الحزب الشيوعي الاردني
الحوار المتمدن-العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 22:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(بيان من الحزب الشيوعي الأردني)
الزلزال العسكري ـ السياسي الذي ضرب سورية يوم الثامن من كانون الأول الجاري يهدّد بتغيير وجه هذا القطر العربي الشقيق ونقله من خندق الصدام والمواجهة مع المخططات والأطماع الامبريالية الصهيونية إلى الخندق النقيض، خندق الخضوع للهيمنة الأجنبية والتصالح مع الكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه.
إن غياب الدور الهام الذي كانت تضطلع به سورية في الصراع العربي ـ الصهيوني، والدعم الذي كانت تقدمه لفصائل المقاومة العربية، وخصوصا الفلسطينية واللبنانية، والعمق الاستراتيجي الذي كانت توفره لها، يرفع من منسوب المخاطر التي تواجه هذه الفصائل بعد أربعة عشر شهرا من حرب إبادة وتصفية شاملة غير مسبوقة في دمويتها ووحشيتها، ويُحدث تبدلا محفوفا بأوخم العواقب في موازين القوى لصالح معسكر أعداء شعوبنا العربية وحركة تحررها الوطني والقومي.
النتيجة التي آل اليها الصراع على سورية منذ عام 2011 في اطار ما سُمي بـ "الربيع العربي" ليست مفاجأة في ضوء انخراط حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في التآمر على سورية، الذي وظف قدرات تسليحية وتمويلية هائلة، واستعان بماكنة إعلامية ضخمة واصلت ضخ الافتراءات والاكاذيب ضد النظام في سورية، وجنّد وسلَح وموَل جماعات ومنظمات إرهابية متطرفة لاسقاط الدولة السورية وتقويض سيادتها، وتهديد وحدة أراضيها. واستخدمت الولايات المتحدة سلاح العقوبات الاقتصادية تحت مسمّى "قانون قيصر" لخنق سورية وعرقلة عودة اللاجئين والمهجّرين وإشاعة الفقر وإظهار عجز الدولة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ولحرمان الشعب السوري من فرص إعادة الإعمار وتوفيرالعملات الصعبة التي تعزز القدرة الشرائية لليرة السورية.
عَجِز النظام عن التكيف مع هذه العقوبات الجائرة، وجرى تحميله جميع التبعات، مما أدى الى تزعزع ثقة الشعب السوري في قدرة نظامه السياسي على وقف التدهور المضطرد في مستويات المعيشة والأمن وتفشي أشكال متنوعة من الفساد والتمييز بين المواطنين وانعدام النزاهة، الأمر الذي أضعف قدرة النظام على احتواء الأزمة والتحكم في مساراتها.
إنّ هذه المنظمات المسلّحة المصنفة إرهابية من الأمم المتحدة والعديد من دول العالم، بما فيها أمريكا، لا تُنزع عنها هذه الصفة لمجرد أنها نجحت في الاستحواذ على السلطة بتخطيط ودعم خارجي. كما لا يمكن مطلقاً الوثوق في الخطاب المعتدل الذي اعتمده الجولاني، قائد أبرز فصائلها، بعد وصوله الى دمشق. فهذا الاعتدال يأتي من باب التقية الذي تلجأ اليه الجماعات والمنظمات الاسلاموية لاخفاء حقيقة أهدافها بأنتظار ظروف مواتية للإعلان عنها وتعتبره ركنا من أركان نشاطها "الجهادي"، ووسيلة من وسائل التمكين والسيطرة.
ما يعلنه الجولاني وسواه من قادة "هيئة تحرير الشام" وملحقاتها لا يمحو من الذاكرة الجمعية المجازر الدموية البشعة التي ارتكبتها بحق المدنيين السوريين على خلفية طائفية ومذهبية واثنية، ولا التصفيات الجسدية بأبشع الطرق بحق أسرى الجيش السوري، وإلقاء جثثهم في نهر بردى. ولو كان الجولاني صادقا وجريئا، لأقدم في اليوم الأول لتسلمه زمام الأمور في دمشق على تقديم الاعتذار للشعب السوري على ما اقترفته الجماعات الإرهابية المتطرفة بحق الشعب السوري، ومقدّراته الاقتصادية والعسكرية.
كما تساوق الجولاني مع موقف دول معسكر العداء لسورية ونظامها السياسي السابق، وخاصة تركيا، ومع الموقف الرسمي العربي والإسلامي الذي لم يبد أيّ حرص حقيقي على الدولة السورية وسيادتها ووحدة أراضيها. وقد التزمت جميع أطراف هذا الطيف الصمت المطبق وأبدت عدم اكتراث لاستباحة قوات الاحتلال الصهيوني للمناطق الجنوبية من سورية وصولا الى أطراف العاصمة دمشق، وعربدة طيرانه الحربي في الأجواء السورية، وقيامه خلال أربعة أيام بتدمير أكثر من 500 موقع عسكري، مما أدى الى تدمير 90 بالمائة من القدرات العسكرية السورية، وأحالها عمليا إلى دولة منزوعة السلاح. ولاتخذت موقفا واضحا من هذا العدوان السافر والخرق الفاضح لاتفاقية فض الاشتباك.
