أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الحزب الشيوعي النمساوي.. حزب لا مثيل له؟















المزيد.....



الحزب الشيوعي النمساوي.. حزب لا مثيل له؟


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 14:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(مارلين بورشاردت، يوليوس هالم، آرون كوتش) *

ترجمة حازم كويي


منذ الانتخابات التي جرت في فيينا الشهر الماضي، والتي تمكن فيها الحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) من مضاعفة نتيجته ليصل إلى 4.1%، ويواصل الحزب تحقيق نجاحات ملحوظة. فقد تمكّن خلال السنوات الماضية أيضاً من تسجيل إنجازات بارزة في مدن وبلديات أخرى. ففي مدينة غراتس، حصل الحزب في انتخابات المجلس البلدي لعام 2021 على 28.8% من الأصوات. ومنذ ذلك الحين، يشغل منصب عمدة المدينة عبر إيلكه كاهر، ويشارك في حكومة ائتلافية مع حزب الخضر (Grünen) والحزب الاجتماعي الديمقراطي (SPÖ). ويُذكر أن الحزب يمتلك عدداً من المقاعد يفوق مجموع مقاعد شريكيه في الائتلاف.
كما تمكن الحزب في مدينة سالزبورغ من تشكيل تجمع "الحزب الشيوعي بلس" (او "الحزب الشيوعي +") KPÖ PLUS، وهو تجمع لعدد كبير من الأشخاص الذين يقولون: "يجب أن يتغيّر شئ ما." إنه يضم أولئك الذين لا يريدون الوقوف مكتوفي الأيدي بينما تتصاعد تكاليف السكن لتصبح غير قابلة للتحمّل، وتُفرض التخفيضات على العمال وذوي الدخل المحدود، في حين تُفرش السجادة الحمراء للأثرياء والشركات من قبل السياسيين، ويشارك في هذا التحالف أناس من جميع مناحي الحياة: من عامل الحديد إلى الطبيبة، من الطالبة إلى المتقاعد، من الأخصائي الاجتماعي إلى الموظفة.
ان الكثيرين منهم ينشطون سياسياً لأول مرة. وباعتبارها حركة بلا جهاز حزبي ضخم، يعتمد تجمع " الحزب الشيوعي +" KPÖ PLUS على التزام عدد كبير من المتطوعين الذين يشاركون بوقتهم وجهده، حيث انهم دخلوا مجلس البلدية عام 2019 عبر المرشح كاي- ميشائيل دانكل.
وفي نيسان 2023، حقق الحزب إنجازاً تاريخياً بدخوله برلمان ولاية سالزبورغ لأول مرة منذ عام 1949، بعد أن حصل على 11.7٪ من الأصوات. وفي آذار 2024، زاد تمثيله في مجلس بلدية سالزبورغ من مقعد واحد إلى عشرة مقاعد، وأصبح دانكل نائب عمدة المدينة.
وما يلفت النظر، إلى جانب النجاحات الانتخابية، هو قدرة الحزب الكبيرة على تعبئة الناخبين الذين كانوا سابقاً من غير المصوّتين. لذا، فإن نجاحه يُعدّ مصدر إلهام حقيقي لأي مسعى لتجديد اليسار في دول أخرى أيضاً.
لطالما أعتُبر نجاح الحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) ظاهرة محلية خاصة، غير أن ما يقدّمه هو في الواقع نموذج سياسي لا يرتبط بخصوصيات محلية بعينها. فبصفته حزباً ذا "قيمة اجتماعية عملية"، يسعى الحزب في المدينتين إلى تبنّي سياسات تُشكّل دعماً ملموساً في الحياة اليومية للناس.
وفي هذا الإطار، يُركّز الحزب على أشكال متعددة من الدعم الاجتماعي والاستشارات، بالإضافة إلى حملات من أجل سياسات اجتماعية عادلة في مجالات التعليم والسكن والصحة. ويُعدّ "صندوق الدعم الاجتماعي" حجر الزاوية في هذا العمل، وهو يُموَّل جزئياً من خلال تحديد سقف لرواتب ممثلي الحزب المُنتخبين. علاوة على ذلك، يبذل الحزب جهوداً كبيرة من أجل ترسيخ وجوده بين السكان المحليين في كل مدينة.
لا تُعدُّ الاستشارات الاجتماعية أو السياسات الاجتماعية في مجالي الصحة أو السكن اختراعات جديدة بالنسبة للأحزاب اليسارية. ولذا نرغب في إلقاء نظرة أكثر دقة على شروط نجاح الحزب الشيوعي النمساوي وممارساته العملية.
ولهذا الغرض، أجرينا ما مجموعه 18 مقابلة. جميع الأشخاص الذين أُجريت معهم المقابلات هم أعضاء في الحزب، وينشطون فيه إما بشكل تطوعي أو مهني، أو يشغلون مناصب منتخبة. (وسيتم الاستشهاد بهم لاحقًا ضمن الاقتباسات).
حزب قديم بروح شابة
تعود الجذور التاريخية للحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ)، تماماً مثل الحزب الشيوعي الألماني (KPD)، إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى. فقد تأسس الحزب عام 1918، وكان بعد الحرب العالمية الثانية طرفاً مشاركاً في إعادة تأسيس الجمهورية النمساوية عام 1945، إلى جانب حزب الشعب النمساوي (ÖVP) والحزب الاجتماعي الديمقراطي ( (SPÖ.
