أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - ما أشبه اليوم بالبارحة ! قصيدة- صوتكِ - للطّاهر الهمّامي















المزيد.....

ما أشبه اليوم بالبارحة ! قصيدة- صوتكِ - للطّاهر الهمّامي


إبراهيم العثماني

الحوار المتمدن-العدد: 7682 - 2023 / 7 / 24 - 15:49
المحور: الادب والفن
    


مقـــــــــــــــدّمة:

عاد الطّاهر الهمّامي (1947-2009) إلى كتابة الشّعر ونشر قصائده في جريدة "الرّأي" بدءا من سنة 1979 بعد صمت امتدّ من سنة 1973 لعدّة أسباب شرحها في الحوار الّذي أجراه معه العروسي العمري : "اعتقال أخي حمّة سنة 74 والحكم عليه بستّ سنوات سجن، التعرّض لنقلة تعسّفيّة طيلة خمس سنوات إثر إضراب أساتذة الثّانوي، قطع مسافة 130 كلم يوميّا للالتحاق بسليانة، التّوزّع بين قفة السّجين وواجب النّقابي ومسؤوليّات ربّ العائلة "( انظرTahar Hammami /contre ces néo-soufis attardés in le maghreb n 13-4juillet 1981 p48/49). ومن القصائد الّتي ظلّت طيّ النّسيان، شأنها شأن ستّ قصائد أخرى، قصيد ة"صوتك" الّتي ارتأينا نفض الغبار عليها وتقديمها إلى القارئ في هذه اللّحظة العصيبة من تاريخ البلاد لأوجه التّماثل بين زمن كتابتها وزمن قراءتها.

1- صوتك- شعرالطاهرالهمّامي

صَوتُ صخورالجَبَلْ
جَلْجَلةُ قمح الأملْ
دقّ أجراس الأزلْ
صوتُكْ
يتدفّق ثرًّا
ينساب جداولَ متوحّشةً صوتكْ
وهج الأحلامْ
يتأجّج في تبن الأيّامْ
يتعملق في زمن الأقزامْ
صوتك
هذا القادم من رحِمِ الظّلمة
يفتح لليأس كوّة
ماء وهواء وقوّة
ماءً ودماءً وفتوّة
صوتكْ
ميلاد الضّوء والنّوْء
ميلاد الضّوء والنّوء
وإعلان زمن الكتابة
باللّحم والأظافرْ
باللّحم والأظافرْ
تونس - 1980 / جريدة"الرّأي"-25 جويلية 1980 ص 7.

2- لحظة الكتابة:

كتب الطّاهر الهمّامي هذه القصيدة سنة 1980 ونشرها بجريدة" الرّأي" يوم 25 جويلية 1980. وفي اعتقادنا ليس اختيار تاريخ النّشر أمرا اعتباطيّا أو مجرّد صدفة. فالشّاعر ملتزم بقضايا شعبه ومنخرط في الدّفاع عنها كتابة وممارسة، وهو مناهض للسّلطة الحاكمة الّتي تسوس البلاد والّتي حوّلت النّظام الجمهوري إلى هيكل صوري. فعيد الجمهوريّة الّذي يحتفل به الحزب الحاكم يوم 25 جويلية من كلّ سنة كان لحظة فارقة في تاريخ تونس حيث نقلها من نظام ملكي بائد إلى نظام جمهوري حداثي يحتكم إلى الشّعب وإلى مؤسّسات ممثّلة له. لكنّ هذا النّظام الجمهوري فقد روحه تدريجياّ: رئاسة مدى الحياة منذ سنة1974، حرمان الطّلبة من هيكل ممثّل لهم منذ إفشال مؤتمرقربة1971، تفكيك هياكل الاتحاد العام التّونسي للشّغل عَنوَة بعد أحداث 26 جانفي 1978 الدّمويّة، مصادرة الرّأي المخالف منذ منع الحزب الشيوعي التّونسي من النّشاط العلني (1963)، المحاكمات السّياسية المتواترة للطّلبة والمعارضين للسّلطة الحاكمة، تكميم الأفواه وغياب الحريات الفرديّة والعامّة. وهكذا تبدو اللّحظة الزّمنيّة الّتي تتنزّل فيها كتابة القصيدة لحظة انغلاق ومحاصرة كلّ صوت حرّ ينقد الأوضاع القائمة. فصوت من هذه الّتي يخاطبها الشّاعر؟ وهل كتب صاحبنا قصيدا غزليّا في هذه اللّحظة الّتي حدّدنا سماتها؟
إنّ الالتزام بالقضايا العامّة لا ينفي التّعبير عن القضايا الخاصّة، وإنّ الكتابة عن الكادحين والمضطهدين لا تتناقض مع الكلام على حالات الشّجن والكآبة الّتي تعتري الشّاعر، أو حالات الفرح والسّعادة الّتي يعيشها. لذا لا عجب إنّ تسرّعنا وجوّزنا لأنفسنا القول إنّ الطّاهر يتغزّل بصوت امرأة. فهل ينهض القصيد بهذا الزّعم وينصفنا؟ وهل اتّكأ الشّاعر على معجم غزلي قديم أم ابتدع معجما مخصوصا وسم به صوت مخاطبَته؟

