|
قراءة ونقد في ( عن الحرية) لجون ستيوارت ميل
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 17:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قراءة ونقد في " عن الحرية " لجون ستيوارت ميل
قراءة : -
يبدأ الكتاب بفكرة حرية الإرادة وهذه الفكرة تعارض فكرة الضرورة الطبيعية يعني القدر الطبيعي او الحدث الطبيعي الذي لا دخل للإنسان في تكوينه ، وحرية الإرادة هذه ترتبط بالحريات المدنية والاجتماعية إزاء كل السلطات المطلقة وهذه الفكرة ليست بحديثة بالطبع كما يموه ستيوارت ميل بل هي قديمة وموجودة في اليونان حيث تشكلت هناك جمهوريات ديمقراطية وأخرى دكتاتورية وأصبح الصراع بين الطبقات هم المجتمع بجميع تدرجاته وأشكاله الطبقية من اجل توفير الحماية من طغيان السياسة وتسلط الحكام لذلك وضعوا الفاصل بين الحاكم والشعب مفهوم الحرية وبموجبها تتكون الشروط اللازمة اتخاذها من الحكام وان تنصلوا عن هذه الشروط هناك العصيان والثورة الاجتماعية هذا ما اتفق عليه قديما والتي تطورت الى المراقبة الدستورية كما يسميها ميل وهي العيش السياسي والاجتماعي ضمن دستور يحدد الواجبات والمسؤوليات للحكام والمجتمع على حد سواء وبالتالي لا استغلال للسلطة من قبل الحكام ولا تجاوز عليها من قبل المجتمع ويبدو لي ان هذا الشكل وضع لحماية الأغنياء من الفقراء حتى يملكوا الشرعية في بقائهم حكاما ومتسلطين . وفي الزمن الحديث وصل المجتمع إلى صورة الحاكم المندوب أو الممثل عن الشعب وهذا الحاكم غير دائمي ولا يتمتع بسلطة وراثية له ولأبنائه بل هو مؤقت لفترة زمنية معينة وبعدها تنتهي فترة حكمه وهكذا هي الليبرالية السائدة اليوم ومفهوم الحرية مرتبط بها ارتباطا وثيقا بحيث جعلت الحكومات ليست حكومة الفرد بل حكومة المجموع لان الأخير قد ساهم في صناعتها واختيارها بواسطة مفهوم الاقتراع العام وهذا المفهوم قديم جدا ولكن طور مع الزمن الحديث وبالأخص مع الثورة الفرنسية وما تلاها من زمن سياسي وأنساني حديث بالرغم من النواقص التي يعتريها ولكن بين سلطة المجموع وسلطة الفرد هناك الخوف من الطغيان حيث ينبه إلى ذلك ستيوارت ميل ويحدث مقارنة بين طغيان الأغلبية وطغيان الفرد يعني ان المجتمع إذا حكم من الممكن أن يؤدي حكمه إلى اختيار قادة مستبدين هتلر نموذجا وهكذا " هذه الأمثلة من عندي " ، وهنا لابد من وضع الحدود بين السلطة الفردية والسلطة الجمعية حتى يصبح مجال الرأي والإرادة يمتلك الحضور لدى الجميع الأقلية والأغلبية على حد سواء وهنا يتطلب التحرير من كل جاهز مطلق مثلا الكنيسة " أو الجامع لدينا " إذا أصبحت مطلقا في إرادتها فانه تحجم بقية الإرادات وهكذا يجب وضع حد للأفكار المطلقة التي لا تحجز الناس في سلوك واحد اعم ويجعل الآخرين بمثابة المخطئين او المنحرفين .. الخ إن هذا الاختلاف داخل المجتمع بين الأغلبية والأقلية يولد مفهوم حرية المعتقد والرأي ولا يوجد كابح لأحدهما أي الحرية الدينية مصانة ولكن كيف من يخالفها أيضا حريته مصانة بين الدين واللا دين هناك حرية المعتقد ومن يكفلها ليس سوى القانون الذي يضمن ممارسة قوته وسلطته على الجميع أي ضد الإرادة المطلقة مثلا إرادتي إن تمكنت من فرض سلطة معينة على الآخرين فلا يجب إن تعمم من خلال العنف او الإكراه بل هناك الوسائل المدنية في العرض والإقناع . هذا الآمر أي جعل الحرية مبدأ عام بحاجة إلى التربية الاجتماعية والتعود الاجتماعي عليه ولا توجد فائدة من فرضه بالقوة وكما أسلفت إن هذه الحرية من المؤكد لها جانبها الأخلاقي المرتبط بحرية الفكر والرأي والمعتقد ولكن في نفس الوقت لها جانبها النفعي المادي حيث التطور الاقتصادي الرأسمالي الذي فرض الحرية في التنقل التجاري والمالي بين الشعوب لذلك جاءت الأفكار الحديثة متوافقة مع السلطة الرأسمالية الجديدة الصاعدة للطبقات البرجوازية .
