ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)
الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 17:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ بجامعة الأزهر ، دارس متمكن في علوم الدين ، ومثقف مستنير ، يتميز بأمانته في عرض كل الفتاوي والآراء والتفسيرات ، ولم يحدث في كل أحاديثه ببرنامجه التليفزيوني الشهير أن عرض رأيا واحدا فقط علي أساس أنه الحقيقة المطلقة ، كالغالبية العظمي من العاملين في مجال الدعوة .
وهو يؤكد بأن كل الآراء والفتاوى والتفسيرات الموجودة في كتب التراث الإسلامي ماهي إلا آراء لبشر مثلنا تماما ، تأثروا بالثقافه والبيئة التي عاشوا فيها ، سواء كانت بسيطة بدائية أو متمدينة ، كما تأثروا بزمانهم وأحواله السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة إلي تكوينهم الأيديولوجي وحالاتهم النفسية وقتما أفتوا أو علموا ، لأنهم بشر ككل البشر ، ولا قدسية لأي بشر .. بيد أنه كان منهم من ارتبطت مصالحه الشخصيه برغبات الخلفاء ، أو الملوك والأمراء ، وأطماعهم أو بطشهم وقت ما أفتوا وعلموا ، بوصفهم شيوخ السلطان ، وكانت فتاواهم وتفسيراتهم محض آراء شخصية علي النص المقدس ، أو بعيدا عن النص المقدس .
وفي تصريحين أخيرين للدكتور الهلالي قال بأن :
1 - لم يرد في القرآن ما يمنع المساواة بين الرجل والمرأة ..
وذلك علي هامش الأحكام القطعية للميراث التي تؤكد حظ الذكر بحظ الأنثيين ،
2 - لم يرد في القرآن أي نص بفرض الحجاب لرأس المرأة ..
وذلك علي هامش الأحكام القطعية بما يخص المواصفات الدينية لملابس المرأة ..
وقد حرص الرجل علي الدقة في التعبير الذي لم ينف أبدا الأحكام القطعية في القضيتين ..
وكان حرصه شديدا في ألا يناقض في كلامه الأحكام القطعية ، أو يشتبك معها من قريب أو بعيد ..
بل أكد بالسلب ما لم يرد ذكره البتة في القرآن ، ولا يتعارض في الوقت ذاته مع الأحكام القطعية ..
كان معني كلام الهلالي أن الأحكام القطعية للميراث معروفة ، ولن يمسها أحد ، لكن قضية المساواة علي عمومها بين الرجل والمرأة لم يتعرض لها القرآن ، ولا يوجد به نص يمنعها ، ومادام لم يمنعها فوجود المساواة عموما في أي مجال ، وكل مجال ، وارد لمن أراد وارتضي ..
وكان معني كلامه أن الأحكام القطعية لملابس المرأة معروفة ، ولن يمسها أحد ، لكن الحجاب علي وجه الخصوص لا يوجد بشأنه - كحجاب - نص يفرضه ، ولم يذكر في معرض التعرض للباس المرأة صراحة باسمه ، فليس يوجد بالنص المقدس ذكر مطلقا لمنطوق الحجاب ، أو مصطلح الحجاب ، أو مقصود الحجاب ..
لكن هذا الكلام لم يعجب الذين يظنون في أنفسهم حراس الدين ، أو حراس المولي عز وجل ، ويتاجرون دائما وأبدا بالموضوعين معا : الميراث والحجاب ، بمزايدات زاعقة مزمجرة مهددة متوعدة ، فانبري زملاؤه الأزهريون الحاسدون له والحاقدون عليه ، كما انبري كل الأصوليين من أجناد الإسلام السياسي : الإخوان والسلفيين والجهاديين وغيرهم ، يحاكمونه ويكفرونه ويتهمونه بخرق ثوابت الأمة والدين ، بفكرهم المناهض لإعمال العقل والاجتهاد والتنوير ، حيث يعلمون يقينا أن انتشار الوعي ، والتنوير بخطاب ديني مختلف ، كفيلان بالقضاء عليهم نهائيا ، لأن وجودهم في الدولة يرتبط مصيريا بالتخلف والجهل وتغييب العقل .
فالهلالي في أمانته في النظر إلي مقولات دينه علي النحو الإنساني المنصف يبني رؤيته علي الأخذ بالأسباب ، ويدعو للعلم والمعرفة باحترام وتوقير للبحث العلمي ، ويؤكد أن هنالك 49 آية قرآنيه تدعو لإعمال العقل ، وليس السمع والطاعة والنقل عن فلان أو ابن فلان ، ما يؤجج كراهية الأصوليين جميعا له .
تقدم علي الفور أحمد مهران المحامي بالنقض ببلاغ رسمي برقم 1185985 لسنة 2025 ، للسيد المستشار النائب العام ، يتهم فيه الدكتور سعد الدين الهلالي بازدراء الدين الإسلامي ، و نشر أخبار كاذبة ، وإثارة الفتن ، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي ، وهدم قيم المجتمع ، وتعمد مخالفة أحكام الدستور ، والنيل من هيبة الدولة ، وتعكير الصفو العام ، مطالبا بمحاكمته جنائياً !!!
