|
تعديل الدستور استحقاق لا بدّ منه وإلغاء نظام المحاصصة الخطوة الأولى للتغيير
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 22:03
المحور:
مقابلات و حوارات
المفكّر والأكاديمي د. عبد الحسين شعبان ﻟ گولان • عدنا إلى مرحلة ما قبل الدولة • كوردستان في لحظة مفصلية • أدعو إلى ويستفاليا مشرقية • حق تقرير المصير ليس منّةً أو هبةً أو مكرمةً • تعديل الدستور استحقاق لا بدّ منه • إلغاء نظام المحاصصة الخطوة الأولى للتغيير • الحوار ثمّ الحوار ثمّ الحوار قاعدةً للتفاهم والسلام والتعاون
في أبحاثه ودراساته قدّم المفكّر والأكاديمي د. عبد الحسين شعبان طائفةً جديدةً من الأفكار والآراء والاجتهادات، وقام خلال عمله بسلسلة من المبادرات الثقافية والحقوقية والفكرية، سواءً أيام المعارضة أو ما بعد العام 2003، ومنها دعوته إلى "قانون لتحريم الطائفية وتعزيز المواطنة" في مطلع الثمانينيات، وهو أوّل من نظّم حوارًا عربيًا- كرديًا في العام 1992، ومنذ نحو عقدين ونيّف من الزمن، بادر إلى عقد عدد من اللقاءات بشأن حوار مثقفي الأمم الأربعة (كورد، عرب، فرس، ترك)، وظلّ مخلصًا لأطروحاته بشأن حق تقرير المصر للشعب الكوردي. وهو من أوائل المناضلين الذين ساهموا في نشر ثقافة التسامح واللّاعنف في المنطقة، واضعًا استراتيجيات لحركة حقوق الإنسان والتربية عليها فيما يتعلّق بحكم القانون والعدالة الانتقالية وقيم المواطنة المتساوية والمتكافئة وتجريم العدوان وعدم الإفلات من العقاب، وهو صاحب فكرة الدعوة إلى رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن القدس. خلال زيارته الأخيرة إلى أربيل، حاورناه حول بعض اجتهاداته بخصوص غياب مشروع الدولة لدى القوى والتيارات السياسية التي حكمت البلاد بعد الإطاحة بالنظام الديكتاتوري، وفيما يأتي نص الحوار:
حاوره فرهاد محمد
• ذكرت بأننا نعيش مرحلة ما قبل الدولة، لماذا ليست لدينا دولة حتى الآن؟
نشأت الدولة العراقية في العام 1921، دولة بسيطة مركزية بدستور (قانون أساسي) صدر في العام 1925، وتراكمت لديها تجربة خلال العهد الملكي، واستكملت مقوّمات الدولة أوليًا في الخمسينيات عند تأسيس مجلس الإعمار، الذي أحدث نموًا هائلًا في الميادين كافة، خصوصًا بترشيد استخدام موارد النفط لصالح تطوير البنية التحتية وتحقيق التراكم والتقدّم في الميادين كافّة. بعد ثورة 14 تموز / يوليو 1958 بدأت السلطة تتغوّل على الدولة، لاسيّما بهيمنة العسكر، على الرغم من تحقيقها بعض المنجزات المهمة، إلّا أن السلطة أصبحت مهيمنة على الدولة بالتدرّج، وضاقت القاعدة الاجتماعية للدولة أكثر فأكثر مع مرور السنوات بحكم الهيمنة الأقلويّة الحزبوية والسياسية والعائلية على الدولة، خصوصًا حين سيطر صدام حسين على السلطة في العام 1979. وجرت عملية تأليهه كزعيم أسطوري مطلق الصلاحيات. وهكذا حلّت السلطة محل الدولة وأخضعت الأخيرة إليها في ظلّ طغيان الواحدية والإطلاقية والاستبداد وضيق الأفق. وما أن احتُل العراق في العام 2003 تفكّكت بقايا الدولة، وتبدّدت السلطة المركزية الشمولية (التوتاليتارية)، التي بدأت بالتآكل في فترة الحصار الدولي (1990 - 2003)، وجاءت الضربة الحاسمة على يد الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر باتخاذه عددًا من الإجراءات والخطوات، وكان أولها حلّ الجيش العراقي وعدد من المرافق الأخرى الحيوية، وبدأت تصعد من القاع جماعات ما قبل الدولة لتحل محل بقايا الدولة أو هوامشها، وهي سلطات أخرى دون سلطات الدولة، لكنها سعت لوضع نفسها بديلًا عنها أو حتى فوقها، وهي في حالة تبدّد وتفتّت وفوضى. وفي لحظة غياب الدولة نشطت الطائفية والعشائرية والمناطقية كمرجعيات تعود إلى ما قبل الدولة لتتصدّر الواجهة في توليفات غريبة لتشكّل جماعات ضغط ونفوذ تعويضًا عن مسعى إعادة بناء الدولة على أسس عصرية حديثة أساسها حماية أرواح وممتلكات الناس، وضبط الأمن والنظام العام. وهكذا واجه العراق عددًا من التحديات الجديدة في ظلّ غياب سلطات الدولة المعهودة أو بقاياها.
