أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - تبديد أوهام القروض الصغيرة للفُقراء















المزيد.....


تبديد أوهام القروض الصغيرة للفُقراء


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8265 - 2025 / 2 / 26 - 14:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ارتفع الدّيْن العام في العديد من الدّول العربية غير النّفْطِيّة ( المغرب وتونس ومصر ولبنان والأردن...) وفي العديد من بُلدان "المُحيط" ( الواقعة تحت الإستعمار الجديد) وبالتوازي مع الدّيْن العام، أو كنتيجة منطقية له أحيانًا، ارتفعت دُيُون المواطنين بموازاة ارتفاع الأسعار وإيجار المَسْكن والنّقل والطّاقة والضّرائب غير المُباشرة، وما إلى ذلك، وهي من نتائج تطبيق شُرُوط الدّائنين ( الخصخصة وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وتجميد التّوظيف الحكومي الخ) التي تزيد من حجم ونسبة البطالة والفقر وغلاء المعيشة، فيضطر المواطنون إلى الإقتراض من المصارف أو من الأقارب أو من المُؤسسة التي تُشغّلهم ( راتب مُقدّم) ويتعاملون مع التّجّار بطريقة الدّفع آخر الشّهر، وما إلى ذلك من "الحِيل" التي يضطر الفُقراء ومُوظّفو الدّرجات الدّنيا إلى اللُّجُوء إليها، نتيجة العُسْر الذي يُميّز الحياة في بُلدان "المُحيط" ونتيجة الطّبيعة الطّبقية الكمبرادورية للأنظمة القائمة التي تُراكم الدّيُون وتُطبّق برامج اقتصاتدية مُناقِضَة لمصالح أغلبية المواطنين...
تُحاول الفقرات التالية تقديم صُورة عن حقيقة "القُروض مُتناهية الصّغر" في مثل هذه البُلدان الفقيرة وبعض نتائجها بعد سنوات من تطبيقها وتقديمها بمثابة أحد الحُلُول للخُروج من الفَقْر، ولكن بيّنت العديد من التّقارير تحقيق هذه القُرُوض الصّغيرة أو "مُتناهية الصِّغَر" عوائد كبيرة للمصارف ووكالات "المساعدات" الحكومية على حساب ملايين الفُقراء وخصوصًا من نساء الأريف والأحياء الشعبية في المُدُن، في إفريقيا وآسيا:
في سريلانكا، أدّت أزمة تفاقم الدّيُون إلى عجز الدّولة عن تسديد حصص القُروض وإلى انتفاضة شعبية عارمة استمرّت من نيسان/ابريل إلى تموز/يوليو 2022، وإلى هروب الرئيس السابق غوتابايا راجاباكسا، وبعد قرابة ثلاثين شهرًا من بداية الإنتفاضة وتغيير الحكومة – إثر انتخابات عامة – لم يتغيَّر وضع الفُقراء الذين أطْلَقُوا الإنتفاضة، بل توسّع نطاق الدّيون ليشمل الأفراد والفقراء من النساء وصغار الفلاحين والأقليات لتصبح هذه الفئات أكبر ضحايا صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الأصغر التي وجدت أرضية خصبة لكسب المال، واستفادت مؤسسات القروض الصغيرة من تطبيق برنامج صندوق النقد الدّولي التي تشمل تخفيضات في ميزانيات التعليم والصحة، وهجمات على حقوق العمال، وخفض معاشات التقاعد وخفض الدعم على الضروريات الأساسية ( كالطاقة)، وزيادات في ضريبة القيمة المضافة، وما إلى ذلك، مما فاقم الأزمة الإقتصادية، فارتفعت النفقات اليومية، فضلا عن استمرار الجفاف وقلة المحاصيل الزراعية، فأصبحت 54% من الأسر السريلانكية غارقة في الديون، خلال الربع الأول من سنة 2024، ووصلت أسعار الفائدة التي يفرضها قطاع التمويل الأصغر بمعدّل 40%، سنة 2022، مما أثار احتجاجات كبيرة من قبل النساء، لأنهن يُمثّلن النسبة الأكبر إذ يُبَيّن تقرير للأمم المتحدة أن حوالي 2,4 مليون امرأة سريلانكية حَصَلْنَ على قروض صغيرة، أو حوالي ثلث النساء البالغات في سريلانكا والبالغ عددهن 7,8 مليون امرأة، وفقًا لدائرة الإحصاء والتعداد سنة 2022، وأدّى التّحرّش من قِبَل المُقرضين إلى انتحار أكثر من 200 امرأة، وتفيد العديد من التّقارير ( في سريلانكا والهند وكمبدويا والمكسيك وبلدان أخرى) إن الدّائنين أجبروا المقترضين المتخلفين عن السداد على بيع أراضيهم، وأدّى هذا الإستنزاف والرّقابة المُستمرة وملاحقة المُقْتَرِضين إلى ارتفاع حالات اليَأس وحالات الإنتحار ( في الهند بشكل خاص) مما يُبَدِّدُ وَهْم "القُروض الصَّغيرة التي تقضي على الفَقْر"...