ومع ذلك، لم يتمكن الحزب الشيوعي من ترسيخ موقعه خلال خمسينيات القرن الماضي، وانكفأ تحت ضغط التوجه العام المتصاعد في النمسا ضد الشيوعية، خاصة بعد التحول إلى ما بعد الستالينية. وفي عام 1959، خرج الحزب من البرلمان الوطني النمساوي.
وفي العقود التالية، أتسمت سياساته بالجمود العقائدي الماركسي-اللينيني، إلى جانب تراجع مستمر في عدد أعضائه. ومع انهيار الكتلة الشرقية، دخل الحزب الشيوعي النمساوي مرحلة من عدم اليقين.
منذ تسعينيات القرن الماضي، شرع فرع الحزب في ولاية شتايرمارك – الذي كان يُنظر إليه على أنه الأشد تصلباً – بمحاولة لإعادة توجيه سياساته. فطوّر ما يُعرف اليوم بـ"نهج القيمة الاجتماعية للعمل"، والذي أصبح الآن نموذجاً يُحتذى به لفروع أخرى من الحزب في أنحاء النمسا.
وبحلول مطلع الألفية الجديدة، كانت معظم الفروع المحلية للحزب الشيوعي النمساوي قد أصبحت غير نشطة تقريبا، واستمرت في فقدان مكانتها الاجتماعية.
ورغم ذلك، فإن فرع الحزب في مدينة غراتس يُعد حالة خاصة، إذ يتمتع بتاريخ طويل من النشاط والممارسة البرلمانية. أما فرع الحزب في سالزبورغ، فلم يُبعث من جديد إلاّ بين عامي 2017 و2019، حيث شهد آنذاك إنتعاشاً سياسياً واضحاً.
في تلك الفترة، بدأ الحزب الشيوعي على المستوى الوطني في التقرب من نشطاء "الشباب الخضر"، الذين تم إستبعادهم في وقت سابق من حزب الخضر. ومن هذا الانفصال، وُلد تنظيم شبابي جديد تحت اسم "الشباب اليساري". وفي سالزبورغ، اندمج التنظيمان بالكامل، ومنذ ذلك الحين، يظهران بصيغة تجمع " الحزب الشيوعي +" (KPÖ Plus) في المدينة وعلى مستوى الولاية، ويشكلان فاعلاً سياسياً جديداً في مواجهة الأحزاب التقليدية.
يضم الحزب الشيوعي النمساوي اليوم حوالي 2500 عضواً، ويطمح إلى التوسع. إلاّ أنه لا يزال يعمل، ولو بشكل معدّل، وفق نموذج "حزب الكادر". وداخلياً، يعتمد الحزب مبدأ التنظيم القائم على "المركزية الديمقراطية".
وبالطبع فإن مصطلح "حزب الكادر" هو تعبير قديم يعود إلى التقليد الماركسي - اللينيني، لكنه لا يزال، على ما نعتقد، يحتفظ بأهميته، لأن الفكرة تقوم على إختيار أشخاص معروفين بأنهم جيدون في التعامل مع الآخرين وموثوقون، ومحاولة وضعهم في مواقع حاسمة. ومن ناحية أخرى، من المهم جداً أيضاً إشراك القاعدة العريضة من الأعضاء في إتخاذ القرارات الأساسية.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن بناء الحزب يجري دائماً، على المستوى المحلي، من القاعدة. وتُظهر المقابلات التي أُجريت حضوراً واضحاً لسردية تقوم على الاحترام المتبادل في التعامل، ولهذا تم التأكيد مراراً على أهمية العمل الاجتماعي الداخلي في تجديد بنية الحزب وتحديثها وجعلها أكثر جذباً للأجيال الجديدة.
في الممارسة العملية، يعني هذا أن القرارات السياسية الكبرى – مثل الحكم المشترك مع الحزب الاجتماعي الديمقراطي (SPÖ) وحزب الخضر في مدينة غراتس – تُتخذ بشكل جماعي بمشاركة جميع الأعضاء. أما القرارات اليومية في العملية السياسية فتُتخذ في الغالب من قِبل القيادة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لأي شخص أن يصبح عضواً في الحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) بشكل تلقائي، إذ يشترط دائماً إجراء مقابلة شخصية قبل الانضمام. كما يطالب الشيوعيون بأن تكون العضوية مرتبطة بنشاط فعلي وملموس.
بشكل عام، يُجسّد الحزب اليوم تداخلاً بين تقليد شيوعي عمره مائة عام وطابع جديد وشاب يسعى حالياً إلى توسيع نفوذه نحو مدن ومجتمعات محلية أخرى. وتكمن خصوصية هذا النهج السياسي من جهة في المساعدات الملموسة التي يقدمها الحزب للأشخاص المحتاجين، وفي فرض سقف على رواتب النواب التابعين له – وهي ممارسات يعود أصلها جزئياً إلى كومونة باريس. ومن جهة أخرى، فإن الحزب الشيوعي النمساوي الحالي يختلف إلى حد كبير عن الحزب العقائدي الذي عرف في القرن العشرين.
البرنامج والنشاط
من حيث البرنامج والأهداف المجتمعية، لا تختلف المبادئ الأساسية للحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) كثيراً عن تلك التي تتبناها الأحزاب الاشتراكية أو الشيوعية الأخرى. إذ يرتبط التوجه نحو الشيوعية لدى غالبية الأعضاء برغبة في بناء مجتمع مغاير بشكل جذري للنظام القائم. غير أن الممارسة اليومية داخل الحزب تتّسم بحضور دائم وجهود تعبئة مستمرة.
