أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ















المزيد.....

أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 10:48
المحور: سيرة ذاتية
    


في صباحات مدينة المسيب الوادعة، ولد الأديب والشاعر أحمد زكي الأنباري بتاريخ التاسع والعشرين من حزيران عام 1949م. هناك، في أزقتها التي تفوح منها رائحة التاريخ، خطا خطوته الأولى نحو المعرفة عندما التحق بـ"مدرسة التهذيب" الابتدائية عام 1952م، ومنها تفتحت روحه على أفق أوسع من الحلم.
واصل دراسته حتى أكمل مرحلتي الابتدائية والمتوسطة، ثم انتقل إلى دار المعلمين في مدينة الحلة، حيث تخرج فيها عام 1967م حاملاً رسالة العلم والتربية. استهل مشواره المهني في الجنوب العراقي، معلمًا في ناحية السيبة بمحافظة البصرة لعام دراسي واحد، قبل أن يأخذه القدر إلى محافظة ديالى ليغرس هناك بذور العلم في أكثر من قرية لمدة ثلاث سنوات. وفي عام 1970م، عاد إلى محافظة بابل ليبقى معلمًا في مدارس قضاء المسيب (الدرعية، اليرموك، المثنى) حتى عام 1992م، حيث أنهى رحلته التعليمية بالتقاعد، لكنه لم يغادر ساحة الكلمة.
منذ صباه، كان الأدب والتاريخ رفيقيه الأوفياء. كتب الشعر بروح العاشق المتيم، فنشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية المرموقة مثل مجلة الإذاعة والتلفزيون، وألف باء، وصحيفة الدستور اللبنانية. ولم يكن الشعر منفاه الوحيد، إذ سرعان ما اتجه صوب النقد الأدبي، كاشفًا عن ذائقة ناقدة مرهفة، وكتب استعراضات نقدية ومقالات أدبية في صحف عديدة مثل: الجنائن، الجمهورية، الصباح، المشرق، الفرات، والفيحاء، فضلًا عن مساهماته في مجلة العرب السعودية والمثقف العربي والذخائر.
لم يكن أحمد زكي الأنباري شاعرًا وناثرًا فحسب، بل كان أيضًا شاهدًا على الحراك الثقافي المحلي، مشاركًا بشعره في العديد من المحافل الأدبية، رافعًا لواء الكلمة الحرة في زمن عسير. ففي عام 2005م، توجت مسيرته الأدبية بعضوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، اعترافًا بعطائه الغزير وحضوره الفاعل في المشهد الثقافي. وقد أنصفه الباحث سعد خليل الكبيسي بكتاب تناول بعضًا من ملامح تجربته الشعرية بعنوان: "قبسات من أشعار الأديب الأستاذ أحمد زكي الأنباري" (دار الفرات – بابل).
أما حصاده الأدبي، فتمثل في مؤلفات امتدت بين التأريخ والشعر والنقد، ومن أبرزها: المسيب: تاريخ وحياة، معجم شعراء شواهد القاموس المحيط، معجم شعر وشعراء أساس البلاغة، شعر الناجم (سعيد بن الحسن الناجم)، شعر أمية بن أبي عائذ، تحقيق الجزء الحادي عشر من كتاب "مرآة الزمان"، نجد في الشعر العربي (صادر عن مؤسسة البابطين)، العليون من الشعراء (طبعة إيران)، كاظمة في الشعر العربي (مؤسسة البابطين) مع مؤلفات أخرى.
وهكذا انتقل من معلم في القرى الصغيرة إلى شاعر تفيض قصائده شغفًا، ومن ناقد فطن إلى مؤرخ يلتقط تفاصيل الحياة بعين المحب، مضى الأنباري في دربه مخلصًا للكلمة، حافظًا لذاكرة المكان، ومؤمنًا بأن الكتابة بحد ذاتها مقاومة ضد النسيان. وفي كل سطر من كتاباته، ينبض صوت العراق... صوت الأرض والإنسان.
وفي عالمٍ تخلت فيه الأشياء عن معانيها، وغرقت الجماليات في وحل العدم، تبرز القصيدة بوصفها مرآة لزمن مقلوب. ومن شعره قصيدة "كاركتير" التي لا تكتفي بأن تصور العبث، بل تعيشه لغةً وصورةً وأداءً. وسنحاول تفكيك نسيجها الفني والكشف عن أسرار صورها المشحونة بالألم والمفارقة، عبر رحلة بين الطحالب المريضة والقصور الصفيحية، في عالم لم يعد يعرف النظام ولا الجمال.
تقدم القصيدة لوحة شعرية معبرة عن عالم عبثي مختل، حيث تنقلب المفاهيم، وتتداخل الصور المتناقضة، وتنهار القيم الجمالية. في هذا المقال، نتناول القصيدة من ثلاثة جوانب رئيسية: الجانب الفني، الصور الشعرية، والأداء اللغوي.
ففي الجانب الفني: تدور القصيدة حول فكرة مركزية هي فوضى العالم وانعدام النظام، ويعبر الشاعر عن ذلك من خلال نص متحرر من قيود الوزن والقافية التقليدية، مما يجعل القصيدة تنتمي إلى قصيدة النثر أو الشعر الحر. هذه الفوضى الشكلية ليست ضعفًا، بل تتسق تمامًا مع مضمون القصيدة؛ إذ أن انفلات البنية الخارجية يوازي انفلات العالم الداخلي الذي تصفه. ورغم غياب النظام الظاهري، إلا أن النص يحافظ على وحدة شعورية واضحة، حيث تتلاحق الصور ضمن سياق يرسخ الفكرة الأساسية: عالم يسوده التشوه والخراب.
