. أدورنو في دفتر ملاحظاته: "أحلامنا ليست مرتبطة ببعضها فقط لأنها أحلامنا ، بل إنها تكوّن أيضًا نوعًا من الاستمرارية، تنتمي إلى عالم موحّد، كما لو أن جميع قصص كافكا تدور في ’عالم واحد’. ولكن كلما زاد ترابط الأحلام أو تكرارها، زاد خطر ألا نتمكن من التمييز بينها وبين الواقع."
من النادر أن نواجه في تاريخ الفكر الفلسفي نصوصاً تمنحنا هذا القرب الحميم من عقلٍ كان يُعرَف بتجريده وتعقيده ونزعته السلبية الجذرية. في "كراس الكوابيس" (أو بشكل أدق في ترجمة العنوان، "يوميات الأحلام")، يكشف تيودور أدورنو عن نفسه لا كمنظّر صارم للحداثة أو ناقد للثقافة الجماهيرية فحسب، بل ككائن ليلي هشّ، تتقاطع في مخيلته الهواجس الشخصية مع الرموز الجمعية، وتتكثّف فيها أسئلة الموت، الخيبة، الذنب، والأمل، في صور حلمية خاطفة.
"يوميات الأحلام"، أو كما أسميناه نحن "كراس الكوابيس" هو عمل شخصي وفريد ضمن إرث أدورنو، ويكشف عن جانب قلّما يُرى من هذا المفكر الذي ارتبط اسمه بالصرامة النقدية والنظرية الاجتماعية المعقدة. في هذا الكتاب، نقرأ سلسلة من الأحلام التي سجّلها أدورنو لنفسه بنفسه خلال حياته، جاء أغلبها في شكل شذرات مختصرة، تتراوح بين السريالي، الطريف، المفزع، والعميق.
لا يسعى أدورنو إلى تأويل أحلامه أو موضعتها داخل منظومة معرفية أو نفسية، بل يدوّنها كما وردت، مبتعداً عن أي إطار تحليل فرويدي أو بنيوي. وهذه المفارقة بحد ذاتها تفتح مجالاً جديداً للقراءة: فالفيلسوف الذي ظلّ يؤكد على فشل الكليّات وانكسار التجربة تحت ضغط النظام الرأسمالي، يترك في الليل حريّة لخياله ليعيد ترتيب الواقع وفق قوانين اللاعقل واللااتساق.
في هذا الكتاب بعنوانه "يوميات الأحلام" Drömdagbok للفيلسوف والناقد الاجتماعي تيودور ف. أدورنو، نقدمه لكم اليوم في ترجمته السويدية الصادرة عن دار Nirstedt/Litteratur لعمل لم يُنشر إلا بعد وفاة أدورنو، ضمن ما يعرف اصطلاحا بالنشر ما بعد الوفاة، قامت بالترجمة عن الألمانية: آنا بيترونيلا فولتيير،حيث يضم رؤى ليلية دوّنها أدورنو على مدى أكثر من عقدين ونيف، وفيها لا يحاول أدورنو تأويل أحلامه، بل يكتفي بتسجيلها، تاركاً لها حرية التعبير عن نفسها خارج قيد التحليل المنهجي. تتيح هذه المقتطفات نافذة نادرة على اللاوعي الشخصي والفلسفي لرجل اشتهر بأعماله حول الجماليات والحداثة والسلطة.
ليست أحلام أدورنو سرداً عادياً لمشاهد من نوم، بل هي وثائق وجودية. إنها تكشف انحرافات الوعي نحو المناطق الأكثر هشاشة في الذات. نرى كيف تظهر شخصيات مثل يورغن هابرماس، كارل كراوس، وحتى المرأة التي يقترح معها الانتحار الجماعي، ليس كمجرد رموز فكرية أو عاطفية، بل كأصداء داخلية لقلق أبدي. يتجلى هنا اللاوعي الفلسفي لأدورنو، الذي لم يكن يوماً مفصولاً عن حياته الداخلية، بل كان متداخلاً مع انفعالاته ومخاوفه.
بهذه اليوميات، يقدّم أدورنو مساهمة نادرة في "أدب الحلم"، أو "فن تدوين الأحلام"، لا بوصفه جنساً أدبياً مستقلاً، بل بوصفه بُعداً نقدياً غير متوقع في مشروعه الفلسفي الأشمل. هي يوميات لا تشرح العالم بل تشوّشه، لا تنظم المعنى بل تكشف هشاشته. ولذلك، فهي أكثر صدقاً من أي أطروحة ممنهجة، لأنها تُكتب حيث لا رقابة ولا نوايا تفسيرية. هي باختصار، تمارين في اليقظة الليلية، أين تبدو الأحلام عنيفة ومغلقة وغير قابلة للتأويل.
تيودور ف. أدورنو (1903–1969) (Theodor W. Adorno) هو من أكثر مفكري القرن العشرين تأثيرًا. كان لأعماله الدور حاسم في الفلسفة وعلم الاجتماع، بل وكان أكثر ريادة في فهم الجماليات والمجتمع المعاصر.
ولكن، ورغم الطابع الحميمي والذاتي للكتاب هذا، فإن "يوميات الأحلام" ليست مجرد مذكرات حلم عادية. بل إن هذه النصوص تتقاطع بعمق مع المنظومة الفلسفية الأدورنية، خصوصًا فيما تعلق بمفهوم اللاوعي الثقافي وتأثيره على الذات الحديثة. كذلك في ما له علاقة بالديالكتيك السلبي، عندما يظهر الحلم كفضاء لا يخضع للتماسك المنطقي، مما ينسجم مع رفض أدورنو للمفاهيم المطلقة أو المكتملة.
وإذا ما نظرنا إلى الأمر من مقترب النقد الثقافي وفكر الحداثة، فإن بعض الأحلام تبدو وكأنها انعكاس مشوّه للثقافة الاستهلاكية أو الفاشية أو العلاقات البيروقراطية. هذا بينما يكشف لنا الكتاب عن استخدام أدورنو للأحلام كأداة للتفكير النقدي، دون أن يخضعها لتحليل نفسي من النمط الفرويدي الكلاسيكي. بل ويقدم نظرة نادرة إلى الذات الكاتبة، وهو أمر نادر عند أدورنو الذي كان عادة يخفي ذاته خلف التجريد الفلسفي. وأخيرا وليس آخرا، يكشف "يوميات الأحلام" ذلك التوتر بين الذات والمجتمع، وبين الرغبة والقمع، وبين التجربة الجمالية والتجربة اليومية.

