أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - امرأة من رفح.. وجع يمشي على الأرض














المزيد.....

امرأة من رفح.. وجع يمشي على الأرض


بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة

(Badea Al-noaimy)


الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 00:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يُجبر فيها الشعب الفلسطيني على ترك قطع من قلوبهم تحت الأنقاض، أو في الأزقة، أو أمام حائط بعد تنفيذ إعدام جماعي. ولن تكون الأخيرة إلا حين يشاء الله لهذا أن ينتهي.
هذا المشهد لم يتوقف منذ ١٩٤٨ عن التكرار. تغيرت الأسماء والأشكال ولكن بقيت المأساة هي ذات المأساة. فمن دير ياسين إلى الدوايمة فصبرا وشاتيلا إلى غزة واليوم رفح.
وكل مدينة لا زالت تحمل ندبة من الماضي ،وكل جيل يأتي يحمل جرحا جديدا، يضاف إلى قائمة الجراح القديمة التي لم تشف ولا زالت تنزف بشدة.

رفح التي كانت في بداية الحرب بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ملجأ للمستغيثين من شمال غزة ووسطها أصبحت اليوم بعد عودة الحرب مقبرة مفتوحة. المكان الذي كان يوما خطا حدوديا يرمز للعبور إلى الحياة، تحول اليوم إلى فخ، طرق النجاة فيه زلقة للغاية وصعبة العبور حد الموت وحد اللاعودة. والذريعة "ضرورة عسكرية", لكن النتيجة واحدة..مئات المجازر بحق المدنيين.

ففي الوقت الذي تُعقد الاجتماعات والقمم الفاشلة وتُلقى الخطب الرنانة الجوفاء وتُرفع التقارير الفخرية المتواطئة، تُدفن أجساد الشهداء بلا أكفان ولا دموع، لأن الوقت ليس وقت دموع ولا وقت إلقاء النظرة الأخيرة على وجه حبيب شهيد.

اليوم في رفح لم تعد هناك قيمة للمؤتمرات الدولية، ولا أحد يعير اهتماما للمظاهرات ولا الوقفات الاحتجاجية، لأن الأهم أن تجري حافي القدمين حتى لو لم تعرف أين هي وجهتك، هربا من قنبلة مدفع أو صاروخ يُلقى من الجو إلى أي مكان حتى لو كان حفرة، والمأساة أن تكتشف وأنت في الحفرة أنك تركت قطعة منك ممدة على الأرض بعد أن فارقتها الروح. تركتها لأن الرصاص الذي قتلها مصوب نحوك لو فكرت بدفنها أو حملها.

نعم هذا ما جسده مشهد امرأة من رفح بتاريخ ٢٣/آذار/٢٠٢٥، نجت بنفسها من الموت حيث قالت وهي تنتحب *ابني لقيناه عند البركسات، مطخوخ في بطنه واستشهد*.

هذه المرأة ليست مجرد قصة تُروى، بل هي وجع يمشي على الأرض، وصدى لألم لا يوصف. أن تترك أم ابنها ممدا خلفها على الأرض دون أن تتمكن من دفنه أو حمله، لهو الجرح النازف الذي لا يلتئم في روحها، وخاصة عندما حالت الدبابات بينهما فسحبتها قدماها قسرا للابتعاد، فالموت لا يعطي فرصا أخرى.

ولا بد أن قلبها احترق وهي تبتعد وربما ركضت ورائحة شواط الاحتراق تعبق في روحها. ولا بد أيضا أن مشاعرها انقسمت بين الأم التي تريد أن تحتضن ابنها الشهيد وبين الإنسانة التي أُجبرت على البقاء على قيد الحياة حتى تسرد قصة وجعها.

تشعر بالذنب وهي تقول:
*يا حبيبي يبني تركتك لحالك*.
رغم أن لا ذنب لها. ولنا أن نتخيل هذه الأم التي ربما لو استطاعت النوم، فإنها ستحلم بابنها كل ليلة ترجع حيث تركته، ترفعه، تهدهده، تخبره بأن القصف قد انتهى وأن عليه أن يستيقظ. غير أنها تصحو على الواقع، وأنها هي هنا وهو لا زال ممدا هناك، وبينهما جدار من القهر والدمار.

حالة هذه المرأة ليست فردية. بل انعكاس لمأساة أكبر، إنها مأساة ضمير عالم فقد إحساسه. فرفح بشكل خاص وغزة بشكل عام لم تعد مدينة تُقصف ويرتقي فيها الشهداء بالجملة، إنما غدت اختبار لإنسانيتنا، وإلى أي مدى يمكن أن نرى الموت دون أن نحرك ساكنا.

والحرب لا بد لها يوما أن تنتهي وربما يعاد إعمار غزة، ولكن ماذا عن النفوس التي انكسرت؟ وماذا عن الأطفال الذين سيكبرون ولم يعرفوا غير الخوف والجوع؟ وماذا عن الأمهات اللواتي فقدن أولادهن وهم جوعى؟

ماذا ستكون الإجابة لجيل سيأتي لاحقا ويطرح سؤال * كيف يسمح العالم بحدوث هذا ؟؟؟*.



#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)       Badea_Al-noaimy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستفشل كما فشلت كل مرة...
- الحرب الفاشية تعود إلى غزة ١٨/آذار
- القوانين الدولية والاتفاقيات تسقط في وحل حصار غزة
- ما بين قرط ساندي بيل وقرط روح الروح يتقزم الخيال وتتضخم الحق ...
- الاستيطان الرعوي أداة سريعة لقضم الأراضي الفلسطينية
- البحث عن الهوية في رواية مرايا القدس-سفر سقوط الأقنعة للكاتب ...
- كأنه لم يجرب أداة الحصار من قبل
- قرية ناصر الدين..كانت هنا وستنتفض كفينيق
- التحدي الكبير لا يجابه إلا بالتصدي الكبير
- مياه الليطاني والأردن ولاحقا النيل والفرات
- لا بقاء للصهيونية دون توسع
- من هو القادر على تقويض خطط التهجير؟؟
- الرموز والدلالات في -عبرنا مثل خيط شمس-
- أين -جابوتنسكي-؟ وقريبا أين -سموتريتش-؟
- القسطل
- مدينة حيفا...كانت هنا
- *إنما نعدّ لهم عدا*
- مدينة البرتقال الحزين.... يافا
- وحُقّ اليوم للقبيبة أن تفرح..محمد الضيف شهيدا
- بناء المستوطنات لن يوقف المقاومة الفلسطينية


المزيد.....




- ماذا نعرف عن الطائرة الصينية التي أسقطت الرافال الفرنسية في ...
- الفلسطينيون يهجرون منازلهم قسرًا بعد هدم مبانٍ في مخيم نور ش ...
- من طالبة في معهد تعليمي إلى البرقع الأفغاني.. قصة ميرا الغام ...
- حلفاء كييف الأوروبيون يوافقون على إنشاء محكمة لمحاكمة بوتين ...
- 8 عقود على انتهاء الحرب: هل تترك واشنطن أوروبا في مهب بوتين؟ ...
- سوريا.. تغريدة وزير الطاقة حول اتفاق مع تركيا تثير تفاعلا
- -واشنطن بوست-: حضور زعماء الدول عرض النصر في موسكو يمثل فشلا ...
- ترحيب حار وحديث بين السيسي وشي جين بينغ في موسكو
- المغرب.. مقتل 9 أشخاص بانهيار مبنى سكني في مدينة فاس
- حتى لو استسلموا أبيدوهم!


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - امرأة من رفح.. وجع يمشي على الأرض