|
عبد الحسين شعبان.. صوت العقل والحرية والإنسان
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 22:48
المحور:
قضايا ثقافية
د. عصام البرّام القاهرة
في تأريخ الفكر العراقي الحديث، يبرز أسم عبد الحسين شعبان، كأحد المفكرين والباحثين البارزين الذين تركوا بصمة مميزة، ليس فقط في مجال الدراسات الفكرية والسياسية، بل في النضال من أجل العدالة وحقوق الإنسان، والالتزام العميق بقضايا الشعوب العادلة، وفي مقدمتها قضايا التحرر، والدولة المدنية، والقضية الفلسطينية، والقضية الكردية. ينتمي شعبان الى الجيل الذي تفتح وعيه في خضم التحولات السياسية والاجتماعية العميقة في العراق والمنطقة، فانخرط مبكراً في الحركة اليسارية، حاملاً هموم الناس وتطلعاتهم، ومدافعاً عن الكادحين والمهمشين، عبر فكر نقدي تحليلي، وسلوك عملي ملتزم. ولم يكن انخراطه في الفكر اليساري مجرد موقف أيديولوجي، بل كان تعبيراً عن رؤية إنسانية ترى في الحرية والكرامة والمساواة قيماً غير قابلة للمساومة.
مسيرة علمية وفكرية ثرية يحمل المفكر والأكاديمي عبدالحسين شعبان شهادة الدكتوراه في القانون الدولي، وقد شغل مواقع أكاديمية وفكرية مرموقة، وكان حاضراً دائماً في المحافل الثقافية والندوات الحقوقية، صوتاً حراً ومدافعاً شرساً عن الحقوق المدنية والسياسية. تتوزع كتاباته بين القانون، والفكر السياسي، وحقوق الإنسان، والدين والمجتمع، وموضوعات الدولة والمواطنة، وقدّم من خلالها إسهامات نوعية أثرت النقاشات الفكرية داخل العراق وخارجه. يمتاز أسلوبه بالرصانة، والقدرة على الربط بين التحليل الأكاديمي العميق والسياقات الواقعية، مما يجعل قراءته ممتعة وذات قيمة علمية في آنٍ معاً. كما عُرف بتنوع مقالاته وأبحاثه، التي تتناول قضايا الساعة برؤية نقدية واستشرافية، دون أن يفقد البوصلة الإنسانية التي تحكم مشروعه الفكري.
مناضل في الميدان الحقوقي الى جانب مسيرته الفكرية، عُرف عبد الحسين شعبان كأحد الأصوات البارزة في الدفاع عن حقوق الإنسان، وكان ناشطاً في عدد من المبادرات والهيئات الدولية التي تهتم بالحريات، وسيادة القانون، ومناهضة العنف والطائفية. تبنى مبكراً خطاباً يقوم على العيش المشترك، والمواطنة، ونبذ الإقصاء والتهميش، داعياً الى دولة مدنية ديمقراطية تتسع لجميع مكوناتها. لقد كان لقلمه دور مهم في التوعية بخطورة الإستقطابات الطائفية والقومية، وفي فضح آليات الإستبداد، سواء أتت من أنظمة سلطوية أو من تيارات متطرفة. وفي كل ذلك، ظل وفيّاً لمبادئه، ولم يسعَ الى مكسب شخصي أو منصب سياسي، بل بقي ملتزماً بالموقف الأخلاقي الذي يُلزم المفكر الحقيقي بأن يكون في صف الضعفاء والمظلومين.
القضية الكردية والقضية الفلسطينية يتبنى المفكر والأكاديمي عبد الحسين شعبان مواقف إنسانية وعقلانية وقانونية تجاه القضيتين الكردية والفلسطينية، تنطلق من مبادئ حقوق الإنسان والعدالة. فمن ناحية القضية الكردية، يدعو شعبان الى الاعتراف بحقوق الكرد المشروعة، بما في ذلك حقهم في تقرير المصير ضمن إطار يحترم التعددية ووحدة الدولة. كما أنه يؤكد على أهمية الحوار بين العرب والكرد، ويدين السياسات التمييزية والإقصائية التي تعرض لها الكرد تاريخياً في العراق وغيره عبر تاريخهم النضالي الطويل. أما من ناحية القضية الفلسطينية، فهو من المدافعين الثابتين عن حقوق الشعب الفلسطيني، ويعتبر القضية الفلسطينية قضية عادلة ومركزية في الضمير العربي والإنساني. ويرفض الإحتلال الإسرائيلي ويؤمن بحل عادل يضمن للفلسطينيين حقوقهم الوطنية، وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير، مع إدانة كافة أشكال العنف التي تمارسها سلطات الإحتلال. إن مواقفه، تتسم بالإعتدال والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب، مع التركيز على الحلول السلمية والقانونية. يعدّ عبد الحسين شعبان من الأسماء القليلة التي قاربت القضية الفلسطينية والقضية الكردية من منطلق إنساني وحقوقي بعيداً عن الشعارات الجوفاء. فهو لم يتعامل مع القضايا بوصفها أوراقاً سياسية، بل كمعاناة حقيقة تستدعي تضامناً أصيلاً ودائماً، يقوم على الإعتراف بالحق، ورفض الاضطهاد، والتأكيد على كرامة الإنسان.