إن أطروحة ميل حول الحرية متفرعة إلى حريات أخرى تشمل الكلام والكتابة وهذه لا توجد إلا ضمن المؤسسات الحرة المتسامحة وهذه سوف يركز عليها بشكل خاص في الفصل الثاني حيث حرية الفكر والمناقشة .
وهذه الاخيرة التي يتحدث عنها جون ستيوارت ميل في الفصل الثاني ليس لعامة الناس فحسب ، بل للكتاب والمفكرين الذين يجدون من خلال الصحافة بوابة مفتوحة للنقد وضمان الرأي الحر المختلف ، رغم السلبيات التي يشير إليها جون ستيوارت ميل تلك المتمثلة بالتعصب الفكري والدفاع عن مصالح الطبقة المهيمنة وبالتالي صيرورتها بالذليل الخاضع الذي لا يطور نفسه في العيش مواجهة السياسة ونقاشاتها إلا انه يمضي قدما في مسائلة السلطة وأحكامها وطبيعتها القمعية وجاهزها اللغوي والفكري الذي تتصوره صحيحا ولدى الآخرين الذين يختلفون معها خاطئا ، وهنا يعطي الحق حتى ولو لشخص واحد عارض المجتمع بأكمله ، فمن حق السلطة أن تستمع إليه ولا تمارس العصمة على أرائها وأحكامها المطلقة ، هكذا هي الأفكار والآراء من الممكن أن تتغير ضمن جدلية الزمن والتطور البشري ، فالرأي الذي يكون اليوم صحيحا لا يغدو في المستقبل كذلك حيث لا يحارب المرء على رأي داخل الكنيسة أو في الجامع من قبل رجال الدين أو من قبل السلطة السياسية .. الخ ، انه دفاع عن الحريات وهي تمكث في الأفراد وفي المجتمع على حد سواء وبالتالي تدخل النسبية والاحتمالات على الخط ، خط مواجهة الحقيقة الذاتية والمجتمعية أو مواجهة الإيمان المطلق وخصوصا لدى عامة الناس حيث لا يثق كثيرا بأحكامهم وذلك لاختلاط الجهل في اغلب تصوراتهم فضلا عن دور البيئة في صيرورة تصورات الناس ومعتقداتهم ، إضافة إلى أثرها المستقبلي وطبيعة التحولات الاجتماعية ، التي من الممكن أن تجعلها في خانة الرفض وعدم الإيمان فيها أو كما يقول " إن العصور اللاحقة لا تعتبر الأفكار القديمة مجرد أفكار خاطئة بل سخيفة أيضا " إذ يرى مثلا إن فلسفة نيوتن لم يسمح بنقاشها والاستماع لها من خلال الاعتماد على " التحدي " كأساس معرفي ضد المعتقدات التي تملك الضمان والوقاية والحفظ والبقاء ، وهذا كله من الممكن يفرغ العالم من الاكتشاف من الاختلاف من الإبداع إذا هيمنت على الفضاء العام للمجتمع ، والإبداع نفسه مرتبط بعدم القبول بالآراء المطلقة أو مرتبط بالشك سمة العصر ، ولا يكتفي بنيوتن كمثال للتحدي بل يرجع بشكل أقدم إلى سقراط ذلك الفيلسوف الذي تحدى بدوره آلهة الجمهور التي هي في نفس الوقت آلهة السلطة وكانت النتيجة الإدانة بالإعدام لأنه قال رأيا أو تفوه بكلمات وما أخطرها من كلمات إذا كانت بمواجهة عصمة الرأي عصمة الآلهة أو رجال الدين الأولياء المقدسين أو بمواجهة القضاء الصارم الذي وضع سقراط موضع المجرم الذي يجب محاكمته بتهمة الفساد في الأرض وهي تهمة ما تزال دول في القرون الوسطى تستخدمها اليوم " إيران نموذجا " هكذا هو الظلم حي وجاهز قديما وحديثا ولا يمكن تجاوزه والتخلص منه إلا بالاعتراف بالرأي بحرية الإنسان في القول والتعبير بعد تاريخ طويل من الاضطهاد لم تهدأ أو تخف سلطته ما دامت هناك قوى تدعي العصمة وامتلاك الحقيقة التي تخولها الحق في محاسبة الآخرين لأنهم يختلفون معها . وتبقى البيئة الاجتماعية هي المحددة لعوالم الافراد ، لطبيعة افكارهم وانطباعاتهم عن العالم والوجود بشكل عام ، والصدفة هي من تقود هذا التحديد الفكري والايديولوجي ، وبالتالي لا توجد ضمانات عقلية مطلقة بان الافراد او المجتمع هو نفسه على صواب مطلق ، حيث تبقى الحرية الكاملة في التناقض هي من تبرر حقيقتنا المفترض صوابها . ولكن كيف يتم التعامل مع الحشود ، مع الكثرة الاجتماعية التي تمتلك اراء معينة او افكارا معينة جاهزة ومختلفة عن افكار واراء الحكماء او الفلاسفة ؟ بالطبع لا توجد هناك ادوات خضوع او فرض سلطات عليهم ، وكل ما يميز الفكر الجديد انه يعرض على الناس ويتم مناقشته و مسائلته ، وبالتالي يصبح مواجها ومتحديا للمعتقدات السائدة ، وعلى الاخيرة التراجع لأنها ببساطة اصبحت لا تمت بصلة للعصر ومنتجاته الجديدة ، هكذا تم التعامل مع افكار نيوتن كما اسلفنا ، ولا تتحمل الافكار نفسها هذه النتيجة بل هنالك ما قبلها مرتبط بالمدينة الصناعية الجديدة الناهضة ، التي تجعل الانسان مندمجا مع بيئته ، وبالتالي لابد للفكر ان يتأثر بالواقع ، وواقع الحشود هنا هو واقع العمل والحركة والصيرورة والتغيير والاكتشافات الجديدة التي سوف تغير شكل الارض والانسان والمجتمعات ، هو واقع القرن الثامن عشر المليء بالأفكار والمفكرين والفلاسفة ، وهذا الواقع مرة اخرى هو الواقع المفزوع من الشك والمفرغ من الايمان كما يوصف ، بحيث ان الحشود اصبحت خالية من العصمة الفكرية المطلقة ، من الحقيقة الجاهزة ، من القيود المفروضة على الحقيقة ، كل ذلك مهد وساعد على تقبل اراء نيوتن ومن بعده . ان اضطهاد الحقيقة اصبح من الماضي ، وان المصالح الدينية وهي تلتصق بالدنيوي اصبح من الماضي ايضا بعد الكثير الكثير من محاولات وثورات الاصلاح التي تم قمعها ، وحتى الادعاء النصي المحافظ على صورة " الله " على الارض ايضا اصبح من الماضي ، خصوصا وانه ادعاء يطرد جميع من كانوا يتم تسميتهم ب " الوثنيين " او " الكافرين " ولم يسمح لهم بالتواجد داخل الفضاء العام الا وهم في درجة متدنية باعتبارهم غير مؤمنين ، كل ذلك اصبح من الماضي مع دولة المواطنة او الدولة التي تصون حرية الانسان ومعتقده وافكاره ، وهكذا لا توجد اية كراهية اجتماعية داخل النسيج الاجتماعي المتعدد المختلف ، الذي لا يمزقه سوى التطرفات والتعصبات التي تستغل سياسيا ودينيا واجتماعيا لغايات دنيوية بحتة . وبوجود الآراء الموروثة وامكانية مناقشتها والدخول معها في حوار وجدال حر سوف تكون للمجتمع الجديد انطباعات وتصورات مختلفة عمن سبقه ، خصوصا وان التقليد الاعمى سوف لن يتجذر ضمن اسس او ارضيات الافراد انفسهم ، فالهندسة تعلم الناس الايضاحات والبراهين اضافة الى اتقان وحفظ النظريات نفسها ، ومع علوم الطبيعة سوف يتخلى هؤلاء الافراد عن " الببغائية " او التقليد الاعمى الذي يرفض مركزية الشمس ويؤكد مع الماضي الموروث مركزية الارض ، وكل مكتشف علمي جديد سوف يناقش معه محتويات الافراد وماضيهم الفكري الموروث ، وكل ما يبقى منه مرتبط بحرية المجتمع نفسه على تعديل صورة الايمان لا محوه ، واهم ما يعزز هذا الايمان الجديد هو المناقشة الحرة والجدل الذي من دونه سوف يفقد المجتمع نفسه قيمة الحركة والتغيير ، وربما يقدم احد ما سؤاله التالي " مع كل هذه