• وما هي هذه التحديات؟
ثمة تحديات خمس واجهها العراق بعد العام 2003 أولها - الاحتلال وما سببه من تحطيم ما تبقّى من بنيان الدولة العراقية. ثانيها - الطائفية وتفرّعاته واستقطاباتها بما فيها التقاسم الوظيفي الطائفي والإثني ونظام المحاصصة. ثالثها - انتشار السلاح خارج نطاق الدولة. رابعها - الفساد الذي أصبح مؤسسة يشار إليها بالبنان، يتمّ فيها التخادم بين الأطراف السياسية المهيمنة على المشهد السياسي. وخامسها - الإرهاب والعنف المتفشي في البلاد وتحت عناوين مختلفة. كل هذه العوامل أعادتنا إلى مجتمع ما قبل الدولة، الذي يقوم على جماعات بشرية محدودة متصارعة ومتناقضة ومتضاربة ومتفقة في الآن على شكل من أشكال العلاقة المريبة وتوزيع المصالح فيما بينها.
• هل المشكلة في هيمنة الشيعة وعدم وجود خبرات لهم في إدارة الحكم؟
كنت ألقي محاضرةً في مركز البحوث الأفريقية والعربية في القاهرة في العام 2004، الذي يديره الراحل حلمي شعراوي ويترأسه المفكّر سمير أمين، فسألني أحد الباحثين عن مشكلة الشيعة، فقلت له: المشكلة ليست بالشيعة، بل هي بالشيعية السياسية، وهناك فرق بين الشيعة كطائفة وبين الشيعية السياسية، والمشكلة ليست بالسنة كطائفة وانما المشكلة بالسنية السياسية، والمشكلة ليست بالكورد "الكوردايتي" كقومية كما يعتقد البعض، وإنما أحيانًا بالكوردية السياسية. والصراع يجري هكذا بين فصائل وجماعات ومسلحين وأحزاب وامتيازات، وكذا وكذا باسم الطوائف والإثنيات، ولعلّ ذلك سيكون حائلًا ومعرقلًا أمام إعادة بناء الدولة. ومنذ الإطاحة بالحكم السابق، ما تزال الدولة تعاني من التحديات الخمس الكبرى، التي ذكرتها.
• وهل كانت لدينا دولة في ظلّ الديكتاتورية؟ إذا رجعنا أبعد من العام 2003، فمنذ نهاية الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988) وبداية غزو الكويت (1990) وحرب الخليج الثانية العام 1991 إلى اليوم والدولة تعاني من تعويم السيادة. العراق ما يزال ناقص السيادة حتى الآن أو أن سيادته مجروحة منذ عقود من الزمن، وذلك بسبب القرارات الدولية أولاً ونظام العقوبات الجائر الذي فُرض عليه بسبب مغامرات وطيش النظام السابق ثانياً، والتدخلات الأجنبية في الشؤون العراقية ثالثاً، وهذه الأخيرة ما تزال مستمرة، وهي تدخلات إقليمية ودولية، عسكرية وسياسية مكشوفة ومستترة. فمثلًا إن ذراع إيران طويل في العراق، ممتدّ وضارب ومؤثر، وهو يثير قلق الأمريكان، في حين أن القواعد العسكرية الأمريكية تثير قلق الإيرانيين، وهكذا يقع العراق بين خصمين لدودين، الأول يتغلغل بطريقة ناعمة سياسية ومذهبية ومصلحية، والثاني موجود بفعل اتفاقية رسمية انتقل العراق فيها من الاحتلال العسكري إلى الاحتلال التعاقدي. أمّا الوجود التركي في العراق فهو أيضاً ما زال قوياً ومؤثراً، ولتركيا قواعدها العسكرية، وثمة نفوذ أخذ يتّسع في أواسط عراقية معينة باسم التركمانية السياسية وبعض المصالح الكوردية ومجموعات من السنيّة السياسية، التي قسم منها يتعلّق بالموقف من حزب العمّال الكردستاني PKK وزعيمه أوجلان، وبالطبع فإن كل تلك التدخّلات والتداخلات تنتقص من السيادة وتثلمها وتبترها في جوانب معينة. ثم هناك جوانب أخرى، فما زالت أموال العراق موضوعة في البنوك الأمريكية، وبالإمكان وضع اليد عليها في أية لحظة، وهذا ينتقص من مبدأ السيادة الاقتصادية على الموارد، إضافة إلى ما تفرضه اتفاقية الإطار الاستراتيجي والعلاقات العراقية - الأمريكية من اشتراطات فيما يتعلّق بالسلاح وتأهيل القوات المسلّحة والنفط والتعليم وغير ذلك، وهو ما يجعل سيادة العراق معوّمة. • هل تعني ثمة تغييرات مفاجئة تنتظر العراق أو هي برسم الاستحقاق؟
لا أقصد ذلك كما يروّج البعض إرادويًا، بل أنا أحلّل وأقرأ المتغيّرات الجيوبوليتيكية، خصوصًا وثمة إشكاليات ومشكلات يعاني منها العراق داخليًا وخارجيًا، فإضاقة إلى التحديات الخارجية، فإن نظامه يقوم على الغنائمية السياسية، ويستند إلى الزبائنية والولائية والمحاصصة والتقاسم الوظيفي، فلا يمكن أن تُقيم دولة وفقًا لنظام الغنائم القائم على الزبائن والولاء، بدلًا من حكم القانون والكفاءة والإخلاص للوطن. الدولة تقوم على المواطنة، وهذا يعني وجود مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات وفقًا لمبادئ معروفة، وليس على المكاسب والامتيازات والتخادم. شخصيًا لا أطمح إلى قيام نظام مثالي، بل واقعيًا لا بدّ أن يقوم على الحد الأدنى من مبادئ المواطنة التي ترتكز على المساواة بين المواطنين وشيء من الحريّات، ولاسيّما حريّة التعبير والحق في التنظيم والمشاركة والشراكة في الوطن، وشيء من العدالة.
