أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عثمان بوتات - نقد السلوك الأخلاقي وإزالة المفاهيم الدخيلة للفضيلة














المزيد.....

نقد السلوك الأخلاقي وإزالة المفاهيم الدخيلة للفضيلة


عثمان بوتات

الحوار المتمدن-العدد: 7198 - 2022 / 3 / 22 - 19:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من الجلي أنه في وقتنا الراهن قد تم نقد القيم الأخلاقية في الكثير من السياقات، باعتبارها قيم زائفة لا تمثل الفضيلة بأي شكل من الأشكال. يمكن تعريف هذه القيم على أنها تراكمات اختارتها التجربة البشرية وفرضت عليها في الوقت ذاته، لتتوافق مع البيئة المحيطة. وهي قيم عرفت في غالب الثقافات على أنها إرادة إلهية تحدد ما يجب أن يكون ولا يكون، أو هي إرادة الدولة والقانون ( منطق الأغلبية ).

وما نحن بصدد الشروع في طرحه الآن هو فصل المفاهيم الدخيلة على الفضيلة. وغاية فكرة الفصل هو ليس تقديم منهج للتصرف الدقيق وفق المبادئ الفضيلة؛ بل غاية شك في المعايير المسَلمة كبداية لملامسة هذه الفضيلة، وفقط بعد ذلك فتح السبيل لإنتقاء معايير ومبادئ أخلاقية مستقلة. إذن فالغاية الأساسية من هذا الشك هي تكوين الإنسان لمبادئه الخاصة في رحلة شك نحو الإرتقاء بذاته العقلانية وفصلها عن ذاته الحسية والخاضعة.

كمدخل لفصل الأخلاق الزائفة عن الفضيلة.. سنفترض أنه هناك حالة: " يقوم فيها شخص بإطعام قط جائع من قطعة لحم حيوان آخر ". والآن نتساءل؛ هل سلوكه قائم على مبدأ أخلاقي؟

إذا نظرنا في حدود سلوك إطعام القط يمككنا الإفتراض أنه سلوك قائم على مبدأ معاملة الآخر ( الحيوان ) بلطف. لكن ما يدحض هذا المبدأ على أنه زائف هو سلوكه إتجاه الحيوان الذي سبقه؛ وهو المساهمة بشكل ما في معاناته لغاية ما؛ أي لو كان المبدأ الأخلاقي لهذا الشخص يقول أنه يجب معاملة الأخر بلطف، فهو لن يقبل بأذيته بأي شكل وفي أي ظرف. إذن ما الدافع ما الذي يدفع الشخص لسلوكات أخلاقية متناقضة؟ وممارستها بنسبية بزمان ومكان وآخر لا؟

يذهب ديفيد هيوم في هذا السياق بقول " إن ساعة واحدة بل لحظة واحدة كفيلة بأن تجعل سلوك الشخص يتغير من النقيض إلى النقيض ". ويعني بهذا أن سلوكات الناس ذات طبيعة إنفعالية في الجوهر، أي أن تصرف الشخص بسلوك معين -والذي قد يعتبره تصرف أخلاقي- هو قائم على دوافع تخدم الذات والمنفعة وتتجنب أي شكل من المعاناة النفسية-الجسدية. وهذا حال الطبيعة البشرية أساساً، فالكل لدية رغبة في خدمة ذاته الحسية وتجنب المعاناة، ثم إن هذه الرغبات البشرية هي في تغير وتقلب مستمر حسب الظرف والزمان والمكان المختلف. وهو الأمر الذي يولد إنفعالات مختلفة نسبية وسببية يتصرف الشخص على نمطها.

ومن جهة أخرى فالإنسان هو كائن إجتماعي-ثقافي. فمنذ نعومة أظافر الطفل وهو في تلقين مستمر من الخارج ( الأسرة-المجتمع-الدين ) لمعايير أخلاقية تفرض ما هو الصواب والخطأ. وهذا يعني أن شخوصنا الحالية وضمائرنا قد تم تشكيلها بمسَلمات عدة، داخل لاوعينا، تأمرنا بما يجب أن نفعل ومتى نفعله وأين نفعله، وتجعلنا نتجنب أفعال أخرى.