الحركة الفكرية والمناقشة الحرة هل يوجد ضمانات عقلية معينة للبشرية نفسها ازاء التغيرات الفكرية الجديدة خصوصا وهي تعبث او تؤثر بشكل كبير على نفسية وسلوك المجتمع نفسه ؟! " وهنا نقول مع جون ستيوارت ميل بتصرف مع تغيير من عندنا " ان البشرية وهي تخوض الحرية الفكرية كنسق جاهز حي معترف به تستطيع الوصول الى الكثير من الضمانات العقلية التي من الممكن ان تعالج وسائل الايمان وتعده ممثل لتجارب بشرية متغيرة مع كل عصر " ويزيد الاختلاف في الرأي من صحة المجتمع السياسي ، وكلما تعددت الاحزاب او الآراء او الافكار كلما اصبح العقل الاجتماعي اكثر تنورا ، ولم يتحقق هذا الامر الا من خلال المساواة في تثبيت الحرية للجميع دون وجود عوامل الضبط والتحديد السلطوي لهذه الحرية اي دون وجود مراعاة الاعتدال فيها بحجة الدفاع عن النظام العام والافكار العامة ، وبالتالي هناك حدود معينة لما يقال ولما لا يقال ، وتبقى حرية التعبير عن الرأي بمثابة التأكيد على الفردية التي لا يستطيع الحشد الاجتماعي قمعها مهما علا صوته وكثرت وسائل الازدراء والهجوم اتجاهها .
يتعرض جون ستيوارت ميل الى الفردية بصفتها احدى عوامل الرفاه حتى وان كانت فردية اقتصادية او تجارية او صناعية وليست فردية مرتبطة بسلوك الانسان وحرياته وآرائه وافكاره بمعزل عن الكل الاجتماعي ، وبالتالي لا يوجد لها تأثير على احوال الناس واوضاعهم الاقتصادية ، خصوصا مع طغيان الاستغلال ، والفردية هنا مرتبطة كما هو معروف بالملكية الخاصة وهذه الفردية يمكن السيطرة عليها من خلال التحكم بالذات او العواطف التي يمتلكها الفرد نفسه اتجاه الاخرين ، وهنا مكمن تطور الفردية التي تساعد بدورها على ازدهار المجتمع بشكل عام ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الفردية هنا تتجاوز صورتها الاقتصادية لتصل معايير الحرية الفردية في التعبير والسلوك والمعرفة والابداع . ولكن هل هنالك اخطار من الممكن ان تتعرض لها الفردية ؟ نعم اذا تخلت عن شرطين اساسيين الا وهما الحرية وتعدد المواقف ، وباتحاد هذين الشرطين يولد النشاط والحركة والتنوع بشكل عام بصوره المختلفة والمتعددة ، وكل ذلك يحتاج الى نمو وتطور ليس بشكل آلي بل بشكل انساني ومتجذر ذلك النمو والتطور داخليا اي داخل القوى الاجتماعية السائدة ، التي من الممكن ان تحسن وتوجه الاستخدام الامثل لطاقة المجتمع ، فبدلا من هيمنة نزعات الشر على الافراد من الممكن حرفها الى نزعات الخير من خلال امتلاك الطبيعة النشطة التي تجعل من المجتمع قادرا على حماية مصالحه باستمرار وتطويرها نحو الافضل والامثل ، وهذا الامر له علاقة بالنشأة والتربية التي توجهها القوى الداخلية للمجتمع نفسه بحيث لا تجعل هذه القوى الداخلية اية آثار لهيمنة الانساق العامة على حرية الفرد ، واكثر ما يميت الفردية هو هيمنة العام والشامل والمألوف الذي يتكرر دونما قدرة على تجاوزه ونقده ، والعام والشامل من شأنه ان يمنع الافراد عن تحقيق الاشباع لديهم في الميول والتوجهات ، وبالتالي مزيد من الفقدان في مجال الحقوق الانسانية ، اذ ان العدالة وتطبيقها هو من يحقق التطور العام لمشاعر وقدرات المجتمع نفسه لا التقييد والاستبداد حيث يؤثر ذلك بشكل اساسي على الطبيعة