هذه الاتهامات الخطيرة كفيلة بأن تجعله يقضي كل سنوات عمره القادمة خلف القضبان ، أو تدفع به دفعا إلي المقصلة ، ليس إلا لأنهم تعمدوا ألا يفهموا قوله الفهم الصحيح كما شرحناه أعلاه ، وشمروا عن سواعدهم ليحرقوه في الأتون ، فيركبوا موجة السخط العمدي والتكفير المسبق ، مع الإصرار بدعوي أنه يهدم ثوابت المجتمع و ينشر الفتنة .
وإزاء ذلك انبري الثائرون الأمناء لوطنهم ، الحالمون بعهد جديد بخطاب ديني جديد يحرر الإنسان المصري من التحجر و الجهل والتخلف ، ويخلصه من العنف ورفض العقل والعلم ، ويمنعه من محاربة الحرية وكسر المساواة ، وينأي به عن وأد الإنسانية ، والعيش في كهوف الماضي ، فكتب العديدون نداءات علي السوشيال ميديا مؤداها : " يجب ألا يترك
سعد الهلالي لتفترسه ذئاب الإرهاب المذهبي ؛
فهو رأس التنوير الآن ، ودعمه واجب حضاري ووطني " .
لكن حراس المعبد خرجوا كمن مستهم النار ، يحاصرون سريعا أصحاب كل نداء أمين لإنقاذ الرجل من المقصلة التي يأخذونه إليها بلا رحمة ولا شفقة ، باتهامهم بكراهية الإسلام ( .... هكذا ) ، ونشر الفتنة ، وتخريب البلد ، لإخراس أى صوت حر يدعو للتبصر العقلي وحماية الفكر والتنوير الشجاع ، والخطاب الديني الجديد .
الدكتور سعد الدين الهلالي رجل من رجال الأزهر .. فهو ليس مفصولا عن المؤسسة الدينية ، وليس عدوا لها ، وليس منشقا عليها ..
والذئاب هم كل من يطلبون تكفيره وقتله .. هم كل الذين كتبوا قائمة اتهامات طويلة عريضة لمقاضاته واعتقاله وسجنه .. هم كل من يصادرون الرأي الآخر ويكفرونه ..
ليسوا علماء الأزهر ..
بل كل الذين يقترفون القتل لمجرد الاختلاف في الرأي .. هؤلاء هم الذئاب المقصودون حقا .
هكذا يفعل الكثيرون الذين فهموا تصريحات الهلالي علي غير مقاصدها ، ويمعنون في تأثيم كل من ينادي باحترام آرائه ، أويطالب بعدم العدوان علي حريته في الرأي ، بل يؤثمون كل من ينظر للدكتور الهلالي كأحد رؤوس التنوير بالمجتمع الآن في مواجهة جيش الأزهريين والسلفيين والأصوليين الظلاميين ، ويضعون من ثم كل من يدافع عنه في قفص الاتهامات الجاهزة بإكليشيهات إثارة الفتنة ، والتدخل في الشأن الديني الإسلامي ، والتشكيك في الثوابت وهدمها ، وكراهية الإسلام والمسلمين ( .. هكذا ) ، بل أكثر من ذلك اتهامات بتفكيك المجتمع المصري وانقسامه تمهيدا لتقسيمه ؟
لكن الطامة الكبري تبلغ أوجها ضد أي مدافع عن الهلالي وحريته في البحث العلمي والرأي ، فيتهمونه بانخراطه في مهمة مدفوعة الأجر أو حتى تطوعية ، بتجنيد من جماعات الداخل أو أعداء الخارج ، وذلك بغرض الإحراج المطلق لتخرس كل الألسنة عن الحق خوفا من بطش الاتهامات الجائرة .
الحق أن هذه الاتهامات تساق للإخراس المطبق ، وعدم النطق مطلقا في أي قضية يكون الدين طرفا فيها ، ما يجعلها تتجاوز الاتهامات إلي الإرهاب المذهبي ، في ردة شنيعة لعصور القهر والتكميم ..
إن جميع من هاجموا الدكتور الهلالي لم يفهموا لغته ، وعليهم أن يفهموه أفضل لأنهم لو فهموه لن يعارضوه .
قالوا بأن الأزهر قد رد عليه وأفحمه ، لكن الحقيقة هي أن الأزهر لم يرد .. الذي قام بالرد مجرد أحد أو بعض العاملين في الأزهر بحسب فهمهم المغلوط لكلام الرجل ، وأحد أو بعض العاملين في الأزهر ليسوا هم الأزهر نفسه .
فإزاء الأحكام القاطعة في مسألة الميراث ، الرجل لم يمس هذه الأحكام ، بل أضاف بأنه لا يوجد نص يمنع المساواة .. فهو لم يتكلم عن الأحكام القاطعة بل عن الأحكام غير الواردة .. وبالفعل لم يرد في النص المقدس ما يمنع المساواة ..
