عثمان بوتات
الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 00:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(مقدمة خارج السياق)
فجعلنا الرخام يرتعش جامدا ويتكلم صامتا!
يا أخي الحفار يا جبران! ما حكمتنا لا نتحمل الأعالي والأنظار، ترانا مستفزين هكذا، حريصين حيال أسلوبنا حتى لا تشرق أفكارنا، لما كل هذا العمق؟ وما ذنب عاشتار حتى نلقي بها في هذه الأرض، ونحفر ملامح الجمال على تمثالها، ثم نهددها بعد ذلك بالتدمير، حتى تتكلم رغما عنها في ما وجدت نفسها عليه، كإلهة حب، كلاما صامتا. أهي الظالمة بالله أم نحن الظالمون؟
(الحقيقة الصغيرة عن الجنس)
هي من أنجدت سقراط في المأدبة، وأربكت زرادشت كاللص! ... يا للعجب في هكذا تعويل على رأيها! لقد نجت الفاتنة من مطرقة الفلسفة، وصارت محتكرة تصور الحب بامتياز!
وعيون متطفلة تحشر اليوم أنفها كعالِم، إنها الأبعد عن ماهية الحب، كبعد إيروس والسَوط ... إن رأيه لأسطوري أكثر من الأسطورة نفسها. في مأزق هم لولا الجنس. مثلهم كمثل طبيب نفسي أردنا رأيه في الحب. الأخلاق، لقد جعلت من أفروديت أورانية رغما عنها، بسبب دعارتها. والجنس، هو خدعة المرأة الإله في سائر الأساطير، فضلاً عن هذه اليونانية. إنه غايتها الوحيدة. ولقد رأيناها موفقة تخدع في حكماء التاريخ من الأتقياء، والفلاسفة، فما بالك بطبيب!
إن زرادشت نفسه متهم بغوايتها! فلا قارئ يتوقع من حكيم مثله، الارتباك في يوم لقاء المرأة تحديدا دون أيام أخرى. إن ما أخفاه حقا تحت معطفه ما هو إلا انتصاب! ... إنها بالفعل حقيقة صغيرة طائشة تكاد تصيح !(*)
(جمال المرأة)
من الحكمة تجاهل المرأة في اندفاعها الطبيعي نحو الجنس، بعد تجربة غايتها هذه كدافع لجميع تصرفاتها! ... لأنها ليست شريرة في العمق، لقد اخطأ رزادشت في هذا الحكم. إن المرأة ببساطة سطحية.
ولتكن لا تقدر على العمق، ما المشكلة في ذلك؟ ماذا كانت تتوقع الحكمة الزرادشتية من المرأة بعد لحظة النشوة الجنسية، وحينما تُحَب؛ أن تفهم الحب! أن تشك فيه! ... آه، من توقعات المحِب! ... في الحقيقة، هي لن تتردد في اتفاقها بالرأي الآخر، فحسب، فتفهمه كما تفهم طبيعتها. نعم، بتلك السطحية.
لقد كان رأيا واحدا منذ الأول، سوء فهم بين الجنسين، وعلاقة سيد بعبده. ولم يكن جمال المرأة رمزا للحب صدفة في التاريخ، إنما كان رأيا جدليا منحط منذ الأسطورة.
وإننا لا نحكم أخلاقيا اليوم، بل نؤوّل، يا إخوتي. تأويلا ونقدا لعله يجيب بين السطور عن سبب العماء في ما نسميه حب، وما المرأة إلا ضحية الطبيعة في هذا السياق ... في الحقيقة، إنه تأويل خاص ب زرادشت، بوصفه أحد الشخصيات المنحطة، وأرقاها كذلك، محاولةً لفهم الحب من داخل عمى هذا السوء فهم التاريخي.
