أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - رسلان جادالله عامر - الأيروس الجميل.. رقصة حياة على أنفاس أفروديت















المزيد.....

الأيروس الجميل.. رقصة حياة على أنفاس أفروديت


رسلان جادالله عامر

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 00:17
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


أيروس (Eros) هو إله الحب الجنسي عند قدماء الإغريق، وهو ابن إلهة الجمال أفروديت، إنها لحقيقة تربط الأيروس بالجمال، وقد أدركها الوعي منذ زمن بعيد قبل الميلاد، ولكن اليوم في القرن الحادي والعشرين ما يزال ثمة كثيرون يعجزون عن إبصار هذه الحقيقة، وما تزال الصورة لديهم معكوسة، وبدلا من الجمال و الاحترام... يحل لديهم التقبيح والتحقير، بل والتعهير!
في هذه المقالة البسيطة سنتكلم عن الأيروس جميل الكلام بقدر ما نستطيع أن نحسن الكلام، وهذا الكلام موجه إلى القادرين على رؤية الجمال الأصيل في الحياة والوجود أينما كان، وأينما كان لا تخطئه أنوار بصائرهم، فيحسه خصب أنفسهم.. وتصـْدقه حيوية ضمائرهم وتشهد له رفعة عزائمهم.
نحن البشر كائنات جنسية، وهذه حقيقة لا جدال فيها، وسواء كنا دينيين أو علمانيين، فنحن أمام حقيقة معناها أن القوة التي خلقتنا سواء كان الله هو الخالق.. أم الطبيعة هي الخالقة قد خلقت الجنسانية الجوهرية فينا، وجعلتها جزءا أساسيا من تكويننا، وربطت بها تناسلنا واستمرارنا، وربطتها بعاطفة الحب العشقي، وجعلتها الاتصال الأكثر حميمية بين الإنسان و الإنسان! وهكذا فلن نتحرّج بتاتا من القول دون مواربة أن كلامنا سيدور هنا عن الجنس، نعم و ليس عن الحب الرومانسي.. ولا عن الحب العذري أو الحب الصوفي أو أي حب آخر يمكن أن يربط بين المرأة والرجل، ولم لا؟ فما خطب الجنس؟ وعن طريقه ولد كل البشر بكل ما فيهم من علماء وحكماء وعظماء.. بل وقديسين وأنبياء!
علينا أن نخرج من الكذبة، وأن نكون صريحين مع أنفسنا ومتصالحين معها، وكفانا قرناً للجنس بالعيب، وحصارا وإقصاءً وتقيدا له، فنحن لم نكتفِ بطرده تماما من كل آفاق الحيز العام إلى أقصى وأضيق زوايا الحيّز الخاص المغرق في ضيقه أصلا، بل حتى هناك تابعنا مطاردته، و في النهاية على ماذا حصلنا؟ لقد وصلنا إلى حالة صار فيها حتى الجنس الشرعي لدينا يعني تقريبا "الفسق المرخص".. وما فعلناه لم يجعلنا فاضلين، بل كذبنا كذبة الفضيلة على أنفسنا وغيرنا وصدقناها أو ادعينا تصديقها، وبنتيجة شدة المنع والحظر جاءت ردة الفعل المكافئة لتجعل غالبيتنا الساحقة مهجوسين ومسكونين بالجنس، متكالبين عليه في صراع داخلي بين ما تحتاجه الطبيعة وما ينجسه العرف! وهكذا دنس هذا العرف سرائرهم ومزقها الصراع.. فأنّ لهم أن يعرفوا السكينة والنقاء؟ وهم في سلوكهم هذا يُجبَرون على تعلم المراوغة و الرياء، فيتقنوها ويعتادون عليها.. ويسحبونها في الغالب على بقية محالات الحياة.
ما تزال المرأة لدينا عموما عورة.. وناقصة عقل ودين، وما تزال الأعضاء الجنسية عورات وسوءات، و الجماع الجنسي فحشاء؟ أفبهذه (العقلية) سنكون خير أمة أخرجت للناس ونريهم أن الدين عند الله هو الإسلام؟ وهل ستدخلنا هذه (الثقافة) حضارة القرن الحادي والعشرين بكل ما فيها من فلسفة وعلم و فكر؟! كيف لهذا أن يكون وقد همشنا نصف المجتمع، وعوّرنا علاقتنا معه، وجعلنا من الإنسان كله ثمرة فعل العورات والسوءات، فهل لها بعد هذا إلا أن تكون أفسد الثمار؟
إن من لا يستطيع أن يكون متسالما مع نفسه.. ومتصالحا معها، ويعجز أن يعترف بطبيعته كما هي، لن يقدر في يوم من الأيام أن يعيش معترفا بسواه.. ويتعايش معه بسلام، ومع الاعتذار للفظة "ثقافة" لاستخدامها في تسمية ما لا يجوز أن يسمى بها، فـ (ثقافة) العيب والسوءة والعورة المتخارجة مع العقل والفاقدة للحس بالجمال، هي حكما ثقافة مفلسة من الحب والسلام، وهي سماد البيئة التي تنتج الإرهاب والتكفير!