• هل تعني غياب وحدة القرار؟
نعم الدولة ليس لديها قرار موحّد بأي شيء، هات لي شيء واحد يثبت أن الدولة تمتلك قرارًا موحدًا حتى إزاء قضايا إجرائية، فما بالك بالقضايا الجوهرية والاستراتيجية. مثل الموقف من الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ففي إقليم كوردستان يرحبون به، أمّا الفصائل المسلحة ونصف الحكومة ضده، ويهددونه ويطالبونه بالانسحاب أو بالتعرض له. أما السنية السياسية فغالبيتها الآن مع الوجود الأمريكي، في حين كانت هي بالأساس ضده بعد الاحتلال، وتلك إحدى مفارقات السياسة في بلدنا، ولاسيّما وأن الساحة امتلأت بسياسيي الصدفة والباحثين عن مصالحهم الخاصة، دون أن تعنيهم مصالح الوطن العُليا.
• وماذا عن الفيدرالية؟
ثمة اختلافات وتعارضات معلنة ومضمرة بشأنها، فالسنية السياسية لم تصوت على الدستور بسبب وجود نص يتعلّق بالفيدرالية، في حين أنها الآن تريد إقامة فيدراليات أسوةً بإقليم كوردستان، والشيعية السياسية التي أيّدت الفيدرالية في السابق، بل أنها دعت إلى فيدرالية للجنوب، حيث قرّر البرلمان ذلك بمبادرة من صاحب هذا المشروع وهو السيد عبدالعزيز الحكيم، لكنه تمّ تأجيل تنفيذه 18 شهراً، ثم نُسي الأمر وكأنّ شيئًا لم يكن. وشخصيًا أتلمّس أن القسم الأكبر من الشيعية السياسية هو ضد الفيدرالية تصريحًا أو تلميحًا، معنًى أو مبنًى، وهي تريد العودة إلى الحكم المركزي بشكل أو بآخر، حتى وإن لم تقل بذلك، لكنها من حيث التطبيقات الفعلية والعلاقة بتنازع القوانين والمصالح بين الإقليم والمركز، هناك شبه عودة إلى الدولة المركزية أو رغبة مكبوتة تظهر بين الفينة والأخرى، كما أن ثمة اتجاه داخل الإقليم يتعامل خارج نطاق الفيدرالية وأعلا منها أحيانًا، لاسيّما بغياب المجلس الاتحادي الذي قرّره الدستور، لكنه لم يتحقّق منذ عقدين من الزمن.
• ما طبيعة الدولة الحالية أو بقاياها كما تقول؟ انتقل العراق من عام 2003 من دولة بسيطة مركزية، بل شديدة الصرامة في المركزية خلال ربع القرن ما قبل الاحتلال، إلى دولة مركبة اتحادية لا مركزية من الناحية الدستورية والقانونية. ويعتبر النظام الفيدرالي نظام متطوّر على المستوى العالمي، وهو مطبّق فيما يزيد عن 30 دولة، لكن الفيدرالية دون الديمقراطية لا تعني شيئًا، فالاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا كانت دولًا فيدرالية، لكنها ليست ديمقراطية، وهكذا انتهت إلى صراعات ونزاعات وحروب. الدولة الاتحادية تعني أنها موحّدة، وتتشارك فيها الهويّات الفرعية والخصوصيات الثقافية في إدارة تحترم التنوّع وتقرّ بالتعددية على قدم المساواة بين الجميع، ويتم فيها توزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم على نحو متفاعل ومتكافل، ووفقًا للدستور وللقوانين المنظمة للعلاقة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم، بحيث يحدث نوعًا من التوازن والتخالق بما يؤدي إلى دينامية تكاملية.
• لكن أين هو الدستور العراقي من كلّ ذلك؟
الكل يقول الدستور جيد لكن فيه بعض النواقص. حسناً ليتفّق الفرقاء على معالجة النواقص وسدّ الثغرات والتخلّص من المثالب والألغام التي احتواها الدستور، والعمل على تعديله، ولكن ذلك لم يحصل، وحين يجدّ الجد يتغافل الجميع ويصمت، لأن كل طرف يريد الحصول على المكاسب حتى ولو زادت من تعقيدات الوضع، فلا الشيعية السياسية تريد التعديل ولا السنية السياسية ولا الكردية السياسية، لأن كل طرف يخشى أن يفقد جزءًا من المكاسب التي حققها في الدستور السابق. وقد يوسّع ذلك من صلاحيات الآخر على حسابه. الجدير بالذكر أن الدستور العراقي يُعتبر دستورًا جامدًا، ومن الصعب تعديله دون أن يجري توافقًا شاملًا بين الأطراف المختلفة وفقًا لما يقرّره الدستور من سياقات وإجراءات، وكان هناك قرار بتعديل الدستور منذ نهاية عام 2005، إرضاءً للسنيّة السياسية ومشاركتها في العملية السياسية، ويفترض فيه أن يتم خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2006، لكن هذا التعديل نام ولم يستيقظ منذ نحو 20 عاماً إلى اليوم، مثل الكثير من القرارات، فضلًا عن العديد من مواد الدستور، التي ما تزال معطّلة ولم تُستكمل بسن قانون خاص بها.
