أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - الإنسان والدين















المزيد.....

الإنسان والدين


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 13:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عن جد، يا أمة ضحكت وتضحك من هبلها الأمم. أمة تتشبث بأسنانها وأظافرها بكل ما يحرس تخلفها، ويسبب اقتتالها وانتحارها الذاتي. وفوق ذلك، تناشد العالم أن ينقذها من نفسها ويهب لنجدتها من أهوال هي بعينها المتسبب بها.
أتحدى أن تكون السماء قد أجرت اتصالًا بالحمام الزاجل، أو بالهاتف الأرضي، أو بالفاكس والحاسوب، أو عبر الهاتف النقال، خلال الألف ومئتي سنة الفارطة على الأقل بأيٍّ كان من "السنَّة" أو "الشيعة"، وأبلغته أنه الممثل الشرعي والوحيد للدين الصحيح وكل من عداه في ضلال مبين، مصيرهم سقر وما أدراك ما سقر. وأتحدى أن تكون السماء قد همست بإذن أي انسان على وجه الأرض، خلال السنوات الأربعين ألف الأخيرة، وأوعزت إليه بأن يبني مسجدًا أو كنيسة أو كنيسًا أو دار عبادة، ويسميها بيت الله. وأتحدى أن تكون السماء قد فوَّضت أيَّ بني آدم ذات يوم بأن يكون الناطق الحصري باسمها، ومن حقه دون سواه احتكار تفسير نصوص الدين وتوزيع صكوك الغفران. هذه كلها، كما أكد ويؤكد العلم الحديث، أوهام وتخييلات اخترعها الإنسان لأسباب كثيرة أحاطت به منذ انفصاله عن المملكة الحيوانية، توارثها عبر العصور. ومع تطوره في كل عصر، أهمل بعضها وزاد على البعض الآخر، وعدَّل وبدَّل وأضاف، وألبسها لبوس المقدس.
يعلمنا الأستاذ التاريخ، وتجارب الأمم المتقدمة، أن تعامل الإنسان مع الدين لا يحتمل سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن يسيطر الإنسان على الدين، أو العكس، أي أن يسيطر الدين على الإنسان. الخيار الأول، وهو الصحيح ولا بد منه وإن طال السفر كشرط رئيس لسلامة العقل والتقدم، يعني باختصار الفهم العلمي العقلاني للدين في سياقاته التاريخية. أما الخيار الثاني، فيعني استلاب الإنسان لصالح المرحلة التاريخية التي ظهر فيها الدين، واعتقال عقله هناك. هنا الكارثة، خاصة وأن نصوص الدين بطبيعي أمرها "حمَّالة أوجه"، ويستحيل أن يتفق أتباع الدين الواحد ناهيك بغير أتباعه على تفسير واحد موحد لها. وقد تحدثنا بذلك بالتفصيل في مؤلفاتنا ومنشوراتنا. وهذا هو السبب الرئيس لتعدد الفِرَق والمذاهب والجماعات داخل الدين الواحد، وكل منها يعتقد (اقرأ يتوهم) أنه الممثل الوحيد للدين الحق.
الأمم التي سيطر الدين على وعيها الجمعي، ذات مراحل غَبَرَت، دفعت أثمانًا غالية حتى توصلت إلى خيار سيطرة الإنسان على الدين بالمفهوم الذي ذكرنا. المثال الأفقع، هو أوروبا المسيحية خلال القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر. فقد تسبب طغيان الكنيسة الكاثوليكية وتجبرها بنشوء البروتستانت(المحتجون). ونشبت حروب دامية بين هؤلاء وأبناء الدين ذاته، الكاثوليك، حيث أُزهقت على مذبحها أرواح الملايين، وكادت تفني شعوبًا بأكملها. فقد راح ضحيتها 40% من العِرق الألماني، ومثلهم أو أقل بقليل من الأعراق الأوروبية المختلفة. وبعد ما حل بأوروبا من أهوال ومصائب نتيجة سيطرة الدين على الإنسان، استيقظ الأوروبيون وكانت أعظم ثمار يقظتهم سيطرة الإنسان على الدين. وعليه، وضعوا الدين في مكانه الطبيعي الصحيح كشأن معتقدي تعبدي خاص مكانه دور العبادة فقط، وأخرجوه من ملعب السياسة وشؤون الاجتماع الإنساني نهائيًّا. ومن هنا، بدأت أوروبا خطواتها الأولى على طريق بناء مجتمعات عالمانية ديمقراطية مستقرة، وأخذت تتألق في فضاءات العلم والإبداع والإكتشاف. هذا هو طريق التقدم الذي لا يقتصر على أوروبا فحسب، بل على الدول المتقدمة كلها، ومن ضمنها دول ذات أغلبية مسلمة، مثل ماليزيا.
أما نحن العرب فما نزال في العشرية الثالثة من القرن الحادي والعشرين نتدعثر بأسباب تخلفنا ونتعرقل بكل ما يجعلنا أضحوكة بين الأمم. ومن التجليات المخجلة لذلك بمعايير العصر، أن يتمنى "بعضنا" الهزيمة والدمار "للبعض الآخر" ولو على يد العدو التاريخي للأمة. والسبب الذي لا سبب سواه، مذهبي ديني. وإذا شئنا تسمية الأشياء بأسمائها، فالسبب انقسامنا على خلفية ثنائية سنة-شيعة المتوارثة من أحداث عمرها أزيد من 15 قرنًا. كل من يسعى في إضعاف العرب من القوى الإقليمية والدولية، يستثمر في الدين، لعلم الجميع اليقيني أنه المدخل الأيسر والأسهل والأسلس للسيطرة على العرب والتلاعب بهم. والأمثلة فاقعة الوضوح في أيامنا هذه، ولا أظنها بحاجة إلى تبيين أو بيان.