تجاوزت العوائد السّنوية المُعْلَنَة لموسّسات القُروض الصغيرة في كمبوديا والفلبين زسريلانكا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية 25% سنة 2022 وأكثر من 27% سنة 2023، رغم تراجع مستوى العيش في معظم هذه البلدان الذي استغلّته شركات التمويل الأصغر لتقديم الائتمان لنفقات المعيشة اليومية والسلع الاستهلاكية وتحسينات المنازل والقروض لسداد القروض الأخرى، بدل توفير القروض للأنشطة المدرة للدخل، وهي المُهِمّة الأصلية التي كانت السبب في نشْأة هذه المؤسسات التي تحوّلت بسرعة إلى مؤسسات مالية لا هَمَّ لها سوى تعظيم أرباحها، وعلى سبيل المثال نشأ مصرف كومبارتاموس المكسيكي، ك"مُنظَّمة غير ربحية" سنة 1990، ثم تحول إلى بنك تجاري سنة 2000، واستخدم استثمارات من البنك العالمي ومنظمة أكسيون الدولية، وهي منظمة للشمول المالي، ليُصبح شركة تُتيح التمويلات الصّغيرة فارتفع تقييمها من 350 مليون دولارا سنة 2000 إلى 1,5 مليار دولارا سنة 2007، وأصبحت كومبارتاموس أكبر مؤسسة للقروض الصّغيرة في أمريكا الجنوبية بأكثر من 2,5 مليون زبون، فضلا عن سيطرتها على 40% من سوق التمويل الصغير في المكسيك وهي واحدة من أكثر المؤسسات المالية ربحية في البلاد، حيث تجاوز العائد الذي حقّقَتْهُ على حقوق الملكية 20% بين سنتَيْ 2019 و2021 وفقًا لوثائق الشركة، وهو ما يقرب من ضعف معدّل عائدات المصارف المكسيكية...
في قارة أخرى، زادت محفظة قروض شركات التمويل الأصغر في كمبوديا بنحو 13 ضعفاً خلال عقد واحد (بين سنتَيْ 2012 و 2021) لتبلغ 8,7 مليار دولارا في بلد فقير وصغير يبلغ تعداد سكانه 17 مليون نسمة يُعاني 20% من البالغين منهم من التّداين المُفرط، وتُجْبِرُهم مؤسّسات الإقراض إلى بيع أراضيهم ومنازلهم بأفل من نصف قيمتها، لسداد أقساط القروض التي لم يتمكن المُقترضون من سدادها، وفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدّولي ( 29/04/2021)

الرأسمالية، والإيثار، وريادة الأعمال الذاتية، والأعمال الاجتماعية.
