أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - النجف -خدّ العذراء-















المزيد.....

النجف -خدّ العذراء-


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 14:15
المحور: قضايا ثقافية
    


توطئة
ازدانت مضافة آل سميسم، في يوم ربيعي وبأجواء رمضانية روحانية، بالنخب المتميزة من الشخصيات الفكرية والثقافية والأكاديمية والإعلامية العربية والكردية، من داخل العراق ومن خارجه، إضافة إلى ممثلين عن المرجعيات الدينية والعشائرية والوجوه الاجتماعية المعروفة، التي اجتمعت في "النجف السعيد" أو "خدّ العذراء" كما تكنّى، وذلك أحد أسمائها الأحب إلى نفسي، مثلما تسمّى ﺑ "الغري" و"وادي السلام" و"المشهد".
فخدّ العذراء "النجف الأشرف" هي أقرب إلى حلم يفيض نورًا من قبّتها الذهبية التي تمثّل رمزية للإمام علي بن أبي طالب (ع)، أمير المتّقين والفقراء، حيث يلتقي فيها البشر من حضر وبدو وسكان أصليين ووافدين ومِللٍ ونِحلٍ في هارموني تتلوّن فيه الحياة وتتنوّع فيه اللغات وتتعدّد فيه الأجناس، ويتجمّل كلّ ذلك بالتواصل الإنساني.
النجف مدينة مفتوحة تعكس التعايش القومي والإثني والثقافي بين عربها وبين الوافدين. وعلى الرغم من طابعها العروبي، إلّا أن جامعتها الأممية التي مضى على تأسيسها نحو ألف عام عرفت التعدديّة، فكانت تضمّ طلّابًا من إيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والهند والتبت (الصين) ومن بلدان أسيا الوسطى، إضافةً إلى العرب من سوريا ولبنان والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية (وبشكل خاص من الأحساء والقطيف).
كما امتازت جامعة النجف بحريّة التفكير والبحث العلمي والجدل، ويقيّم د. محمد فاضل الجمالي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، جامعة النجف بقوله "لقد درست العديد من نظم التعليم الجامعي في الغرب، فقمت بزيارة جامعات ألمانية وبريطانية وفرنسية، ومن ضمن ما زرت جامعتي أكسفورد وكمبريدج، وإن دراستي الجامعية كانت في جامعات أمريكية، وليس في كلّ ما زرت وما شاهدت ما يضاهي مدارس النجف في حريّتها واستقلاليتها وفي ترسيخ المادة العلمية في ذهن الطالب، وتكوين شخصيته وترك الأثر العميق في حياته".
ولعلّها مفارقةً كبيرة أن ينشأ التفكير الحرّ والمنفتح في المجتمع المحافظ والمنغلق، وحسب السيّد د. مصطفى جمال الدين في كتابه "الديوان"، وصف النجف ﺑ "الفكر المنفتح في المجتمع المنغلق"، وذلك لغز من ألغازها الكثيرة.

الثمانون والنجف
ربما هي محض صدفة أن تكريمي في النجف الأشرف يصادف ذكرى ميلادي الثمانين،
ولا أدري كيف تسلّل إلى ذاكرتي يومها بيت شعر كنت قد قرأته قبل زمن طويل للشاعر المغترب أحمد الصافي النجفي، الذي كنت ألتقيه في الستينيات في الشام في مقهى الحجاز وفي بيروت في مقهى البحرين بالقرب من ساحة رياض الصلح، وكان يردّد دائمًا:
سنّي بروحي لا بِعدِّ سنيني / فلأسخرنّ غدًا من التسعيني

وعادت بي الذاكرة إلى الجواهري الشاعر الكبير وقصيدته "اللّامية"، التي يقول في مطلعها:
حسبُ "الثمانينَ" مِن فخرٍ، ومِن جذَلٍ / غشيانُها بجنانٍ يافعٍ، خضِلِ

وفي الاحتفال الذي نظمّته مؤسسة الشاعرة د. سعاد الصباح بمناسبة "يوم الوفاء"، وهو "وسام تقدير وعرفان" تمنحه المؤسسة إلى كبار المبدعين، التقيت بالصديق العزيز د. نجم عبد الكريم، الذي كان قد اقتنى كتابي "جواهر الجواهري" من معرض الكتاب الدولي بالكويت، ووقف طويلًا أمام قصيدة "يا ابن الثمانين"، وخطرت بباله فكرة مناجاتها، وأسمعني جزءًا من مطارحته تلك، فأُعجبت بها وشجّعته على نشرها، وبالفعل فقد أقدم على نشر تلك المناجاة الجميلة والرائعة لتلك القصيدة في جريدة الجريدة (3 كانون الأول / ديسمبر 2024)، التي ينشر فيها عموده الأسبوعي الثقافي المميّز، والتي ابتدأها "أنا ثمانيني، فكيف أيتها القصيدة، تترجمين بعض ملامح حياتي؟"، وهكذا فصّل القصيدة على نفسه بحيث تجيب على تساؤلاته.