وبغضّ النظر عن الجانب النظري، يعبّر العديد من الأعضاء عن شعورهم بأنهم وجدوا داخل الحزب مكاناً يشعرون فيه بالترحيب والتقدير، وهو ما يدفعهم إلى أداء عمل تطوعي واسع النطاق. وقد تحدث العديد من المشاركين في المقابلات عن مناخ داخلي تسوده روح التضامن وأجواء دافئة، كما عبّر عن ذلك أحد الرفاق من مدينة سالزبورغ، قائلا "بالنسبة لي شخصياً، أشعر أنني أستمد طاقة كبيرة من هذا. ببساطة، يعطيني الكثير عندما أتمكن من المساهمة أكثر وأشعر أن ذلك يُقدَّر."
ان مستوى الاستعداد للعمل وحجم الجهد الذي يبذله أعضاء الحزب الشيوعي النمساوي مُرتفع للغاية، خاصة في فترات الحملة الانتخابية. والى جانب وجودهم المستمر في شوارع مدينة غراتس وسالزبورغ من خلال طاولات المعلومات وجمع التواقيع على مذكرات، يقومون أيضاً بإصدار صحف محلية يوزعها الأعضاء بشكل دوري على جميع الأسر. بالإضافة إلى ذلك، يعتني النشطاء بمرافق الحزب مثل "بيت الشعب" أو ينظمون فعاليات مثل الحفلات، ووجبات الطعام، والأنشطة التعليمية. ولا تختلف العديد من هذه الأنشطة عن تلك التي تنظمها أحزاب يسارية أخرى، لكن بالنسبة للحزب الشيوعي النمساوي الذي يُعد صغيراً نسبياً، يتطلب الأمر جهداً كبيراً.
حزب مفيد للحياة اليومية
إحدى النقاط المركزية في فهم الحزب السياسي هو مصطلح "القيمة النفعية"، أي الجانب العملي أو النفعي لشئٍ ما ـ بمعنى: كيف يمكن استخدامه أو فائدته الفعلية للناس.
يضع الحزب الشيوعي النمساوي لنفسه هدفاً يتمثل في أن يكون حزباً مفيداً للحياة اليومية. وهذا يظهر بشكل خاص في إستشارات الإيجار والضمان الاجتماعي، وكذلك من خلال صندوق اجتماعي أنشأه الحزب لدعم الأشخاص في حالات الحاجة.
يمكن تتبع فلسفة القيمة النفعية إلى مناقشات الحزب الشيوعي النمساوي في ولاية شتايرمارك في أوائل التسعينات. وفي ظل خلفية إعادة توحيد ألمانيا وانهيار الاتحاد السوفيتي، كان الحزب الشيوعي النمساوي مضطراً لمراجعة "حق وجوده" و"ضرورته" من جديد في السياق السياسي للأحزاب اليسارية.
وكانت الإجابة "هي أننا يجب أن نكون حزباً ذا قيمة نفعية، وخاصة بالنسبة للطبقات العاملة، لأولئك الذين ليس لديهم لوبيات، والذين يعانون من التمييز الاجتماعي. ومن هذا المبدأ نشأت العديد من المبادرات الجيدة التي لا تزال مؤثرة في الممارسة السياسية للحزب الشيوعي النمساوي حتى اليوم. على سبيل المثال، في بداية التسعينات تم تأسيس خدمة الطوارئ للمستأجرين، وهي رقم هاتف لا يزال موجوداً حتى اليوم.".
بناءاً على هذا الفهم للممارسة السياسية، طور الحزب الشيوعي النمساوي في مدينة غراتس خبرة تمتد لثلاثين عاماً في مجال مساعدة المستأجرين. اليوم، تعد إستشارات الشؤون الاجتماعية من أبرز سمات الحزب في مدينتي غراتس وسالزبورغ. تشمل هذه الاستشارات العديد من جوانب الحياة اليومية مثل الإيجار، وبدلات تكاليف التدفئة، وأماكن رعاية الأطفال، فضلاً عن مشاكل أخرى مثل الأعطال في الغسالات أو فواتير الكهرباء المتأخرة. وفي نفس الوقت، يُطلب من الحزب أيضاً المساعدة في القضايا الجماعية المرتبطة بالحياة المجتمعية، وليس فقط القضايا الفردية: "الجميع يعرف أن هناك مساعدة موجودة، حتى في الأحياء. معظم الناس يتوجهون إلى الحزب الشيوعي النمساوي، سواءاً كان الأمر يتعلق بعلامة لعبور المشاة أو مرآة مرورية، هناك شعور حقيقي بأنهم يفعلون شيئاً."
لقد أصبح نهج الحزب الشيوعي النمساوي معروفاً ومثيراً للجدل، حيث يعتمد في بعض الحالات على تقديم دعم مالي عندما لا تكون الاستشارات وحدها كافية. ويزور الحزب الأشخاص الذين يواجهون تهديداً بالإخلاء القسري أو القمع من السلطات. وتأتي هذه المساعدات المالية من صندوق أجتماعي تم ذكره سابقاً، والذي يُموّل من خلال خصومات الرواتب التي يدفعها الأعضاء المنتخبون في الحزب.