(الخلود)
إن الحب، رأي متوقع من دوافع الجنسين. إذن، هيا بنا نسارع، نضعه في رتبة الأصنام، ثم نحطمه! لكن لنتأمل لوهلة فيه ... هذا المنحوت بأنامل الصراع، هذا الجسد الأنثوي الساحر! إنه يتعمد أن يغرينا، ويثير شهوتنا بمفاتنه، وكلية جماله ... لكننا لو تأملناه وتأملنا أنفسنا في الوقت نفسه، فلابد إذن من أن نحلق إلى مستوى آخر من الشعور؛ الشعور بالخلود ... لا شك أن الخلود هوسنا! نريده بقوة! نجد من يوقظه فينا، فلا نرغب في تركه. تماما كما حاورنا سقراط: "لا يوجد رفيق غير الحب لإيجاد الاتصال بين الخلود والطبيعة البشرية الفانية".
الهوس به يا إخوتي، ما لا يجب أن تسمحون به، كما سمح به سقراط قبلكم؛ فلتحطموا قيمته بدل ذلك، بمنطق إغريقي، وبسلاح نيتشوي. فما دامت السعادة المتبقية بصندوق الآلهة، هي أحد الشرور المخفية بأمر من زيوس، باسم الأمل. و ما دام حوار النبية مع سقراط يرى أن الحب مرتبط بهذه السعادة، أي بالأمل، وهو بدوره مرتبط بالخلود. إذن فالحب مرتبط بالشر.
وواضح شره دون الحاجة لمنطق أيها الإنسان، وضوح التجربة المعاشة. لكن، هكذا هو الإنسان. ذلك الصنم! .. ما هو إلا رغبة هذا الإنسان الأملية وحنينه إلى ماضيه، إنه بشري الصناعة هذا الحب. وعلى أساسه، عليكم أن تتساءلوا حائرين أيها العقول الحرة؛ ماذا تتوقعون من الحب غير المعاناة؟ إنه الصنم نفسه لا زلتم مؤمنين به! تخادعون أنفسكم بنحثه وبتلوينه على مزاجكم بمفاهيم جديدة فتحسبونه جديد هو الآخر.
(أعطني حريتي)
إنها لمعجزة! صنم الإلهة، وكأنّ روحاً قد تجسدت فيها! أراها الآن تتوجه نحوي بنظرة تهديد! ... بعد أن اقتربت مني، قد خاطبتها: أ تفضلين حبك عن بعد، عزيزتي؟ وأي جمال سيرضيننا نحن المساكين في هذا الجسد بعدما أغرانا جمالك الإلهي؟ ... لا يجب أن تتوقعي من الإنسان رؤية الجمال في حدود. آهٍ! وأنتِ أدرى بضعفنا. لكن العجب! لما نراك تزرعين في الإنسان الرغبة في تملّك من يحبون! تزرعين فيهم الأمل وأنت تدرين بشر هذا الحب ... إنك حقا إلهة حب بامتياز. فأمسكت بيدي، وقالت بصوت بريء: فليسامحني هذا الإنسان.
أيتها الظالمة بالله! ... أوَ كلُّ الحب في رأيك غفرانٌ وصفحُ؟ (**) ... لقد صدق الناجي يوما.
يا للمؤمنين المساكين، إنهم في حب أعمى يخشون القرب فيه، كما تخشاه.
(الأخلاق في حدود مجرد القلب)
يقول نيتشه: أن الأخلاقي يتصرف ككائن قابل للتقسيم. فما يعتقده الأخلاقي، حسب نيتشه، غيريا؛ هو ليس بالضرورة كذلك. لأن الأخلاقي مندفع بهذا الاعتقاد -كمنقسم- برغبة في السعادة وتجنب الألم؛ فإنه إذن تلقائيا يضحي بجزء لصالح آخر. وعلى هذا الأساس، لا يوجد فعل أخلاقي وآخر لا، إنه لا يوجد إلّا ضرورات.