ويستغل الكيان الصهيوني إلى اقصى مدى حالة الفراغ الناشئة في سورية، ويسابق الزمن لتحقيق أطماع قديمة بالتغلغل في الجنوب السوري لمسافة 30 كيلومترا، وفرض هذا الاحتلال كأمر واقع يصعب تخطيه، دون أن يتخلى في الوقت نفسه عن هدف أخر وهو استغلال حالة الارتباك التي تعيشها المنطقة بعد سلسلة الضربات الموجعة التي تلقتها المقاومة في لبنان قبل أشهر وسورية اليوم لتوجيه ضربة عسكرية يتوق اليها لإيران، ومواصلة اعتداءاته المدانة ضد "أنصار الله" في اليمن والمقاومة العراقية. وحينئذ يصبح المجال مفتوحا أمام الكيان الصهيوني ليتفرغ مع ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية. وكمؤشر خطير على التحول السريع في الموقف من حركة المقاومة الفلسطينية، قامت "هيئة تحرير الشام" ـ بحسب وسائل اعلام سورية ـ بإبلاغ فصائل المقاومة الفلسطينية المقيمة في سورية بالقاء السلاح، واغلاق المعسكرات التدريبية، وإلغاء اجنحتها العسكرية في سورية.
لا يمكن تصور قيام دولة سورية مدنية ديمقراطية تكفل حقوق جميع مواطنيها دون تمييز من أي نوع، تصون وحدة البلاد، وتسهر على استقلاها، في ظل نظام أقامته منظمات وجماعات دينية متطرفة تتأسس أفكارها وأنماط سلوكها على مخلفات العصر الوسيط، تابعة بالمطلق للدول الامبريالية، والكيان الصهيوني، ولتركيا صاحبة الاطماع التوسعية في سورية ومهندسة الغزو و"التحرير" المزعوم، التي وفرت الدعم لهذه الجماعات، ومكنتها في خاتمة المطاف من الاستيلاء على السلطة ليس بهدف استبدال نظام استبدادي بنظام ديمقراطي، بل لأن هذه القوى برهنت على ولائها لمصالح الدول الخارجية، وأكدت على استعدادها لتنفيذ كل ما يطلب منها لتحقيق هذه المصالح.
لقد خبرنا الديمقراطية التي جاءت بها القوات الأمريكية والأطلسية للعراق وأفغانستان ولعشرات البلدان التي اكتوت بسياط الاحتلال وأشكال التدخل الأمريكي المتعددة في شؤونها الداخلية. وها نحن في مواجهة نمط آخر من "الديمقراطية الإسرائيلية" فاشية الطابع التي تجسدها بسادية منفلتة آلة الحرب الدموية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
إن بلدنا الأردن ليس في منأى عن تداعيات هذه التبدلات العاصفة والصاعقة في سورية. وعلينا أن نتهيأ منذ الان لمواجهة تنامي العدوانية الصهيونية، ولاحتمالات تمدد التوسع الصهيوني، وفرض التهجير على مواطني الضفة الغربية باتجاه الأردن. كما نحذر من اصطفافات جديدة في المنطقة لقوى الإسلام السياسي تحت قيادة أردوغان تتخذ من دمشق قاعدة لها.
إنّ منطقتنا، مع انتقال سورية من موقع إلى أخر مختلف تماما، تواجه مخاطر غير مسبوقة، وما بدا عصيا في السابق على الدوائر الإمبريالية والصهيونية والرجعية تحقيقه بات قابلا للتحقق. وهذا التبدل يفرض على حركة التحرر الوطني العربية إعادة بناء نفسها وأن تسارع أحزابها وقواها للتشاور والتباحث فيما جرى ورسم معالم خطة لمواجهة الظروف المستجدة، بالاعتماد على طاقات المقاومة بأشكالها كافة لدى شعوبنا العربية واستعدادها الفطري للمواجهة وإفشال مخططات الأعداء من إمبرياليين وصهاينة ورجعيين.
إنّ الشعب السوري الشقيق لن يستسلم لمشيئة الصهاينة، وسيتصدى بجميع الوسائل المتاحة للغزاة وسيرفض تحويل بلاده الى منصة انطلاق لارتكاب أفعال العدوان بحق اشقائه، وستهتدي الأحزاب والقوى المدنية والعلمانية والديمقراطية لسبل تحقيق وحدتها وشن النضال من أجل الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية السورية التي تكفل الحريات الديمقراطية العامة والفردية، وتلتزم بتحقيق المساواة التامة بين مكونات الشعب السوري في الحقوق والواجبات دون تمييز من أي نوع.
في هذه المعركة لن يكون الشعب السوري لوحده، وستظل سورية عصية على الغزاة والعصابات الإرهابية. ولن يُسمح بالاستفراد بشعبها، وستكون إلى جانبه شعوبنا العربية، وجميع المتضررين من تغييب الدور الوطني لسورية في الصراع المحتدم مع الكيان الصهيوني وشركائه في حروب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها والتي لن تتوقف إلا بحدوث تبدل جوهري في موازين القوى على الصعيد العالمي لصالح الشعوب وقوى التقدم الاجتماعي والديمقراطية والاشتراكية.
عمان في 14/12/2024
#الحزب_الشيوعي_الاردني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