الاجتماعية من كونها ذات نشاط وحركة وابداع او كونها ذات خمول وجمود وتخلف ، وهنا ندخل في حدود سلطة المجتمع على الافراد عموما من حيث تحديد ادوارها وكيف يمكن ان تباشر حضورها او تقسم ما للفرد او للمجتمع ، حيث يمثل الفصل الرابع محاولة جون ستيوارت ميل تعريفها ووضع اسسها ، تلك التي تعطي للفرد حصة متساوية بكل ما هو خصوصي وذاتي ، ودائما لا ينفصل الجزء عن الكل ، حيث للأخير ايضا خصوصياته وجزئياته بشكل لا يدعو الى صهر وذوبان حريات وجزئيات الافراد الذين يختلفون عن الكل الاجتماعي ، فالمسالة تتعلق بالالتزام المتبادل ضمن منافع ومصالح متبادلة ايضا ، وهذه اما تكون قانونية اي موضوع لها نص دستوري او مشكلة ضمن اعراف اجتماعية معترف بها ، ولا يمكن ان تكون افعال الافراد مقبولة من قبل المجتمع اذا حملت في طياتها ضررا كبيرا بمصالح المجتمع ، وبالتالي للجمهور ارادته وقدرته على الحد من السلطة الفردية المطلقة ، وكل ذلك مقرر في مناهج التربية والتعليم ، تلك التي تباشر عملية الارتقاء والنمو بشكل الذي يتوجه نحو الاثنين فردا كان او مجتمعا ، وكل له مصلحة ومنفعة دون القدرة على تجاوز ما هو خاص بالمشاعر او الافكار او الظروف ، حيث للفرد حريته في التطور والارتقاء ، بنفسه وليس بالمجتمع ، وهنا التأكيد على المسؤولية الفردية التي لا تجعل للأفراد او المجتمع اية وصايا على الاخرين . ان كل ما هو اناني وذوقي خاص بالأفراد انفسهم وبالتالي ليس للجمهور القدرة على التدخل بمنع الاذواق والرغبات الانانية ، وهنا تجاوز لما هو طقسي وديني يضع الحدود والخطوط المحرمة على الافراد انفسهم ، ولا شأن للدين على المجتمع والافراد عموما ، وبذلك تكون سلطة المجتمع على الافراد هي سلطة المنفعة او المصلحة المتبادلة ، تلك التي لا تعيق حريات الافراد ورغباتهم واذواقهم ومشاعرهم من جهة ، وتلك التي لا تجعل للأفراد ايضا اية وصايا على المجتمع نفسه ، ولا ضدية متبادلة بين الاثنين تعيق التقدم والتطور الانساني من جهة اخرى .
نقد : -
ان الحرية المصانة بعقد اجتماعي وسياسي قانوني يكفل الحقوق الانسانية للمجتمع وهنا الحقوق الفردية المتعلقة بالفكر والمعتقد والرأي والحق في العمل والبقاء .. الخ ، ولكنها في الوقت نفسه تضمن حرية التنقل الحر للعمل والاسواق والتنافس الاقتصادي بين الافراد عموما داخل المجتمع ، وهذا التنافس من شأنه ان يزيد حالة الجشع الاقتصادي ، وبالتالي يزيد حالة الظلم الاجتماعي والتفاوت بين الطبقات ، بحيث تصبح الحرية هي حرية من يملك ومن لا يملك ، والاقتصادي دائما ما يسيطر على منابع الاقتصاد والسياسة والاعلام ولا توجد امكانية التحول الكبير للحرية بشكل مضاد لصورتها الرأسمالية ، بالرغم من ان هناك من يقول ان جون ستيوارت ميل في اخريات حياته بدأ بالميل نحو الاشتراكية او محاولة مزج الفردية بالاشتراكية من خلال الاعتراف بان المجتمع له الحق في الغاء اي حق من الملكية اذا كان يقف في طريق الصالح العام ، وتبقى الفردية التي يؤكد عليها ميل هي فردية الابداع بشكل يسبق التقدم الاجتماعي ولا يتطور الاخير دونما حريات مصانة لأفراده قادرة على ابعاد جميع عناصر التزييف والخداع التي تجعل الحق مصانا لأنه يخدم اقلية رأسمالية فقط لا غير .