ولقد اعتدنا أن نلقي بأسباب ما نواجه من تحديات وما نشقى به من أهوال على شماعات الآخرين، ولم نجرؤ حتى اللحظة على التأسي بقول شاعرنا: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا.
بصراحة أكثر، لن نتقدم بالإستبداد وأنماط التفكير القروسطية البائسة وبتسييس الدين وتديين السياسة. نحن أكثر أمة على وجه الأرض توظيفًا للمقدس(الدين) في خدمة أهداف المدنَّس(السياسة). الأنظمة توظفه لتثبيت عروشها وكراسي حكمها، وتنظيمات الإسلام السياسي تستخدمه لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية مصلحية. والمواطن تائه تحركه العواطف، ومهجوس بتأمين قوت يومه في واقع الفقر والبطالة والتجهيل.
نتساءل والحالة هذه، هل تخلفنا جاء بمن نقول أنهم سبب كل ما نشقى به أم العكس؟! مقصود القول، تخيلوا لو أن الدول العربية تأخذ بأسباب القوة والنهوض بمعايير العصر، هل حالها مزرٍ وواقعها لا يسر الصديق كما هي عليه اليوم؟! الإجابة بلا تردد، لا النافية. تخيلوا لو أن العرب يأخذون بالديمقراطية الحقيقية، وأهم مكوناتها التبادل السلمي للسلطة السياسية. وتخيلوا لو أن وعينا الجمعي ارتقى إلى مستوى أن نعطي لله ما لله ولقيصر ما لقيصر. وماذا لو أننا بلغنا في العلم مكانة تؤهلنا لبناء قواعد صناعية تكنولوجية حديثة؟
لو يتحقق هذا بنسبة 51%، أنا واثق أن وضعنا مختلف تمامًا اليوم.
مقول القول، الاستبداد بنوعيه السياسي والديني مصدر كل ما نشقى به من ضعف وتخلف وهوان واختلاف على كل شيء.
والاستبداد ثقافة، كما الديمقراطية، ولكن في اتجاهين متعاكسين. ثقافتنا تنتج الاستبداد بنوعيه المذكورين وتتشبث به وتكرسه. هنا، هنا بالذات، مصدر الداء. ومن هنا يبدأ مسار البحث عن الدواء.
لا بد من زلزال ثقافي تنويري عصري في دواخل الرؤوس، وإلا فالمؤشرات غير مطمئنة في الحاضر ولا في المستقبل.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة المزرعة!
- من الذي سقط في سوريا؟!
- على بلاطة
- ليلة الهروب الكبير من دمشق !
- ألا نخجل ؟!
- من سفالات فقهاء السلاطين!
- أسئلة وتساؤلات أكثر من مشروعة
- سوريا المختلفة في يومها الأول...جردة حساب
- نراهن على عراقة الشعب السوري وانتمائه لعروبته
- لماذا يحن بعضنا لزمن الخلافة العثمانية البائس؟!
- هل كان المسلمون الأوائل يقدمون الدين على السياسة؟!
- مرجعيات الإبادة العرقية في السرديتين الغربية والتوراتية الصه ...
- من وحي كابوس يحدث على الأرض !
- في ضوء ما يجري في حلب وادلب
- هل من أساس لشرعية دينية للحاكم في الإسلام؟!
- ما أصعب الحياة من دون نصفنا الآخر !
- متى يتخطى الإعلام الأردني أسلوب الفزعة؟! حادث الرابية مثالًا
- الكيان يعربد ويقتل لكن هزيمته ممكنة
- هكذا هم الأقوياء يا بني قومي !
- وهمُ الدين الصحيح !!!


المزيد.....




- العراق.. السوداني يدعو الدول العربية والإسلامية للتعاون في ...
- هل تعتقد أن اغتيال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فكرة جيدة ...
- 1400 عام من الصمود.. ما الذي يجعل أمة الإسلام خالدة؟
- وزراء خارجية 20 دولة عربية وإسلامية يدينون الهجمات الإسرائيل ...
- هكذا يتدرج الاحتلال في السيطرة على المسجد الإبراهيمي بالخليل ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة نايل سات وعرب سات 2025 .. ث ...
- نتنياهو: لا أستبعد اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ...
- الخليل.. إسرائيل تخنق البلدة القديمة وتغلق المسجد الإبراهيمي ...
- الاحتلال يهدم غرفة زراعية ويواصل إغلاق مداخل سلفيت ومستعمروه ...
- المفتي قبلان: عدم التضامن مع إيران يعني خسارة العرب والدول ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - الإنسان والدين