صديق وفيّ وصوت لا يُشترى بعيداً عن منابره الفكرية، فإن شعبان هو إنسان بكل ما تعنيه الكلمة، وصديق وفيّ، يعرفه كل من اقترب منه بتواضعه ودفئ مشاعره، وحرصه على الكلمة الطيبة والنقاش الهادئ. وهو ممن يجمع بين العقلانية والروح الحرة، لا يعرف المساومة على القيم، ولا يُشترى صوته بمغريات السلطة أو المال. كثيرون يعرفون عبد الحسين شعبان بوصفه مفكراً، باحثاً، وأكاديمياً مرموقاً. لكن من يعرفه عن قرب، يعرف شيئاً أعظم من كل ذلك؛ إنسان بقدر كبير من النُبل، لا تغيره المواقع ولا يغريه البريق، صديق يُعتمد عليه في اللحظة الحرجة، وصوت عقل نحتاجه حين تكثر الضوضاء. على مدى سنوات صداقتي المتواضعة معه، لم أره إلا كما هو في كتاباته؛ نزيه الفكر، رفيق الضمير، وفيّ لمبادئه ولأصدقائه. يتابعك بتواضع، يُصغي إليك باحترام، ويمنحك من معرفته دون منّة. في كل لقاء معه، كنت أشعر أنني أجلس الى رجل يحمل همّ الوطن والإنسان على كتفيه، لكنه لا ينسى أن يبتسم، أن يضحك، أن يروي الحكايات المتنوعة، في عالم السياسة أو الأدب أو الدولة، أو يسترجع ذكرى من زمن الأمل. هو ليس مجرد صديق، بل هو مدرسة في الوفاء، وفي الاستقامة، وفي الإيمان بأن الكلمة الشريفة لا تموت.
يتجسد الفكر في إنسان في زمن يعجُّ بالضجيج والإدّعاء، يبقى عبد الحسين شعبان صوتاً نقياً لا يتلوث، وقلماً لا ينحني، وضميراً حياً لا ينام. هو شاهد على حقبة عراقية متقلبة، لكنه لم يكن يوماً شاهد زور، قاوم التهميش بالكلمة، وحارب الطغيان بالفكر، وبقي واقفاً، حراً، شريفاً، ومن حق الأجيال القادمة أن تقرأ له، وتتعلم منه، وتستلهم من مواقفه وشجاعته طريقاً لفهم هذا العالم، وتحويله الى مكان أكثر عدلاً وإنسانية. لا يمكن الإحاطة بتجربة عبد الحسين شعبان دون المرور على بعض من كلماته التي تحولت الى بوصلة فكرية وأخلاقية لمن يؤمن بحرية الإنسان وكرامته. فالرجل لا يكتب من أجل الكتابة، بل يكتب لطرح أسئلة، ويهز الساكن، ويوقظ الوعي. ومن أبرزما قال: (الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع، ولا تُفهم كهدية، بل كحق لا يقبل المساومة). (الفكر النقدي ليس ترفاً، بل ضرورة في مجتمعات تعاني من الإستبداد السياسي والتكلس الفكري). (حين تُختطف العدالة باسم الطائفة أو القومية، يصبح الصمت خيانة). (الديمقراطية ليست صناديق إقتراع فحسب، بل وعي ومسؤولية ومؤسسات تحمي التعدد والتنوع). كلماته لا تسكن في النص فقط، بل تعيش في ضمير كل من قرأ له أو سمعه أو حاوره. ولعل هذا ما يجعل من كتاباته مرجعية لكل من يسعى لبناء خطاب عقلاني وإنساني في زمن الإنقسام والتخندق. أثره في جيل المثقفين الشباب رغم أن عبد الحسين شعبان ينتمي الى جيل الأوائل من المثقفين، إلا أن حضوره وسط الشباب والمثقفين الجدد كان ولا يزال قوياً ومؤثراً. لقد أستطاع أن يبني جسراً بين الأجيال، لا من خلال الوعظ أو التنظير، بل من خلال الحوار المفتوح، والدعم الحقيقي للمبادرات الشبابية، والمساهمة في تأسيس فضاءات فكرية