أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - ( مرايا الموج) للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي.. رمح في الرواية الفلسطينية وسماؤها الذات الكاتبة















المزيد.....

( مرايا الموج) للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي.. رمح في الرواية الفلسطينية وسماؤها الذات الكاتبة


ناصر عطاالله

الحوار المتمدن-العدد: 7367 - 2022 / 9 / 10 - 14:09
المحور: الادب والفن
    


( مرايا الموج) للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي.. رمح في الرواية الفلسطينية وسماؤها الذات الكاتبة
لاجئ قريب من زمن النكبة على شفرة الوجع، لم يغادر الصور المؤلمة، ولم ينس كثبان الرمل الحارقة وهو عاري القدمين سعيًا بريئًا في وجاهة الجرح، لا يد له في كل ما يجري، لم يستفز البارود ولا القذائف ولا قلوب الغرباء الهاربين من أوروبا والعالم، ليقطعوا بأحقادهم قطعة الوطن الموهوبة من الله لشعبه، لا يعرفهم في ذوبان الدنيا وحاراتها قبل أن يمزقوا قميص وجوده، ويرموا براءته في البحر الأجاج لتصبح الشمس في حياته مواقيت مكرورة على أمل أن يعود إلى ما كان والده فيه؛ وطن حقيقي وواقعي لا دخل للمخيال في رسم تضاريسه.
لاجئ اضطرته الظروف أن يحمل سيف المواجهة بيد عنترة، وقلب طفل، ورغبة جلجامش، يسعى وهو من مواليد (1953) ابن خمس سنوات بعد نكبة قبيحة، جعلت من فوضى البحث عن بديل الوطن في مخيم بائس، وناشف، وجاف رغم قربه من بحر غزة، المستحيل عينه، إذا ما تراكمت احتياجات الحياة في أزقة تنبت كالطحالب كلما جاء مولود جديد إلى هذا الوجود.
بطل الرواية ولد للتو كصعقة في ضمير العالم المنحاز للمجرم، عنوانه الجديد مخيم؛ وعلى بعد موجات يلقي عليه الصباح كل يوم من شرفة الأزرق المراقب رسائل مبهمةٍ ولكنها عصية على شطبه.
أن تعيش بلا وطن على شبر من وطنك ويسكنك مخيم مكتظ، ولا تسكنه قناعة، ستأخذك إرادتك لفعل مضاعف، وربما مركب وقاسٍ يحرمك ملذات البراءة، وألعاب الصبا، ونشوة المراهقة، وتستبدل فيك عضلات التمرد على واقع مأزوم، وبؤس فاقع لونه، وفقر يتدحرج ككرة صوف يطاردها قط لئيم، هنا على فوهة الكآبة وبركان المعاناة يكبر محمد ابن بكر البوجي، ليقاسم والدته بعد حينٍ كفاحًا مريرًا من أجل البقاء، وإثبات الذات، وترميم المخيم بطلاء الأمل، للخروج منه، المخيم الندبة، والطفولة المطحونة، والدمعة الخفية، لن ينسى أوقات الشاب الطموح، والعنيد في منازلة السقوط بهالة الإرادة المنصرفة رغم كل الظروف نحو العلم، والعمل الجاد، دون أن ينكر على نفسه وغيره؛ روح الدعابة، وحب الحياة.
من طفولة مقشرة ومطبوخة على نار هولوكوست الغزاة الجدد، إلى شاب عنيف يحمل الدنيا رغم أنفها بين تدبير شؤونها، واقتحام مستقبلها بجبروت مبدع، إلى رجولة على سفريات غير سياحية، تعبّد مسالك الأسفلت الخشنة بالسهر والسعي لبراح الأبيض، وأناقة العطاء، ليكون اللاجئ عالي المقام، وحامل أعلى الشهادات العلمية، وواضع أسس وأصول في التربية الحديثة، وناقدًا يتفنن في فتح حدائق الزهر رغم إحاطة تامة للحرمان، ليتقاعد بعد مسيرة طويلة من العطاء وتعطيل ألغام الفشل، والتراجع، والاستسلام، تقاعد مشرف ومنير، إلا أن الوطن ليس بخير على ما تبقى منه وهو القليل بحجمه، ولكنه الكثيف بأطماع الغراب الباحث عن كل جثة مغدور ليعلمنا كيف يكون احترام الجريمة، الجريمة التي يرتكبها اللاجئ بحق نفسه، والمحروم من وطنه على حرمانه، والمنكوب الذي يعيد نكبته بيديه، لطمع قصير الذيل اسمه الحكم والسيطرة، وجباية تافهة، واستنزاف الزمن لصالح العدو الوحش، في هذه الصورة السوريالية المرفوضة، اشبع بطلنا من الألم فأحب أن ينزه الروح والنفس من غبار أسود، واختار المنفى قرب أنقرة ليغسل ثوب الوطن الكبير بالحنين الطهور، غير بعيدٍ ولا قاصر عن الانخراط بالفعل الوطني الجامع، فهو المتابع بعيون قلبه كل صغيرة وكبيرة وإن سألته عن كعب غزال الساعة الرابعة في ميدان فلسطين، يجيبك بكل سهولة عن شجاعة الهوية في الأقصى المبارك.
وفي كتابه الأخيرة سجلت:
(مرايا الموج) للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي، المغترب حديثًا بعد تقاعده الوظيفي كأستاذ جامعي، ومحدث بديع في أساليب التدريس الأكاديمي، أخر كتاب له بعد سلسلة مؤلفات قامت على أفكار متنوعة، وثبت في هذا الأخير على فكرة الولادة والمسيرة الحياتية، غير راغب في ترتيبات النمط والمعتاد، بل اجتهد لإبراز جماليات الفوضى الحسية، والبصرية داخل هندسة دللت على بُعد جديد لتناول الخط الزمني للسيرة الشخصية، وخطوط أخرى نزلت على هذا الخط كصدمة للقارئ أحدثت في الغالب الدهشة.