3- صوت المرأة في التّراث الغزلي العربي:

يشير النّاقد الفلسطيني يوسف اليوسف إلى أنّ طرفة بن العبد طرق في معلّقته "موضوعا قلّما طرقه الشّاعر الجاهلي، ألا وهو صوت المرأة، هذا الصّوت الّذي أهمله الشّعراء عهد ذاك بسبب من افتقاره إلى خصيصة التّجسيم، من جهة، وبسبب من أنّ الصّوت لا يحمل استطاعة تحريض الغرائز. وفي بيئة شبه بدائيّة لا يمكن لظاهرة صوت المرأة أن يعرض لها إلاّ شاعر مرهف الحسّ كطرفة الّذي اعتاد ارتياد المقاصف ودور اللّهو" (بحوث في المعلّقات- منشورات وزارة الثّقافة والإرشاد القومي- دمشق- 1978/ ص 252).
هكذا يبدو حضور صوت المرأة باهتا في مرحلة تأسيس صورة المرأة النّموذج في الفترة الجاهليّة.ولكنّ يبدو أنّ هذه النّقيصة تجاوزها الشّعراء لمّا توفّرت مجالس والطّرب وحضرت القيان والغناء. وقد وجدنا شعر بشّار بن برد يحفل بوصف صوت القينة. فقد انتقى له الشّاعر من الصّفات أرقّها وتخيّر له من الصّورأعذبها.براه فأبدع وتفنّن فأتقن. فهوتارة مُطْرِب هَزَج وطورا مُؤْنق رَمَل، صوت يتلاعب بمشاعر سكارى تيّمهم الوجد وأضناهم العشق، ينقلهم من حالة إلى حالة. يُبكيهم حينا ويُسرّهم حينا آخر ويزيدهم تعلّقا بقينة فاقت البدر حسنا وجمالا. وقصيدة "وذات دلّ" أكبر دليل على ما ذكرنا. ألم يقل بشّار بن برد:
أَسمِعيني صوتا مطربا هَزَجا يزيد صبّا محبّا فيك أشجانا
..غنّت الشّرب صوتا مؤنقا رَمَلا يُذكي السّرور ويُبكي العين ألوانا
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة.
فهل يمثّل هذا القصيد نموذجا يُحتذى؟

4- مادّة الصّوت:

عندما نتمعّن في ثنايا القصيد نتبيّن أنّ هذا الصّوت ليس صوتا شجيّا يشنّف آذان السّامعين، ولا صوت عاشق يهمس في أذن حبيبته "كلمات ليست كالكلمات"، ولا صوت أمّ تهدهد صبيّها. إنّه صوت قُدّ من الشيء ونقيضه، وركّب من صفات لا تتجمّع إلاّ في خيال شاعر أراد لها ذلك.فالمعجم اللّغوي المسيطر يمتح من عالم القوّة والشدّة والصّلابة، ومن عناصر الطّبيعة رمز الغضب والدّمار(الصّخور/ الجبل/ الالتهاب)، ولكنّها القوّة الّتي تطهّر الأرض من أدرانها وتزرع الخير في ربوعها والأمل في النّفوس. وهكذا يكتسب هذا الصّوت بعدا رمزيّا ويصبح معبّرا عن الثّورة الّتي تلوح في الأفق مبشّرة بظهور عالم آخر قِوامه الخير العميم والخصب والنّماء (القمح/ الأمل/ الثرّ/ الانسياب/ الجداول). وتنقلنا هذه الثّورة من عالم الظّلمة الّتي تلفّنا إلى عالم الإشراق. لذا حفلت القصيد ة بمعجم الضّوء والنّور والماء والهواء والفتوّة.
والثّورة لا توفّر الخير العميم للكادحين والمفقّرين فحسب بل تحرّر الأقلام المكبّلة بترسانة من القوانين الزّجريّة، وتشيع مناخ الدّيمقراطيّة وتتيح الفرصة للكتّاب للتّعبير عن آرائهم بكلّ حرية.
تُسيطر على القصيد مسحة من التّفاؤل. فالشّاعر متيقّن من أنّ هؤلاء الأقزام المتحكّمين في رقاب هذا الشّعب هم عاجزون عن حماية عروشهم إذا ما جلجل السّحاب وسالت" الجداول متوحّشة". فالحلم يكبر والثّورة آتية لا ريب في ذلك.
القصيد رمزيّ يلمّح ولا يصرّح، يشير بطرف خفي دون أن يفصح، والصّوت هنا مختلف عن المعتاد جمع صفات متقابلة لكنّها انصهرت في بوتقة واحدة فأحدثت مزيجا عجيبا غريبا لا يدرك كنهه إلاّ الشّعراء الّذين يتميّزون بالقدرة على الإبداع وطرق أبواب لم تُطرق. وهكذا عبّرت الثّورة عن الشّيء ونقيضه. فهي شديدة مع أعداء الحياة، عطوفة على ضحايا العسف الحالمين برغيف خبز وشرب ماء زلال.
فما مصير الأقزام الّذين توعّدهم الشّاعر منذ ذلك الزّمن؟ أم أنّ الثّورة تقزّمت والأقزام تعملقوا؟