وهذا ما يحيلنا في الأخير، على أن هذه المعايير الأخلاقية هي ليست بشئ عقلاني ولا بِحر ومستقل؛ بل هي معايير قائمة على قوانين حسية-تجريبية-خارجية. ومنه فهي سلوكات أخلاقية إنفعالية وزائفة تحترم وتتماشى مع ما يفرضه الضمير، ونظرة المجتمع ، والقانون، والتشريع. فمتى تكون الأخلاق فضيلة وقائمة على مبادئ عقلانية؟

إن هذا التضارب بين الفعل الأخلاقي العقلاني والآخر الحسي، هو الأمر الذي يضع الإنسان في مأزق وصراع على مستوى السلوك، فنحن لسنا بملائكة ولا بشياطين. الكيان الإنساني هو عبارة عن صراع كونه مزيج بين كيان بشري خاضع لدوافع حسية توجهه نحو إرادة شريرة، وكيان عقلاني يوجهه نحو إرادة خيرة.

والآن يصير مفهوم الأخلاق الفضيلة واضحاً، والعمل بمبادئه، أي وفق إرادة خيرة، يشترط فيه التصرف بعقلانية وحرية واستقلالية، دون الخضوع لأي دوافع حسية، أو قوانين وأفكار جاهزة، أو حتّى الضمير. ما معنى ذلك؟

إن أول المبادئ الذي يجب وضعها تحت مجهر الشك غاية الوصول للفضيلة، هي تلك القائمة على دوافع منفعية حسية وجاهزة، تحرّك سلوكنا " الأخلاقي "؛ لأن الخضوع لها هو من يكوّن اختيارات أفعالنا لغاية ما. في المقابل، فإن التصرف ببراءة ووفق الفضيلة هو سلوك ينتج عن التأمل بعقلانية بالعقل. وهو أمر منفصل عن أي نزعة تجريبية، أي هو انسجام مع العقل الإلهي. الفضيلة التي نقصد هي موجودة منذ الأزل، لايمكن الإبداع فيها أو وصفها بالنسبية. ومن هذ، فأن تكون للشخص مبادئ أخلاقية يعني أنه جعل من عقله وسيلة للإتصال مع العقل الإلهي ومع عالم أفلاطون ( عالم المثل )، أي الخير المطلق. الصوت الإلهي هو من يزرع بنا الواجب الأخلاقي، ويجعلنا نتعامل مع الآخر كغاية في ذاته. وهذا في نطاق إستقلالي يعني الفرد، أي دون تعميم المبادئ. كيف ذلك؟

يقصد بالمبادئ الأخلاقية المستقلة أنها مبادئ تعني الفرد بصورة كاملة، لا يمكن تعميمها، وإلّا فقدت معناها. وبلغة إمانويل كانط فإن تعميم المبدأ يستحيل أن يكون منطقياً؛ لأنه يؤدي إلى تناقض في المفهوم، أي أن المبدأ يفقد معناه بالضرورة ويتحول لنقيضه. مثلاً تعميم المبدأ القائل " الكذب فعل لا أخلاقي " يكون مبدأ دون معنى أو قيمة في عالم إفتراضي لا يكذب فيه أحد.

في النهاية، لا يمكننا إقصاء تصرفات الشخص التي يمكن تسميتها " أخلاقية " -بتحفظ- من دائرة الخير، لازالت تستحق التشجيع في الممارسة وتفهمها، لكن لا يمكن وصفها بالفضيلة. فالشخص الفاضل، النقي، والبريئ هو شخص بسيط في نهاية الأمر، ويتصرف بعفوية تامة، أفعاله حرّة وليست لها غاية، بل هي غاية في ذاتها.



#عثمان_بوتات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تساؤلات حول الوجود الإنساني
- تعدد مفاهيم الحب بين اللاشعوري والإختياري
- العنصرية الإنسانية
- الواقع بأذهاننا
- سيكولوجية المجتمع بين للتناقض والتناغم


المزيد.....




- ترامب يهاجم تاكر كارلسون ويصفه بـ-المجنون- بسبب تصريحاته حول ...
- السفارة الصينية في تل أبيب تنشر تحذيرا يدعو مواطني الصين لمغ ...
- انفجارات تهز تل أبيب ومحيطها
- ستارمر: قادة مجموعة السبع يتفقون على معارضة البرنامج النووي ...
- محاولات في الكونغرس الأمريكي لتقييد ترامب في استخدام القوة ا ...
- قبل أيام من الضربة الإسرائيلية.. ترامب تلقى إحاطة حاسمة وأعط ...
- وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاغون بنشر قدرات إضافية في الش ...
- الجيش الإسرائيلي مخاطبا الإسرائيليين: دفاعتنا في مواجهة الصو ...
- ?? مباشر: ترامب يدعو الجميع إلى -إخلاء طهران فورا- وإيران تت ...
- عاجل | ماكرون: الرغبة في تغيير النظام في إيران بالقوة ستكون ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عثمان بوتات - نقد السلوك الأخلاقي وإزالة المفاهيم الدخيلة للفضيلة