وغالباً ما يواجه الحزب الشيوعي النمساوي إنتقادات من المُشككين والمُعارضين السياسيين، حيث يُتهم بشراء أصوات الناخبين أو بأنه لا يعدو كونه مجرد "خبير أجتماعي أفضل". ومع ذلك، يوضح أعضاء الحزب بأنهم يسعون إلى الوقوف إلى جانب الناس في مواقف حياتهم اليومية، وتقديم الدعم والمساعدة، وفي النهاية التأكيد على أن وجود الحزب يُحدث فرقاً. ويشرحون أنهم كاشتراكيين لا يرغبون في "جعل الناس ينتظرون لحين تحقيق المستقبل الاشتراكي"، بل يسعون لتقديم شئ ملموس يساعد الناس في حياتهم اليومية: "يجب أن أتمكن من تقديم شئ في حياتهم اليومية، ويخفف عنهم صعوبات الحياة الحالية".
بالإضافة إلى ذلك، يَعتبر الحزب الشيوعي النمساوي الاستشارات الاجتماعية شكلاً محدداً من أشكال التواجد في القاعدة الشعبية. يُفترض أن يتواصل كل عضو منتخب في الحزب مع الأشخاص خارج المكتب والحزب مرة واحدة على الأقل في الأسبوع. كثير من الأشخاص الذين يزورون الاستشارات يشاركون تجربتهم مع عائلاتهم وأصدقائهم. وبالتالي، أصبح الكثيرون في غراتس وسالزبورغ يعرفون الاستشارات الاجتماعية. من جهة أخرى، يتلقى أعضاء الحزب مراسلات مستمرة من الأشخاص الذين يزورونهم ويكتشفون قضايا ومشاكل في المدينة يمكنهم معالجتها سياسياً على مستوى البلديات.
تعمل هذه الاستشارات بمثابة رابط بين الحزب، وخاصة أعضاء البرلمان، وبين واقع حياة السكان. ويصف الأعضاء عملهم الاجتماعي وجهودهم في السياسة المحلية على أنها "عمل صادق" يهدف إلى أن يبيّنوا للناس أنه "لا يوجد ما يدعو للفخر لعدم الاهتمام بالأشياء الصغيرة". في النهاية، يرتبط مفهوم "القيمة النفعية" بشكل مباشر بمصداقيتهم كحزب يمثل الطبقات العاملة، مما يساعد على "تفكيك أسطورة الشيوعية" وجعل اليوتوبيا الاجتماعية أكثر قابلية للتحقق.
التخصص المهني في القضية
كان من المعروف أن الحزب الشيوعي النمساوي يتبع سياسة سكنية صارمة، مما أكسبه لوقت طويل سمعة "حزب ذو قضية واحدة". فقد تمكن الحزب في كل من غراتس وسالزبورغ من بناء سمعة قوية بفضل تخصصه في هذا المجال.
تم التعرف مبكراً على أن موضوع الإسكان يتبلور كمسألة نظامية، حيث يصبح الحد من مصالح الربح لصالح فئات اجتماعية ومهنية مختلفة أمراً ذا أهمية. ومن خلال هذا الموضوع المركزي، يربط الحزب قضايا أخرى. على سبيل المثال، يجادلون بأن "حماية المستأجرين في سالزبورغ هي أفضل حماية للبيئة"، لأن ذلك يمنع التوسع العمراني الزائد وزيادة حركة التنقل. كما ترتبط فرص التعليم بالظروف السكنية المتدنية للعائلات في المدينة، أو عندما تتعلق سياسة الثقافة بمشكلة العقارات الفارغة في المدينة، ينجح الحزب في تعزيز مكانته كـ "حزب سكني". وهذا يعني أيضاً أن الحزب يُفضّل "عدم التطرق إلى عشرة مواضيع مثيرة للجدل حيث لا تكون لديه معرفة كافية بها، بل يفضل التركيز على قضية واحدة وإتقانها بشكل جيد".
لكسب المزيد من الأهمية في الساحة السياسية المحلية وفي النهاية لتحقيق النجاح، تم التركيز بشكل متعمد على الظهور بشكل متخصص:"كان تقديرنا أنه لا يمكن النجاح بدون [الخبرة المتخصصة]، لأنه إذا قمنا على سبيل المثال بإرسال بيانات صحفية تحتوي على ثلاثة فقرات من رأينا الشخصي، فإنها ستكون غير مثيرة للاهتمام بالنسبة للصحفيين. نحن نحاول في الواقع العمل بطريقة قائمة على الأدلة التجريبية. نحتاج إلى أرقام تكون مقنعة للناس الذين لم يشاركوا بعد وجهة نظرنا."