وعلى منهج هدم المسؤولية السبينوزي هذا، يستمر نيتشه عن ضحية الأخلاقي: إنه لا يشعر بلسعات الضمير لأنه حر، بل لأنه يعتقد أنه حر.
إذن، المراد من قضية سقراط، ليس مراد هدم، إنه محق، لو استبدلنا مفهوم السعادة باللذة؛ إنما هو فضح هذا البهتان السقراطي في علاقة مفهوم كالخلود بالسعادة، بحجة أن لذة كالحب يمكن أن نسميها سعادة فقط لأنها لذة أسمى من أخرى غير لحظية.
بلا جدوى أيها الإخوة، ولو أننا أحسنّا ظنا في ادعائات الفضيلة هذه؛ لأن أغلب الناس، من كل دين وفلسفة، ليسوا لا بأتقياء ولا بأوفياء لمفاهيم خاصة، لممارستها. من جهة. ومن جهة أخرى، سؤال الخير؟ ليس بسؤال هيولي رغم كل التشاؤم النيتشوي. ذلك أنه بالفعل جميع الناس ستتصرف بتعاطف في حالة تستدعي التعاطف، مثلا، دون أي مرجعية أخلاقية خاصة. وعلى الرغم من أنه تصرف لا يتحقق بمثالية في "الفعل" الأرسطي، لكنه حالة مشتركة بين الناس، ودليل على تشابه جوهري بين جميع الناس، وذلك ما يهم حقا. وعلى أساس هذا الدليل، نرى كانط مؤمن بالنية بدل نتيجة الفعل ومكاسبه. لكن دافع الإنسان في الحقيقة، وفي هذه الحالة؛ هو دافع لا يحتاج إلى كل ذلك المجهود العقلي الكانطي.
إخوتي! أدعوكم ونفسي بعد كل هذا، أن لا تستنزفون طاقة عقولكم في علاقاتكم بالناس، وفلتحطموا قيمة أفعالكم ... لا بقلب القيمة ولا باستبدالها ولا بتقديسها، لكن بتحطيمها نرى الناس تشبهنا. أي بالقلب فحسب.
(لدي اعتراف)
إنه صنم آخر رافق الإنسان. يبدو الآن مقلوبا رأسا على عقب! مضحك شكلك يا هذا ... لكن لنكن جدّيين معك هذه المرة.
وقفت أمام مقصورة الاعتراف، فقلت له: سامحني يا سيدي! لقد آمنت بك من قبل، وأنت شاهدٌ على خطابي العنيف مبتغاة رضاك. العين بالعين كما أمرتني في وجه عدوك الناصح، ذلك الأخلاقي المزيف، إني مزقتُ قناعه إرباً إرباً بأمرك. لقد كنتُ محقا، أليس كذلك؟ إنه لا يفكر في الآخر، إلا كوسيلة إلى غايته في التلذذ بدور السيّد. إنه سيد الضمائر الحساسة، وأما ضميري لقد مات! ... إن حدسي يسيء الظن من مجرد نبرته. لكنه الأسبق في ممارسة سوء النية! وإلّا لما أعرت أي اهتمام ... ولأعرضت إليه خدي الآخر كالمسيح، يا نقيض المسيح ( ). إن للكهنوت جمال خاص كجمال هذه الإلهة جنبك. تراهم يثيرون بجمالهم المرأة تحديدا، على عكسها هي لا تثير بجمالها إلا فيلسوف أو رجل عادي في أسوء الحال.
أعترف أمامك اليوم: أنني لم أعد مؤمناً بأخلاقك، وباقٍ في عصياني.
إخوتي! إننا لم نحطم في الحقيقة أية أصنام، إنها نفسا الأرواح باقية تقدَّس، أحيانا كمفاهيم، وأخرى مجسدة ... تلك الأرواح الفاتنة الجمال!
