خزامي مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 07:53
المحور:
الادب والفن
"تحيا الكفاح وينبغي تسقط كتائب الجنجويد"
الشعوب تمتلك قدرة فريدة على ابتداع المسميات، مستمدة ذلك من أدواتها اللغوية ومخيلتها الجمعية. هذه المسميات ليست مجرد كلمات، بل تعكس تطلعات الشعوب وأحلامها وآلامها، وتُعبر عن صراعاتهم عبر التاريخ.
الشعوب الأفريقية، على وجه الخصوص، تتمتع بمخزون ثقافي عظيم في مجال الحكايات والأساطير، حيث تشكل هذه الروايات مصدرًا للرموز والدلالات، تمامًا كما أوضح أمادو همباطي با. الحكايات هنا ليست وسيلة للترفيه فقط، بل تستخدم للتنبؤ بالخير والشر، ولتفسير الظواهر الطبيعية.
الشعوب السودانية ليست استثناءً، فقد أثرت مخيلتهم الثقافية بأساطير خالدة مثل "السرة بت البلال" و"فاطمة السمحة"، إلى جانب تسميات مبتكرة تعبّر عن بيئتهم وتجاربهم، مثل "أمشول" للبرد الشديد، و"الكورة" للزواج الجماعي، و"سكت تم" كإشارة للصمت المطلق عند البجة. حتى ظاهرة "التراكم البدائي" في الاقتصاد نحتوا لها اسمًا خاصًا: "الشفشفة".
عندما اجتاحت دارفور جيوش على ظهور الخيول والجمال والسيارات، مدججة بأسلحة قاتلة، مستهدفة البشر والأرض، أبدع الضحايا تسمية تعكس عمق المعاناة: "الجنجويد". هذا المصطلح، الذي خرج من ألسنة الضحايا، لم يُولد في مختبرات أكاديمية أو عبر دراسات متأنية، بل من رحم المعاناة والمخيلة الشعبية. لذا، يمكن دراسته وتحليله، لكن لا يمكن إدانته.
مؤخرًا، برزت نقاشات حول عنصرية المصطلح واتهامه بالإشارة إلى مجموعات إثنية بعينها. هذه النقاشات، رغم جدّيتها، تنسى أصل المصطلح ودلالاته الحقيقية. "الجنجويد" ليس إشارة إلى عرق أو إثنية، بل تسمية للقوة المدمرة التي اجتاحت القرى وقتلت الأبرياء.
المصطلحات التي تبتدعها الشعوب تعكس تجاربها، وهي ملك للذاكرة الجماعية. محاولة إدخالها في قوالب أكاديمية صارمة أشبه بمحاولة ترقيد ناقة على سرير نوم.
ما يجب فهمه هو أن "الجنجويد" تعبير عن معاناة الضحايا، ولا يمثل مجموعة إثنية بعينها. الجنجويد كقوة عسكرية ظاهرة متعددة الأوجه، وعلى من يعتقد غير ذلك أن يراجع أفكاره وأوهامه.
#خزامي_مبارك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