إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 20:13
المحور:
الادب والفن
مقدــــــــــّمة:
عندما يَذيع صيت الكاتب ويتجاوز إشعاعه حدود الوطن، وتستحيل مؤلّفاته مرجعا لا غنى عنه للدّارس والباحث يتهافت عليه النقاد والمهتمّون بشؤون الثّقافة والإبداع لمحاورته بغية إضاءة جوانب من حياته، أو ملابسات تأليف قصيدة من قصائده إن كان شاعرا، أو علاقته بشخصيّات رواياته إن كان روائيّا.
وبما أنّ الطّاهر الهمّامي- موضوع حديثنا- لم يكن شاعرا مغمورا أو كاتبا مجهولا بل اقترن اسمه بحركة الطّليعة الأدبيّة في تونس (1968-1972)، وبالتيّارالواقعي في الثّمانينات فقد اهتمّ المتابعون للحياة الثّقافيّة بأدبه استحسانا حينا وانتقادا حينا آخر فكانت الدّعوات إلى الموائد المستديرة، وكانت الحوارات واللّقاءات.
لكنّ الطّريف أنّ الطّاهر الهمّامي تحوّل أحيانا إلى محاوِر يطرح الأسئلة ويناقش الآراء ويجادل رموزالثّقافة العربيّة ويدوّن أجوبتهم ويقدّمها إلى القارئ العربي لتعميم الفائدة. وهكذا أصبحت هذه الحوارات مادّة مكمّلة ل"لبيانات"الّتي عُرف بها أثناء تعريفه ب"في غير العمودي والحر" الجناح الشّعري لحركة الطّليعة الأدبيّة.
I-الطّاهرالهمّامي من الاحتجاب إلى الظّهور:
ليس من باب الصّدف أن يكون منطلق هذه الحوارات ثمانينات القرن العشرين، وأن يطفواسم الطّاهر الهمّامي على السّطح من جديد بعد غيبة قسريّة دامت عدّة سنوات. ذلك أنّ فترة السّبعينات تميّزت بالانغلاق وتواتر المحاكمات، ومصادرة حرية الرّأي والتّعبير وغياب المنابر الثّقافيّة المستقلّة. وفي هذا المناخ الخانق اختفت مساحات الجدل الأدبي والثّقافي، وتوارت عن الأنظار الأصوات الّتي شغلت السّاحة الثّقافيّة في نهاية الستينات ولم نعد نرى أثرا لرموز الطّليعة الأدبيّة وغيرها من الأسماء الّتي تصدّرت المشهد في تلك العشريّة.
ولكن مع بداية الثّمانينات ومرحلة الانفتاح السّياسي والانفراج النّسبي عادت بعض الأسماء لتملأ السّاحة من جديد وفي مقدّمتها الطّاهر الهمّامي الّذي تواترت حواراته ومشاركاته في النّدوات الأدبيّة. وسنستعرض، في مرحلة أولى، هذه الحوارات ثم سنتتبّع، في مرحلة ثانية، أهمّ محتوياتها.
-الحوارات
أ-الطّاهر الهمّامي مُحاوَرا:
-ندوة الأقلام في تونس:التيّارات الجديدة في الشّعر التّونسي- مجلّة "الأقلام"( العراقيّة)/ العدد12/السنة15/(آب) 1980 ص156-162.
Tahar Hammami :contre ces néo-soufis attardés-le
Maghreb n13/4juillet 1981 p48/49-Laroussi Amri.
-مع الشّاعر الطّاهر الهمّامي: ساءله آس السافي (يوسف رزوقة؟)- جريدة"الأيّام"-11فيفري 1985-ص12.
- الطّاهر الهمّامي لحقائق:"الكتابة عندي مسألة دمويّة" مجلّة"حقائق" عدد535/من 9 إلى 15 فيفري 1996 ص20/21. حاوره أنور البصلي.
- الشّاعرالطاهر الهمّامي ل"الصّباح": أنا أكتب في "غيرالعمودي والحر بالقصيدة العموديّة "- حوار آمال موسى جريدة"الصّباح"/ الأربعاء 26 سبتمبر 2001 ص15.
الشّاعر الطّاهر الهمّامي ل"الصّباح": الشّعر التّونسي يخلو من تجارب ذات شأن- جريدة"الصّباح"/ حوار آمال موسى / الثلاثاء 10 ماي 2005 ص 22.
الشّاعر الطاهر الهمامي: لم يسبق أن كثرعدد الوافدين على تعاطي الشّعر في بلادنا الكثرة التي نراها الآن/حوار الحبيب الشابي/ مجلّة"الملاحظ"(التّونسيّة) عدد247/ س1997/ص12-15.
