الشرارة
الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 15:27
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تكتسي إشكالية التنظيم النقابي في الماركسية – اللينينية أهمية كبرى، كما تدل على ذلك عشرات المؤلفات، التي أصبحت جزءا من كلاسيكيات الفكر الماركسي – اللينيني، التي أثارت مسألة مداخل العمل السياسي، حيث يحتل العمل النقابي أولوية في العمل الجماهيري للأحزاب الشيوعية، باعتباره مدخلا للنضال السياسي والمساهمة في الصراع الطبقي، بحيث لا يمكن تصور نضال ماركسي – لينيني ثوري دون استحضار العمل النقابي ذي البعد الثوري، ذلك أنه يشكل المدخل الرئيسي لعمل المناضلين الشيوعيين وسط الطبقة الأساسية في معادلة الصراع الطبقي أي الطبقة العاملة. وتعتبر النقابات بمثابة التنظيم الجماهيري الطبقي الأساسي للطبقة العاملة، كما أن النقابة هي التنظيم الأوسع الذي تتنظم فيه قوة العمل المأجور في تناقضه مع الرأسمال.
إن تجربة الشيوعيين، وخاصة التجربة البلشفية، لم تكن لتقوم، إلا على أساس اعتماد مفهوم الوعي الطبقي البروليتاري المطروح تثويره، بالعمل مع الطبقة العاملة والفلاحين، المنظمين في الاتحادات النقابية، وكانت مهام البلاشفة هي تنظيم وإمداد العمال بالوعي السياسي الطبقي والسلاح النظري الاشتراكي، وإمدادهم أيضا بالأفق السياسي للثورة البروليتارية، ولذلك فالنضال النقابي سواء في تصوراته أو في أشكاله التنظيمية ضمن التجربة الروسية، أو في الأفق السياسي نفسه، كان من إبداع الشيوعيين البلاشفة.
بالنسبة لتجربة القوى التقدمية عموما في المغرب، وإن كانت قد وجهت كل اهتماماتها بعد نشأتها نحو العمل النقابي (الحزب الشيوعي المغربي في بدايته، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ...)، فقد استطاعت بناء منظمات نقابية كبيرة نسبيا، إلا أنها فشلت في إحداث التغيير المنشود، نظرا لطبيعتها الطبقية والإيديولوجية البورجوازية الصغيرة.
أما بالنسبة لتجربة الحركة الماركسية – اللينينية داخل الحقل النقابي، فقد شهدت مجموعة من الإنجازات خلال مرحلة الخط الثوري داخل الحملم، رغم وجود العديد من السلبيات (الصراع الفوقي ضد البيروقراطية، عدم إدراك العلاقة الجدلية بين النضال المطلبي والنضال السياسي الثوري الجماهيري، عدم الفهم الجدلي لثنائية العمل العلني والعمل السري ...). ومن بين الأسباب أيضا، الانحراف عن التكتيكات الأساسية للحركة الماركسية – اللينينية المغربية إبان مرحلة انتصار الخط التحريفي، ونعني هنا بالخصوص مسألة "التجذر وسط الطبقة العاملة"، سواء كمفهوم للتجذر، أو كمنظور للعمل النقابي، مما دفع ببعض الأطر التحريفية نحو احتلال مواقع في القيادة النقابية، ودفع بعض الانتهازيين إلى التآخي مع البيروقراطية المتنفذة في النقابات، مما شكل القاعدة الاجتماعية لبروز التحريفية الجديدة وخيانة الماركسية - اللينينية والشيوعية والطبقة العاملة بالمغرب.