( مرايا الموج) رحلة في التاريخ المعاصر، والجلوس عند استراحات فسيحة في الحاضر، ونظرة طويلة للمستقبل، ونصائح حكيم في مرحلة تتبدل مفاهيمها، وتتقشر جلودها، فترة عاشها المؤلف وحاول جاهدًا استحضار بعث ما لتصحيح مسارها كما هو موقفه من الانقسام الداخلي، ورفضه المطلق لاستخدام الدين والمتاجرة به لأغراض دنيوية، تسببت بكثير من الكوارث، مع تمسكه بالوحدة كأصالة راسخة مطلوبة من أجل إنهاء الاحتلال، واستعادة الأرض المنهوبة وتراب الأجداد الذي يشجع على تميز الفلسطيني نضالاً لا متاجرة.
وإن رحلة المؤلف بمحطاتها القديمة منذ اللجوء في عام النكبة، حتى اليوم تضاف إلى جملة ما كتب عن هذه الفترة إلى مكتبة كبيرة كان أبطالها الكتّاب منذ قسطنطين زريق وكتابه ( معنى النكبة) الصادر في بيروت عام 1948م، والخوض في تفاصيل الوجع والهزيمة، ولكن ما يميز المرايا الأسلوب غير التقليدي في طرح الأحداث وسياقاتها، وليس للأسلوبية المعمول بها علاقة بنظم الضبط المعروفة والراتبة، بل هي ذات علاقة منسجمة وروح المؤلف وطبيعة النفس المرحة والبديعة والمتفائلة وأحيانًا المتألمة والمتسلحة بأدوات مقاومة ذاتية لمواجهة هذا الألم في ذات الوهلة التي كتب فيها عن الألم، لنجدنا أمام احتواء شجاع للوجع بل الاستسلام له، وهنا يأتي دور الأحداث الصعبة أوهن من ما هي عليه في خيالنا، بدليل أنه جعل من الفقر بعد النكبة نزهة سيئة في حديقة قاحلة، قرب باخرة عملاقة تنتظر شاطئ الأمان لذا اجتهد وسهر الليالي وتفاعل مع كل الظروف الضاغطة وكأنها عابرة، ونجح تمامًا بتحويل المخيم بكل ما فيه وما عليه حاضنًا لغد سيأتي ولن يكون له أثر، وهو الذي نجح أيضًا بتفكيك الحالة المعقدة وطنيًا ليضع أصبعه قبل قلبه على أسباب تأخر تحررنا.
وفي مرايا الموج ألبوم ذكريات كان المؤلف صانعها أو شريكًا في صنعها، اجتباها من بين ذكريات ويوميات كثيرة وجدها الأهم في حياته، وتعامل معها بكل دقة لتصل القارئ وكأنها مفاصل عمر شكلت شخصية الكاتب، وليس أقل من القول أن يضعنا الدكتور البوجي في دائرة عمره ونحن بكل تجلياتنا راضون عن هذا الوضع، بل حفزنا كثيرًا لبلع الحقائق المؤلمة دون أذى نفس، أو الشعور بالملل والضجر، واستفدنا من لغته العاكسة لطبيعة شخصيته المرحة والمتصالحة، لنكتشف روضًا معجميًا بليغًا حمل الموروث والمعاش على محمل الوضوح بعيدًا عن الفزلكات والاستعرضات الناشفة.
كما أن المرايا انعكاس لشيء ما، فالموج هو هذا الشيء الذي يشبه العمر.
زملاء كثر كتبوا عن ( مرايا الموج) واستفدت من ما كتبوا بلا شك، وبنيت كلامي على الكتاب من خلال معرفتي الشخصية بالكاتب، لكي أمرر قناعتي أن الكتابة فعل ليس هينًا ولا بسيطًا، بل هو فعل عظيم، يعطي التجارب الحياتية قدرها الذي تستحقه.
( مرايا الموج) كتاب يثري ويغني ويعين على تجاوز المعوج في الحاضر، ويجعل القادم قطعة سكر.
( مرايا الموج) رواية صادرة عن مركز تجوال للثقافة والفنون في غزة، وارفة ظلالها بلوحة غلاف للفنانة رجاء بكرية، وتصميم صفاء عامر، و347 صفحة من القطع المتوسط، وبحر من المعلومات ذات الصلة بزمن وأشخاصٍ وأحداث وأحلام كثيرة.



#ناصر_عطاالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا أراد يحيى يخلف من -راكب الريح-
- رواية - قمر بيت دراس- للروائي عبدالله تايه شهادة على نكبة أم ...
- قراءة في-قمرٌ وجسد مظلم- للكاتب علاء أبو جحجوح
- قراءة في رواية-ملائكة في غزة-
- تصويب لموضوع منشور
- رواية نضال الصالح -خبر عاجل- قدود حلبية بعد رماد ولهب
- قراءة في رواية( الحاجة كريستينا) للروائي عاطف أبوسيف
- قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش
- قراءة في ( ماقالته الرواة عن الحواري) لعبدالله تايه
- قراءة غير ناقدة في مجموعة -ناي ونرد- للشاعرة وسام عاشور البن ...
- يسرا الخطيب - الكائن بيقيني- إتباع الهايكو لوطن أجمل.. ( ناص ...
- لا تموت هناك
- الصنم


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - ( مرايا الموج) للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي.. رمح في الرواية الفلسطينية وسماؤها الذات الكاتبة