ولكن من الذي يضمن ان حرية الفكر والكلام والمناقشة من الممكن ان يكون لديها القدرة على تجاوز الظلم الاجتماعي او دعم الحريات العامة والمجتمعات التي تعاني من هيمنة الاستبداد التاريخي ؟ ! وهنا نرجع الى ذات ما اشرنا اليه سابقا بان الحريات الرأسمالية تؤكد على الانتقال الحر للمال اكثر مما تركز على الانتقال الحر للأفكار بين المجتمعات ، وهنا تجارب دعم الاستبداد والانظمة المغلقة دينيا وعقائديا يشير الى ذلك الامر ، فضلا عن الاستراتيجية العامة للشركات الرأسمالية تكمن في تجيير الاحزاب السياسية لصالحها كممثل عضوي لتطورها وزيادة ارباحها عبر العالم ، وهنا ندخل في مأزق كبير يتمثل بفشل الواقع الديمقراطي عن تغيير احوال الناس والمجتمعات ليس بشكل محلي بل بشكل عالمي ايضا ، ولا ضمان لبقاء القيم الليبرالية المتعلقة بالحريات العامة سوى وجود الارادة العامة لمواجهة الاستبداد الرأسمالي الذي يجعل كل جديد لا يرى النور ويبقى القديم هو من يحكم ويسود .
ان مثالية جون ستيوارات ميل واضحة جدا من خلال عدم ربط الفردية بالاستغلال ، حيث يمكن الحد منها من خلال السيطرة على العواطف ، وعدم ربطها بظروف واحوال الناس ، اي ان الفردية وهي تمارس وجودها الاقتصادي لن تؤثر على الاوضاع العامة للجماهير سلبا بل العكس هنالك الازدهار والتطور والرفاه ، وتلعب التكوينات الاجتماعية الدور الكبير في هذا التحول ، اذ ان المجتمع الشمولي دائما ما يغرق المجال العام بالحدود والموانع والاسيجة المغلقة ، وبالتالي لا وجود للفردية الا وهي تابعة وذليلة للمجتمع الديني او القومي ، وما يحررها هو حركتها العامة وهي تعاشق او تربط الفكر بالمصلحة ، الحرية بالاقتصاد ، بغض النظر عن كثرة وديمومة التفاوتات الطبقية او التراجعات الانسانية من التقدم الى التخلف من الانغلاق الى الانفتاح ضمن لعبة تحيطها وتتحكم بها حركة وقوة رأس المال .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد الدولة - دولة النقد (البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء ا
...
-
نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء
...
-
مختارات من نصوص الهايكو
-
نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء
...
-
نقد الدولة- دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الفصل ا
...
-
نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الفصل
...
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة) الفصل ا
...
-
حتى يكتمل الموت جيدا
-
مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٧)
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£
...
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£
...
-
مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (1_6)
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£
...
-
مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٥)
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£
...
-
مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٤)
-
مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٣)
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£
...
-
مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٢)
-
نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة) (٣
...
المزيد.....
-
غرق أكثر من 35 شخصًا في انقلاب مميت لقارب سياحي بفيتنام
-
رئيس أوكرانيا يوجه دعوة لروسيا لعقد اجتماع ويعلق
-
سوريا.. ما هو وضع وقف إطلاق النار في السويداء؟
-
هدنة غزة: لماذا تختلف هذه الجولة من المفاوضات عن سابقاتها؟
-
بعد غيبوبة استمرت 20 عاماً.. وفاة -الأمير النائم- السعودي
-
برلين تعد باستقبال أفغان من باكستان بشروط وتغلق الباب أمام ط
...
-
طواف فرنسا: الهولندي ثيمين آرينسمان بطلا للمرحلة 14 وإيفينيب
...
-
كاتب إسرائيلي: لا لتعامل إسرائيل الأحمق مع سوريا
-
900 شهيد جراء الجوع بينهم 71 طفلا في غزة والاحتلال يواصل الم
...
-
مستوطنون يقتحمون الأقصى والاحتلال يحرق منازل بمخيم نور شمس
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|