• هل الطائفية هي العقبة؟ أورد لك مثلًا صارخًا آخر حول الطائفية، فهناك من أخذ يتحّدث باسم الطوائف، في حين هناك فارقًا جوهريًا بين الطائفة والطائفية، لأن كل إنسان يولد في طائفة ودين وقومية ولغة وحتى اسم دون اختياره، أما الانتماء إلى الطائفية، بمعنى الرغبة في التسيّد على الآخر والانتقاص منه وادعاء الأفضليات أو امتلاك الحقيقة، فذلك شيء آخر، وهذا ينطبق على الانتماءات القومية المهيمنة التي من بعض مظاهرها السلبية الاستعلاء والشوفينية والفوقية، يقابلها الانعزالية وضيق الأفق وردود الأفعال اللاعقلانية من جانب الهويّات الفرعية. إن كل إنسان ينتمي إلى قومية ويحق له أن يعتزّ بأرومته، وبالطبع ثمة اختلافات بين القومية كرابطة وجدانية شعورية وبينها حين تصبح أيديولوجيا ونظامًا يريد تطويع الآخرين لمصالحه، ولاسيّما من جانب الأنظمة القومية المتسلّطة. وهكذا يتّضح الفرق بين الطائفة والطوائفية، فالطوائف لها وجود تاريخي واجتماعي، ولديها مزاج وعادات وتقاليد، بمعنى خصوصية ومشتركات، تقوم على ثقافات مشتركة وذكريات مشتركة ومصالح مشتركة تولّد عقليةً مشتركة تمثّل الهويّة التي يجتمع تحت لوائها مجموعة من البشر ينتمون إليها، ولكن ليس كل الذين ينتمون إلى طوائف، هم طائفيون. الطائفية كيان سياسي، أما أن يتحدّر الإنسان من طائفة أو دين أو قومية أو سلالة أو لغة فذلك أمر آخر، وهو أمر طبيعي حين يولد الإنسان، وتلك المواصفات تولد معه، أما الطائفية فهي شيء آخر مختلف له أهداف سياسية تسعى للتسيّد على حساب الآخر لاعتقادها أنها "الفرقة الناجية"، وهي أفضل من غيرها وتمتلك الحقيقة، وأن الحق معها، أينما ذهبت ومن أين جاءت وحيثما اتجهت، سيكون الحق معها ولديها أفضلية على الآخر. وتحت عناوين الطائفية، ووفقًا لمعايرها أصبحت هناك ولاءات خارجية معلنة أساها أيديولوجي سياسي وليس ديني، فالمتديّن الحقيقي والمؤمن الصادق ليس طائفيًا، وهناك طائفيون بلا دين حسب عالم الاجتماع علي الوردي، لأن الكثير من الطائفيين غير متديّنين أصلًا. قسم منهم يعلن ارتباطه بدول الإقليم، وكما تعلم ثمة نفوذ إيراني قوي وكبير داخل الساحة العراقية ، كما هناك نفوذ تركي. صحيح أن النفوذ الإيراني أخذ ينحسر بسبب التغييرات في الشرق الأوسط، لكنه ما يزال مؤثرًا في المشهد السياسي، وسبق لي أن قلت أن العراق مقسّم، نصفه إلى إيران ونصفه الآخر إلى الولايات المتحدة، لكن النصف الإيراني موجود على الأرض، أكثر مما هو قواعد عسكرية. إنه نفوذ ناعم وغير منظور أحيانًا، وأصابع إيران داخل العراق قوية ومؤثرة، ولديها جمهور من الشيعية السياسية وتتشابك المصالح والتخادم المذهبي والسياسي والاقتصادي (وأنبه هنا مرة أأخرى إلى الفرق بين الشيعة والشيعية السياسية)، أما النفوذ الأمريكي فليس لديه جمهور، وحتى لو كان لديه مثل هذا الجمهور، فإنه لا يعلن عن نفسه أو ولائه للولايات المتحدة، خصوصًا بعد الذي حصل في منطقة الشرق الأوسط، ولاسّما بعد حرب الإبادة على غزة، وتعرض لبنان إلى ضربات مؤلمة مأساوية، إضافة إلى ما حصل في سوريا بانكفاء ما سمي بمحور المقاومة بسقوط النظام السوري وفرار الرئيس السابق بشار الأسد، ومحاصرة الحوثيين في اليمن. هذه العوامل أضعفت من النفوذ الإيراني، بلا أدنى شك بما فيها تعرض حماس إلى استهدافات قاسية خلال عام وسبعة أشهر تقريباً، وكان لذلك تأثير كبير على النفوذ الإيراني المعنوي على أقل تقدير، فضلًا عن الحصار الدولي المفروض على إيران والأمريكي بشكل خاص منذ 4 عقود من الزمن، الأمر الذي أدّى إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني وانخفاض قيمة العملة. لذلك فإن إيران تفكّر الآن في حماية نفسها أكثر من حماية حلفائها، ويمكن أن تفرط بالحلفاء أو تتركهم عند منتصف الطريق، وهذا ما لاحظناه في سوريا إلى حد كبير جداً، وكذلك في لبنان إلى حدود غير قليلة.
• هل يعني ذلك انحسار فائض القوّة الإيراني؟ إيران كدولة تعمل بصورة براغماتية ولديها ديبلوماسية ذكية وماكرة، وفيها مؤسسات ذات طبيعة مركزية، وكانت تقول أن خط الدفاع عنها هو بغداد وليس طهران، وتتباهى بأنها تسيطر على أربعة عواصم عربية، وهي خطوط دفاعها، وقد منحها فائض القوّة ذلك، حيث كان قرارها نافذًا في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، إضافة إلى غزّة، لكنها بدأت تتراجع شيئاً فشيئاً على نحو ملحوظ، وقد تضطر إلى مساومات أكبر بخصوص الملف النووي، وهو ما قد تتمخّض عنه المفاوضات الأمريكية - الإيرانية. يعتمل حراك داخل الشيعية السياسية ويزداد طرح أسئلة جديدة بخصوص العلاقة مع إيران والمستقبل. إلى أين نحن مع إيران؟ ماذا لو تعرّضت إيران إلى ضربة؟ كيف سيتم التعامل مع الفصائل المسلحة؟ كيف سيتم التعامل مع الولائيين الذين يتبعون إلى إيران؟ لقد صعدت النزعة العراقوية داخل الفصائل الشيعية أكثر من السابق، وتراجعت النزعة الولائية كثيراً أو خفّت إلى حدود غير قليلة، على الرغم من وجود مصالح متشابكة، وهي مصالح اقتصادية وسياسية ومذهبية. لا يثق جزء من الشيعية السياسية في الولايات المتحدة، بل إنه يخشى من إقصائه، وحتى ملاحقته، ولذلك تراه يشعر باللايقين وعدم الثقة والقلق المستمر، ولهذه الأسباب يعتقد أن إيران عمقه الاستراتيجي، إذا ما تعرّض غداً إلى محاصرة أو تطويق من جانب واشنطن، لذلك سيتّجه إلى طهران، لأنه لا وجود لحليف آخر غير إيران بالنسبة له، فهذه مسألة حياة أو موت.
• هل يمكن ترميم العملية السياسة؟
ربما من الصعب أن يحدث ذلك بالأدوات نفسها وبالطبقة السياسية ذاتها، التي فقدت صدقيتها، وقد يحتاج الأمر إلى تسوية تاريخية بإعادة تركيب النظام السياسي، وهذا يحتاج إلى إرادة ذاتية بعد توفّر العوامل الموضوعية، فكيف يمكن فكّ الارتباط مع إيران من جانب بعض القوى السياسية؟ وكيف يمكن إقامة علاقات متوازنة بين طهران وواشنطن، بما يعيد للعراق استقلاله الوطني ويجنّبه التدخّلات والتداخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، وكمواطن عراقي أقول لا ينبغي أن يكون القرار العراقي مرتهنًا لهذه العاصمة أو تلك كجزء من التبعية تحت مبررات مخاطر داعش والإرهاب الدولي وغيرها.
• ولكن أين الكورد من ذلك؟ عبّرت عن اعتقادي في محاضرة لي في السليمانية وأخرى في دهوك، وقبل بضعة أشهر في أربيل (عينكاوة - كانون الأول / ديسمبر 2024)، أن كوردستان في هذه اللحظة المفصلية بالذات، يمكن أن تكون مركز استقطاب للاستثمار والاستقرار وللسلام، ولإجراء مصالحات بين القوى الإقليمية، إذا ما أحسنت إدارة هذا الصراع وإدارة هذا التنوّع الموجود. لقد دعوت إلى ويستفاليا مشرقية أي ويستفاليا للشرق تضم أربعة أمم، كورد وعرب وترك وفرس، تقيم علاقات إيجابية فيما بينها، وعدم تدخل في الشؤون الداخلية، وتعترف بحق تقرير المصير على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة مع تطبيع العلاقات البينية فيما بينها من حيث مرور البضائع والسلع والتبادل التجاري والتكامل الاقتصادي والإقامة والتنقل والى آخره. كل ذلك يمكن أن يتم اقتفاءً بأثر معاهدة ويستفاليا وعلى غرارها دون استنساخ، ولكن بالاستفادة من مضمونها مع أخذ ظروف المنطقة بنظر الاعتبار. لقد أُبرمت معاهدة ويستفاليا عام 1648، ومن نتائجها إيقاف الحروب الدموية الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، التي كانت تستنزفها، وأسوق هنا مثالًا صارخًا هو ألمانيا، والتي كانت عبارة عن مقاطعات أي دوقيات ومناطقيات وفيدراليات، حيث كان ضحاياها 13 مليون ونصف المليون من سكانها الذين كان يبلغ عددهم عن 30 مليون . إن تلك الحرب المجنونة التي سميّت بحرب الثلاثين عامًا، وجاءت بعد حرب المئة عام بين فرنسا وبريطانيا، والتي امتدت إلى أوروبا لم يتم وضع حدّ لها إلّا حين اتّفقت مصالح الفرقاء على وقفها، وترافق ذلك مع فترة صعود الرأسمالية والتي جاء معها نشوء الدولة القومية. وهو ما تحتاجه منطقتنا على المستويين الداخلي والخارجي. لقد استمرّ تأثير ويستفاليا من العام 1648 إلى 1789 وهذا يعني أكثر من 140 عام، وتخلخل هذا النظام حين جاءت الثورة الفرنسية، التي أحدثت تغييرًا وارتباكًا في معادلة العلاقات الدولية، وخصوصًا في أوروبا، لكنه سرعان ما جرت العودة إليه وهو ما قرره مؤتمر فيينا العام 1815، واستمرّ إلى الحرب العالمية الأولى (1914) أيضاً، أي نحو 100 عام. أجيب على سؤال لماذا كوردستان الآن؟ أقول: لكونها أكثر استقرارًا من غيرها وموقعها عامل مساعد، لاسيّما بين العراق وسوريا وتركيا وإيران. والكورد موجودون في هذه البلدان، كما أن سلطة إقليم كوردستان معترف بها دولياً، وهي جزء من نظام الحكم في العراق وفقًا للدستور، كما أن أطرافًا عراقية تتطلع إلى كوردستان أيضاً، ولهذه الأسباب يمكن لكوردستان أن تكون ساحةً للحوار والتفاهم والتعاون والاستثمار والسلام، والوضع الدولي يسمح لها بذلك، وقد تطوّرت قياسًا لبقية مناطق العراق، فمن الممكن أن تصبح نقطة استقطاب وجذب بعد أن كانت نقطة توتر ونزاع وإضعاف للدول الأربع، فهي الآن يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار إذا ما أحسنت إدارة التنوّع.