إن واقع تمثال الأخلاق مثلا، يجب أن يضحككم بقدر ما يجب أن يلهمكم حدسا كذلك ... ربما بررت عنفي الفكري من قبل، لكنّه غير صائب بالمرة. لقد كنت أستحق نقد لاذع خاص بخطابي عن الناصح. هكذا يجب أن تقرءون لي.
إنني مع ذلك، لم أجد منكم لحد الآن من بمقدوره حتى تلقي نيتي، فما بالك بنقدي. فلا أجد حيلة اليوم، إلا أن أنتقد خطيئتي بنفسي، وأعترف بها.
(المراتب الثلاث في الأخلاق)
سأنتقد سلوك الانتقام، بكلمة: صبر. ( ) لقد تعلمت في البوذية أن الصبر شَجاعة. وبهذا المعنى، فالبوذي هو في مستوى آخر غير مرئي بالنسبة للمسيئ مثلا. يشبه متدرب شاولين يتأمل بجَلد أطراف جسده بعنف. بينما مقاتل الشاولين هذا لا يريد بتدريب قاسي مثله إلا أن يعتاد بممارسته على التماسك في وجود خوف عن إساءة جسدية محتملة.
كذلك في الصبر، لا أحد يتخلص من الخوف حقا، إنما يعتاد ممارس الصبر على التماسك رغم وجوده النفسي المحتمل، فحسب. وهكذا يصير الخصم، هو معلّم ومدرّب أخلاقي للصبور. أما مواجهته بهكذا إيجابية كما ظاهر على سطح الفعل؛ فإنها إيجابية تتماشى مع العمق الهادئ في جوهر الإنسان.
إذن، هذا الصبر هو مقنع ومتجاوِز للمراحل النقدية التالية:
أولا، نية الأخلاقي المزيف السيئة هي ليست بِشر متأصل ولا بحر؛ بفعل الضرورة والظروف، كما تبين لنا. ( )
ثانيا، نقد المفهوم السقراطي للسعادة، يلزمنا ببديل جديد لها، لا يكون لذة، ولا يكون نيتشوي؛ لأننا لو أننا قلنا بأخلاق الانتقام ضد أخلاق الدين، لوجدنا أنفسنا لا نرى السعادة إلّا كلذة كذلك مع نيتشه. نظرا إلى المتعة المكتسبة من فعل الانتقام أيضا، بوصفه فعل أخلاقي حسب القيم مقلوبة.
وأخيراً، و كاستنتاج أكثر منه نقد، نرى بوضوح أن نيتشه صديق للدين ولسقراط خاصة، رغم العداوة المفاهيمية المعروفة. إنما الحال، أنهما يلتقيان في علاقة اللذة بالفضيلة: سقراط يقول بالسعادة الدائمة، ويعتبر ذلك فضيلة. الدين يقول أيضا بالسعادة في عالم الخلود، ويعتبر الطموح له فضيلة. و نيتشه يقول بلذة الجسد، ويعتبر ذلك فضيلة. فلا يختلف هذا عن الآخر في الحقيقة إلا في أساليب الحوار.
إذن، ما يجب على المتلقي القلق بشأن سعادته سؤاله هو: أي علاقة بين اللذة والسعادة حينما نتقي الله أو ننتقم في وجه المسيء لنا؟ في مقابل، أي علاقة بين السلام الداخلي والسعادة حين نصبر مثلا؟
فلنحسم، في مفهوم هذه للسعادة: أ هي لذة أم سلام؟ فإذا فهمناها كلذة، إذن فكذلك فهمها تاريخنا، ولن نجد أنفسنا في الأخير نقدم أي جديد نظرا لتاريخ معاناتنا، إنما فقط سنعيد تاريخ الخضوع لطبيعتنا بمفاهيم تبدو جديدة. وأما إذا فهمناها كسلام، أي السعادة، فسيكون للأخلاق ثلاثة مراحل إذن: الأولى، مرحلة الخضوع لما يمليه الكاهن. والثانية، مرحلة الخضوع لنقيض الكاهن. والثالثة، مرحلة تحطيم الكاهن.