ويجب أن يتفهم المهاجمون اللغة التي يتكلم بها الرجل ، فهو لم يجادل في النص الواضح ، بل تحدث فيما لم يرد فيه نص ، وقال بأنه لا يوجد نص يمنع المساواة ، ولا يوجد نص بشأن الحجاب .. أي لا توجد آية تقول بالنص " لا مساواة بين الرجل والمرأة " ، ولا توجد آية " تعطي حكما بالحجاب " .
لقد استمع الجميع للدكتور الهلالي في برنامجه الشهير ، ووجدناه يشرح الآيات والأحاديث شرحا مستنيرا بعيدا عن أي تطرف .. وجدنا فهمه مستنيرا حقا مخالفا لفهم مفكرين دينيين متطرفين مثل حسان وبرهامي ويعقوب الحويني وكثيرين أترابهم ، الذين دأبوا علي نشر الكراهية والعنصرية والتفرقة ورفض الآخر والاستعداء عليه ، ما صنع تخريبا في المجتمع المصري يعاني منه الكثير ..
وجدنا الدكتور الهلالي يؤلف الناس ويجمعهم بينما هم يفرقون الناس ويزرعون الفتنة والضغينة .. وجدناه مختلفا تماما .. يتناول نفس النصوص بإيجابية رائعة تتفق مع مقاصد الله الذي نعرفه .
ولقد تابعنا حديثه الأخير فوجدناه لم يناقض الثوابت المذكورة في القرآن ، ولكنه تحدث عما لم يرد أصلا .. قال بما هو غير موجود في القرآن .. قال لا يوجد نص يمنع المساواة ، ولا يوجد نص يفرض الحجاب علي الخصوص .. فالرجل إذن لم يخطئ ، ولا مبرر للهجوم عليه ، اللهم سوي إخراس صوت العقل ، وإطفاء ذؤابة الأمل في الخروج من سيطرة المؤسسة الدينية ، والإفلات من براثن الدولة الدينية !!!
لقد أحببنا في الرجل رؤيته الإيمانية الراقية ، ووجدناه يكشف عن الوجه الإنساني في النص .
فهل هذا أمر سيئ ؟
هل أخطأنا أننا قدرنا الرجل وفهمناه ؟
هل أخطأنا إذا دافعنا عنه ؟
هل أخطأنا ونحن ندعو الناس للدفاع عنه ؟
هل هذا تشكيك في الثوابت وهدمها ؟
ما هذه الاتهامات الجائرة ؟
من ذا الذي لأنه يدافع عن الاستنارة والفهم والعقل يشكك في الثوابت ويهدمها ؟
أكثر من 75 مليون مصري يؤمنون بالتشدد بسبب المتشددين ، ويظنونه الدفاع عن الثوابت ، ويطالبون بالفتك بالهلالي ، فأين لأصوات نحيلة متفرقة تدافع عن التنوير والعقل أن تقف مقابل 75 مليونا ؟
الرحلة لا تزال طويلة طويلة ، ونحن فقط نريد حماية الهلالي من الاعتقال أو إهدار دمه .
نخشي علي رجل أزهري من بطش زملائه الأزهريين الذين يسوقون معهم كل الشعب ، وكل الشعب يريد أن يبطش به علي نحو ما تعلم منهم ..
يريدون أن يسجنوه ويهينوه لمجرد أنه يقتدي بالآيات التي تدعو إلي التفكر في خلق الله .. لمجرد أنه يقول رأيا فقهيا متفقا مع النص ، وهم لا يدركون !!!
فنحن أولا ندافع لإنقاذ الرجل من البطش ، وثانيا ندافع عنه لأنه يقدم تجديدا إنسانيا للخطاب الديني .
أليس تجديد الخطاب الديني هو هدف للدولة نصت عليه في رؤيتها لعام 2030 ؟
أنغتال من يجتهد ليحقق ما ترتجيه الدولة ؟
لا يمكن أن يكون ذلك كراهية للإسلام ..
ولايمكن ان يكون كذلك تفكيكا أو تقسيما للمجتمع ، فمثل رأينا هذا لا يؤدي أبدا لتفكيك وتقسيم المجتمع ..
وإن مال قارون كله لا يساوي ذرة في الدفاع عن الإنسان والتنوير والمجتمع .
لكن يبقي السؤال : هل هذا تدخل في الدين الإسلامي ؟
فنجيب : لا يمكن أن يكون ذلك تدخلا في الدين الإسلامي ، لأن الدولة أعلنت في المادة الثانية من الدستور أن دين الدولة الإسلام ، ما ينبع عنه لزوميا وجوهريا أن الإسلام هو الدولة ، لأن الإسلام دين ودولة ، وأي مواطن في الدولة مدعو لاستخدام صلاحياته التي يكفلها له الدستور ليناقش أمور الدولة ، فإذا الإسلام والدولة كيان واحد لا يلومن أحد أحدا أبدا وهو يناقش أمرا من أمور الدولة .. فالدولة للجميع .. ومناقشة أمر في الإسلام يتحكم في حياة الناس في الدولة هو ذاته مناقشة أمر من أمور الدولة .
.
#ماهر_عزيز_بدروس (هاشتاغ)
Maher_Aziz#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.