ولإنتاج هذه الخبرة المتخصصة، يستخدم الحزب الشيوعي النمساوي في سالزبورغ بشكل محدد علاقاته مع الأوساط الأكاديمية ويستفيد من هذه الموارد في معالجة القضايا السياسية المتخصصة. لا يهدف النشطاء إلى إقناع الناس برؤى "فاضلة" فقط، بل يسعون أيضاً لعرض طرق قابلة للتنفيذ. يظهر هذا النهج في مقترحات السياسة الملموسة التي تتعامل مع مسألة الملكية. في سالزبورغ، قاموا بتطوير موقف يدعو إلى إعادة هيكلة مزود الطاقة المملوك للمدينة وإلزامه بالعمل لصالح المصلحة العامة. وعلى الرغم من أن الشركة المدرجة في البورصة قد حققت أرباحاً قياسية للحكومة المحلية والإقليمية في السنوات الأخيرة، إلاّ أن هذه الأرباح تم جنيها على حساب المواطنين في ظل ارتفاع أسعار الطاقة. ومع ذلك، لم تترتب على ذلك مطالبة عمياء بالاستملاك الكامل، "لأن تاريخ النمسا بعد الحرب العالمية الثانية هو بالفعل تاريخ مُحبط لما يحدث عندما يتم تأميم كل شئ". بدلاً من ذلك، بحثوا عن بديل عملي وممكن في الوقت الحاضر لشركة الطاقة كمؤسسة مساهمة.
مجموعات العمل - بين الخبرة والتواجد في القاعدة الشعبية
عنصر آخر في عمل الحزب هو مجموعات العمل. يخصص الحزب الشيوعي النمساوي الكثير من جهده لهذه المجموعات لتطوير الخبرة في مواضيع اجتماعية أخرى وتصبح قادرة على التعبير عنها. في هذه المجموعات، لا يتم فقط جمع المهارات والمعرفة، بل تصبح أيضاً مكاناً لتنظيم العاملين في مختلف المجالات المهنية، مما يتيح للحزب التواجد في هذه القطاعات.
كان الحزب الشيوعي النمساوي في مدينة غراتس أول من أنشأ مجموعة عمل في مجال الرعاية الصحية، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعمل قسم الصحة في المجلس البلدي، الذي يديره الحزب أيضاً. بالنسبة لأعضاء الحزب، يتعلق الأمر بشكل رئيسي بـ "جمع الخبرة المتعلقة بالعمل وحياة الناس". وبالنسبة لتنظيم الحزب، يعني ذلك أنه على الرغم من سمعته كـ "حزب ذو قضية واحدة"، فإنه قادر أيضاً على التكيف مع حملات سياسية تتناول قضايا مختلفة.
تبعاً لذلك، تم إنشاء مجموعات العمل في سالزبورغ في مجالات "التعليم"، و"الفنون والثقافة"، و"النساء". الفكرة الأساسية هي أن الناس هنا ينظمون أنفسهم بناءاً على عملهم ومهنتهم، يجمعون تجاربهم ويتواصلون مع بعضهم البعض. في النهاية، يرسل الحزب عبر هذه المجموعات رسالة مفادها أنه يجب أن يتوجه إلى العاملين في كل قطاع باعتبارهم خبراء في عملهم الخاص. يروي عدة أعضاء أنهم وصلوا إلى تجمع "الحزب الشيوعي +" (KPÖ Plus) من خلال هذه المجموعات. ومن اللافت للنظر أن العديد من النشطاء، مثلما هو الحال مع مجموعات العمل في سالزبورغ، ينتمون إلى قطاع الخدمات الاجتماعية. فهم معلمون، وعاملون اجتماعيون، وفاعلون ثقافيون. بالنسبة للكثير منهم، هناك علاقة بين شغفهم بمهنهم ورغبتهم في تحسين نظام الرعاية العامة ووجودهم الفعال في تجمع "الحزب الشيوعي +" KPÖ Plus)).
تحقيق المصداقية
وبعيداً عن السعي لأن يكون حزباً ذا قيمة عملية يومية يثبت من خلالها وجوده، يناضل الحزب الشيوعي النمساوي من أجل كسب ثقة الناس الذين يسعى لتمثيلهم. بجانب تحديد حد أقصى للرواتب للأعضاء الشيوعيين المُنتخبين، تلعب الشخصية القوية أيضاً دوراً مهماً في الظهور كحزب قريب من الناس وواقعي :"بعد عام 1998، أصبح إرنست كالت يغنر أول شيوعي يدخل حكومة مدينة غراتس، وهناك بالطبع حصل على راتب كبير، الذي يتمتع به أعضاء الحكومة. [...] لا يمكن للشيوعي أن يقبل بذلك. لذا تم تحديد الحد الأقصى للرواتب بناءاً على دخل عامل ماهر، وكل شئ يتجاوز هذا المبلغ يتم تخصيصه لدعم الأشخاص في حالات الطوارئ. وهذا قد تم تثبيته الآن في النظام الأساسي."
"الرواتب المرتفعة تؤدي إلى سياسة بعيدة عن الناس"، أصبح هذا الشعار الآن من الشعارات الشائعة للحزب الشيوعي النمساوي . بالنسبة لهم، من الضروري أن لا يفقد أعضاء الحزب المنتخبون اتصالهم بالواقع الحياتي للطبقات العاملة. لذلك يجب أن لا يتميزوا في مستوى معيشتهم أو دخلهم عن "المواطنين العاديين". يقول أحد أعضاء مجلس المدينة عن الحزب في غراتس:"في حالتي، أتقاضى 6000 يورو صافية شهرياً. إذا جلست أمامي مساعدة منزلية أو امرأة تتقاضى الحد الأدنى للمعاش التقاعدي، وإذا احتفظت بكل هذا المال لنفسي، لما كنت قادراً على قول: أعرف كيف تشعرون ".