ادّعى محمد يونس، مؤسس مصرف "غرامين" "إن جميع البشر هم رواد أعمال بالسّليقة"، وهو ما حفّزه على زرع الأفكار الرأسمالية في عقول الفُقراء واستغلالهم بشكل مُبتكر، وحاز بفضل تعميم الفكر الرأسمالي على جائزة نوبل للسلام سنة2006، وادّعى إن القروض الصغيرة تتم من دون فوائد وعلى أساس الثقة فقط، وتتمثل في توفير مبالغ تكفي لشراء ماكينة خياطة أو دراجة أو آلة صغيرة لإطلاق مشروع تجاري أو صناعي أو حِرفي أو فلاحي صغير، وتم تعميم فكرة نشْر الرأسمالية وبث الوهم لدى الفُقراء، وقَدّرت مؤسسة التمويل الدولية ( التابعة لمجموعة البنك العالمي) إنها قدّمت قُروضًا بقيمة فاقت 2,5 مليار دولارا، لأكثر من تسعة ملايين امرأة فقيرة في جميع أنحاء العالم، حتى سنة 2017، ويزيد معدل استرداد القروض عن 98%... أما محمد يونس فهو ابن عائلة ثرية ويُعرّف نفسه بالليبرالي الذي يعتزم زرع الأفكار الريادية في عقول الجميع، أو ما يمكن ترجمته بمعالجة بعض مشاكل الرأسمالية، وتعميمها ليَتَوهّم الفُقَراء إن بإمكانهم أن يُصبحوا أثرياء بفضل الإقتراض، ويحظى محمد يونس بدعم العديد من المصارف الدّولية والبنك العالمي والشركات العابرة للقارات وحكومات الولايات المتحدة وحلفائها، ولذلك تمكّنت هذه القوى من التّلاعب بحركة الاحتجاج القوية التي أطلقها الطلاب سنة 2024، والتي انتهت بتخلي الشيخة حسينة عن السلطة ولجوئها إلى الهند، وتم تعيين محمد يونس "بطلب من الطّلاب المحتجين" رئيساً للوزراء، لأن الشيخة حسينة رفضت طلب الولايات المتحدة إقامة قاعدة عسكرية في بنغلادش في إطار مواجهة الصين...
يُرَوّج محمد يونس ل"رأسمالية جديدة" تُقصي الدّولة من إنتاج السّلع والخدمات ( الصحة والتعليم) وتكون المنافسةُ – حتى بين الفُقراء – قُوّتَها الدّافعة وليس "الحركات الإجتماعية التي تُعارض الخَصْخصة"، ويتمثل البرنامج الإجتماعي والإقتصادي لمحمد يونس في بيع الشركات الوطنية ( شركات وخدمات القطاع العام) إلى المواطنين وتخصيص حصة للفقراء الذي يشترون أسهمًا في هذه الشركات بأسعار منخفضة، وبما إن الفقراء لا يمتلكون مالا، يتم إقراضهم من قِبل مؤسسات الائتمان الصغير، ويسددون أقساط القُروض من الأرباح، ويمكن إدْراج هذا المخطّط ضمن باب "بَيْع الأوهام"، أما الوقائع فتُشير إلى تحقيق مصرف غرامين أرباحًا كبيرة يوزعها على مساهميه الذين يُمثّلون مصارف وشركات عابرة للقارات مثل "دانون" لمشتقات الحليب وشركات الإتصالات والإنتاج السّمعي والبصري وشركات إنتاج وتوزيع الطّاقة وغيرها...
وَعَدَ محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2006 ومؤسس مصرف غرامين، بعالم خال من الفقرمن خلال التمويل الأصغر، لأن المشكلة الرئيسية التي يواجهها الفُقراء، بحسب قوله، تتمثل في عدم قُدْرَتهم على الوصول إلى رأس المال وإلى السوق، ويتلخّص الحل لانتشالهم من براثن الفقر في إقراضهم مبالغ صغيرة حتى يتحولوا من مقترضين صغار إلى أصحاب مشاريع صغيرة قادرة على المنافسة في السوق، وهو برنامج يحظى بدعم الأمم المتحدة والبنك العالمي ووكالات التنمية في البلدان الغنية، وتوسّع نشاط الإقراض الصّغير ليشمل العديد من الخدمات المالية الأخرى، مثل المعاشات التقاعدية والتأمين، إلى بيع الزبادي والهواتف المحمولة، وأصبح يجتذب مستثمري القطاع الخاص لأنه يستبعد خيار تعزيز دور الدولة ويُلْغي الرعاية الإجتماعية ومجانية الخدمات.

