رسلان جادالله عامر
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 10:18
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
كلمات الحب الست عند الإغريق القدماء
(ولماذا يمكن لمعرفتهما أن تغير حياتك)
كتابة: رومان كرزناريك(1)
ترجمة عن الإنكليزية: رسلان عامر
هل تبحث عن ترياق ضد تركيز الثقافة الحديثة على الحب الرومانسي؟ ربما يمكننا أن نتعلم من الأشكال المتنوعة للارتباط العاطفي التي كان الإغريق القدماء يقدّرونها.
تتمتع ثقافة القهوة المعاصرة بقاموس مفردات متطور بشكل لا يصدق. هل تريد كابتشينو أو إسبرسو أو سكني لاتيه أو ربما ماكياتو كراميل مثلج؟
مثل ذلك كان الإغريق القدماء متطورين في الطريقة التي تحدثوا بها عن الحب، حيث تعرفوا على ستة أنواع مختلفة منه، وكانوا سيصيبون بالصدمة من فجاجتنا في استخدام كلمة واحدة للهمس بكلمة "أنا أحبك" أثناء تناول وجبة على ضوء الشموع، وللتوقيع عرضا على رسالة بريد إلكتروني بـ "الكثير من الحب".
إذن ما هي المحبّات الست التي عرفها الإغريق؟ وكيف يمكنهم إلهامنا لتجاوز إدماننا الحالي على الحب الرومانسي، والذي يأمل فيه 94٪ من الشباب - ولكنهم غالبا ما يفشلون- بالعثور على رفيق روح فريد يمكنه تلبية جميع احتياجاتهم العاطفية؟
1- أيروس، أو الشغف الجنسي:
النوع الأول من الحب كان الأيروس (eros)، وقد سمي كذلك على اسم إله الخصوبة اليوناني، وهو يتمثل في فكرة الشغف والرغبة الجنسيين. لكن اليونانيين لم يفكروا دائما في أمره على أنه شيء إيجابي، كما نميل نحن إلى فعل ذلك اليوم؛ وفي الواقع، كان يُنظر إلى الأيروس على أنه شكل خطير وناري وغير عقلاني من الحب يمكنه أن يسيطر عليك ويتملكك، وهذا الموقف كان يشاركه العديد من المفكرين الروحيين اللاحقين، على غرار الكاتب المسيحي سي. أس. لويس (C. S. Lewis).
الأيروس يتضمن فقدان السيطرة الذي كان يخيف الإغريق، وهذا أمر غريب، لأن فقدان السيطرة هو بالضبط ما يسعى إليه الكثير من الناس الآن في العلاقة؛ أفلا نأمل جميعنا أن نقع في الحب "بجنون"؟
2- فيليا، أو الصداقة العميقة:
كان النوع الثاني من الحب هو الفيليا (philia) أو الصداقة، والتي كان الإغريق يقدرونها أكثر بكثير من الجنوسة الأساسية للأيروس؛ تهتم فيليا مثلا بالصداقة العميقة التي تنشأ بين الإخوة في السلاح الذين يقاتلون جنبا إلى جنب في ساحة المعركة، وأمرها يتعلق بإظهار الولاء لأصدقائك، والتضحية من أجلهم، وكذلك مشاركة مشاعرك معهم؛ وهناك نوع آخر من الفيليا، يُسمى أحيانا ستورغي "storge"، ويجسده الحب بين الآباء وأطفالهم.
يمكننا جميعا أن نسأل أنفسنا كم من هذه المحبة الرفاقية نمتلكها في حياتنا؟ إنه سؤال مهم في عصر نحاول فيه حشد "الأصدقاء" على فيسبوك أو "المتابعين" على تويتر، هذه الإنجازات التي بالكاد كانت لتترك أثرا لدى أولئك اليونانيين.
3- اللودوس، أو الحب المرح:
في الوقت الذي يمكن فيه أن تكون المحبة مسألة جدية كبيرة، كان هناك نوع ثالث من الحب كان يقدره الإغريق القدماء، وهو الحب المرح؛ وعلى خطى الشاعر الروماني أوفيد (Ovid)، يستخدم الباحثون (مثل الفيلسوف أي. سي. جرايلينج " A. C. Grayling ") عادةً الكلمة اللاتينية لودوس (ludus) لوصف هذا النوع من الحب، والذي يتعلق بالعاطفة المرحة بين الأطفال أو العشاق العَرَضيين. لقد تذوقنا جميعا طعم هذا الحب في المغازلة والمعاكسة في المراحل الأولى من العلاقة، لكننا نعيش أيضا حالة اللودوس عندما نجلس في مقصف نمزح ونضحك مع الأصدقاء، أو عندما نذهب للرقص.
قد يكون الرقص مع الغرباء هو النشاط اللودوسي المطلق، وهو تقريبا بديل مرح للجنس نفسه، وقد تستهجن الأعراف الاجتماعية هذا النوع من عبث البالغين، ولكن قد يكون المزيد من اللودوس هو ما نحتاجه لإضفاء الحيوية على حياتنا العاطفية.
4- الأغابي، أو الحب للجميع:
الحب الرابع، وربما هو الأكثر راديكالية، كان الأغابي (agape)، أو الحب غير الأناني، وهذا كان حبا يمتد ليضم كل الناس، سواء كانوا أفرادا من العائلة أو غرباء، وقد تمت ترجمة أغابي لاحقًا إلى اللاتينية بـ كاريتاس (caritas)، وهو أصل كلمة "الخيرية" (charity) في لغتنا.