• ذكرت شيئاً لفت انتباهي موضوع التعامل مع خيرات البلد وثرواته على أساس الغنائم إلى متى يمكن أن يستمر ذلك؟
إذا أردنا إعادة بناء الدولة، فينبغي جعلها فوق جميع المرجعيات الدينية والطائفية والإثنية والسياسية والعشائرية والحزبية وغيرها، وينبغي على الجميع أن يكون تحت مظلتها، ونقطة البدء في ذلك إبطال نظام المحاصصة والتقاسم الوظيفي، وذلك يتطلّب رد الاعتبار إلى حكم القانون واحترام قرارات القضاء الذي ينبغي أن يتمتّع بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، ولا سلطان عليه. كما لا بدّ من إعادة النظر في منظومة التعليم ومناهجه وطرقه وبنيته التحتية، لأن ذلك متعلّق بمجمل العملية التنموية التي تشمل جميع مناحي الحياة.
• هل ممكن رد الاعتبار إلى هذه المؤسسات وأين دور المثقّف؟
إذا توفرت إرادة سياسية جامعة، أي أن ذلك مرهون بإذا، وإذا شرطية غير جازمة كما يقول النحويون، لكن الأساس والعتلة الرافعة للتغيير هو وجود إرادة موحّدة وتوافق عام بين القوى والتيارات السياسية، خصوصًا إذا ما شعرت أن مصالحها مهدّدة، ولن يحصل ذلك دون ممارسة ورقابة وشفافية ومساءلة، ولاسيّما مكافحة الفساد وحصر احتكار السلاح بيد الدولة. قد يكون ذلك جزء من أحلامنا المؤجلة، لكن ألسنا نحلم حين نبحث عن الحقيقة؟ نحن نطرح آراءً وأفكارًا واجتهادات ومقترحات وننتقد بشدّة الممارسات السياسية وبروح إيجابية، فتلك وظيفة المثقف، فما بالك حين تكون رجل قانون أيضًا وحقوقي وعامل في هذا المجال. التنوير وسيلة للوصول إلى التغيير برفع درجة الوعي الحقوقي والثقافي، وتلك هي أدواتنا كمثقفين. ليس لدينا أدوات أخرى فالسلطة بيد السياسي والأموال بيده أحيانًا، أمّا عدّة المثقفين فهي الفكر والتنوير، لذلك فعلى المثقف أن لا يكون رأس حاجة بيد السياسي، وينبغي أن يقول رأيه حتى وإن خالف السياسي، ولا بدّ من تجسير الفجوة بين أصحاب القرار وبين المثقفين، وإذا ما تحوّلت آراء التنوير إلى رأي عام وأصبحت قناعة لدى الناس فإنها ستكون قوّة مادية يصعب اقتلاعها. هنا يتم العامل المفصلي بالتحول والتراكم الكمّي الذي يقود إلى التغيير النوعي وإن كان تدرّجيًا أو عاصفًا. فلم تحصل الثورة الفرنسية بين ليلة وضحاها، ولم تقم بها عصبة مسلحة بالاستيلاء على السلطة، بل جاءت الثورة الثقافية لتمهّد لها عبر أفكار فولتير حول التسامح وجان جاك روسو ونظرية العقد الاجتماعي وكتب مونتسكيو "روح الشرائع"، وتلك هي التي أنضجت ظروف الثورة التي ظلّ نورها يشعّ على العالم بعد نحو قرن من الزمن وإلى اليوم ملهمةً لكل الحالمين بالحريّة والتحرّر والحق والجمال. السياسة في جوهرها منذ أن بدأ التاريخ وإلى أن ينتهي عبارة عن كلمتين صراع واتفاق مصالح، وهذا ما ينبغي فهمه والتعامل معه بدقة.