كَواسر في ثوب ملائكة
ارتبط مصرف غرامين ومُؤسسه محمد يونس بعلاقات مُبَجّلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان جيمس وولفنسون رئيسًا مُشاركًا لمصرف غرامين قبل أن يُصبح رئيسًا للبنك العالمي بين سنتَيْ 1995 و 2005، ومن المعروف إن الولايات المتحدة تُعيّن رئيس البنك العالمي فيما تُعيّن أوروبا المُدير التّنفيذي لصندوق النّقد الدّولي، كما ارتبط "غرامين" بوزارة الخارجية الأميركية التي دعمت مؤسس مصرف غرامين ضد حكومة بنغلادش إثر خلافات حصلت بين الطّرَفَيْن، إذْ رفض "مصرف الفُقراء" خَفْض أو إلغاء أو تأجيل تسديد دُيُون الفلاحين والفُقراء الذين تضرّروا من إعصار سنة 2007، لفترة ستة أشهر، بل طُلب مصرف غرامين من ضحايا إعصار "سيدر" أن يدفعوا التعويضات المستحقة فور وقوع الكارثة، وكتب محمد يونس في كتابه الذي يتناول سيرته الذاتية تحت عنوان "نحو عالم بلا فقر": " ... مهما كانت الكارثة أو المحنة أو المأساة الشخصية التي تصيب المُقْتَرِضَ، فإن مبدأنا هو دائماً جعله يسدد قرضه، حتى ولو كان ذلك يعني خفض الدفع إلى سنت واحد في الأسبوع [...]. عندما يتسبب الفيضان أو المجاعة في تدمير قرية أو تدمير محاصيل أو حيوانات فإننا نمنحه على الفور قرضًا جديدًا حتى يتمكن من إعادة بدء أعماله، فنحن لا نقوم أبدًا بشطب القرض القديم، بل نُحَوِّلُهُ إلى قرض طويل الأجل […] لقد حدث أن وقع مقترضونا ضحايا لكوارث ثلاث أو أربع مرات في نفس العام. ولكن موظفي بنك غرامين لم ييأسوا، بل تدخلوا لتقديم قروض طارئة جديدة للضحايا وتمكينهم من البدء من جديد للمرة الخامسة..."
كانت شركة بيرسون مارستيلر (BM) الشهيرة للعلاقات العامة والإتصالات تقوم بدور المستشار الإعلامي لرئيس مصرف غرامين محمد يونس، وهي نفس الشركة التي كانت تقوم بدور وكالة العلاقات العامة لصناعة التبغ الأميركية (" التحالف الوطني للمدخنين ")، وللدكتاتورية العسكرية الأرجنتينية التي قتلت 35 ألف شخص بين سنتَيْ 1976 و 1983، وللنظام الإندونيسي وللجيش النيجيري وللرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وللعائلة المالكة السعودية، ولما طلب المصرف المركزي (آذار/مارس 2011) في بنغلادش إحالة محمد يونس على التقاعد الوجوبي ( وهو قانون محلي يُطبق على الجميع باستثناء أعضاء الحكومة) حصل يونس على دعم العديد من الحكومات "الغربية" باستثناء البعض مثل حكومة النّرويج التي بَثّت محطتها التلفزيونية العامة شريطا وثائقيا عن " مخالفات مالية ضخمة في بنك غرامين" بعنوان "عالقون في الديون الصغيرة"، وتتمثل المخالفات في تحويل مائة مليون دولار من المساعدات بشكل منتظم من مصرف غرامين "غير الربحي" إلى اثنتي عشرة شركة خاصة تهدف إلى الربح، والتي يسيطر عليها محمد يونس من خلال شركة " غرامين كاليان" وطالبت السلطاتُ النرويجيةُ بإعادة ثلاثين مليون دولار كانت تبرعت بها كمساعدات إلى بنغلادش بواسطة مصرف غرامين كما كشف الشريط الوثائقي إن مصرف غرامين يطبق أسعار فائدة بنسبة 30% على القروض و10% إضافية من الادخار القسري على أفقر قطاعات المجتمع، وإذا فشل الموظف المسؤول عن استرداد الأموال في القيام بذلك، يتم خصم المبلغ غير المسترد من راتبه، وأظْهر الشريط العديد نمن الأساليب المستخدمة الأخرى والعديد من الحالات الموثقة جيدًا من الإساءة وسوء المُعامَلَة، كما كشف تقرير حكومي صادر عن لجنة التّدقيق للدولة في بنغلادش بتاريخ 25 نيسان/ابريل 2011 أساليب عديدة من تهديد الفقراء بتشويه السّمعة والإبتزازخصوصا من النساء، والتلاعب بالعلاقات الاجتماعية والأسرية القائمة للسيطرة على السلوك المالي للمقترضين الأفراد من أجل خلق الثروة للمُؤسّسات الدّائنة، وخلافًا لما تدعيه المنظمات غير الحكومية المعنية بالقروض الصغيرة بأنها لا تطلب ضمانات، فإن المجموعة، المسؤولة عن كل قرض فردي يُمنح لأعضائها، تعمل كضمان للقرض، ويتم استخدام شرف المرأة لتسهيل سداد الديون، وهي ظاهرة يصفها القَرَوِيُّون باقتصاد العار، فضلا عن التهديدات اللفظية، والعنف النفسي أو الجسدي والتحرش والخطف والإذلال، واقتحام المنازل عند العجز على السداد ونهبها وبَيْع ما بداخله، أو حتى مُصادرة المسْكن والأرض بتواطؤ من أجهزة الشّرطة والقضاء المحلي، في بيئة يقِلُّ فيها ممثلو الدولة، ولذا اكتسبت هذه المنظمات سلطة موازية ولكنها حقيقية...
نشأت القُرُوض الصغيرة في الأساس لمواجهة البطالة والفقر، ولتحل محل "العمل الخيري" أو محل انسحاب الدّولة من "الفضاء العام" بفعل الخصخصة وتطبيق شروط صندوق النقد الدّولي، وكلما تراجع القطاع العام تقدّم القطاع الخاص ليمْلأ الفراغ، بمقابل مُشِطّ اقتصاديا واجتماعيا، ونشأت مؤسسات الإقراض قصير الأجل لِدَعْمِ مشاريع مُدِرّة للدّخل، وتُقدّم مؤسّسات الإقراض هذه القُرُوض بشروط سَهْلة – مقارنة بالنّظام المصرفي المُعقّد - لكنها مرتفعة الفوائد والعقوبات والتهديد بالسّجن، وتدّعي بعض مُؤسّسات الإقراض إن القروض الصّغيرة ومتناهية الصّغر بدون فائدة، وما المبالغ الإضافية سوى "مُساهمة المُقْترضين في إدارة ملفات القُروض"، لتبرير رواتب طاقم المُراقبين الذين تخصّصُوا في إرهاب وابتزاز المُقترضين ومراقبة كل صغيرة وكبيرة في حياتهم اليومية، ولذلك تُعتبر قروضاً بنسب فائدة مرتفعة جداً مقارنة بالقروض متوسّطة أو طويلة المدى، ولم ينجح المُقترضون في الخروج من دائرة الفقر بل تورّط العديد من صغار الفلاحين ونساء الأرياف والأحياء الفقيرة في المدن في فَخّ هذه الدّيُون مما أدّى إلى انتحار العديد من المُقترضين والمُقترضات في بلدان عديدة، بسبب العجز عن تسديد الأقساط الشهرية، وتدخُّل جهاز القضاء...