(ما وراء الانفصال)
إنهم في أزمة حب لا غير ذلك...
إننا الآن في العمق! أعمق من عمق الشك والإيمان، وهدم الأصنام. صحيح آمنا وشككنا في أصنام التاريخ. نحتنا على الحب وشوهنا الأخلاق، فحطمناها جميعا في الأخير ... لكن لنحذر من أن نتحول بعد بلوغ هذا المستوى من العمق إلى عدميين!
فلتتعرفوا يا إخوتي على حقيقتكم في هذه الأعماق، وستكتشفون حينها، أنكم تملكون أجنحة وطبيعة لا تختلف عن طائر الفنيق للتحليق. إنكم في العمق الذي يسمح لكم بقول: الحب والأخلاق واحد. فلتحلقوا نحو الحياة لو عرفتم هذا.
التقسيم والانفصال! لما قد نعتقد بهما الان؟ أ لا نصبح فاسدين القلب كلما اعتبرنا الآخر هو ذلك الآخر الذي ليس أنا؟
في قلوبكم يا إخوتي فحسب. إن الأمر لا يتعلق بشك حيال هل يحتمل أن ذلك الآخر هو أنا في الحقيقة، إنما بتصرف على هذا الأساس في جميع مظاهر الحياة، كالعلاقات.
إنما العقل الذي يؤمن بالتقسيمات السابقة، معتمدا على الحس؛ لن يفهم أبدا هذا الدافع. إنه دافع لا يفهمه أيا كان إلّا قلب محض. لذا، كل ضعيف القلب سيصبح عدمي، كلما بلغ قدرا متواضعا من الحقيقة. ولا يليق بالضعفاء إلا أخلاق الكاهن حتى يحب الحياة من منظورها. لكن ضعيف القلب يزال عدمي في العمق، ولو أنه تستر بدين ما أو بفلسفات تشاؤمية يعزّى بها وينتمي لها.
(سقراط كمرحلة منحطة)
أما العبقري فهو لا يعرف الحب، يجب أن يعترف بعجزه هذا. لأن المظاهر الحياتية الواضحة له، تصور له الآخر كمنفصل عنه بوصفه مظهر، كموضوع، كوسيلة، كعقل أداتي، ككافر، كعدو، كصديق، الخ.
وأما من لا يطمح لفهم الظواهر بمعزل عن ذاته؛ فلا يعرف سوى الحب والتصرف بحب.
إن الحب، واضح لأسباب غير معقولة. نفسها الأسباب تراها تحفز هذا المحب إلى الاقتراب من كائن آخر دون الحاجة لفهمه بمعزل، حتى يجد نفسه يذوب معه آلياً.
لاحظوا معي. إننا لم نرى أحد من مدعين اللطف والحب من المتصوفين والمنعزلين في الغابات، يوما يقاتلون الناس ويتسببون في المجازر! رغم أن شخصيات مثل بوذا، أو الرومي، أو لاو تزو، وغيرهم؛ هم ليسو بعباقرة أو بآلهة لكي يعرفون اللطف بطريقة خارقة، إنهم شخصيات بسيطة. بينما على العكس، نرى أن تاريخ الدم والعنف لم يتزعمه إلا مدعين المعرفة ورسالة الله! من علماء وفلاسفة ومتدينين وسياسيين! وكلهم كانو عباقرة.
أعني بكل هذا، لما بحق السماء يربط المنحط سقراط الخير بالمعرفة، ما دام يخدمه عبد في حواراته عن الفضيلة والحب؟ أي فضيلة وأي حب!
(بلوغ الحب)
أمّا هو، فإنه يدفع بالإنسان دون قوة العقل والذكاء، ودون قوة الغريزة كذلك. فلا تجهدون أنفسكم قلقاً. إن الحب بطبيعته، ليس موجه لأشخاص أو لأشياء بالتحديد، إنما هو انجذاب نحو نفسه. إنه خاوٍ من الأفكار والأحاسيس كثنائيات، خاوٍ من فرضية الثنائية في جميع المظاهر، ولا سيما مظهر العلاقة ذلك.