• خلال هذه الفترة الأخيرة يتحدثون عن الشرق الأوسط الجديد ما رأيك في الشرق الأوسط الجديد؟
لا شك أن تغييرات جيوبوليتيكية حصلت في الشرق الأوسط خلال العقود الخمسة المنصرمة، وكانت واشنطن قد بشّرت بذلك منذ سنوات غير قليلة، وحتى في ظل نظام القطبية الثنائية، لكن الأمر اتّخذ منحىً آخر في ظلّ هيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي بانتهاء عهد الحرب الباردة (1946 - 1989)، فبعد انحلال الاتحاد السوفيتي، وقبله سقوط جدار برلين (9 تشرين الثاني / نوفمبر 1989)، أصبحت المشاريع القديمة - الجديدة جاهزة للتنفيذ. فقط لنتستذكر ما روّجت له وزيرة خارجية الولايات المتحدة، كونداليزا رايس خلال عدوان تموز / يوليو 2006 على لبنان بدعوتها إلى قيام الشرق الأوسط الجديد والكبير.واليوم يطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشروعًا جديدًا يصبّ في ذات الاتجاه، وإن كان ثمة تحديات جديدة يواجهها. لقد حصل اختلال كبير في موازين القوى، وهو ما كان التخطيط له قائمًا منذ السبعينيات، ففي عام 1979 طرح برنارد لويس المفكّر البريطاني - الأمريكي موضوع تقسيم المنطقة إلى 41 كيانًا طائفيًا إثنيًا لغويًا سلاليًا مناطقيًا دينيًا طائفيًا إلى آخره، ووضع خرائط لذلك، هي أقرب إلى خرائط الدم، وأُقر هذا التقرير في الكونغرس الأمريكي بجلسة سرية في العام 1983، وثمة ما هو أبعد من ذلك، فهناك تقرير بايك المقدّم إلى الكونغرس الأمريكي بجلسة سرية أيضًا العام 1976، وهذا التقرير له علاقة بالمنطقة الكوردية، لاسيّما تخلّي واشنطن عن الكورد بعد الصفقة بين صدّام حسين وشاه إيران، التي عُرفت باسم اتفاقية الجزائر (6 آذار / مارس 1975)، والتي تمرّ ذكراها الخمسين هذه الأيام. وكان كيسنجر قبله أيضاً قد قال: السياسة ليس فيها أخلاق، نحن تخلينا عن الحركة الكوردية لحساب حليفتنا إيران. شاه إيران اتفق مع صدام حاكم العراق الفعلي باتفاقية عام 1975 وتسبب الأمر في إلحاق ضرر كبير بالحركة الكوردية و بثورة أيلول / سبتمبر بعد سنة من القتال 1974 - 1975. لماذا؟ السبب يوضحه تقرير بايك، هو رغبة واشنطن في عدم إلحاق هزيمة بالحكومة العراقية، ليس حبًا فيها، بل كانت واشنطن تناصبها العداء بعد تأميم النفط 1972، ولكن كي تتفرغ للضغط على سوريا، لكي توافق الأخيرة على اتفاقية فصل القوات الثانية مع إسرائيل، وجاء في تقرير بايك أيضًا أنه ينبغي الإطاحة باليمن الديمقراطية، وهذا ما تمّ العمل عليه. صحيح أن مشاريع التقسيم لم تتحقق دفعةً واحدةً، لكنها جاءت على مراحل. فعليًا حصل اختلال في موازين القوى على نحو كبير، لاسيّما بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي وفقًا لنظرية بناء الجسور التي ستعبرها البضائع والسلع والسواح والأفكار، وهذه بدأت من عهد كندي إلى أن انتهى الاتحاد السوفيتي في نهاية 1991 في عهد بوش الأب، وقد استُدرجت موسكو لتقع في المصيدة عندما عبرت أول دبابة سوفيتية الحدود الأفغانية في العام 1979. يومها توجّه بريجنسكي، مستشار الأمن القومي، بعد منتصف الليل، إلى البيت الأبيض ليكتب رسالةً من سطر واحد إلى الرئيس جيمي كارتر، قال له بالحرف الواحد "لقد وقع الدب الروسي في الفخ"، وكان ذلك المعادل لهزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، واستمر الغزو السوفيتي لأفغانستان عشر سنوات، وقد اضطر غورباتشوف إلى سحب القوات السوفيتية معترفًا بفشل السوفييت في القضاء على ما يسمى بالمجاهدين الأفغان الذين جندوا بتخطيط من الولايات المتحدة ومساعدة عدد من البلدان العربية منها المملكة العربية السعودية ومصر، وهو ما اعترف به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منتقدًا مثل ذلك الاندفاع الذي هيّأ لنمو التيار الإسلاموي على النطاقين العربي والإسلامي. وكانت تلك الخطوة الأولى لبداية انهيار الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية المعتّقة وشحّ الحريّات والبيروقراطية الحزبية، فوقع النظام الاشتراكي مثل التفاحة الناضجة بالأحضان، وهكذا تغيّرت الخريطة السياسية بلدًا بعد آخر، بل أن بعض البلدان الاشتراكية دخلت حلف الناتو وشكّلت خاصرة لروسيا، حتى مجيء الرئيس فلاديمير بوتين، الذي عمل على معافاة روسيا من محنتها القديمة، لكن الاختلال ما زال موجودًا حتى الآن.