هنا سيـُعترض علينا بشدة .. بأن الغرب الذي ألغى كل حظر عن الجنس ما زال بعيدا هو الآخر عن ثقافة الحب و السلم!
أجل.. لا أحد يستطيع المجادلة في ذلك، لكن شتان بين بعد الغرب عن ذلك وبعدنا نحن عنه، هذا أولا، و ثانيا، موْضـَعة الجنس في مكانه الصحيح.. ليست وحدها ما يصنع ثقافة المحبة والسلام، فهناك العديد من العوامل الأساسية الأخرى، أي أنّ ثقافة الجنس الصحيحة هي شرط لازم.. لكن غير كاف لذلك، والغرب ما زال يفتقد إلى الكثير من الشروط الأخرى اللازمة، وثالثا، من قال أن الجنس في الغرب أصبح في مكانه- أو مكانته- الأنسب؟
لقد حرر الغرب الجنس من الحظر.. وأدخله في نطاق العادية بشكل عام، وهذا إنجاز كبير، والغرب الذي حرر الفرد من قيد السلطة و الملة و الكهنة.. وأعاد له فرديته، أعطاه معها حرية اختيار المعتقد الديني أو اللاديني.. واختيار المذهب الجنسي الذي يريد، مع ذلك لم يستطع بعد أن يحرر أبناءه تماما من عقدة طهرانية القرون الوسطى الزائفة ويمحو أثارها من ذاكرتهم الجمعية، و ما زالت الشتيمة الجنسية المرتبطة بالصورة الدونية الدنسة للجنس متداولة فيه، ولكن الأخطر هو أن الغرب أسقط أبناءه في لجة السوق وأغرقهم بطوفان الاستهلاك، وهكذا تحول الجنس الغربي في معظمه إلى استهلاك للآخر.. واستسلاع له.
مع ذلك، فنحن لا نرى في الثقافة الجنسية الغربية إلا الإباحية، ونفعل ذلك حصرا بالقياس على عرفيـّتنا المأزومة، وليس بموجب منطق راسخ وفلسفة عميقة وثقافة راقية، ونرفع عقيرتنا بالاستنكار والذم عندما نرى البساطة التي يتعاملون فيها في الغرب مع الجنس وحضوره العلني في حياتهم العامة، ولا نحاول أن نتساءل لماذا وكيف يفعلون ذلك، ولا نحاول فهمهم، وكل عاقل يعرف أن فهم الشيء ، بل و تفهّمه، لا يعني بالضرورة تبنيه أو اعتناقه!
ما أحسن الغربيون فعله حتى الآن هو أنهم حرروا الجنس من عقدة الدنس إلى درجة متقدمة، وأعادوا له الكثير من موقعه الطبيعي، ولذا لا يعود غريبا هنا ألا يبقى حبيسا في الزوايا الفردية السرية النائية، وأن يعود - بقدر ما- مكونا من مكونات الحياة العامة، وهذا ما نراه مثلا في حضور الجنس في الفن، بل و حتى في وجود فن جنسي، لكن ما أساء الغرب فعله، بل وأكبر الإساءة فيه، هو أنه بعد أن أسقط عن أيروس صورة البعبع القبيح الممسوخة، عاد فمسخه إلى دمية استهلاك رخيصة، و لم يعد له تلك المكانة الراقية التي كانت له يوما.. والتي يستحقها لأن تكون!
لقد كان الجنس عند الكثير من البدائيين طقسا قدسيا بسبب ارتباطه بالخصب، وكون الخصب أساس الحياة، ولذلك رأى أولئك البدائيون في الكون بكامله والحياة بكليتها عملية حب ووصال وحمل وولادة، ويومها أُنـّثت الألوهة، وتربعت "الإلهة الأم" في عرشها السماوي، وكانت ربّة الخصب والحب والجمال، وبنى لها الإنسان البسيط المتوافق مع الطبيعة ومع نفسه معابده التي حاول فيها تمجيد الجمال والحب، و أفلح في ذلك إلى حد ما، وما أفلح فيه نجد له حتى اليوم استمرارية متطورة في مذهب "الطاو" الصيني الذي يرى في الجنس أكثر قوة طبيعية خلاقة .. ومذهب "التانترا" الهندي الذي يرى فيه الطقس القدسي الأكبر، ومع ذلك فكلا المذهبان لا يجعلانه غاية نهائية بحد ذاته، بل يتجاوزه كل منهما على طريقته الخاصة إلى غاية أكبر هي خير الإنسان و الرقي بالإنسان!
وما نحتاجه في شرقنا المأزوم بثقافة اللاحياة هو الاعتراف قبل كل شيء بالإنسان، ومن ثم ومن ضمن عديد شروط تحقق إنسانية الإنسان، الاعتراف بالأيروس واحدا من هذه الشروط الأساسية، وما نحتاجه جميعا شرقيون وغربيون، هو الارتقاء بإنسانيتنا الجنسية إلى مستوى الجنسانية الإنسانية، وعيش حياتنا الجنسية على مستواها الإنساني الرفيع، فبدون ذلك لن تعرف إنسانيتنا الرفعة.