وتتميز القصيدة بتقديم صور كلية مكثفة، من أبرزها: فراشة وثير: صورة تجمع بين الرقة والراحة، في مفارقة تكشف سطحية النعيم الزائف، خيوطه من باسق النخيل: مشهد يستخدم عناصر الطبيعة الراقية في تكوين أشياء هامشية، مما يعكس تبديد القيم. قصر من القصدير والصفيح: مفارقة تجمع الفخامة الظاهرية بالهشاشة الحقيقية. حورية زينتها سخام: صورة سريالية تمزج الجمال بالقبح، مما يزيد من شعور التناقض والغرابة. بحيرة منزوعة اللسان: رمزية عميقة للعجز والخرس وسط عالم يبدو ميتًا رغم حركته.
وإلى جانب الصور الكلية، تبرز تفاصيل دقيقة ذات دلالات قوية: بعوضها حمام: انقلاب وظيفي ساخر بين الحشرات والطير النبيل، يوحي بتبدل القيم. طحالب مخضرة من شدة الزكام: تجسيد للطبيعة المريضة، عبر شخصنة الطحالب ومنحها صفات إنسانية.
لقد اعتمد الشاعر على تقنيات بلاغية متعددة، مثل: الاستعارة: تحويل المعاني المجردة إلى مشاهد محسوسة. المفارقة: إبراز التناقض بين المظهر والحقيقة. الشخصنة: إضفاء الصفات الإنسانية على الجمادات والكائنات الصغيرة لإبراز التشويه في العالم.
أما الأداء اللغوي فقد جاءت لغة القصيدة بسيطة في ظاهرها، لكنها محمّلة بالإيحاءات العميقة، من خلال: استخدام كلمات ذات دلالات ثقيلة مثل: "نفايات"، "سخام"، "دخان"، "زكام"، "صفيح". والابتعاد عن التراكيب المعقدة، مما أضفى على النص سرعة وتوترًا يتناسبان مع الفوضى الموصوفة.
ورغم غياب الوزن التقليدي، تحقق القصيدة نوعًا من الموسيقى الداخلية عبر: التكرار الخفيف لبعض التراكيب. السجع العفوي بين الكلمات (مثل "سخام" و"زكام")، مما يخلق إيقاعًا خفيًا يعزز الجو الكئيب للنص.
وتلجأ القصيدة إلى تحطيم التراكيب المألوفة للغة، ما يمنح النص طابعًا صادمًا ومتمردًا، كما في قول الشاعر:" بحيرة منزوعة اللسان".
هذه القصيدة تمثل نموذجًا فنيًا صادقًا للتعبير عن الفوضى الوجودية. عبر صور مكثفة، وأداء لغوي مشحون، وبنية متحررة من القيود التقليدية، استطاع الشاعر أن يرسم عالمًا مقلوبًا تتلاشى فيه الحدود بين الجمال والقبح، الحياة والموت، النظام والفوضى.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-
- قراءة في رواية المتألم المتأمل
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
- القاضي زهير كاظم عبود كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
- عبد علي حسن... واعادة تشكيل الوعي السردي
- المجموعة القصصية وجه أزرق بين التكثيف والايحاء الرمزي
- ذو النون أيوب يدافع عـــــــن الرصافــي
- رحلة الشرق الأوسط
- الناقد باقر جاسم محمد وآراؤه النقدية
- العتابا والأبوذية الجذور والفروق وأسبقية الظهور
- الشاعرة وداد الواسطي اصالة في الشعر وفرادة في التعبير
- الشاعر العراقي جبار الكواز شاعر متجدد
- الشاعر سعد الشلاه شاعرية متأخرة لم تأخذ طريقها للبروز
- الشاعر حميد يحيى السراب: مسيرة إبداعية ناضجة
- الشاعرة حسينة بنيان.. تنوع في الاداء والأسلوب
- محطات من مسيرة الفقيد سامي عبد الرزاق (ابو عادل)
- انطلوجيا القصة البابلية
- الدارمي والصراع الطبقي


المزيد.....




- -اعتقدت أن المعتدي سيغتصبني ويقتلني-.. إليك شهادة كيم كارداش ...
- المحكمة تنظر القضية الثانية للمحامية الحقوقية هدى عبد المنعم ...
- كيف تحوّلت قطر من -متهمة- في عين ترامب إلى -شريك استراتيجي-؟ ...
- ألمانياـ حظر جماعة -مملكة ألمانيا-: من هم -مواطنو الرايخ-؟
- مفاوضات الدوحة لوقف النار في غزة.. ما الذي يجري الآن؟
- إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ أطلقه الحوثيون وتصدر تحذيرا بإخلاء ...
- ترامب -الشرع: ما الذي ساعد للقاء؟ وماذا يغير رفع العقوبات ال ...
- تجدد الاشتباكات بين المجموعات المسلحة المتنافسة في العاصمة ا ...
- سابقة في مجال القضاء: قتيل يمثل أمام المحكمة ليشهد ضد قاتله ...
- بعد اجتياح الجراد الصحراوي.. سباق مع الزمن لإنقاذ المحاصيل ا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