خاتمة:
بدأ تقنين ( شَرْعَنَة ) القُروض الصغيرة في الهند، سنة 1973، ثم أسّس المصرفي الثَّرِي محمد يونس مصرف "غرامين" في بنغلادش سنة 1983، لتمويل المشاريع الصغيرة للفُقراء بهدف انتشالهم (هن) من البطالة والفَقْر وتحويلهم (هن) من حالة المُعطّلين عن العمل إلى وضْع العاملين المُنْتِجِين المُسْتَقِلِّين ماليا، وحصل محمد يونس سنة 2006 على جائزة نوبل بفضل هذا المُخطّط الذي تم تقديمه كبرنامج ثوري يُساعد الفُقراء الذين لا يمكنهم الإقتراض من المصارف العادية لكي يُصبحوا من "رُوّاد الأعمال" ( Leaders أو Boss ) أي بَيْع الحُلْم للفقراء في بلدان ارتفعت بها معدلات البطالة والفقر، كما الحال في المغرب وتونس ومصر والأردن وبنغلادش والهند وغيرها، غير إن الدّعاية الرّسمية تحجب حقيقة أسعار الفائدة ( بعنوان المُتابعة والمراقبة المالية والمُساعدة على تسويق الإنتاج ورُسُوم معاملات...) التي قد تصل إلى 50% وبعد عُقُود من التّجارب في بلدان عديدة، خصوصًا في قارَّتَيْ آسيا وإفريقيا، تبَيَّنَ أن النتائج عكسية، فبدلا من "الخروج من دائرة الفقر"، أدّت القروض الصغيرة - التي تستهدف النساء بالأساس – إلى الغرق في وَحل دوامة القروض المستمرة وكرّست هذه القُرُوض الفقْرَ بدل مكافحته، لأن معدّل نسبة الفائدة التي تطبّقها مؤسسات القروض الصغرى اعتباطي، لا يخضع سوى لتقديرات المُؤسّات المُقْرِضَة، ويتجاوز معدّل المردودية المالية الذي تحققها المصارف التجارية وصناديق المُضاربة في العالم، مما يُعتَبَرُ استغلالاً فاحشًا لجهود الفُقراء الذين يضطرون إلى البحث عن قُروض جديدة لتسديد أقساط القروض القديمة، أي مُضاعفة نسبة فوائد الدّيون مما يُؤدّي إلى إغراق الفُقراء في وَحَل الدّيون...
اختصّت مؤسسات القُروض الصغيرة بترويج الأوهام حول "انتشال الفُقراء " من الخصاصة والبُؤس، وتنشر "قصص نجاح" بعض زبائنها، غير إنه ثَبَتَ إن هذه القُرُوض لم تكن تهدف "الحَدّ من الفقر" وإنما الإستفادة من الفقر وتحقيق أرباح أعلى بكثير من المصارف التجارية ومن المُضاربة العقارية، ولذلك أنشأت المصارف التقليدية في المغرب وتونس ومصر والأردن مؤسسات متخصصة في تمويل المشاريع الصغيرة بواسطة قروض قصيرة الأجل بنسب فائدة مرتفعة جدًّا، بدعم من الحكومات والبنك العالمي الذي اعتبرها "أداةً ناجعة لتحقيق الإندماج الإقتصادي والإجتماعي للفُقراء من أصحاب المشاريع الصغيرة"، وتبرير نسب الفائدة المرتفعة بمُتطلّبات عملية التدقيق والمعاينة والمُتابعَة والدّعم والمُرافقة طيلة فترة القرض"، وتتميز العلاقات بين الدّائن والمَدِين بعدم التّكافؤ لأن الأوّل يفرض شروطه على الثاني، وعمومًا لم يتمكّن الفُقراء الذين لجأُوا إلى القُرُوض الصّغيرة من تلبية احتياجاتهم الأساسية، ولا يُتَوقّع أن يخرجوا أبداً من براثن الفقر لأنهم مضطرون إلى دفع أسعار فائدة تتراوح بين 30% و50%، وقد تَصِلُ أحياناً إلى 100%، فيما حقّق الدّائنون أرباحًا لا يستطيع تحقيقها أي قطاع آخر.
يفرض قطاع "التمويل الأصغر" قُيُودًا عديدة وأسعار فائدة مرتفعة للغاية، مما جعل أكثر من 16 مليون أُسْرة هندية غير قادرة على سداد قُروضها المُقدّرة بحوالي مليارَيْ دولارا مما أدّى إلى انتحار أكثر من 200 ألف مُزارع في الهند خلال عِقْد واحد ç حتى شهر نيسان/ابريل 2018 - كان جميعهم يُعاني من ارتفاع الدّيون وفوائدها المُرتفعة وفق صحيفة غارديان البريطانية، وفي بنغلادش يجسد "مصرف غرامين" الفكر النيوليبرالي في مجال التنمية ريادة، فهو يُمَجّد المُنافَسَة والأعمال الفردية في ظل علاقة قوة وعدم مساواة بين مؤسسة الإقراض والمَدِين
يتمثّل الهدف الأول غير المُعْلَن في نشْر العقيدة الرأسمالية، أي "الإستثمار" ووهم الثّراء بدل العمل المأجور أو العمل الفلاحي المنتج، ويتمثل الهدف الثاني في إدماج الفُقراء في النظام المصرفي وتجميع أموالهم – وهي قليلة لكن عدد الفُقراء مرتفع – في المصارف وتُمثل القُرُوض فُرصة لإجبارهم على التعامل مع المُؤسسات المصْرِفِية.