يشير العديد من المشاركين في المقابلات مراراً وتكراراً إلى التأثير الخارجي للحد الأقصى للرواتب. يُعتبر هذا العنصر بمثابة جوهر مصداقيتهم السياسية. أن هذا الأمر يحقق نتائج يُظهرهُ رد فعل المارة عند أكشاك المعلومات: "الكل الآخر يهتم فقط بجمع المال وإظهار نفسه بشكل جيد، وأنتم الوحيدون الذين يمكن الوثوق بهم."
العامل الثاني في مهمة "المصداقية" هو التخصيص القوي للحزب. هنا لا يتعلق الأمر ببناء نجوم فقط، بل بتقديم صورة محددة جداً. يتعلق الأمر بشخصيات كاريزمية قريبة جداً من الناس. سواءاً في غراتس أو سالزبورغ، يتم الإشارة إلى الدور المركزي الذي يلعبه المرشحون الأوائل:"ليس لدي أرقام دقيقة حول هذا، ولكن حسب الشعور العام، كل شخص من أثنين لا يصوت للحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) بقدر ما يصوت لإيلكه كاهر كمرشحة رئيسية، كشخص. لديها مكانة هائلة. وهي في السياسة المحلية منذ التسعينات. الجميع يعرفها."
تساعد عملية التخصص الشخصي في جعل الحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) يبدو أكثر قرباً وسهولة في الوصول إليه، خصوصاً عندما يُنظر إلى مرشحيه الرئيسيين على أنهم أشخاص موثوقون ونزيهون. على سبيل المثال، تُعتبر إيلكه كاهار في الإعلام أنسانة متواضعة للغاية، تتنقل مثل أي شخص آخر في الترام أو على الدراجة. وعندما تُنظم فعاليات في "الڤولكهاوس" (بيت الشعب) التابع للحزب، يمكن العثور على إيلكه كاهر في خدمة غسل الصحون، تماماً مثل أي عضو آخر في الحزب.
وبالمثل، مع كاي- ميشائيل دانكل في سالزبورغ: "كاي شخص مُذهل، مرشح مثالي، فهو أيضاً خطيب بارع. هو إنسان طبيعي وأصيل تماماً. ورغم تدريبه المكثف، يشعر الناس أنه إنسان طبيعي جدًا... وهذه ميزة كبيرة. كاي يمثل بلا شك جزءاً كبيراً من نجاحنا."
يُظهر نهج تجمع "الحزب الشيوعي +" (KPÖ Plus) في سالزبورغ بشكل واضح أن بناء الشخصيات لم يُترك للصدفة. في إنتخابات البرلمان الإقليمي لعام 2023، لم يُوزع أي منشور في المدينة دون أن يظهر عليه وجه وأسم كاي- ميشائيل دانكل. تم التركيز عمداً على هذه الشخصية كرمز رئيسي، لأن الحزب كان يدرك تماماً أنهم يمتلكون شخصاً واحداً فقط في الولاية يمكن أن يصبح معروفاً على نطاق واسع. يُفترض أن تُستخدم شهرة دانكل كـ "صاروخ حامل" لدعم تعزيز وضوح مرشحين آخرين مستقبلاً: "قبل الانتخابات كان كل شئ موجهاً بشكل كامل نحو [كاي- ميشائيل]، ومنذ الانتخابات أصبح بإمكاننا جعل ناتالي أكثر وضوحاً ".
إلى جانب الشخصيات البارزة في الحزب، يسعى جميع ممثلي الحزب إلى تقديم صورة نزيهة في العلن. على سبيل المثال، يظل أعضاء البرلمان الإقليمي في سالزبورغ نشطين في وظائفهم المهنية خلال فترة توليهم المناصب السياسية. تعتبر الوظيفة الجانبية خارج البرلمان بالنسبة لهم ارتباطاً مهماً بالواقع، حيث تتيح لهم النظر إلى ما هو أبعد من حدود البرلمان. كما أن البقاء في وظائفهم يضمن لهم الأمان المالي لما بعد العمل البرلماني.
"لا، أعتقد أن هذا النموذج من العمل بجانب العمل السياسي جيد جداً، لأنه أولاً، أنا أحب وظيفتي، وفي الوقت نفسه أعتبر من المهم أن أبقى في الحياة الواقعية. لأنني أعتقد أنه ليس من الحكمة أن أتحدث طوال الوقت مع الناس في فقاعة تضامنية فقط. ويجب أن نكون واقعيين، لأن وجودنا في البرلمان مع الحزب الشيوعي النمساوي لا يعني أننا سنظل دائماً في السياسة أو أن حياتنا المالية مضمونة، لأن الأمور قد تتغير في الانتخابات القادمة."
في النهاية، يتجلى تأثير العمل الجانبي في أن هذه الأنشطة لا تشكل مجرد إشارة إلى التواضع، بل تعطي انطباعاً للأشخاص من خارج الحزب بأن النواب يتمتعون بخبرة عملية في سوق العمل وأنهم يستمرون في تطويرها. علاوة على ذلك، يبدو أن العمل البرلماني نفسه أقل أحترافية، مما يعزز صورة النواب كأشخاص قريبين من الناس ومُلمّين بقضايا الحياة اليومية.
ويتمتع الحزب الشيوعي النمساوي بقدرة على إتخاذ قرارات مدروسة وأستراتيجية بشأن المواضيع السياسية التي تعمل عليها وتتناولها علناً. ان إحدى الاستراتيجيات الرئيسية هي التركيز على القضايا الاجتماعية، مع تجنب الخوض في قضايا أخرى قد تثير الانقسامات أو تكون مثيرة للجدل بين الأطراف اليسارية الأخرى مثل الهجرة، أزمة المناخ، أو النسوية. في حالات نادرة عندما يتم تناول هذه القضايا، فإن النشاط السياسي يجري في إطار يتم فيه دعمها من قبل تحالفات المواطنين، مثل الاحتجاجات ضد بناء محطة طاقة "مور" في مدينةغراتس.
