أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - قراءة في رواية( الحاجة كريستينا) للروائي عاطف أبوسيف















المزيد.....

قراءة في رواية( الحاجة كريستينا) للروائي عاطف أبوسيف


ناصر عطاالله

الحوار المتمدن-العدد: 5976 - 2018 / 8 / 27 - 22:10
المحور: الادب والفن
    


قراءة في رواية (الحاجة كريستينا) للكاتب الدكتور عاطف أبوسيف
في الرواية الرابعة للكاتب الدكتور عاطف أبوسيف، لم تزل الهوية تعيش قلق الأسئلة المتفجرة، كبراكين تنام وتصحو على شظاياها عوالم مغلوب على أمرها، فالفلسطيني ما قبل النكبة، والتشرد، ووكالة الغوث، كان أكثر استقراراً نفسياً، ينحت المستقبل بإزميل لطيف، ليصنع أمله فوق ترابه الوطني، ولكن الأقدار المخبأة في علم الغيب، تغير مساره، بين مجزرة وأختها، في ظل إنتداب استعماري شنيع، لتختصر الطفلة (فضة) المعاناة الفلسطينية، بقدرها المرصود في سطور رواية (الحاجة كريسينا).
مقدمة قلقة
من الشبح في الصفحة السابعة للرواية، يركب الروائي عاطف أبو سيف، بحر الأسئلة الغامضة، ولا ينجو قارئ من طلاسم المطبّات، فهل الشبح وذراعه المطّلة من البحر، الخافضة ،الرافعة، حربٌ بدأت لتدمر قطاع غزة؟ أم هو الانقسام الداخلي الذي يعيشه الفلسطيني منذ عام 2007م، خارج وضعه الطبيعي، وداخل جرحه الغائر؟ أم هو شبحٌ حقيقي أراده كمقدمة لروح الحاجة كريستينا التي أكلها البحر بعد أن أطلق الجنود الاسرائيليون النار عليها وهي عائدة من لندن عبر أثينا مع أسطول الحرية؟ وهذا احتمال لأحد مصائر الحاجة كريستينا، التي تركها الكاتب للقارئ مشرعة، كمصائر أخرين لن تغلق في الرواية.
الولادة والمرض والسفر
البطلة المركزية في الرواية هي الفلسطينية من أبويين يافاويين، ( فضة) التي حولتها مجريات الأحداث، وخاصة نكبة 1948م، إلى كريستينا، بعد أن غادرت يافا بصحبة صديق والدها جورج، لطبابة مستعجلة وهي ابنة الحادية عشرة سنة، ليقول الكاتب كيف كان المسلم مطمئناً على نفسه وأهله مع المسيحي ولو كان بريطانياً وحكومته تفرض سيطرتها على وطنه، وتمهد لتسليمه إلى استعمار أبدي لملّة لا وطن لها، ستحول فلسطين إلى وطنٍ دائم على حساب أهل الأرض وأبناء التاريخ، رغم ذلك عوني السعيد المطمئن نفساً يعطي جورج ابنته لتسافر معه، إلى بريطانيا، هرباً من موتها بسبب المرض المفاجئ والمجهول الحالة والسريع الساري في الجسد.
فضة التي ذهبت مع صديق والدها جورج إلى لندن، في رحلة علاج اضطرارية، فُتحت بوابة المجهول أمامها، لتعيش رحلة التشرد والتيه، واللجوء المرّ، رغم إنسانية جورج الذي ضرب مثلاً نبيلاً عن المسيحي الذي يحافظ على الأمانة، إلى أخر رمق في حياته، فأعطى فضة جزء من عمره بعد أن انقلبت البلاد واحتلت، بفعل المجازر المتكررة في يافا وعموم فلسطين، لتشطب عائلة فضة عن بكرة أبيها، بموت الأم بعد عام على سفر ابنتها، وموت الأب في رمال التشرد، ومعه أبنائه الذكور الأربعة، في رحلة موتٍ صنعها الخوف من مجزرة ترتكبها عصابات يهودية متطرفة، لتواجه فضة الطفلة مصيراً مختلفاً، فتضطر إلى أن تبقى بكنف جورج صديق والدها، ليصحبها إلى الكنيسة كلما سمحت له الظروف، ويتغير اسمها من فضة إلى كريستينا بعد أن نسبها إليه، لتصويب مكان إقامتها في لندن، ولتدخل المدرسة وتحصل على تعليمها، بعد أن بتر لها أًصبعاً وتعافت من