محمد رياض حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 12:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تتوقف توقعات ، بل أمنيات ، عدد غير قليل من الإعلاميين ـ السياسيين العراقيين عن ضرورة تغيير العملية السياسية في العراق و رموزهها كافة. من بينهم من رسم " سيناريوهات " وصفوها بالمؤكدة ، لتكرار غزو العراق و إحتلاله عام 2003 ، ينفذه " تحالف دولي للقيام بمهمة تغيير نظام الحكم بالقوة العسكرية . توالى نشر و بث تلك " السيناريوهات " بمقالات و مقابلات متلفزة إثر الإنتفاضة التشرينية التي إطاحت بحكومة عادل عبد المهدي في 25 تشرين الثاني 2019 . تلك الإنتفاضة التي تم التصدي لها بقتل المئات من الشباب وخطف وترويع آلاف غيرهم . بوأد الإنتفاضة قويت هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لإيران على صنع القرار السياسي . تلك الفصائل طالما تحدّت الحكومة وإبتزازها بإستعراضات مسلحة في شوارع بغداد لتحقيق مطالب سياسية و مالية و قضائية.
ــــــــــ في منتصف عام 2022 تصاعدت التناقضات بين شركاء العملية السياسية و إختلف رموزها على كيفية صيانة المناصب و المنافع و الإبقاء على مكتسباتهم. تم الإتفاق على صيغة نظام حكم يدار من قبل تحالف سمي ب ( إئتلاف إدارة الدولة )* و منه أُختير محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء قيل أن الرجل متفق عليه من أمريكا و إيران ذلك بالرغم من أن الذي رشحه ثم عينه الشيخ قيس الخزعلي أمين عام فصيل ( عصائب أهل الحق) *. عُرف السوداني بالنزاهة وشغل عدة مناصب وزارية .
ــــــــــ في 3 كانون الثاني / يناير2020 إغتالت غارة جوية أمريكية قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس أمين عام كتائب حزب الله العراقي. كان للمغدورين المغفور لهما سطوة على القرار السياسي في العراق . بإغتيالهما لم يتراجع النفوذ الإيراني و ما زال مؤثرا فاعلا بوجود مسؤولين في مؤسسات الدولة السيادية وهم قادة إحزاب و تكتلات وتحالفات في العملية الساسية فهم يدينون بالولاء لإيران وفاءً عن إيوائهم معارضين لنظام حكم صدّام . النظام السياسي في إيران ، منذ 2003 ، عمل بالوسائل كافة على بقاء العراق ركيزة وسندا للإلتفاف على العقوبات الأمريكية إقتصاديا ــ ماليا و سياسيا.
ـــــ منذ 2019 تصاعدت أصوات " المبشرين " بقرب تغيير نظام الحكم في بغداد بالقوة العسكرية . مِنْ بين المتقولين مَنْ صفوا بالخبراء في السياسة و الستراتيجيات العسكرية العرّافين المتحمسين للتغيير.. منهم مَنْ " حدد عام 2022 ثم قالوا عام 2023 ستكون نهاية العملية السياسية المتمثلة ب ( إئتلاف إدارة الدولة )* و ركنه الأساس ( الإطار التنسيقي ) و الحكومة . عرّافون أخرون قالوا " أن عام 2024 هو عام الحسم والتغيير. المتقولون بتلك " السيناريوهات " وإن كانت نواياهم صادقة ، إلّا أن تصوراتهم للتغيير لم تكن سوى أُمنيات . الواقع الآن ، وقد إنتصف عام 2025 ، يكذّب سيناريوهات التغيير بالعنف المسلّح كلها. غاب عن إدراك الذين يُحرّضون على التغيير بالعنف المسلّح أو أنهم مدركون و يتناسون منكسرين أن نظام الحكم القائم في العراق متفق على بقائه من قبل كلٍ من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ،السابقة و الآنية ، و حكومة جمهورية إيران الإسلامية. ولكل مصلحة في بقاء العراق كما هو عليه .
ـــــــ واشنطن مهتمة ببقاء قواعدها العسكرية في العراق لأسباب ستراتيجية منها: ما دامت إيران تجاهر بمواصلة تأييدها للمقاومة الفلسطينية فمهمة واشطن لم تنته بعد. واشنطن و " تل أبيب " تعتبران إيران خطر يجب ردعه. لذا .. القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في دول المشرق العربي كافة باقية . أيضا تتذرع واشطن مبررة وجودها العسكري في المنطقة بحماية مصالحها ( شركات النفط و الغاز الأمريكية ) وإسناد أنظمة الحكم العربية الموالية.