يشرح العديد من أعضاء الحزب هذا النهج بقولهم: "هناك أمور يجب أن تتحدث عنها في السياسة، وهناك أمور يجب أن تقوم بها ببساطة." وهكذا، تجنب الحزب التعامل مع "نقاط التحفيز" التي قد تكون مثيرة للانقسام أو غير مرحب بها في الخطاب المجتمعي. كما يقول أحد أعضاء الحزب في سالزبورغ: "أعتقد أنك كيساري لا تكسب شيئاً إذا كنت تتحدث طوال الوقت عن الهجرة والبيئة."
تقوم القيادة في الحزب بتقييم المواضيع وأسلوب التواصل السياسي بعناية، حيث يسعى الحزب إلى الوصول إلى جزء من السكان الذين ليس لديهم صلة بكثير من المفاهيم الاجتماعية واليسارية. كما ينتقد الحزب المنظمات اليسارية التي تميل إلى إستخدام خطاب موجه إلى فئات معينة أو مشهد مُحدد. في هذا السياق، يقول أحد أعضاء الحزب:
ان الحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) يدعم قضايا المجتمع والمتحولين جنسياً، لكنه لا يستخدم دائماً مصطلحات مثل "FLINTA"، لأنها كلمات معقدة أو غير مفهومة للناس العاديين. الحزب يقول: نريد أن نتحدث بلغة بسيطة يفهمها الجميع، حتى لا نُشعر الناس أنهم مستبعدين أو غير مُرحّب بهم. الفكرة هي أن يكون الخطاب السياسي قريباً من الناس، وليس نخبوياً أو معقّداً.
إذن، يركز الحزب على جعل خطابه أكثر للوصول للغالبية، بدلاً من التوجه بشكل محدد نحو القضايا التي قد تكون غريبة على الكثيرين.
أعضاء الحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ) يوضحون أن الخطاب العام في النمسا اليوم تهيمن عليه القوى اليمينية، ولهذا من الصعب التعبير عن مواقف يسارية بوضوح – خاصة في قضايا مثل الهجرة – دون أن تتعرض لهجوم شديد في الإعلام. كما قال أحد الأعضاء من مدينة سالزبورغ: "الإعلام يريد أن يمزقك لو قلت رأياً يسارياً في هذه المواضيع."
لكن هذا لا يعني أن الحزب يتنازل عن مبادئه أو يقترب من خطاب اليمين. فمطالب مثل "فتح الحدود" أو "الحرية الجنسية" ما زالت موجودة في برنامج الحزب الانتخابي، ولا يتم إخفاؤها أو التقليل من أهميتها. الفرق فقط هو أنها لا تُطرح كثيراً في الإعلام أو العلن، لتجنّب التصعيد والهجمات السياسية.
"يوجّه الحزب الشيوعي النمساويKPÖ إنتقاداته السياسية بالدرجة الأولى إلى حزب الشعب النمساوي (ÖVP)، بإعتباره الحزب الأقوى في البلاد والذي تحمّل مسؤولية الحكم لفترة طويلة. ويسعى الحزب الشيوعي إلى تجاوز الاستقطاب التقليدي بين اليمين واليسار في المجتمع. ولهذا السبب، ونظراً لرغبته في كسب أو استعادة ثقة ناخبي حزب الحرية (FPÖ) المُحبَطين، نادراً ما يهاجم الحزب الشيوعي النمساوي، حزب الشعب، بل يتجاهله في الغالب."
ويتبنى الحزب الشيوعي نهجاً سياسياً دقيقاً يهدف إلى جمع الناس عبر الحدود الطبقية، مثل تنظيم مهرجانات الأحياء التي تساهم في تقليل التوترات الاجتماعية وقد تكون فعالة في مواجهة العنصرية الكامنة. كما تقدم المساعدة للمهاجرين واللاجئين، مثل التبرعات إلى الحدود السلوفينية. ومع ذلك، تتم هذه الأنشطة غالباً بشكل "هادئ" بعيداً عن الأضواء.
هناك اتفاق داخل الحزب على أولوية القضايا الاجتماعية والابتعاد عن تحديد مواقف صريحة حول ما يُسمى بـ "حروب الثقافة". ومع ذلك، يمكن ملاحظة وجود مجال للنقاش داخل الحزب بشأن القضايا المثيرة للجدل، حيث يتم تداول هذه الموضوعات غالباً داخلياً. تتماشى هذه الاستراتيجية مع الموقف الذي يتبناه الحزب بشأن قضايا مثل الحصص النسائية واللغة الحساسة جنسياً، حيث يركز على معالجة هذه القضايا في سياق الهياكل الاجتماعية التي تقف وراءها.
ويتمسك الحزب الشيوعي النمساوي بشدة بضرورة الحفاظ على الانضباط الحزبي وتوحيد الصفوف في العمل السياسي، معتبرة أن الخلافات يجب أن تُناقش داخل الحزب، وليس علناً. حيث يُقال: "الاختلافات يتم مناقشتها في غرفة المعيشة وليس على الشرفة"، ما يعكس رغبتهم في تقديم صورة موحدة ومتماسكة عن الحزب. ويعتبر أن أي جماعة منقسمة لن تكون جذابة لأعضائها أو ناخبيها، لذا يسعى الحزب دوماً إلى تقديم رؤية مشتركة ومتماسكة.