الوضع النقابي والسياسي
بالنظر إلى ظروف وملابسات تشكل الحركة النقابية في بلادنا، في علاقاتها بأحزاب وتنظيمات القوى التقدمية، فقد كانت منذ بداياتها الأولى مجالا للمد والجزر والتوافقات الطبقية، في إطار الصراع حول السلطة غداة الاستقلال الشكلي، مابين مكونات الحركة الوطنية بقيادة البورجوازية الوطنية والبورجوازية الصغيرة والنظام الرجعي القائم، بحيث اتخذت في مراحلها الأولى طابعا وطنيا تحرريا ضد الاستعمار، وعرفت هيمنة الإيديولوجيا البورجوازية للحركة الوطنية، مما جعلها تتأرجح بين مطرقة النظام الإمبريالي بمصالحه وبشركاته وشراكاته المبرمة اللامتكافئة (التبعية) بالتحالف مع النظام الكمبرادوري المتسلط على رقاب البروليتاريا والطبقات الاجتماعية الكادحة، بتكثيف الاستغلال وسرقة جهد وعرق العمال والفلاحين والحرفيين ... وسندان هيمنة النزوعات الانتهازية والاقتصادوية و البيروقراطية والتوظيف الحزبي الميكانيكي والمفرط للحركة النقابية من طرف إيديولوجيا الحركة الوطنية باتجاهها الوطني اليميني، وبيسارها التقدمي البورجوازي الصغير، وهو ما أدى بدوره إلى ضرب وحدة الطبقة العاملة، والتسليم بما يسمى فيما بعد بالتعددية النقابية المفبركة، وإلى اعتماد نقابة لكل حزب سياسي بدل نقابة ديموقراطية ومستقلة للعمال.
وفي ظروف لا مجال هنا للتفصيل فيها، وجدت الطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة نفسيهما بدون معبر سياسي طبقي ثوري، يبلور رؤية صحيحة لمفهوم الحزب البروليتاري الثوري، ولآليات التنظيم والكادر والقيادة الثورية، بتطوير مقدرات المنظمات الجماهيرية ليكون أداؤها الاجتماعي ودورها الكفاحي المطلبي يصب في النهوض بأوضاعها الاجتماعية المزرية، والدفاع عن استقلالها الاقتصادي الوطني من جهة، وفي الرفع من مستوى وعيها السياسي الطبقي والثقافي، وفي صقل قوتها الفكرية والتنظيمية، بتحصين اتحاداتها المهنية من كل الانحرافات والتشوهات الفكرية، وضمان استقلالية تنظيمها ووحدتها الطبقية من جهة ثانية.
وكانت الإمبريالية التي تلازم وتترصد الحركة العمالية والثورية باستمرار، من أجل النيل من وحدتها العضوية وتماسكها الاجتماعي ... تنهج سلسلة من المخططات السياسية والاقتصادية (التبعية) والقمعية وآليات التدمير من الداخل (الاختراقات، الإغراءات ...)، فباستثناء فترة السبعينات المتوهجة في تاريخ اليسار الثوري الماركسي – اللينيني بالمغرب ، والتي عرفت بداية التأسيس السياسي الثوري للطبقة العاملة، من خلال بناء المنظمة الماركسية ـــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" بالتحديد، التي صاغت رؤيتها وأطروحاتها في الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية ذات الأفق الاشتراكي البروليتاري، وطورتها فيما بعد بهيكلة عمل المنظمة السرية في صفوف العمال والفلاحين في بعض القطاعات الحيوية والاستراتيجية من خلال القطاعين العمالي والفلاحي.
لقد تم تطويع تنظيمات الطبقة العاملة المغربية وفكرها الديموقراطي والثوري، بل الأكثر من ذلك الإساءة لها، من خلال إفراغ قيم النضال الجماهيري وقيم الثورة ومفهوم الحزب ... من محتواها الحقيقي والطبقي، بالاستناد على الإيديولوجية البورجوازية، وجهازها المفاهيمي التضليلي، حيث استهدف بالأساس إرث وتراكم الحركة السياسية الثورية والعمالية، بإنهاك القوى الشعبية في متاهات الغموض الإيديولوجي والتذبذب والتردد السياسيين في المنعطفات التاريخية الحاسمة، سواء من خلال العلاقة المختلة للحزبي بالجماهيري وللنظري بالميداني وللتحليل الملموس للواقع الملموس ... عند جل النخب الحزبية الإصلاحية والتحريفية الجديدة.
وكان من نتائج تكالب الاتجاهات الإصلاحية والبيروقراطية والتحريفية الجديدة على الطبقة العاملة أن :
1) تكرس الضعف الكبير في التنقيب وتنظيم الطبقة العاملة، إذ لا تتجاوز نسبة العمال المنخرطين 10% في أحسن الأحوال من مجموع العاملين في الوحدات الإنتاجية.
2) تصدع وحدة الطبقة العاملة المنقبة بالرغم من ضعف انخراطها، والبلقنة الواضحة في المشهد النقابي.