# مقتطفات من أحلام أدورنو وكوابيسه، كما وردت في الكتاب: /

1> "رأيت نفسي أكتب مقالة عن شيء لم أفهمه. ثم استيقظت وأدركت أنني كتبتها حقاً."

2> "تأمّل في غموض الحلم.
لغزٌ كهذا لا يحتاج إلى حلّ.
إنه يربكنا. كأن ثمة لغزاً هنا.
لماذا يجب أن يكون الحلم أكثر غموضًا من الطاولة؟
لماذا لا يكون الاثنان غامضين على قدم المساواة؟"
— لودفيغ فيتغنشتاين (اقتباس)

3> أنا و(صديقتي) ناقشنا خطة تقضي بأن نُنهي حياتنا معًا. في ذاكرتي، يبدو أن الفكرة كانت فكرتها هي أولاً، وقد وافقتُ على الفور، وشاركتْ فيها بحماسة بطريقتها الجريئة المعتادة. تحدثنا عن أننا، سنقفز معاً من برج عالٍ،
لكننا قررنا لاحقًا ألا نفعل ذلك. في النهاية قالت: "إذا كان لا بد، فسأحاول أن أفعلها معك.". كلمة "أحاول" أعطتني انطباعاً بأنها لم تكن جادة فعلاً. استيقظت وأنا أشعر بخيبة أمل تحولت لاحقًا إلى رعب.