*

17-2-2017
السويداء- سوريا



#رسلان_جادالله_عامر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتذاري حنظلة
- الجمال لا يعيه إلا الجمال
- تهاويم في جنازة كذبة تدعى الوطن
- الدولة المدنية الديمقراطية هي الحل الوحيد في سوريا
- أفكار وجيزة في العلمانية
- بشرى الحياة
- هل كانت ديكتاتورية اﻷسد حكما علويا أو بعثيا أو علمانيا ...
- ديالكتيك العَلمانية
- ما هي العلمانية؟
- التناقض الجوهري بين الدولة المدنية الديمقراطية ونظام المحاصص ...
- ما هي -الدولة المدنية الديمقراطية-؟
- الكتابة عن الحب والجنس في موضع جدل
- إشكالية الاختلاف، دور النظام الاجتماعي وإمكانية الحل
- ما هي -ما بعد العلمانية-؟
- بناء الثقة والأمن: البريكس والنظام العالمي
- إثنان من كارل ماركس
- العملية الحربية الخاصة وتغيير النظام العالمي
- عبد عدوه لا ينصر أخاه...
- كيف تتعامل العلمانية مع المسألة الجنسية؟
- تحليل الحمض النووي يثبت أن القديس لوقا هو من يقولون أنه هو


المزيد.....




- ليست الهرمونات هي السبب.. دراسة تكشف سر فرق الطول بين النساء ...
- الشرطة الأمريكية تبحث عن امرأة -أنيقة- هاجمت مصوّرا هاويا بم ...
- ما هي شروط التسجيل منحة المرأة الماكثة في المنزل 2025؟ تجيب ...
- “من هنايا” خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الجزائر 2 ...
- ممثلة أفلام إباحية شهيرة تنقل إلى المستشفى بعد تحد مارست فيه ...
- الحادثة الثانية خلال شهرين... إصابة امرأة حاولت اقتحام مقر و ...
- أخر تحديث الآن ” تردد ميكي كيدز 2025 الجديد على الأقمار الصن ...
- ضباط في CIA يُطلقون النار نحو امرأة عند مدخل مقر الاستخبارات ...
- مقترح: تشديد العقوبات على الزواج القسري وزواج القُصّر
- عوامل تقتل الرغبة الجنسية لدى النساء


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - رسلان جادالله عامر - الأيروس الجميل.. رقصة حياة على أنفاس أفروديت