مرضٍ كاد أن يفتك بها، المرض الذي كان سبباً لبعدها عن عائلتها وفقدانهم، وتغيير مصيرها وحتى اسمها والاندماج مع اتباع دينٍ لا تنتمي إليه بالفطرة، بل سيصبح ظاهر دينها، لتمارس عقيدتين في آن واحد، ومع عدم استكمال علمها في مجال الطبّ، بسبب وفاة جورج المفاجئ، وتحت ضغط كراهية شقيقاته للعرب ولكريستينا تحديداً، خوفاً على ميراث الأخ وقسمته، اضطرت إلى العودة لمنفى أخر ولكنه منفى ينتمي لوطنها الأصيل، منفى اسمه مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة، يقول الروائي أبو سيف مختصراً سيرة فضة أو كريستينا قبل تركها لندن:
" لم يكن لها خيار في أي شيء، لم يكن لها خيار في ترك يافا، ولم يكن لها خيار في البقاء في لندن، ولم يكن لها خيار في أن تصبح كريستينا بدلاً من فضة، ولم يكن لها خيار في الرحيل الآن والبحث عن عائلتها"( ص 108).
كريستينا في مخيم جباليا
"الفتاة الأجنبية" رغم أنها فلسطينية الأصل، والدها عوني السعيد وأمها حياة، ولكن لندن التي عاشت فيها، أقنعتها ببنطال الجينز، والشعر الطليق، ولبس الأجنبيات، هذا في البداية، إلى أن تبحر في عيش اللاجئات، وتتميز بخدمتهن، بل خدمة أبناء المخيم، فكل مصاب أو جريح يطلب "كريستينا"، وكل صاحب أمر محتار فيه يطلب مشورتها، ليصبح لها مجلس نساء، يجتمع فيه غالبية نسوة المخيم، وابرز وجوهه في العمل العام، وربّات البيوت، ومن مجلسها تدار شئون المرأة في المخيم، وفي بعض الأحيان يكون لهنّ أثراً في فعل مجلس الرجال، بل يسبقونهم في القرار وتصويب أوضاع المخيم، وتتحول صاحبة البنطال والشعر المفرود، إلى الحاجة كريستينا، لحكمة موهوبة، ودراية واسعة في قضايا الحياة.
الغياب والتيه الثاني
واحدٌ وخمسون عاماً قضتها الحاجة كريستينا في مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة، شهدت كل حوادث هذه المرحلة، وانتفاضتها الأولى والثانية، وقبلها احتلال القطاع في عام 1967م، حتى اختفت فجأة وبدون سابق علمها، فجيب لاندروفر تابع للصليب الأحمر، يقتحم المخيم، مستدلاً على منزل الحاجة كريستينا، ليطلب منها الرجل الغامض الذهاب معهم، خشية على حياتها، فالعدوان الضروس على قطاع غزة عام 2009م لا يفرق بين فلسطيني وأجنبي، الكل تحت القصف، والنار عمياء، فتخرج بدون أن تخبر، ليبقى بيتها للفراغ وحكايات دسمة، وذكرياتها مع زوجها الذي استشهد، وابنها ياسر الذي خرج ولم يعد، وفي الطريق بعد حاجز بيت حانون "ايرز" تدرك أنها في رحلة العودة إلى بريطانيا، البلد الذي تحمل جنسيته، ولكنّها لا تعرف من كان وراء خروجها من المخيم، ولا القارئ نفسه سيعرف، إلا أن الكاتب وضع احتمالات عديدة ليصطاد منها القارئ أقربها ويتبناها، ومن مطار اللد إلى مطار هيثرو البريطاني، يفتح الكاتب مجالاً حيوياً لذاكرة كريستينا، لتجمع شتات الماضي في حقيبة العمر، وصولاً إلى لندن وبيت جورج الذي تركته قبل واحدٍ وخمسين سنة، لتبقى الصور على الجدران، والغبار يملأ الأمكنة، والفراغ الموحش يعشعش بين الزوايا، حتى شقيقات جورج غادرنا الحياة، ولم يبق لهنّ أثر، وعائلة جورج التي اجتمعت على كريستينا(بدون حجة)، لمتعة الحديث من امرأة مسنّة، عن تجارب الحياة، وتشويق الحكايات، إلى أن يصل البحر بها إلى مجهولٍ تركه الروائي أبو سيف قصداً لمصير كريستينا، التي قررت مع عدوان 2014 العودة إلى غزة، مع أسطول الحرية لكسر الحصار، ووصلت حيث اختفت، وأصبحت أيضاً في مربع الاحتمالات بين حياةٍ مجهولة، أو أسر مقصود، أو موت متعمد برصاص الإحتلال، كل هذه الاحتمالات متروكة من الكاتب إلى القارئ لكي يقنع نفسه بواحدةٍ منها ويحدد مصير الفلسطينية كريستينا، مصير مفتوح على مجهولٍ قد أراده الكاتب قصداً ليعيش عمر معاناة شعبٍ لا يزال مصيره غير واضح، فكريستينا الحفيدة ظهرت في أخر سطر في الرواية!.