أعود إلى الثمانين، فحين بلغ الجواهري الثمانين من عمره لم يتجرأ أحد على أن يأتي على ذكر ذلك أمامه، فعلاقة الجواهري مع العمر لها حكاية خاصة وطريفة ومثيرة وتتعلّق بمزاجه، ربما يأتي الوقت لذكرها. وفي العام 1982، وكان قد تجاوز الثمانين بافتراض أن ولادته كانت في العام 1900ﻡ، تفجّرت قصيدته باستحضار الثمانين، فكانت أقرب إلى عاصفة جارفة، وقد نشرتها جريدة الشرق الأوسط في 19 شباط / فبراير، وهي تتكوّن من 72 بيتًا من البحر البسيط.
لم أكن أتصوّر وأنا أقتني جريدة الشرق الأوسط وأقرأ بدهشة كبيرة قصيدة الجواهري المدهشة، ثمّ وأنا استمع إلى بعض أبياتها مباشرةً منه في اليوم التالي، أنني سأبلغ الثمانين، فبيني وبينها حين ذاك كان أكثر من نصف العمر. يومها كان الجواهري مزهوًا وهو في قصر الروضة بدمشق يردّد بصوته العذب وحركة أصابعه الممدودة وبضحكته الساحرة:

يا "ابنَ الثّمانينَ" كمْ عولِجْتَ عن غَصَصٍ/ بالمُغرياتِ فلمْ تَشرَقْ، ولم تَمِلِ
كمْ هزَّ دوحَكَ مِن "قزْمٍ" يُطاولُهُ/ فلمْ ينلْهُ، ولمْ تَقصُرْ، ولمْ يَطُلِ
وكمْ سعتْ "إمَّعاتٌ" أنْ يكونَ لها/ ما ثار حولَكَ مِن لغْوٍ، ومِن جَدَلِ
ثبِّتْ جَنانَكَ للبلوى فقدْ نُصِبَتْ/ لكَ الكمائنُ مِن غدرٍ، ومِن ختَلِ
ودعْ ضميرَكَ يحذَرْ مِن براءتِهِ/ ففي البراءاتِ مَدعاةٌ إلى الزَّلَلِ
ويردّ الجواهري في هذه القصيدة النارية على خصوم معلومين وآخرين مجهولين، وفيها عتب على الأصدقاء أيضًا، الذين لم ينبسوا ببنت شفة لمواجهة من حاولوا الإساءة إلى الشاعر، فتراه يحذّر تارةً، ويمتشق سيف التحدّي تارةً أخرى، ليقول:
يا صاحبي وحتوفُ القومِ طوعَ يَدي/ وكمْ أتتْهُمْ رياحُ الموتِ مِن قِبَلي
أجِلْ يراعَكَ في أجالِهِمْ مِزَقًا / فليسَ عندَكَ بعدَ اليومِ مِن أجَلِ
واضربْ بهمْ أسوأَ الأمثالِ سائرةً / حتَّى تثلَّمَ فيهِمْ مَضرَبَ المثَلِ!

التكريم الثاني
لم تكرّم النجف مبدعيها في حياتهم، واستثناءً حصل الأمر مرّتين، الأولى حين تمّ تكريم الشاعر الكبير الجواهري في العام 1975 من قبل الرابطة الأدبية، والثانية يوم تكريم "العبد الفقير إلى الله"، وقد أشار الأديب نجاح سميسم في كلمته الافتتاحية يوم 5 آذار / مارس 2025، أي بعد نصف قرن على التكريم الأول، أن هذا اليوم هو لتكريم المفكّر والأكاديمي المناضل عبد الحسين شعبان، كما جاء في بطاقة الدعوة أيضًا، فالنجف المدينة المعاندة والعصيّة لا تمنح رضاها بسهولة، وإن حصل ذلك فهو مدعاة اعتزاز وكبرياء ومبادلة وفاء بوفاء.
وبمناسبة تكريم الجواهري في النجف، أودّ أن أشير إلى أنه ألقى قصيدة عصماء، كنت أردّد بعض أبياتها وأنا في الحفل النجفي المهيب، وعاد واستكملها لاحقًا بعدّة أبيات، وهي بعنوان "أزح عن صدرك الزبدا"، وهي مؤلفة من 115 بيتًا من البحر المجزوء الوافر، يقول فيها:

أزحْ عنْ صَدرِكَ الزَّبدا / ودَعْهُ يبُثُّ ما وَجَدا
وخلِّ حُطامَ مَوْجِدةٍ / تَناثَرُ فوقَهُ قِصَدا
أأنتَ تَخافُ مِن أحدٍ / أأنتَ مُصانِعٌ أحَدا
أتَخْشى النَّاسَ، أشجعُهُمْ / يَخافُكَ مُغضَبًا حَرِدا
ولا يَعلوكَ خيرُهُمُ / ولستَ بِخيرِهِمْ أبَدا
تَركتَ وراءَكَ الدُّنيا / وزُخرُفَها وما وَعَدا
وما منَّتْكَ مُثقَلةٌ / بِما يُغريكَ أنْ تَلِدا
ورُحتَ وأنتَ ذو سِعةٍ / تُجيعُ الأهلَ والوَلَدا
وتَطمعُ تَجمعُ القَمَريْـ / نِ فَخرُهُما أنِ انْفَردا
ولَولا ذا لما وُجِدا / ولْو وجِدا لما افتُقِدا
عجيبٌ أمرُكَ الرَّجْرا / جُ لا جَنَفًا، ولا صَدَدا
تَضيقُ بعِيشةٍ رغَدٍ / وتَهوى العِيشةَ الرَّغَدا
وتَرفُضُ مِنَّةً رَفَهًا / وتُبغِضُ بُلغةً صَرَدا
وتَخشى الزُّهدَ تَعْشَقُهُ / وتعشَقُ كلَّ مَن زَهِدا
ولا تَقوى مُصامَدةً / وتَعبُدُ كلَّ مَن صَمَدا
ويَدنو مَطمحٌ عَجَبٌ / فتطلُبُ مَطْمَحًا بَعُدا


نجف الاحتفال
وفي ظلّ أجواء الاحتفال استعدت سحر المدينة وجمالها، صخبها وحواريها وأزقتها وناسها وأشجارها، مدارسها ومبانيها، الحضرة العلوية المطهّرة والسوق الكبير ومحلّاتها الأربعة الحويش والعمارة والبراق والمشراق، ثم الجديدة، وما داخل السور وخلف السور، فرقها الرياضية "الاتحاد" و"فيصل"، والمناسبات الحسينية، وحراكها السياسي وصراعاتها وجدل الثقافة والمثقفين فيها، شهدائها وبعض شخصياتها المؤثرة، وشعرائها والصداقات والمناشير السرية والمواعيد الغرامية، وهي التي ظلّت توشوشني كل هذه الثمانين.


- مقتطفات من الكلمة التي ألقاها د. شعبان في حفل تكريم النجف الأشرف له، والذي أقيم في مضافة آل سميسم العامرة يوم 5 آذار / مارس 2025.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحسين شعبان: سراجُ ضوءٍ لا ينضبُ زيتهُ
- عبد الحسين شعبان.. صوت العقل والحرية والإنسان
- حوافر القراءة الإرتجاعية ومخالبها: معاينة في كتاب د.عبدالحسي ...
- -ومضةٌ من رحلة شعبان مع الجواهري-
- مظفر النواب وعبد الحسين شعبان و رحلة البنفسج
- النجف تحتضن ابنها البار المفكر عبدالحسين شعبان
- عام التنابذ الطائفي: قراءة في خطاب الدكتور عبد الحسين شعبان
- الدكتور عبد الحسين شعبان: أنموذج للمفكر الحر
- عبد الحسين شعبان... المثقف النقدي والمشروع الثقافي
- وطن التغابن -الى د. عبد الحسين شعبان-
- تحديات بناء الدولة
- الشعبانية في الواقع والمآل
- النجف تكرّم مبدعيها - للمفكر شعبان ولدوحة آل سميسم وللنجف ال ...
- عبد الحسين شعبان: عطاء مميّز في شتى حقول الفكر والمعرفة
- عبد الحسين شعبان في ثمانينيته
- فم مفتوح .. فم مغلق - النجف تحتفي بإبنها
- النجف تكرم مبدعيها: عبد الحسين شعبان انموذجاً
- طائر في سماء الحرية وهب نفسه للفكر والحياة
- رائد التجديد والفكر الحر
- عرفاناً وتثميناً بذخائر ومأثر منجزاته ونبل مواقفه النجف الأش ...


المزيد.....




- نائبة رئيس الوزراء الأوكراني تكشف بنود اتفاق المعادن المبرم ...
- تونس.. إيداع -تيك توكر- معروف السجن بتهم -ذات صبغة إرهابية- ...
- الكتب أم الشاشات؟.. دراسة تكشف الفرق في نشاط دماغ الطفل بين ...
- خطر كامن في البلاستيك يفاقم أمراض القلب عالميا
- طبيب نفسي يحدد الأسباب الحقيقية للغيرة
- دراسة صادمة.. أطعمة شائعة الاستهلاك تهدد الحياة أكثر من أحد ...
- طبيب يكشف عن فوائد صحية غير متوقعة للنوم عاريا
- رغم فوائدها العديدة.. دراسة تكشف عن تأثير خطير للقرفة على ال ...
- غزة.. أعلى معدل لمبتوري الأطراف عالميا
- المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: إيران لن تتنازل عن حقها ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - النجف -خدّ العذراء-