• هل أنّ الصراع الامريكي الصيني سوف يكون أصعب من الصراع الامريكي- السوفيتي بالنسبة لأمريكا؟
أتصور أن الصراع الأمريكي - الصيني هو أصعب بكثير من الصراع السوفيتي - الأمريكي، فهو صراع علوم وتكنولوجيا وذكاء اصطناعي واقتصادات معرفة، وليس صراعًا أيديولوجيًا، فقد فشل الاتحاد السوفيتي في الصراع الأيديولوجي عبر القوة الناعمة، التي كانت تروّج لنمط الحياة الأمريكية وطريقة العيش، إضافة الى وسائل الدعاية التي كانت تستخدم الفن والأدب والسينما تحديدًا، في حين اكتفى الاتحاد السوفيتي بسباق التسلّح والخطابات الرنانة والبرامج والخطط الاقتصادية الفاشلة. إن خطة الصين 20 30 للتنمية، قد تتفوّق على أمريكا في بعض الصناعات، ولكن ذلك لا ينبغي أن يوهمنا بأن أمريكا سوف تنتهي، لأنها ما تزال هي القوه العظمى الاولى وتمتلك كل المقومات وهي الاكثر ثراءً، وهي الاكثر قدره على المناورة وعلى إعادة ترميم ما تخرب أو ما تعطل أو ما تراجع، ولديها قدرات هائلة. • وماذا عن سياسة ترامب؟
إن مجيء ترامب إلى السلطة وشعبويته وقراراته خلال اﻟ 100 يوم الأولى من وصوله إلى البيت الأبيض، تدلّ على سيادة نوع من الأوليغارشية الجديدة وهذه "أقلية الأقلية"، وهي تعبير عن مصالح معينة تجارية وأمنية بعد أن كان المجمع الصناعي الحربي بالولايات المتحدة هو الحاكم، وأقصد بذلك صناعة السلاح واستخداماته، أما اليوم فتجارة العقارات هي الأكثر رواجًا تجاريًا في تسيير دفة العالم، واعتمد الرئيس على الصفقات، وخارج حدود الديبلوماسية المعروفة والمثبتة في اتفاقية فيينا لعام 1961 حول العلاقات الديبلوماسية. لقد فاجأ الرئيس ترامب العالم بالفجاجة حين طالب بضم جزيرة غرينلاند وإلحاق كندا بالولايات المتحدة لتكون ولاية جديدة فيها، ووضع اليد على قناة بنما وعدم دفع الرسوم للسفن التجارية والعسكرية الأمريكية، التي تعبر قناة السويس وقناة بنما، كما فرض الرسوم الجمركية العالية على عدد كبير من دول العالم بما فيها حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وهذه سوف تحدث هزة كبيرة بالاقتصاد العالمي، وهو ما أشار إليه عدد من قادة الاتحاد الأوروبي. نحن لم نلمس تأثيرات سياسة ترامب بعد، وإن بدأ الأمر على أسعار النفط، وسوف تكون تأثيراتها ملحوظة على المعادن، ويطالب الرئيس الأمريكي أوكرانيا أن تضع المعادن والثروات والنفط والغاز تحت تصرّف واشنطن، بما فيها المفاعلات النووية، تعويضًا عن مساعدتها في حربها مع روسيا، على أن تقوم واشنطن بإنتاج الكهرباء والطاقة، وتوزّعها على أوكرانيا وروسيا، ولعلّ ذلك أمر غريب لم يحدث في العالم قبل ذلك.
• عودة إلى الشرق الأوسط والدراما الجديدة... ماذا تقول؟ الحديث عن شرق أوسط جديد هو قائم فعليًا. لاحظ التمدد الإسرائيلي، فلم تكتفِ إسرائيل باحتلال الجولان منذ العام 1967، بل احتلّت جبل الشيخ كاملًا، وأصبحت على مشارف دمشق، أي نحو 40 كيلومتر منها، كما دمرت 80 % من القدرة العسكرية السورية، وحاولت التدخّل حتى في النزاعات الداخلية في سوريا. وبالطبع فإن مثل تلك التغوّلات تؤثر على عموم المنطقة التي يراد لها أن تخضع كليًا للمرحلة الإسرائيلية وبموافقة ودعم من جانب الولايات المتحدة.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصبة الأمم الشرقية: قراءة في آراء سموّ الأمير الحسن
-
بيض الفساد حين يفقّس
-
النجف -خدّ العذراء-
-
عبد الحسين شعبان: سراجُ ضوءٍ لا ينضبُ زيتهُ
-
عبد الحسين شعبان.. صوت العقل والحرية والإنسان
-
حوافر القراءة الإرتجاعية ومخالبها: معاينة في كتاب د.عبدالحسي
...
-
-ومضةٌ من رحلة شعبان مع الجواهري-
-
مظفر النواب وعبد الحسين شعبان و رحلة البنفسج
-
النجف تحتضن ابنها البار المفكر عبدالحسين شعبان
-
عام التنابذ الطائفي: قراءة في خطاب الدكتور عبد الحسين شعبان
-
الدكتور عبد الحسين شعبان: أنموذج للمفكر الحر
-
عبد الحسين شعبان... المثقف النقدي والمشروع الثقافي
-
وطن التغابن -الى د. عبد الحسين شعبان-
-
تحديات بناء الدولة
-
الشعبانية في الواقع والمآل
-
النجف تكرّم مبدعيها - للمفكر شعبان ولدوحة آل سميسم وللنجف ال
...
-
عبد الحسين شعبان: عطاء مميّز في شتى حقول الفكر والمعرفة
-
عبد الحسين شعبان في ثمانينيته
-
فم مفتوح .. فم مغلق - النجف تحتفي بإبنها
-
النجف تكرم مبدعيها: عبد الحسين شعبان انموذجاً
المزيد.....
-
زفاف ذي يزن نجل سلطان عُمان ونانسي تتألق في ليالي القاهرة..
...
-
فيديو متداول لـ-بالونات غازية- في سوريا لصد الطائرات الإسرائ
...
-
مصر.. تصاعد الجدل حول قانون الإيجار القديم بعد بدء مناقشته ف
...
-
الدفاع الروسية: إسقاط 9 مسيرات أوكرانية خلال نصف ساعة
-
السودان يطلب المساعدة من السعودية للسيطرة على حريق هائل في م
...
-
تحذيرٌ لحماس في لبنان: هل يكون الخطوة الأولى نحو طرح مسألة ا
...
-
بمشاركة 30 مقاتلة... الجيش الإسرائيلي يشن غارات على اليمن
-
إيران تكشف عن صاروخ جديد بعيد المدى وسط توترات مع الولايات ا
...
-
ردا على قصف مطار بن غوريون .. ضربات إسرائيلية على ميناء الحد
...
-
ترامب يريد -العمل- مع أردوغان لإنهاء الحرب في أوكرانيا
المزيد.....
-
تساؤلات فلسفية حول عام 2024
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
المزيد.....
|