-حوارات في صحف مشرقيّة: أربعة حوارات أدلى بها الطاهر الهمّامي إلى صحف مشرقيّة وتضمّنها كتابه "تجربتي الشّعريّة":
حوار مع جريدة تشرين (1) (سورية،2001 ص 57-66).
حوار مع جريدة تشرين(2) (سورية،2002- ص67-73).
حوارمع مجلّة عمّان( الأردن،2003-ص75-86).
حوار مع جريدة الحياة(لبنان،2004- ص87-101).
ب-الطّاهر الهمّامي محاوِرا:
هي الحوارات الّتي أجراها الطاهر الهمامي مع أدباء مغاربة ومشارقة:
-الشّاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد لحقائق: أضاف لنا الحصار معاناة ما كنّا نعرفها من قبل "حقائق" عدد785/ من11 إلى 17/1/2001/ ص16-17.
-عائد من الشّام: ساعة مع الباحث السّوري محمد قُجة مكتشف منزل المتنبّي في حلب/ "حقائق" عدد 818 من30/08 إلى04/09/2001 ص19-20.
ساعة مع الباحث المغربي الدّكتور محمد خرماش: الثّقافات العربيّة قادرة على الصّمود والتّفاعل مع الثّقافات الأجنبيّة في زمن العولمة وفي غيره "حقائق" عدد822 من27/9 إلى3/10-2001 ص20-21.
الرّوائي الجزائري الطاهر وطار: استفدت استفادة عظيمة من بيرم والدّوعاجي والمسعدي- طبعت المرحلة التونسيّة شخصيّتي- "حقائق" عدد834 من 20 إلى 26/12/2001 ص20/21.
وفي الحقيقة ليس من اليسير الإتيان على كلّ القضايا الّتي تطرّق إليّها الطّاهر الهمّامي في هذه الحوارات.فالحديث ذو شجون والسّؤال يولّد السّؤال، وكثيرا ما يتطرّق المتحاوران إلى عدّة قضايا. لذا سنكتفي بذكر رؤوس أقلام.
II-المضامين بين الثّابت والمتحوّل:
يلاحظ المطّلع على هذه الحوارات أنّ الكثير من القضايا تكرّرت من قبيل:
الموقف من حركة الطّليعة الأدبيّة باعتبارها- حسب رأي الطّاهر الهمّامي- حركة موغلة في المنحى الشكلاني على حساب المضمون (ندوة الأقلام)، وهي"حركة شبابيّة رافضة ومتمرّدة لكنّها مغشوشة المفاهيم، كما كانت حركة إقليميّة وتنظيرا للهامشيّة" (جريدة الأيّام)،" وتيّار الطّليعة الّذي بلغ أوجه بين 69 و73 جمع في صفوفه خليطا من المثقّفين والشّعراء من الشّباب والطّلبة، واتّخذ طابع الثّورة على الأشكال الكلاسيكيّة والجماليّة التّقليديّة"( مجلّة المغرب)
تعريف الكاتب ومفهوم الكتابة:
ولّى زمن الكاتب" النّبي المجهول" و"البوهيمي الضّائع"(ندوة الأقلام)،"المهمّ هو أن تقطع مع الشّاعر الدّرويش، الغامض، الواقف ضد المحتمع"( مجلة المغرب)
دحض فكرة"الفن للفن" و"حياد الفن" فلا يوجد إبداع حقيقي خارج الانخراط في كبريات القضايا العادلة لعصر الفنّان (الأيّام)، والشّاعر مدعوّ إلى أن" يكون مثقّفا سيّاسيّا، متبصّرا واعيا الموقع الّذي يحتلّه والدّور الّذي يضطلع به"( مجلة المغرب)
الدّفاع عن تيّار الواقعيّة في الأدب والفنّ والتّصدي للتيارات المغرقة في الصّوفيّة والرّوحانيّات (المغرب/جريدة الأيّام/ جريدة الحياة ص94).
الردعلى من يتّهمه بتغليب الخطاب النّقابي في إبداعه (الأيّام)، أو الخطاب السّياسي والإيديولوجي( جريدة الحياة ص91/) ، أو الميل إلى الخطاب المباشر( تشرين2 ص71).
العودة إلى كتابة القصيدة العموديّة وتوضيح ملابسات ذلك(جريدة الصّباح /مجلة الملاحظ)
مسار الشعر العربي في تونس (ندوة الأقلام/ تشرين1 ص63 ..)