ـــــــ طهران .. النفوذ الإيراني في العراق يختلف كليا عن النفوذ والوجود العسكري الأمريكي في العراق ، فإتفاقية الإطار الستراتيجي بين العراق و أمريكا مازالت قائمة و معترف بها بين البلدين ، وأن من بين فقراتها أنْ تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية عند طلب حكومة العراق رسميا وفق تنسيق مشترك . وطالما تصاعدت أصوات برلمانية عراقية تطالب بتسريع إنسحاب قوات التحالف الدولي من العراق و المقصود القوات الأمريكية.. أما الحكومة الإيرانية فإنها تنفي أن يكون لها أي وجود عسكري في العراق ، وإن الفصائل المسلحة الموالية لها والتي تُسمى"أذرعها " تعتبرها طهران فصائل مقاومة عقائدية عراقية .
ــــــــ منذ تفجّر طوفان الأقصى المبارك في غزّة و ما تبع من جرائم الإبادة الجماعية التي أرتكبتها قوات الإحتلال الصهيونية بتأييد مطلق من معظم دول الغرب في غزة و لبنان وما لحِقَ بمحور المقاومة من نكسات مؤلمة ، أدرك ساسة العراق ــ حكومة السوداني و قادة الإطار التنسيقي و الفصائل الموالية ــ ضرورة التراجع عن التحدي قولاً وفعلاً. وكان ذلك في الشهور الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي"جو بايدن". يومها عُرضت في الكونغرس الأمريكي "مسرحية " ( تريسي آن جاكوبسون ) المرشحة سفيرة أمريكية في بغداد التي توعدت بالويل و الثبور للفصائل الموالية ... وتبخرت جاكوبسون ... و هُزِمَ "بايدن" في الإنتخابات الرئاسية و جاء " دونالد ترامب "رئيسا لأمريكا بإجندة ثورية غير معهودة على الصُعد كافة ... و لم يقل شيئاً عن العراق ، بل ذُكرَ سحب أسم العراق من قائمة صدرت عن إدارة " ترامب " ضمت العشرات من دول العالم منع مواطنيها من السفر لأمريكا. يبدو أن مستشاري" ترامب " يعتبرون العراق " جوهرة " الشرق الأوسط " بموقعه الستراتيجي و نفطه و غازه وفرص الأستثمار للشركات الأمريكية ، وقد صدقوه نصحا ،فشهدت الشهور الاربعة من عام 2025 تسارعا في توسيع العلاقات الأمريكية و البريطانية مع العراق .
ـــــ في 14 نيسان / إبريل 2025 زار بغداد وفد رفيع من الكونغرس الأمريكي و إلتقى السوداني الذي أكّد للوفد أهمية العلاقات الستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وقال إنها تعود بالنفع على شعبي البلدين . أعضاء وفد الكونغرس الأمريكي من جانبهم أكدوا أهمية العلاقة مع العراق بوصفه شريكاً مهماً في الشرق الاوسط ( وكالات). ـــــــ في خطوة تعكس اهتماماً متزايداً من قبل الولايات المتحدة بالسوق العراقية، استقبلت بغداد أكبر وفد تجاري أمريكي ضمن جهود تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية واستكشاف مجالات التعاون والاستثمار . في 9 نيسان / إبريل 2025 وقعت حكومة السوداني حزمة مذكرات تفاهم بين غرفتي التجارة العراقية والأميركية والتي تفضي إلى إنشاء أكبر محطة إنتاج كهرباء في العراق. إحدى المذكرات تم توقيعها مع شركة "جي إي فيرنوفا" لمشاريع لمحطات إنتاج الطاقة ستكون الأوسع والأحدث في تاريخ العراق. يتوقع أن تنتج هذه المحطات "الغازية المركبة" بحدود 24 ألف ميغاواط، والتي ستستخدم "الغاز والنفط الثقل في عمليات الإنتاج . كما تم التوقيع على مذكرة بين وزارة الكهرباء ومجموعة "يو تي جي رينيوبال" لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بسعة 3 آلاف ميغاواط، وأنظمة تخزين طاقة البطاريات تصل إلى 500 ميغاواط/ ساعة، وتحديث خطوط نقل وتوزيع الكهرباء. إضافة إلى إنشاء ما يصل إلى 1000 كم من البنية التحتية الجديدة لنقل التيار المباشر عالي الجهد.ولا تقتصر هذه الاتفاقيات على التنفيذ إذ تتضمن نقل التكنولوجيا، والتدريب، والتشغيل، والصيانة. المصدر : واشنظن ــ الحرّة ــ عن وكالة الأنباء العراقية .