حرة. لقد ظهر أثرهُ في مراكز الدراسات الشبابية التي تبنت كتاباته كمصدر للفكر النقدي والدولة المدنية، كما ظهرت في النقاشات الطلابية في الجامعات العراقية والعربية، حيث يتم تدريس بعض أعماله في قضايا السلم الأهلي ومناهضة العنف الطائفي. فضلاً عن، حضوره المميز في وسائل الإعلام بانتظام ليتحدث بلغة مبسطة عميقة تصل لكل فئات المجتمع. لقد أصبح مرجعاً أخلاقياً للكثير من الشباب الذين وجدوا فيه قدوة فكرية تُزاوج بين الثقافة والموقف، بين الحرف والمبدأ، بين لقانون والضمير. إن الحديث عن عبد الحسين شعبان ليس مجرد إستذكار لسيرة مفكر وأكاديمي، بل هو إستحضار لقيمة معرفية وإنسانية وسياسية فريدة، تمثل ضميراً حيّاً في زمن تتشظى فيه الحقائق وتضيع البوصلة. هو من الأصوات القليلة التي لا زالت تؤمن بأن الكلمة يمكن ان تكون مقاومة، وأن الفكر الحر يمكن أن يكون بوصلة خلاص. لعبدالحسين شعبان، الأستاذ، والصديق، وأيقونة العقل العراقي الحر، شكراً لأنك ما زلت تكتب، وتحلم، وتُضيء الطريق.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوافر القراءة الإرتجاعية ومخالبها: معاينة في كتاب د.عبدالحسي
...
-
-ومضةٌ من رحلة شعبان مع الجواهري-
-
مظفر النواب وعبد الحسين شعبان و رحلة البنفسج
-
النجف تحتضن ابنها البار المفكر عبدالحسين شعبان
-
عام التنابذ الطائفي: قراءة في خطاب الدكتور عبد الحسين شعبان
-
الدكتور عبد الحسين شعبان: أنموذج للمفكر الحر
-
عبد الحسين شعبان... المثقف النقدي والمشروع الثقافي
-
وطن التغابن -الى د. عبد الحسين شعبان-
-
تحديات بناء الدولة
-
الشعبانية في الواقع والمآل
-
النجف تكرّم مبدعيها - للمفكر شعبان ولدوحة آل سميسم وللنجف ال
...
-
عبد الحسين شعبان: عطاء مميّز في شتى حقول الفكر والمعرفة
-
عبد الحسين شعبان في ثمانينيته
-
فم مفتوح .. فم مغلق - النجف تحتفي بإبنها
-
النجف تكرم مبدعيها: عبد الحسين شعبان انموذجاً
-
طائر في سماء الحرية وهب نفسه للفكر والحياة
-
رائد التجديد والفكر الحر
-
عرفاناً وتثميناً بذخائر ومأثر منجزاته ونبل مواقفه النجف الأش
...
-
الشرق الأوسط وعواصف الجيوبوليتك
-
من عمّان إلى بيروت حوارات عربية كوردية لتعزيز التعايش وإدار
...
المزيد.....
-
المكسيك تستعد للأسوأ: 30 مليون شخص يشاركون في تمرين وطني لمو
...
-
أميركا وأوكرانيا توقعان اتفاقية المعادن
-
محللون سياسيون: إسرائيل تستغل الدروز لتنفيذ مشروع توسعي بالم
...
-
الأمن يستعيد السيطرة على أشرفية صحنايا بعد اشتباكات مسلحة
-
سويسرا تحظر حركة حماس بدءا من 15 مايو
-
الإعلان عن اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار في صحنايا
-
غارات إسرائيلية على أشرفية صحنايا وسط نزوح السكان
-
أوكرانيا -مستعدة- لتوقيع اتفاقية المعادن مع أميركا الأربعاء
...
-
اشتباكات صحنايا.. مفتي سوريا يحذر من -الفتنة-
-
سلطات الهجرة الأميركية تطلق سراح طالب فلسطيني
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|