5- بين الأمس واليوم:

كيف تبدو أحوال البلد بعد مرور أربعة عقود ونيف؟ هل عرفنا ثورة أحدثت نقلة نوعيّة وخلّصتنا من ترسّبات ظلّت تكبّلنا وتحول دون تقدّمنا واللّحاق بمصاف الشّعوب الّتي تذوّقت طعم الحداثة منذ قرون وحقّقت أحلام الشّاعر؟
إنّ تشخيص واقعنا المعيش كفيل وحده بالإجابة عن ذلك دون تجنّ وتحامل. يسوس البلاد رئيس متألّه "فاتق ناطق"، آمر ناه ولا رادّ لكلمته، إذا نطق أتى الحكمة وإذا خطب تناثرت الدُّررُ من فيه إن هوإلاّ إلهام خُصّ به وحده لم يأته السّابقون ولن يأتيه اللاّحقون، دررٌ حارت البَريّة في فكّ طلاسمها وفهم ألغازها. حكومة أشباح كثر احتجابها وندر ظهورها و" كأنّ بها حياء" تخشى أثر النّور في عينيها. وبرلمان صوري يتلوّن رئيسه تلوّن الحرابي ويجيد لعب الأدوار، ونوّاب موالون تحسبهم جميعا متحلّقين حول قائد ملهم ومآربهم شتّى، وسياسيّون تنكّروا لماض زانهم وتباروا في نحت ملامح حاضر شانهم.

خاتــــــــمة:

أيّ فرق بين الأمس واليوم؟ تبد و اللّوحة قاتمة كما كانت في ثمانينات القرن العشرين رغم النّضالات الّتي خاضها الشّعب التّونسي خلال العقود الأربعة الأخيرة(أحداث الخبز 1984، أحداث الحوض المنجمي 2008، أحداث 14جانفي 2011) ممّا يؤكّد أنّ الثّورة الّتي حلم بها الطّاهر الهمّامي والّتي من شأنها إحداث تغيير جذري لم تُنجز، وأنّ البحث عن السّبل الموصلة إليها يظلّ أمرا مطروحا. فأعمار الطّغاة العتاة قصيرة، والشّعوب لا تخشى تهديدا ولا وعيدا، ولا وجها عبوسا قمطريرا. ولكن من نكد الدّهر أنّ 25 جويلية لم يعد عيد الجمهوريّة حتّى وإن كان صوريّا، ولا ذكرى اغتيال محمّد البراهمي أحد رموز الجبهة الشّعبيّة بل أصبح ذكرى الانقلاب على مؤسّسات الدّولة وتركيز منظومة الحكم الفردي.



#إبراهيم_العثماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطاع التّعليم الأساسي والوزير النّقابي !
- الطّاهر الهمّامي أستاذا جامعيّا (1990-2007)
- عاشت غرة ماي (نص معرّب)
- توفيق بكّار وتأطير البحوث الجامعيّة
- أرضيّة منظّمة نساء مساواة (1)
- الشـــــــــعبويّة (معرّب)
- -مواطنو الرايخ-: أهو صيد ثمين أم عمليّة دعائيّة؟ (معرّب)
- كيف نُجهز على التّمرّد؟ (معرّب)
- من الذاكرة: -الطّليعيّة- هي -الواقعيّة-
- الفنّ
- الثقافة
- الوضع الاقتصادي بفارس والبروليتاريا الفارسيّة
- الثّورة الاجتماعيّة
- لتّعدّديّة النّقابيّة في قطاع التّعليم العالي إلى أين؟
- الجامعة التّونسيّة بين مطرقة السّلفيّين وسندان النّهضة
- أحداث الجامعة التّونسيّة بين تنديد النّقابيّين وصمت وزارة ال ...
- قيادة الاتحاد وتدمير قطاع التعليم العالي
- الفصــــل العــــــــــاشر والعكـــــــــاكيز الــنقــــــــ ...
- قيادة الاتّحاد وطاحونة الشّيء المعتاد
- قيادة الاتحاد والتداول على المسؤوليات؟


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - ما أشبه اليوم بالبارحة ! قصيدة- صوتكِ - للطّاهر الهمّامي