ـــــــ لعل الأوسع و الأشمل تلك االإتفاقية التي تم توقيعها في لندن بتأريخ 14 كانون الثاني / يناير 2025 . وقع الإتفاقية رئيس وزراء المملكة االمتحدة (بريطانيا ) كير ستارمر، ورئيس مجلس وزراء العراق، محمد شياع السوداني. إتفاقية شراكة إستراتيجية واسعة النطاق بشأن التجارة وتطوير البنية التحتية لمختلف الإنشطة الإنتاجية و الخدمية و الزراعة و المياه والاستثمار والتعاون الاقتصادي الشامل . تم الاتفاق بين الجانبين على حزمة تجارية بقيمة 12.3 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار)، والتي تعادل أكثر من 10 أضعاف إجمالي التجارة الثنائية في العام الماضي، وستكون مدعومة بسلسلة من اتفاقيات ضمان الصادرات، لتعزيز العلاقة التجارية المتنامية بين البلدين. واتفقا على الاستفادة من خبرة القطاع الخاص في المملكة المتحدة في البنية التحتية الحيوية للمياه والطاقة والاتصالات والدفاع، وتأمين مشاريع استثمارية مستقبلية في قطاعات الطاقة النظيفة والأدوية والخدمات اللوجستية والخدمات المالية.
ــــــــــ الآن .. و بعد الإقبال الموثّق الرحب على العراق من كل من إدارة " ترامب " الأمريكية و حكومة حزب العمال البريطانية و توافد كبريات الشركات الأمريكية و البريطانية على بغداد و توقيع عشرات عقود الإستثمار في القطاعات كافة ، الإنتاجية والتجارية الخدمية ، فضلا عن القائم منها في صناعة النفط و الغاز و الكهرباء .... كما وأبدت الشركات الفرنسية و الألمانية الإهتمام بالإستثمار في قطاع النفط و الغاز .... السؤال : هل يمكن تصوّر إقدام أي " تحالف " غربي لتغيير نظام الحكم القائم بالقوة العسكرية كما حرّض وهتف به الكثيرون عبر القنوات الفضائية من المعارضين و الإعلاميين . وهل يمكن أن يأتي التغيير سلميا .... كيف و متى ؟.
ــــــــ جدير بالذكر أن معظم المعارضين من الساسة و الإعلاميين الذين طالبوا بتغيير النظام القائم في العراق الموصوم ، معظم رموزه ، بالفساد و الطائفية ... رجال وطنيون مخلصلون يعملون لإحلال نظام حكم مدنيٍّ بديل يلغي تردّي العملية الساسية و هشاشة نظام الحكم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*بعد عقدين من الزمن تمخضت العملية السياسية في العراق بولادة أسلوب سياسي جديد من صنع ( الإطار التنسيقي) هيكليته إدارتان .. حكومة معلنة يرأسها السوداني يُديرها من الخلف ( تحالف إدارة الدولة ) أو ( إئتلاف إدارة الدولة ) : هو ائتلاف برلماني عراقي، تشكل في25 أيلول 2022، بعد انسحاب نوّاب كتلة التيّار الصدري من مجلس النواب العراقي. تكوّنَ التحالفُ من الإطارالتنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني ، وتحالف السيادة ، والاتحاد الوطني الكردستاني ، وتحالف عزم ، وبابليّون. أُسّس التحالف تمهيداً لتشكيل حكومة عراقية بعد أن تأخر تشكيلها سنة على إنتخابات مجلس النواب في 10 تشرين الأول 2021 . يُمثل ( إئتلاف إدارة الدولة ) أكثرية نيابية بشمول كل الكتل البرلمانية الرئيسية بدون معارضة إلا من نواب مستقلين قليلين. شُكلت حكومة من بين (إئتلاف إدارة الدولة ) في 27 تشرين الأول 2022 برئاسة محمد شياع السوداني. وذُكرأن عدد نواب (إئتلاف إدارة الدولة) 270 نائباً.
في 10 تشرين الثاني 2022 كشف الامين العام لحركة "عصائب اهل الحق" قيس الخزعلي عن تفاصيل الاتفاق الذي تم مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والاطار التنسيقي، مؤكداً الزام السوداني بالرجوع الى الاطار في بعض القرارات .( المصدر : قناة ناس)
#محمد_رياض_حمزة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