شعور ما، شيء ما، علاقة ما! ... يجب أن لا يعرف المحب الحقيقي المقصود بهذا؟ ... فليحطم المحب علاقاته! فالحب الحقيقي هو دعوة لتحطيم العلاقة، لا بنائها. أنا هو أنت. إذا عرفت السابق بطريقة ما قد تختلف عن طريقتي، فإذن أنت تحبني وأنا أحبك. إذا لا تزال لم تعرف ذلك، فأنا أحبك رغم ذلك.
يا حبيبي، لما تبدد طاقتك لفضح مزيف الجمال مثلك، وأنت لا تنجذب بخبثك إلا لمن هو مثلك! وإنك الآن لا تكتسب إلا عكس رغباتك! إنك لا تعرف الحب عزيزي، إنك فقط تحلم به في علاقاتك، إنما هي إلا علاقات صداقة في أفضل الأحوال. هنيئا بعلاقاتك، لكن أرجوك أن لا تسميها حب. ولا تقل أين ليالينا وقد كانت عِذابا. ( )
أ فلا تتعبون من العناق ومن الصراع بوجهٍ مكشوف؟! ومن يكن هذا الصديق والعدو بالنسبة إليكم؟ ما هم يا إخوتي، إلّا أعراض لأمراض خبيثة تصيبكم، لكنكم تتوقعون على الرغم من خيباتكم، على الرغم من علاقاتكم السامة ومعاناتكم، تتوقعون العلاج! فبكَمِّ ما تكتسبون منها، من متعة ولفت نظر ... نحو الغرور مندفعين، محلقين، أنتم وأصدقائكم، كطائر السمام لا تعرفون الأرض إلاّ متذللين وقت التزاوج. آاهٍ لو باليد حيلة!
لكنّ المريض لا يحبذ الاعتراف بمرضه في الواقع. لكن على الأقل، يجب أن تعترفون بمعاناتكم أثر علاقاتكم اليوم. و فليجرب المريض بصداقاته مثلا فن التدمير هذا، لعله يشفى!
كتب عليكم أن لا تحبون أحد في حياتكم، بدون غوص جدّي بأعماقكم أولا. فلا تتركون، خلال هذه الخطوة الفريدة، لا أحد ولا شيء؛ سليم بعدها. إن عدو الحب والأخلاق واحد: إنه اللا مبالاة يا إخوتي، إنها طبيعة الغريزة والعقل. أما الاهتمام، فإنه مظهر الحب والأخلاق المشترك بينكم. لتعلمكم خيباتكم في ما سبق على الأقل، أن طبع اللا مبالاة طبع الطبيعة، والوحوش، وكثير من الناس. فلتحتضنوا هذه الحقيقة، لكنكم لستم هذه الحقيقة، أنتم حب نقي.
فلتخاطبوا الجميع ببساطة: يا أنا!
مصادر:
(*): كما يؤوِّل بول يانز، إذا ما فهمنا زرادشت من ذات نيتشه بوصفه الساخر من نبيه.
(**): من قصيدة " الأطلال " للشاعر إبراهيم الناجي
( ): إشارة لكتاب نيتشه "نقيض المسح"
( ): الصبر ترجمة ل (SÖpa) من الهندية
( ): إشارة لمفهوم الضرورة عند سبينوزا
( ): من قصيدة الشاعر عبد الله فيصل "من أجل عينيك" لأم كلثوم
أخرى:
" إنسان مفرط في إنسانيته " نيتشه, ص60, 66, 70
" هكذا تكلم زراديشت " نيتشه, ص 130, ترجمة علي مصباح
" محاورة المأدبة " أفلاطون
#عثمان_بوتات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