3) ظهور جيوش أشباه البروليتاريا خارج التنظيم النقابي من جهة، وخارج دورة الإنتاج من جهة ثانية، والتي يعبر عنها المعدل المهول للعطالة والخدمات الهامشية وتطور القطاع غير المهيكل بشكل تضخمي.
4) تفكيك الوحدات الإنتاجية وتسريح العمال، وظهور"العمل المبطن" (الشركات المناولة أو المقاولات من الباطن) وما يسمى بالمناطق الحرة، كفضاء جديد للإنتاج، نتيجة لتطور الرأسمال العابر للقارات والإنتاج عن بعد.
أمام هذه الإشكالات المرافقة للمشهد النقابي بالمغرب، وأمام مركزية النضال النقابي، ما هي مهام واستراتيجية الماركسيين – اللينينيين للعمل داخل النقابات العمالية؟
إن الطبقة العاملة ظلت لسنين تحت هيمنة البيروقراطية على النقابات، التي كان همها الوحيد تحييد الطبقة العاملة عن الوعي الطبقي، وجعل المهام الخبزية أفقا استراتيجيا لنضال العمال، فالبيروقراطية نجحت منذ 20 مارس 1955 في رسم الخط السطحي لنضال العمال، والذي يتجلى في الدفاع عن المصالح المادية للمنخرطين خارج الصراع مع التكتل الطبقي، ومن داخل استراتيجية التعاون مع العدو الطبقي، سواء سياسيا من خلال التماهي مع مخططات الدولة المخزنية وسياساتها، أو عمليا من خلال التعاون مع الباطرونا، اعتمادا على منهجية "النضال المرن"، وإلغاء الطابع السياسي عن الإضرابات والمعارك العمالية داخل النقابة.
وقد سارت جل النقابات على نفس الخط البيروقراطي، وإن اختلفت في الشكل بين البيروقراطية الخبزية (الاتحاد المغربي للشغل) والبيروقراطية الحزبية (الكونفدرالية الديموقراطية للشغل)، مما فتح المجال للتحكم وتسييج الأجهزة امام التيارات الديموقراطية والثورية وطرد العديد من التيارات المناضلة. وقد أدى هذا الوضع إلى تبرم الجماهير من النضال النقابي، وإلى بروز العديد من الفروع النقابية، التي تتلمس الطريق بصعوبة، داخل مشهد نقابي مأزوم، وبروز "التنسيقيات" الفئوية.
المهام المطروحة
1) الدفاع الحازم عن وحدة الطبقة العاملة والتضامن العمالي في إطار برنامج ماركسي – لينيني.
2) الدفاع عن مبدأ الاستقلالية عن الدولة البورجوازية وعن الأحزاب الإصلاحية ورفع شعارات الديموقراطية والجماهيرية والتقدمية.
3) مواجهة وفضح المخططات التحريفية والإصلاحية و مواجهة النزعة الاقتصادوية الخبزية.
4) تمكين العمال من السلاح النظري، وتنظيم برنامج دعائي منظم داخل صفوف العمال.
5) ربط نضال العمال بالنضال من أجل الديموقراطية والاشتراكية.
6) العمل على فرز طليعة عمالية كنواة للتنظيم البروليتاري في أفق معقول ومحدد بقوة وذلك بواسطة فصائل شيوعية داخل النقابات.
7) العمل بجناحين: من داخل المنظمات النقابية التقدمية، ومن خارجها (الوحدات الإنتاجية مباشرة أو التنسيقيات أو الأحياء العمالية ...).
8) وضع تصور جبهوي لتوحيد الطبقة العاملة وحلفائها.
9) فرز خلايا ماركسية - لينينية (أنوية شيوعية) داخل النقابات والإطارات الأخرى في أفق بناء فصيل واسع، يستطيع التأثير في القرارات الكبرى وفرض التوجهات الثورية، ويساهم في بروز طلائع الحزب الثوري.
10) العمل من أجل توحيد كل الماركسيين – اللينينيين داخل النقابات، وخلق تيار واسع يستطيع التصدي للمهام الآنية و البعيدة المدى في أفق بناء الحزب الثوري الماركسي – اللينيني.
الشرارة
1 ماي 2025
ــــ ـــــ
يوجد هذا النص بصيغة بدف على موقع الشرارة
http://acharara.hautetfort.com
#الشرارة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