جاءت الرواية في ثلاثمائة واثنا عشر صفحةٍ، من القطع المتوسط، صادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع، بطبعتها الأولى عام 2016م، بلوحة طفلة ذات جناحين مفتوحين، تنظر إلى السماء، لصاحبها الفنان تيسير البطنيجي، والغلاف للشاعر الفلسطيني زهير أبو شايب، الرواية التي أصبحت وطناً لقصص أشخاص يصعب عدهم، وأماكن شرح عنها بأسلوب جميل، وأحداث زخمة ومؤلمة، في سرد مبدعٍ ينّم عن سعة إطلاع الكاتب، ومعرفته بالأماكن عن قرب، خاصة تلك التي شاهدها فأحسن وصفها، من يافا إلى لندن التي درس فيها وحصل منها على شهادة الماجستير، حتى مخيم جباليا حيث عاش طفولته وشبابه، وبسبب سفره الكثير خارج الحدود، تفتحت أزهار معرفته واطلاعه، فكتب عن سعة ، واثرى إبداعياً قارئيه، فخاضت رواياته أكثر من مرة، ميادين الجوائز العالمية، حتى الحاجة كريستينا وصلت شواطئ القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية وهي النسخة العربية لجائزة "بوكر" العالمية للرواية.
رواية (الحاجة كريستينا) شهادة تاريخية عن معاناة الشعب الفلسطيني، وخارطة أوجاعه، من بره المأزوم، حتى بحره الذي يصطاد موته بشباك جائعة، تحت سماء تتحول بلمحة بصر إلى ثكنة للموت والفناء، ولكن تبقى يافا وهي عند الكاتب، رمز كل مدينة وقرية وحارة في فلسطين، تبقى محطّ الروح، ومعراج الوجود الخالد، وإليها المنتهى ولو بعد حين، لطالما جاء الروائي في روايته على رموز كبيرة في السياسة كجمال عبد الناصر، وياسر عرفات، والمناضل الإيرلندي ضد القمع والاعتقال السياسي بوبي ساندرز الذي قضى جوعاً في معتقل بريطاني، ومنهم رموز أدبيه كغسان كنفاني، ومحمود درويش، وناجي العلي، في الوقت الذي لم يغفل أبو سيف أزمات الحاضر المعاش فلسطينياً، من لجوء في مخيمات مسكونة بالنقص ومهددة بالحرمان، إلى لجوء مركب يعيشه الفلسطيني في بلاد تتعرض إلى حروب صانعة للخراب والتشتيت، إلى موت يتربص صياداً فوق مركبه لا لشيء سوى لطلب الرزق، إلى أسرى يعيشون الويلات في أقبية السجون الاسرائيلية، إلى غيرها الكثير مما استحضرته ذاكرة الروائي وهي ذاكرة خصبة خضراء، يصعب الخوض فيها بقراءة تشبه المسح الضوئي الذي يأتي على الظاهر دون التمحيص في الجوهر .
هنيئاً للصديق الروائي الدكتور عاطف أبو سيف هذا العمل الإبداعي المتقن، والذي يعتبر إضافة مهمة للمكتبة الوطنية وللرواية العالمية.



#ناصر_عطاالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش
- قراءة في ( ماقالته الرواة عن الحواري) لعبدالله تايه
- قراءة غير ناقدة في مجموعة -ناي ونرد- للشاعرة وسام عاشور البن ...
- يسرا الخطيب - الكائن بيقيني- إتباع الهايكو لوطن أجمل.. ( ناص ...
- لا تموت هناك
- الصنم


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - قراءة في رواية( الحاجة كريستينا) للروائي عاطف أبوسيف