ما البديل؟
استبدال العلاقة العمودية – بين الدّائن والمدين – بعلاقة أُفُقية بين مجموعة من المواطنين العاملين في نفس القطاع والذين يتّحِدُون طَوْعًا للعمل معًا ويتخذون القرارات بشكل جماعي، بعد التّشاور، ويحصلون على المال أو الآلات والتجهيزات أو البُذُور أو المواشي من مُؤسّسة عُمومية غير ربحية ومن نقابات ومنظمات المجتمع المدني التي تدعمهم ماليا وتقنيا بهدف إنجاح المشاريع واسترداد الأموال ليستفيد منها آخرون، بدون فائدة، أو بفائدة رمزية تُغطّي النّفقات الضّرورية...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانوراما الإنتخابات في ألمانيا
- فلسطين - تواطؤ أمريكي مُباشر
- متابعات – العدد الثّاني عشر بعد المائة بتاريخ الثّاني والعشر ...
- فخ الدُّيُون الخارجية- نموذج سريلانكا في ظلِّ سُلْطة -اليسار ...
- الإستعمار الإستيطاني، من الجزائر إلى فلسطين
- متابعات – العدد الحادي عشر بعد المائة بتاريخ الخامس عشر من ش ...
- عيّنات من المخطّطات الأمريكية في الوطن العربي
- عرض كتاب -دعوني أتحدث!-
- الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية وشؤكاؤها ( USAID & Co )
- متابعات – العدد العاشر بعد المائة بتاريخ الثامن من شباط/فبرا ...
- تونس - في ذكرى اغتيال شُكْرِي بلْعِيد
- عَرْض كتاب بعنوان -فرنسا أرض الهجرة-
- الولايات المتحدة في مواجهة العالم
- إفريقيا بين الثروات الطّبيعية والدُّيُون والفَقْر
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التّاسع بعد المائة، بتاريخ الأ ...
- سباق الذّكاء الإصطناعي ضمن الحرب التكنولوجية
- تواطؤ عمالقة التكنولوجيا في جرائم الحرب
- الولايات المتحدة: هيمنة الطابع العسكري على العمل الدّبلوماسي
- هوامش منتدى دافوس
- من أجل تحالف حركة مُقاطعة الكيان الصهيوني مع حركات النضال ضد ...


المزيد.....




- 60 قتيلًا في فيضانات مدمّرة شمال الصين.. ودار للمسنين تتحول ...
- استقالة رئيس وزراء ليتوانيا في إطار تحقيق بشأن مخالفات مالية ...
- ملف حصر السلاح يضع حزب الله والدولة اللبنانية على مفترق طرق ...
- السجن مدى الحياة لسويدي لدوره بقتل طيار أردني
- روبيو: الاعتراف بدولة فلسطينية يقوض المفاوضات ويزيد تعنت حما ...
- كاتب تركي: ما أهمية ميثاق التعاون الدفاعي بين تركيا وسوريا؟ ...
- العلاقات الروسية السورية.. اتفاقيات للمراجعة وملفات للمستقبل ...
- استهدفتها بأسلحة جديدة في مواقع مختلفة.. ما رسائل موسكو لكيي ...
- 15 قتيلا في هجوم روسي على كييف وزيلينسكي يدعو إلى -تغيير الن ...
- شاهد.. لحظة انقسام لعبة -البندول- في مدينة ملاهي بالسعودية إ ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - تبديد أوهام القروض الصغيرة للفُقراء