وبالإضافة إلى هذه النّقاط المشتركة اتّسمت بعض الحوارات بالخصوصيّة:
فالحوار الموسوم ب"الكتابة عندي مسألة دمويّة(مجلّة حقائق) مكرّس لتقييم المؤتمر13 لاتّحاد الكتّاب التّونسيين ( 7جانفي 1996)، والتّجاوزات الّتي شابت أشغاله واستقلاليّة الجمعيّات الثّقافيّة ودور الجامعيين في تنشيط الحياة الثّقافيّة وإفادة الاتّحاد بمعارفهم ومناهجهم
كما أنّ الحديث عن غياب التّجارب الشّعريّة التّونسيّة الهامّة منطلقه دراسة نشرها الطاهر الهمامي في مجلّة "الحياة الثّقافيّة" ( عدد164/ أفريل 2005) عنوانها"التّجربة والتّجريب في الشّعر التّونسي الحديث( أفكار ورؤوس أقلام)( الصباح 2005)
وقد يتركّز الحديث حول تجربة الشّاعر الشّعريّة والمنعرجات الّتي عرفتها والبحوث الّتي أنجزها( تشرين1، مجلةعمان، جريدة الحياة ).
أمّا الحوارات الّتي تحوّل فيها الطاهر الهمامي إلى سائل فمواضيعها مختلفة ومشاغلها متنوّع إذ أنّها تطرّقت إلى مسائل خصوصيّة وتلوّنت بسمة اللّحظة الّتي أفرزتها وبطبيعة الأسئلة المطروحة.
فالحوار مع الشّاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد تمحور حول تأثيرالحصار المضروب على العراق في الحركة الشّعريّة، ودورالكوارث والفواجع في انتعاشة الشّعر. ذلك أنّ الحصارأضاف معاناة وظلما وجورا لم يعرف الشّاعر والشّعب مثيلا لها.
كما تطرّق الحديث إلى مسائل أخرى مثل قصيدة النّثر وتشبيه عبد الرزاق عبد الواحد بمتنبّي العراق ومنزلة عبد الوهاب البيّاتي الشّعريّة.
وتطرّق الحوارمع الباحث السّوري محمد قجّة إلى بيت المتنبّي في حلب الّذي أصبح مقصد الإعلاميين وأهل الأدب والفكر والفن منذ أن أعلن هذا الباحث"عن اكتشاف موقع البيت الّذي سكنه أبو الطيب المتنبّي أثناء مقامه الحلبي بين سنتي 337ه و346ه". ودار الحوار حول الظّروف الّتي أدّت إلى اكتشاف هذا البيت، والشّكوك الّتي ساورت الكثير في صدقية هذا الخبر والحجج الّتي قُدّمت لإقناع المتردّدين.
واتّخذ الحوارمع الطّاهروطّار طابعا مخصوصا. ذلك أنّ هذا الرّوائي الجزائري درس في تونس وكتب نصوصه الأولى في صحفها وتشبّع بأدب الدّوعاجي والعريبي وبيرم والمسعدي وتأثّر بأسلوبهم في الكتابة لكنّه تجاوز هذه المدرسة واستنّ لنفسه نهجا مميّزا تولّد عن قراءاته المتنوّعة (غوركي، هيمينغواي، سارتر)، وارتباطه بالثّورة الجزائريّة.
كما تناول الحديث مسائل أخرى ذات صلة بالتّجريب في الرّواية العربيّة، وعلاقة المحلية بالعالميّة في الأدب والدور الثّقافي لجمعية الجاحظيّة الّتي يشرف عليها الطاهر وطار وتقييم النّدوات الأدبيّة.
وكان مدارالحوار مع الأستاذ الجامعي والنّاقد المغربي محمد خرماش على جملة من القضايا منها النص الأدبي بين الواقعي والمتخيّل، ودور النّزعات النصانيّة في تفقير العمليّة الإبداعيّة، وصعوبة فهم المحاوِر الكتابات النّقديّة المغربيّة النّاتجة عن المترجمات الفلسفيّة، وإمكانيّة تأسيس مشروع نقد عربي، وخُتم الحوار بسؤال يتعلّق بمستقبل الثّقافات المحلية والوطنيّة وهي تواجه تيّار العولمة الكاسح.
خاتــــــــــمة:
في الحقيقة هذه الحوارات جديرة ببحث مستفيض يعمّق النّظر في المسائل الّتي أثرناها وغيرها، ويدرس، من خلالها، مراحل الشّعر العربي في تونس وعلاقته بالتيارات الشّعريّة في المشرق، ويتبيّن التّحوّلات الّتي مرّت بها تجربة الطّاهر الهمّامي الشّعريّة وعلاقتها بالواقع المحلّي والعربي، ويقف على المنحى النّقدي الّذي ميّز كتابات شاعرنا وقدرته على تجاوز النّقائص وتأسيس الجديد الّذي يستجيب للّلحظة ويعبّر عنها.
#إبراهيم_العثماني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