يشير سي. إس. لويس إلى الأغابي على أنها "الحب الواهب" (gift love)، وهذا أعلى شكل من أشكال الحب المسيحي، ولكنها تظهر أيضا في التقاليد الدينية الأخرى، مثل فكرة ميتا (mettā) أو "اللطف المحب الشامل" في بوذية ثيرافادا (Theravāda).
لكن هناك أدلة متزايدة على أن الأغابي في تدهور خطير في العديد من البلدان، فقد انخفضت مستويات التعاطف في الولايات المتحدة بشكل حاد على مدار الأربعين عاما الماضية، وقد حدث أكبر انخفاض في العقد الماضي(2)، ونحن بحاجة ماسة إلى إحياء قدرتنا على الاهتمام بالغرباء.
5- البراغما، أو الحب الطويل الأمد:
تمت إشاعة استخدام الجذر اليوناني القديم براغما (pragma) كشكل من أشكال الحب في السبعينيات من قبل عالم الاجتماع الكندي جون ألان لي (John Alan Lee)، الذي وصف هذا الحب بأنه حب ناضج وواقعي يوجد عادة بين الأزواج المستقرين؛ وتدور البراغما حول تقديم التنازلات لمساعدة العلاقة على العمل بمرور الوقت، وإظهار الصبر والتسامح؛ وفي الواقع، هناك القليل من الأدلة على أنّ الإغريق استخدموا هذا المصطلح الدقيق بأنفسهم بشكل شائع، ولذلك فمن الأفضل اعتباره تحديثًا حديثًا عن أشكال الحب اليوناني القديمة.
يقول المحلل النفسي إريك فروم (Erich Fromm) إننا نبذل الكثير من الطاقة على "الوقوع في الحب" ونحتاج إلى تعلم المزيد عن كيفية "الوقوف في الحب؛ والبراغما تدور حول الوقوف في الحب، إنها بذل الجهد لمنح الحب بدلا من مجرد قبوله، ومع انتهاء حوالي ثلث الزيجات الأولى في الولايات المتحدة بالطلاق أو الانفصال في السنوات العشر الأولى، يجب علينا بالتأكيد التفكير في إدخال جرعة جادة من البراغما في علاقاتنا.
6- فيلوتيا، أو حب الذات:
النوع السادس من أنواع الحب اليوناني هو الفيلوتيا (philautia) أو حب الذات، وقد أدرك اليونانيون الأذكياء مثل أرسطو أن هناك نوعين منه، أحدهما هو نوع غير صحي مرتبط بالنرجسية، حيث يصبح الإنسان مهووسا بنفسه ويركز على الشهرة والثروة الشخصيتين، أما الآخر فهو نسخة أكثر صحية تعزز قدرته الأوسع على الحب.
كانت الفكرة أنه إذا كنت تحب نفسك وتشعر بالأمان في نفسك، فسيكون لديك الكثير من الحب لمنحه للآخرين، كما ينعكس ذلك في مفهوم "التعاطف مع الذات" المستوحى من البوذية، أو، كما يقول أرسطو: "كل المشاعر الودية تجاه الآخرين هي امتداد لمشاعر الإنسان تجاه نفسه".
لقد وجد الإغريق القدماء أشكالا متنوعة من الحب في العلاقات مع مجموعة واسعة من الناس، مع الأصدقاء والعائلة والأزواج والغرباء ومع أنفسهم، وهذا يتناقض مع تركيزنا المعتاد على علاقة رومانسية واحدة، حيث نأمل أن نجد كل أشكال الحب المختلفة مجسدة في شخص واحد أو توأم روح واحد؛ إن الرسالة المرسلة من قبل الإغريق هي تنشئة أنواع مختلفة من الحب والاستفادة من مصادره العديدة، فلا تسعَ فقط للحصول على الأيروس، ولكن قم بتنمية المحبة من خلال قضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء القدامى، أو تطوير اللودوس من خلال الرقص طوال الليل.
علاوة على ذلك، يجب أن نتخلى عن هوسنا بالكمال، فلا تتوقع من شريكك أن يقدم لك كل أنواع الحب طوال الوقت (مع خطر أن تتجاهل شريكا يفشل في تلبية رغباتك)، واعلم أن العلاقة قد تبدأ بالكثير من الأيروس واللودوس، ثم تتطور نحو تجسيد المزيد من البراغما أو الأغابي.
نظام الحب اليوناني المتنوع يمكنه أن يوفر المواساة أيضا من خلال تحديد مدى وجود جميع المحبات الستة في حياتك، وقد تكتشف أن لديك حبا أكثر بكثير مما كنت تتخيله، حتى لو كنت تشعر بغياب الحبيب الجسدي.
لقد حان الوقت لتقديم ستة أنواع مختلفة من الحب اليوناني في طريقتنا اليومية في التحدث والتفكير، وإذا كان فن القهوة يستحق مفرداته المتطورة، فلماذا لا يكون فن الحب كذلك؟
*
ملاحظات:
1- رومان كرزناريك (Roman Krznaric) فيلسوف جماهيري وعالم سياسي سابق أسترالي المولد، وهو مؤلف العديد من الكتب، ومنها "التعاطف: لماذا يهم وكيفية الحصول عليه" و"كيفية البحث عن عمل مكتمل"، وهو أيضا مؤسس "متحف التعاطف" (Empathy Museum)، وزميل باحث في مؤسسة "الآن المديد" (Long Now) وعضو في نادي روما (the Club of Rome). تركز كتبه على قوة الأفكار في تغيير المجتمع، وقد نشرت بأكثر من 20 لغة، كما تم اختياره من قبل ذي أوبزرفر (The Observer) كواحد من الفلاسفة المشهورين في بريطانيا.
2- النسخة الأصلية من هذا المقال منشورة بالإنكليزية بتاريخ 28-12-2013.
#رسلان_جادالله_عامر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