4> في الليلة نفسها، وكأنه يستند إلى خبرته التحليلية، قال لي هابرماس: "من الخطير جدًا أن ينغمس الإنسان داخليًا في ما يهزه ويُزعجه؛ فبهذه الطريقة من السهل أن يتطوّر الأمر إلى سرطان يصيبه."

5> "في الليلة التي سبقت المواجهة الحاسمة مع شارلوت، رأيتُ حلمًا.
وعندما استيقظت، كانت هذه الكلمات الأخيرة لا تزال ترنّ في رأسي:
"أنا شهيدة السعادة."

6> "ظهرت أغاثا في الحلم وقالت لي شيئًا كهذا: كارل كراوس كان بلا شكّ، الأظرف والأكثر روحانية من بين كل الكتّاب. لا يظهر ذلك إلا عندما تقرأ دفاتر ملاحظاته التي عُثر عليها بعد وفاته، إنها تحوي نكاتاً مذهلة. سأعطيك مثالاً: أرسل له أحد المعجبين هدية ضخمة من حلوى بودنغ الأرز، لكنها كانت فظيعة جداً فقد فاضت عن الوعاء، وحبوب الأرز تحولت إلى فوضى عارمة. غضب كراوس وكتب: "لم يكن بودنغاً حقيقياً، بل كانت عجوزًا عادية." ضحكت بشدة على هذه النكتة المفترضة العبقرية عندما استيقظت (في الصباح)."



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظل والعاصفة
- بين ضجر الملوك ووجع الهزيمة
- جثة تفكر: قراءة فوكويّة في رواية نزار شقرون “أيام الفاطمي ال ...
- حينما يصبح الشعر نشيدا للإنسان، ونشدانا للحرية والانعتاق
- هوروسكوب
- أميلكار، هانيبال وقرطاج، في رواية تونسية جديدة..
- أوسكار وايلد وصادق هدايت في مسلسل عربي
- رعد عبد القادر باللغة السويدية: الصقر مع الشمس بأجنحة الشعر ...
- نحو سرد موجز، نحو رواية ليست طويلة..
- نظرة ما إلى قواعد اللعبة: من المحيط إلى المركز
- ترابكَ
- لا ترمني بوردة
- نحو رواية قصيرة
- تحديات جديدة أمام المسرحيين في عالم اليوم: نحو علاقة حيوية م ...
- تمر الشمس في برج الحمل
- عناصر السيميولوجيا أخيرا
- رباعيات العواطف: عندما يكون الشعر منتظماً وحُراً في آنٍ
- أساطير الأم بين عشتار وآتروبوس
- من النَّظْم إلى المعنى: مشروع رؤية جديدة للبلاغة تصل الأصالة ...
- قل لا حتى ولو كنت على نعم


المزيد.....




- سموتريتش لنتنياهو: لن أسمح باتفاق جزئي.. ومن الحماقة تخفيف ا ...
- الدفاع الألمانية: كييف ستسلم أولى أنظمة الصواريخ البعيدة الم ...
- -ابتعد أيها الخاسر-.. قراءة شفاه تكشف ما دار بين ماكرون وزوج ...
- الخارجية الإيرانية تنفي مزاعم لـ-رويترز- حول احتمال تعليق ال ...
- وزير الخارجية الإيطالي: على أوكرانيا استخدام أسلحتنا داخل أر ...
- مراسلنا في لبنان: قوة إسرائيلية تتوغل جنوبي البلاد والجيش ال ...
- السنغال.. طرد السفير الإسرائيلي من حرم جامعة في دكار وسط هتا ...
- هل باتت تسوية النزاع الأوكراني قريبة؟
- حماس: توصلنا لاتفاق مع ويتكوف على اتفاق لوقف إطلاق النار
- فيديو.. السقا يؤكد انفصاله عن زوجته


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكمت الحاج - كراس كوابيس أدورنو