أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناصر عطاالله - أحمد دلباني وموقفه من الدفاع عن الخطيئة وقايين














المزيد.....

أحمد دلباني وموقفه من الدفاع عن الخطيئة وقايين


ناصر عطاالله

الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 00:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


أُهديتُ كتابًا بعنوان "خطيئة الدفاع عن قايين: مأساة غزة وتهافت الفلاسفة"، من تأليف الصديق الجزائري أحمد دلباني، الباحث والشاعر وأستاذ الفلسفة. يتناول فيه مواقف عدد من الكتّاب والمفكرين الغربيين، خصوصًا الفرنسيين، من حرب الإبادة في غزة، كاشفًا تناقضاتهم الفاضحة في ادعاء الدفاع عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي طالما نادوا بها، ومُظهرًا كيف انحازوا للجلاد ضد الضحية، وللقاتل ضد المقتول.
ورغم أن الكتاب لم يتجاوز المئة صفحة، فإن تركيزه العميق وتكثيفه للمواقف والمرجعيات الفكرية والتاريخية منحاه أهمية استثنائية، لا سيما أنه صدر في خضم المجزرة، بعد شهور قليلة من بدايتها. وكان صوتًا ناقدًا لا يهادن، يُنذر بتواطؤ عدد من الفلاسفة الغربيين الذين سمّاهم دلباني بجرأة: "كلاب الحراسة". وهو يقصد بذلك أولئك الذين تخلّوا عن الحق، واستخدموا الفكر منصةً لتضليل الرأي العام، تملقًا للصهيونية وتبريرًا لجرائمها.
وفي مقابل هذا التعرية، لم يغفل الكاتب الإشادة بالقلة النبيلة من الأصوات الغربية التي وقفت بصدق إلى جانب قيمها، وانتصرت للحق الفلسطيني، رافضةً الدفاع عن الخطيئة وعن قايين (قابيل).
دلباني يصف عمله بأنه "كتابٌ سريعٌ غاضب"، وهو تعبير صادق عن دافع إنساني وأخلاقي نبيل، دفعه للخروج من دائرة الصمت إلى ميادين الكلمة الحرة، حيث أمسك بحبر الواجب ليدافع عن قضية الشعب الفلسطيني العادلة. لم يختر الصمت الرمادي، ولا التواطؤ الحذر، ولا النفاق المتخفي. لم يبالِ بالامتيازات أو الجوائز أو الدعوات إلى مهرجانات الهيمنة الثقافية. كل هذا لم يكن في حساباته حين عرّى مواقف مفكرين من أمثال: ميشال أونفري، ولوك فيري، وآلان فينكلوكروت، ويورغن هابرماس، الذين تبنّوا ما وصفه بـ"الانتماء الشوفيني إلى الحضارة اليهودية المسيحية"، محرّفين بذلك مفاهيم المقاومة والعدل إلى "إرهاب" ينبغي سحقه.
وفي تناوله لشخصيات "كلاب الحراسة"، استدعى دلباني رموزًا تاريخية من الفلسفة الغربية، وشبّه المفكرين المتواطئين بأولئك الذين أكلوا تفاحة السقوط ولم يتوبوا، فوجدوا أنفسهم في صالونات الإعلام، يبرّرون المجازر، ويمارسون قتل الضمير لصالح أصحاب المسالخ ومهندسي الإبادة. لكنه لم يقع في فخ التهويل أو الشعارات، بل استخدم مصطلحات دقيقة، ورؤية عقلانية متماسكة، وأسلوبًا محكمًا يجمع بين الصرامة الفكرية والجمالية اللغوية.
القارئ لا يملك إلا أن يُعجب بقدرة الكاتب على محاصرة المفكرين الذين يدّعون الحداثة، بينما هم غارقون في تحالفات دموية، تستحق الأحكام التي نبذها الغرب ذات يوم حين حلم بـ"عصر الأنوار". لقد انكشفت اليوم تلك الأقنعة، وعاد بعضهم إلى خطاب القبيلة والدم، فصاروا مع القاتل ضد المقتول، ومع المذبحة ضد الحياة، ومع الدماء ضد النوارس.
يرصد دلباني كيف ما زالت مراكز القرار والمال في الغرب تسيّر بعض المفكرين والأكاديميين، وتمنحهم المنابر، ليبرّروا انتهاك القيم التي نادى بها عصر التنوير، ويوظفوا خطابًا إعلاميًا موجهًا لصالح "سامية دموية"، تستبيح كل شيء باسم التاريخ والدين والهوية.
ومن القضايا التي توقف عندها بشجاعة، مسألة ربط الإسلام بالعنف، والزج به في خانة الإرهاب، على النقيض من المسيحية اليهودية التي تُقدَّم على أنها أديان السلام والحضارة. وقد دافع هنا عن المسلمين في تاريخهم الرافض للظلم والقتل، وذكّر بحادثة وثّقها المؤرخون، حين منح سي قدور بن غبريط، عميد مسجد باريس، اليهود المضطهدين بطاقات هوية إسلامية ليتمكنوا من النجاة من المحرقة النازية.
وهنا أضيف أن التاريخ نفسه يسجل – رغم إنكار الصهاينة – كيف فتح الفلسطينيون بيوتهم لليهود الفارين من الهلاك، وشاركوهم الخبز والماء. لكن من أصلاب أولئك الناجين خرج القتلة، ورفعت التوراة سيفها، حتى صار الدم هو الحبر، والمجزرة هي السردية، وظهر ما يمكن وصفه بـ"النازية الجديدة" في ثياب الفكر، بين مثقفين باعوا ضمائرهم، وخانوا سارتر، وسيزار، وفولتير، حين دعوا اليوم إلى "الهوية الكاثوليكية السامية" كهوية لأوروبا!
الكتاب ثري بمصطلحات تكشف عمق ثقافة الكاتب، ووعيه الفلسفي والجمالي، وقدرته على الاشتباك الحتمي مع مفكري التضليل، و"فلاسفة المقتلة" كما يمكن تسميتهم، الذين سخّروا أدواتهم لتحريف الرواية، وتبرير القتل. الحقيقة هنا مشلولة ومهمشة، بينما الضلال مُدجّجٌ بالمال والسلاح والدعاية. ويبقى الكاتب ذو الضمير الحي هو من يتقدم الصفوف ليدافع عن المقهورين، ويصرخ في وجه الجريمة.
ومن هنا، تتجدد الدعوة إلى كل كاتب عربي، أو غربي، أو إنساني، متصالح مع مبادئه، أن يستعيد مكانه على جبهة الحق، وأن يُسهم في محاكمة التضليل والانحياز الأعمى، دفاعًا عن الإنسان، وعن القيم التي تليق بنا كبشر.
لم ينسَ أحمد دلباني أن يذكر زملاءه من شعراء المقاومة الفلسطينيين، وأثبت أصواتهم في كتابه، وختمه بقصيدة لمحمود درويش، تأكيدًا على أن الأديان – في جوهرها – ضد القتل، وأن الشاعر اليهودي السموأل، كان شاهدًا على ما يمكن أن تفعله القيم حين تكون صادقة.
إن حبر المقاومة لن يجف، وطوبى لمن غرف من محبرة الوفاء دفاعًا عن الأبرياء. وطوبى لأحمد دلباني، الذي بعث فينا روحًا عالية في زمن المجزرة، وأوحى بأن زوال الاحتلال حتمي، وأن الناقوس سيقرع في كنائس القدس، وسينبعث الصفاء في أرجاء الأقصى، وستنبت الزنابق من تراب فلسطين، من الكرمل إلى رفح، ومن الناقورة إلى يافا، ومن بيسان إلى غزة المبجلة بحناء العافية.