الخاتمة:
نجح الحزب الشيوعي النمساوي في تحقيق زيادة ملحوظة في شعبيته وعدد أعضائه. فقد استطاع أن يُبرز صوت الطبقات العاملة في العمل البرلماني، مما يعود إلى قدرته على التكيف مع تزايد عدم الرضا السياسي وكسب ثقة الناخبين. أعضاء الحزب يعرضون صورة موحدة ويرتكزون على التناسق بين ما يقولونه وما يفعلونه سياسياً.
ومع ذلك، تبقى بعض الأسئلة مفتوحة بشأن مستقبل الحزب. خارج منطقة "شتايرمارك"، لا يزال حزباً شاباً وجديداً في العديد من الأماكن، ويجب عليه الآن إيجاد طريقهُ. إن السياسة المفيدة والموثوقة التي تتمحور حول الخبرة والعروض الجيدة هي سياسة خالدة، وتستفيد من دعم واسع. لكن ما هو التطور المجتمعي الذي سيتعين على الحزب مواجهته في المستقبل؟ يبدو أن أسلوب الحزب الذي يتجنب المواضيع المثيرة للجدل لا يزال قيد القبول، ولكن هل سيتغير هذا إذا عاد الحزب إلى الساحة السياسية على المستوى الفيدرالي في النمسا؟ حيث أن قضايا، مثل مكافحة التغير المناخي وزيادة العنصرية في المجتمع لا تحظى حالياً بأولوية بارزة في النمسا، ولكن هذا قد يتغير إذا تصاعدت المعارك الثقافية من اليمين وازدادت قوة حزب الشعب.
وسيواجه الانضباط الحزبي أيضاً تحديات أكبر مع أزدياد عدد الأعضاء. حالياً، هناك حالة من التوازن بين كون الحزب الشيوعي النمساوي حزباً تنظيمياً وبين سعيه للنمو. فالنمو في عدد الأعضاء ضروري، من أجل توزيع العمل والنشاطات على المزيد من الأكتاف وتجنب الإرهاق بين الأعضاء النشطين. في الوقت ذاته، تصبح الديمقراطية الداخلية أكثر صعوبة مع أزدياد عدد الأعضاء. ومع ذلك، تقدم سياسة الحزب وممارساته أفكاراً مثيرة للانتباه بالنسبة لسياسة يسارية ناجحة وتجديد حركة أشتراكية من القاعدة.
---------------------------
(*) مارلين بورشاردت - طالبة علم اجتماع (ماجستير) في جامعة يينا الألمانية. باحثة في السياسة اليسارية والهياكل الاجتماعية والتغيرات الاجتماعية في المانيا الشرقية منذ إعادة التوحيد.
(*) يوليوس هالم - طالب في النظريات الاجتماعية (ماجستير) في جامعة يينا الألمانية.
(*) آرون كوتش - عالم اجتماع.



#حازم_كويي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟
- أميركا أولاً،مهما كان الثمن،إلى أين؟
- إلى أين يتجه اليسار الجديد؟
- ترامب وأزمة المناخ
- مقارنات الحقبة النازية وإستمراريتها
- أميركا تستعد لتأثيرات ترامب في فترة رئاسته الثانية
- دكتاتورية الليبراليون الجُدد
- الرجعيات العالمية والشبكات اليمينية في أنحاء العالم
- كيف سيتصدى حزب اليسار الألماني أمام صعود اليمين المتطرف
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
- عودة حزب اليسار الألماني
- تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني
- هل هذه هي الفاشية الآن؟
- اليسار يواجه ثورة ثقافية حقيقية
- رياح منعشة تهب داخل حزب اليسار الألماني
- -الاتحاد الأوروبي يواجه الإنكسار-
- الأثرياء في ألمانيا لا يخلقون الثروة بل يستنزفوها
- خمس عواقب لسياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها دونالد ترامب ع ...
- إجراءات ترامب بقطع مساعدات التنمية
- العقل المدبر للذكاء الاصطناعي في الصين


المزيد.....




- مؤيدون لنتنياهو يعتدون على متظاهرين يطالبون بصفقة تبادل
- مشاهد نزول مقاتلي حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل.. ما ص ...
- أردوغان يعلن إجراء أنقرة محادثات مع بغداد وأربيل بشأن نزع أس ...
- ليبيا.. مجلس النواب يدين قمع المتظاهرين في طرابلس ويعلن بدء ...
- النجدة لفلسطين. لننهض ضد الإبادة والهمجية!
- ليبيا.. استقالات بالجملة في حكومة الوحدة الوطنية تلبية لمطال ...
- ليبيا.. استقالات بالجملة في حكومة الوحدة الوطنية تلبية لمطال ...
- أسبوع مايو الثاني ما بين رئاسة مانديلا وحكم إعدام شاه إيران ...
- النسخة الإليكيرونية من العدد 604 من جريدة النهج الديمقراطي
- ليبيا.. نواب المنطقة الغربية في مجلس النواب يعلنون دعمهم لمط ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الحزب الشيوعي النمساوي.. حزب لا مثيل له؟