#ناصر_عطاالله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة مغايرة لرواية رقصة الفيلسوف للأديب الفلسطيني أنور الخط ...
- رواية (سماءٌ وسبعة بحور) للروائي ناجي الناجي: الفلسطيني اختص ...
- -مفاتيح البهجة- لعمر حمش رواية الجرح الفلسطيني بطعم التغريبة ...
- ( مرايا الموج) للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي.. رمح في الرو ...
- ماذا أراد يحيى يخلف من -راكب الريح-
- رواية - قمر بيت دراس- للروائي عبدالله تايه شهادة على نكبة أم ...
- قراءة في-قمرٌ وجسد مظلم- للكاتب علاء أبو جحجوح
- قراءة في رواية-ملائكة في غزة-
- تصويب لموضوع منشور
- رواية نضال الصالح -خبر عاجل- قدود حلبية بعد رماد ولهب
- قراءة في رواية( الحاجة كريستينا) للروائي عاطف أبوسيف
- قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش
- قراءة في ( ماقالته الرواة عن الحواري) لعبدالله تايه
- قراءة غير ناقدة في مجموعة -ناي ونرد- للشاعرة وسام عاشور البن ...
- يسرا الخطيب - الكائن بيقيني- إتباع الهايكو لوطن أجمل.. ( ناص ...
- لا تموت هناك
- الصنم


المزيد.....




- هلا، كلمة في افتتاح مركز -هلا- للصحة النفسيّة
- فتحوا الباب فبدأت المغامرة.. إليكم قصة الأحفاد والإمساك بطائ ...
- علي الرواحي: العالم العربي لم يدخل -حداثته الخاصة- بعد وترام ...
- مسؤول كبير في إدارة ترامب يلتقي الرئيس السوري بعد قرارات أمر ...
- المبعوث الأمريكي إلى سوريا يثني على الشرع لاتخاذه خطوات جادة ...
- السعودية تؤكد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتأسيس دولة فل ...
- مصر.. حبس مسؤول وفني في كارثة حفل قصر البارون الأثري
- وزير الخارجية السعودي يصل إلى مدريد للمشاركة في الاجتماع الم ...
- إحالة المشتبه بطعنها أشخاصا في هامبورغ إلى مستشفى للأمراض ال ...
- قصة انتظار تنتهي بدموع الفرح ومقاضاة الحكومة.. طفلة خُطفت قب ...


المزيد.....

- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناصر عطاالله - أحمد دلباني وموقفه من الدفاع عن الخطيئة وقايين